“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعود اتفاق الطائف الى دائرة الضوء بعد مرور 33 عاما على اقراره في مدينة الطائف برعاية مباشرة من المملكة العربية السعودية والملك فهد بن عبد العزيز وبموافقة سوريا حافظ الاسد، والدول العربية. يعود الاتفاق الى الضوء في مرحلة الانهيار الأكبر الذي يعيشه لبنان منذ العام 2019، وسط نزاع السلطات الثلاثة التي تنازع عليها اللبنانيون بطوائفهم منذ الاستقلال، ما أدى الى الحرب الاهلية التي انهاها اتفاق الوفاق الوطني.
وبينما ينشغل أركان الدولة اللبنانية بإدارة الفراغ الرئاسي وربمّا الحكومي بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 31 تشرين الاول الجاري، أي منتصف ليل الاثنين القادم، كان سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري يدعو الى احياء الذكرى الـ33 لابرام وثيقة الوفاق الوطني اللبناني يوم السبت القادم في 5 تشرين الثاني في قصر الاونيسكو، ما يتزامن تقريبا مع مؤتمر النقاش والحوار الذي كان مزمعا عقده في جنيف في سويسرا في 8 و 9 تشرين الثاني المقبل، والذي الغي بعد الغاء عشاء السفارة السويسرية لفاعليات لبنانية من الصف الثاني، كانت ستلتقي للحوار حول اصلاحات عتيدة، تنفي الجهات المنظمة أنها تتعلق ببنية النظام، في حين تؤكد أوساط سياسية مواكبة أنها كانت ستطرح حوارات حول الطائف وبعض التعديلات الدستورية.
وكان هذا الايقاف للمبادرة السويسرية التي كانت معلومة من فرنسا بريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي قاطبة، والولايات المتحدة الاميركية بفعل استنفار غير مسبوق للسفير البخاري، ولسفارة السعودية في لبنان، وتراجع جهات حزبية عن المشاركة فيها مثل حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي، ونواب ما يسمى “التغيير” بفعل عدم وجود ممثل معترف به للسنة من قبل دار الفتوى.
بكل الأحوال، استبدل السفير البخاري حوار جنيف باحتفالية الاونيسكو، في حين دعا الرئيس نبيه بري في فترة متزامنة ايضا الى حوار محلي بين الكتل البرلمانية التي يمثلها رؤساؤها وذلك في فترة زمنية تتزامن ايضا مع مؤتمر جنيف المرحّل الى اجل غير مسمّى.
المثالثة فكرة فرنسية
ويبدو أن “حوار برّي” سيكون له دور اساسي في الاتفاق على رئيس مقبل للجمهورية اللبنانية، ووضع حدّ لأي فراغ طويل الامد، وهو يحظى بموافقة ومباركة “حزب الله” وايضا بموافقة معظم الكتل البرلمانية. صحيح أن حزب الله كان مؤيدا لحوار جنيف برعاية الخارجية السويسرية وكان سيمثله النائب علي فياض، وكان هذا الحوار سيكون منطلقا لحوار داخلي لبناني ونقاش عميق حول ازمة الحكم في لبنان وسبل تحسين النظام السياسي وكانت القوى المحلية برمتها تعرف تفاصيله وكذلك القوى الدولية، لكن تسريب موعد العشاء في السفارة السويسرية قضى على الفكرة. وبحسب اوساط وثيقة الصلة بـ “حزب الله” فإن ” السعودية انزعجت من فكرة حوار يستضيف اطرافا سنية ستجالس “حزب الله” في جنيف، ولا يكون برعاية سعودية، ما أدى الى اجهاض المبادرة السويسرية الحوارية والتي كانت على مستوى صفّ ثان، وبالتالي لا قدرة لأي من المدعوين على اتخاذ قرار، كما لم تكن لتصدر عن هذا النقاش اية توصيات ملزمة وخصوصا وأن أي تعديلات في الدستور هي بحاجة الى تصويت في المجلس النيابي”. وتعترف الاوساط الوثيقة الصلة بحزب الله بأن:” بنودا عدة لم تطبق في الطائف، وهو يحتوي ثغرا في تطبيقه منذ العام 1992، فضلا عن حاجة الى تطوير بعض الامور” لكن، تخلص الاوساط الى القول:” خاف السعوديون أن يكون النقاش في سويسرا حول المثالثة وقيام مؤتمر تأسيسي، والمثالثة ليست فكرة “حزب الله” بل هي فكرة فرنسية، والفرنسيون يعلمون بها هم وجميع اصدقائهم في الاتحاد الاوروبي”. وتختم الاوساط المذكورة:” كان مؤتمر جنيف حواريا، فالناس تحكي مع بعضها البعض، ولم يكن سيخرج بتوصيات ملزمة، لذا لم يكن من داع ابدا لتكبير الموضوع والغاء العشاء والصراخ: “لا لثارات الطائف” فلا احد يريد تغيير الطائف لأنه دستور لبنان”.
