“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
برزت أمس الاحد هجمة اعلامية وسياسية لبنانية على ما أطلق عليه “مؤتمر سويسرا” او “مؤتمر جنيف” للحوار واختلط الحابل بالنابل في ما يخص الاهداف والمدعوين والغايات.
كانت وكالة “سبوتنيك” هي أول ما كشفت عن هذا المؤتمر في 4 الجاري في خبر نسبته الى “مصدر دبلوماسي أوروبي” في بيروت قال فيه بأن “الحكومة السويسرية تتجه الى دعوة ممثلين عن جميع فرقاء الازمة اللبنانية والمجتمع المدني اللبناني الى طاولة حوار تنعقد في سويسرا”. وكشف المصدر الذي اقتبست منه وكالة “سبوتنيك” بأنه “سيتم خلال الحوار مناقشة القضايا الخلافية بين اطياف المجتمع السياسي اللبناني وصولا الى محاولة صياغة عقد اجتماعي جديد”.
لا مؤتمر تأسيسي ولا طائف جديد وكل ما يحكى اعلاميا تضليل
تحقق موقع “مصدر دبلوماسي” من المعلومة الاخيرة حول عقد اجتماعي جديد مع معنيين بهذا المؤتمر الذي لم يحدّد موعده بعد، فنفى المصدر الواسع الاطلاع هذا الامر جملة وتفصيلا قائلا بأن “سويسرا لا تتدخل في أي تغيير دستوري، ولا كلام البتّة عن طائف جديد أو مؤتمر تأسيسي أو شخصيات من الصف الأول، فالنقاش العتيد هو حول قضايا مشتركة تهمّ اللبنانيين كشعب وجلها قضايا ذات منحى اقتصادي واصلاحي. وقد تحدد موعد لعشاء غدا الثلاثاء في مقر السفارة السويسرية ليقوم في خلاله المدعوون بتحديد موعد المؤتمر النهائي الذي سينعقد في العاصمة السويسرية جنيف، انطلاقا من مبادرات سويسرية للوساطة ولتقريب وجهات النظر ومدّ الجسور بين أحزاب ومكونات لبنانية لكي تبلور أرضية مشتركة تنطلق منها لمعالجة القضايا الحياتية والمعيشية والاقتصادية التي تفيد الشعب اللبناني الذي يرزح تحت وطأة الازمات المتراكمة”.
وأضاف المصدر بأن “الحكومة السويسرية ترعى هذا المؤتمر وليست الجمعية التي تم ذكر اسمها سوى اداة للوساطة تعمل على بناء ارضية مشتركة في ظل الانهيار الحاصل في لبنان”.
اعتراضات الاحزاب والسفير السعودي في مقدّمة المدافعين عن اتفاق الطائف
لم تتظهر هذه الخلفية في الاعلام اللبناني، إذ سرعان ما تلقفتها الاحزاب ومنها من هو مدعو لعشاء الغد، فأعلنت “القوات اللبنانية” عدم حضور ممثلها النائب ملحم رياشي للعشاء وقال بيان بأن “القوات اللبنانية” طالما كانت مع الحوار ولكن بناء على شرطين:” الأول ألا يأتي من اجل القفز فوق الاستحقاق الرئاسي الذي يشكل البنيان الاساسي لاعادة بناء سلطة تنفيذية لا تتأثر سوى بالدستور وتمارس بما يخدم الشعب اللبناني والمصلحة العليا للبنان فحسب. والشرط الثاني ضرورة أن يسبق اي حوار ورقة عمل تلتزم بالدستور والثوابت اللبنانية ليجري الحوار على اساسها”. وكرت سبحة الانسحابات والاعتراضات ابرزها للنائب في كتلة ما يسمى “التغيييريين” وضاح صادق قائلا في تغريدة:” أكرر أن دستور الطائف مرجعيتي السياسية وضد اي مؤتمر دولي او محلي في ظل سلاح الامر الواقع. لا احد يمثلني في اي لقاء في اي سفارة وارفض البحث بهذا الموضوع من اساسه، اخذت علما به عبر الاعلام وهذا بحد ذاته غير مقبول”. (…) وغرد رئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب مهاجما السفارة السويسرية في لبنان قائلا:” ما تقوم به السفارة السويسريى هو دعوة عدد من الاحزاب لحوار فولكلوري غالبية المشاركين فيه احزاب فاسدة ساهمت في تدمير البلد وهو فاشل سلفا”. وحذرت العشائر العربية في بيان من مشاركة النائب “التغييري” ابراهيم منيمنة بما اطلقت عليه “مؤتمر تغييري بإسم السنّة” واعتبرت أن مشاركته هي “انتحال صفة ونحر للطائفة السنية، وهذا قرار يتحمل النائب منيمنة وحده مباشرة مسؤولية افعاله بالخروج على ثوابت دار الفتوى وشق عصا الطاعة لمفتي الجمهورية، ووقوعا في المحظور الذي يتجاوز الخطوط الحمراء الممنوع عليه وعلى غيره تجاوزها”.