استبدال حوار جنيف بـ”حوار برّي”
هكذا سيرتضي حزب الله وبقية الاحزاب اللبنانية في المشاركة في حوار “بلدي” دعا اليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والذي من المتوقع أن يحدد تاريخه في الايام العشرة الاولى من تشرين الثاني المقبل. يقول المصدر الوثيق الصلة بحزب الله لموقع “مصدر دبلوماسي”:” نحن موافقون على دعوة الحوار التي اطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لأنه في النهاية هنالك استعصاء دستوري وثمة حاجة قصوى لاحترام المواعيد الدستورية وتشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
على الصعيد الحكومة يعمل “حزب الله” ليل نهار اذا صح التعبير لتشكيل الحكومة، ولو في الدقائق الاخيرة من عهد الرئيس ميشال عون، أي في منتصف ليل الاثنين.
أما في الملف الرئاسي، فيريد “حزب الله” ألا يطول الفراغ الرئاسي، ” والحوار الذي سيدعو اليه الرئيس بري سيسهم في تقريب وجهات النظر بين الاطراف”.
ويقول المصدر:” لا يجب أن يطول الفراغ الرئاسي، الوضع الاقتصادي مهتز ويجب معالجته، إن بلدا فيه حكومة ورئيس تكثر ازماته فكيف بلا حكوم ولا رئيس؟”.
رئيس يتفق عليه الحزب مع بقية الكتل…والعقل والقلب مع فرنجية
ليس “حزب الله” مع رئيس توافقي أو رئيس تسوية. هو دقيق بتعابيره: “حزب الله مع رئيس يتفق عليه مع بقية الكتل وليس رئيس تسوية أو توافق”. ويقول المصدر الوثيق الصلة بحزب الله:” لا يقبل حزب الله برئيس معاد للمقاومة، او مخلّ بالتوازنات السياسية، يريد الحزب رئيسا يفهم تركيبة البلد، ووجود عدو على الحدود هو اسرائيل قد يقوم بعدوان على لبنان في اية لحظة، وان يعي التغيرات في المنطقة والاقليم”.
-هذا يعني أنه صار رئيس محور ممانعة؟
يجيب المصدر:” لا يخفي حزب الله رغبته بأن يكون رئيس الجمهورية المقبل من محور الممانعة، لكن بسبب الاستعصاء في المجلس النيابي نتيجة الانتخابات النيابية الماضية يريد حزب الله رئيسا يتفق عليه مع بقية الكتل، مع افضلية لان يكون من فريقه السياسي ومن 8 آذار”.
مصالحة باسيل وفرنجية مدخل الاخير الى قصر بعبدا
لا يعطي حزب الله رأية بالمرشحين المطروحة اسماؤهم… لكن يبقى سليمان فرنجية الاقرب الى القلب، لكن الحزب لم يرشحه مكتفيا بالورقة البيضاء، منتظرا التوصل الى اتفاق مع بقية الكتل النيابية، والأهم منتظرا أن تؤول جهوده بمصالحة النائب جبران باسيل وسليمان فرنجية الى نتائج ايجابية، وهو ما يعمل عليه المعنيون في حزب الله باجتهاد من دون ان يفضي لغاية اليوم الى دخان ابيض.
في الانتظار، يبقى احترام المواعيد الدستورية اولوية الاولويات، تشكيل حكومة لمعالجة الوضع الاقتصادي، وتوقيع مراسيم يحتاجها بدء التنقيب عن الغاز والنفط”.
“حزب الله” يعتبر ترسيم الحدود البحرية انجازا تاريخيا
ومع وصول المنسق الرئاسي الاميركي الخاص آموس هوكستين اليوم الخميس الى لبنان للاشراف على وضع اللمسات الاخيرة على الاتفاق لوضع حدود بحرية دائمة بين لبنان واسرائيل، وزيارته الى الناقورة لاتخاذ الخطوات النهائية لدخول اتفاق اسرائيل ولبنان حيّز التنفيذ، يعتبر “حزب الله” أن لبنان حقق انجازا تاريخيا في هذا الملف. ” حصل لبنان على ثروته وهو انجاز تاريخي”، يقول المصدر الوثيق الصلة بحزب الله”. يرفض المصدر ما يردد عن ان حزب الله تجرع كأس السم بقبوله باتفاق يضع الثروة البحرية اللبنانية تحت المظلة الاميركية مباشرة، يقول:”لاـ لم نتجرع السم، لقد نال لبنان العسل والسكر، لم يكن لديه غاز وصار لديه، كان لبنان يفاوض على خط هوف فنال اليوم كامل الخط 23 زائد حقل قانا (…)”.
ولكن ألم يحصل ذلك بشروط الولايات المتحدة الاميركية؟
يقول المصدر:” إن هذا التفاهم هو بين لبنان وأميركا، وبين أميركا واسرائيل، هل كانت تركيبة البلد ستوصل الى التنقيب عن نفط وسط عقوبات اميركية على الشركات؟ بالتأكيد لا. لو عاد الامر لحزب الله، لجلب شركات صينية وروسية وايرانية لكن تركيبة البلد فرضت ذلك”.
وعن شبهة التطبيع يقول المصدر:”آخر أحد يمكن ان توجه اليه هذه الاتهامات هو حزب الله. هذا الحزب هو حركة مقاومة كانت ولا تزال ضد التطبيع، ولن يكون هنالك تطبيع، هذا الاتفاق حصل أولا بين لبنان وأميركا من جهة، وبين أميركا واسرائيل من جهة ثانية، ولا توجد فيه اية شبهة تطبيع. ومن يقرأ النصوص فهي واضحة، المشكلة انه توجد مناكفة سياسية في البلد ومزايدة لأن من انجز الاتفاق هو حزب الله وفي عهد الرئيس ميشال عون”.
بالنسبة الى الترسيم مع سوريا، نسأل المصدر الوثيق الصلة بحزب الله على سبيل المزاح إن كان الحزب سيرسل مسيرات الى سوريا للضغط من اجل تحصيل ثروة لبنان فيجيب:” يرسل حزب الله مسيرات لتخويف العدو، اما الصديق فبيننا وبينه حوار”. وبرأي العارفين فإن عدم تجاوب السوريين مع لبنان وعدم تحديد موعد للوفد اللبناني المفاوض بعد اتصال بين الرئيسين ميشال عون وبشار الاسد، كان بسبب الخفة التي تعامل بها اللبنانيون إذ لم يتم احترام البروتوكول الدبلوماسي ولم تبعث اية مراسلة من لبنان الى السفارة السورية ومنها الى وزارة الخارجية السورية، كما ان معايير تشكيل الوفد اللبناني لم تفهمها سوريا، فنائب رئيس مجلس النواب الياس ابو صعب وهو رئيس الوفد لا يوجد له نظير في سوريا، لأن نائب رئيس المجلس النيابي السوري ليس مكلفا بملف ترسيم الحدود البحرية، وهذا ما خلق انزعاجا كبيرا لدى السوريين فرفضوا تحديد موعد والبدء بالتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية في عهد الرئيس ميشال عون، من دون اغفال ان عون لم يلبّ دعوات الزيارة المتعددة التي وجهت اليه من قبل سوريا طيلة عهده.