وكانت قمّة الاعتراض من سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري الذي غرّد على حسابه على “تويتر”:” وثيقة الوفاق الوطني عقد ملزم لارساء ركائز الكيان اللبناني التعددي، والبديل منه لن يكون ميثاقا آخر بل تفكيكا لعقد العيش المشترك وزوال الوطن الموحّد، واستبداله بكيانات لا تشبه لبنان الرسالة”. ونقل السفير البخاري كلاما قاله أمس الملك سلمان بن عبد العزيز أمام الدورة السنوية لمجلس الشورى مما جاء فيه عن لبنان:” نؤكد ضرورة تنفيذ اصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة في لبنان تقود الى تجاوز ازمته واهمية بسط سلطة حكومته على جميع الاراضي اللبنانية لضبط امنه والتصدي لعمليات تهريب المخدرات والانشطة الارهابية”. ونقلت إحدى المحطات التلفزيونية اللبنانية أن البخاري سيزور اليوم القصر الجمهوري في بعيدا.
ردّ سويسري قيد الاعداد
كل هذه البلبلة التي أحدثها المؤتمر العتيد، تعود في جزء منها الى السمة غير الاعلامية التي يعمل فيها السويسريون عادة وكذلك المنظمات التي تدور في فلكهم، حتى ان موقع “مصدر دبلوماسي” عجز من التواصل مع السفارة السويسرية التي يبدو أنها لا تجيب لغاية الآن على أية استفسارات اعلامية، مع احتمال من أن يقوم المعنيون بردّ على الحملة الشرسة التي تعرض لها المؤتمر.
في غضون ذلك، علم موقع “مصدر دبلوماسي” من نائب لبناني على دراية واسعة بما يعدّ له في جنيف بأن السبب الرئيسي للاعتراض هو ” أن المؤتمر تمّ النظر اليه وكأنه يهدف الى تمييع الضغط السياسي لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وهو الذي عليه أن يأخذ على عاتقه الدعوة لأي حوار بين اللبنانيين”. وعن إمكانية أن يكون “حوار سويسرا” منافسا غير مرغوب به في مؤتمر للحوار يتم الاعداد له في مصر؟ يقول البرلماني اللبناني ذي العلاقات الدولية المتشعبة:” قد تكون منافسة وسباق، إنما اعتقد بأن مبدأ الحوار قبل الانتخابات مرفوض سعوديا من الاساس، وهذا ما ابلغه ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اثناء زيارة الاخير للرياض ابان اجراء الانتخابات النيابية في لبنان، فلا حلّ قبل انتخاب رئيس، حيث هنالك سلّة متكاملة يجب أن تبت وقد بدأت بترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل”.
مصدر مقرب من الرياض: كيف لا تتصل السفيرة السويسرية بالسفير السعودي؟
من جهته، يقول مصدر لبناني ذي صلة بمراكز القرار السعودية لموقع “مصدر دبلوماسي” بأنه من غير المفهوم كيف “ترعى السفيرة السويسرية [ماريون ويشلت] عشاء تمهيدا لمؤتمر يجمع المكونات اللبنانية في بلدها وتبحث في موضوع حساس هو اتفاق الطائف من دون أن تتصل بالسفير السعودي في لبنان وتضعه في الاجواء؟”. ويشير المصدر “إذا كان صحيحا أن الامر لا يتعلق بالطائف، فإن بروفيل المدعوين وهم اخصائيين بالحوار والوساطة يطرح علامات استفهام عديدة، ثم من قال أن النواب هم فقط من يمثلون لبنان وشرائحه؟”. ويذهب السياسي اللبناني المقرب الى السعودية بعيدا في مهاجمة السويسريين متسائلا:” كيف يمكنهم رعاية مؤتمر حول الدستور بوجود مكون يسعى الى تغيير المعادلات الدستورية الحاكمة للبنان هو حزب الله؟ ثم يقولون لا لن نناقش الطائف”. ويلخص المصدر الموقف السعودي القائم حاليا في لبنان كالآتي:” لقد ابلغ السعوديون الفرنسيين ما يلي في شأن لبنان: “المساعدة للبنان هي رهن اصلاح سياسي يرفع يد ايران عن القرار السياسي والاستراتيجي للدولة اللبنانية ومؤسساتها، فالدولة السعودية لن تعطي اموالا لمشروع ايراني في لبنان، وجلّ ما ستقدمه السعودية مساعدات اغاثية لا تمرّ بالدولة اللبنانية طالما هي ممسوكة بمفاصلها الرئيسية من قبل “حزب الله”.
خلفية الوساطة
خلفية الوساطة
علم موقع “مصدر دبلوماسي” من دبلوماسي غربي يعمل في لبنان بأنه “منذ العام 2018 تم التفتيش عن أذرع في سوريا والعراق ولبنان ووقع الخيار على مركز سويسري للحوار الإنساني كفريق ثالث محايد وكشريك لقيادة الحوارات المفتوحة، تندرج اعمال هذا المركز وسواه في ما يسمى غربيا في “الدبلوماسية الخاصة”
Private Diplomacy
ويضطلع بمهام عدّة منها دور التفاوض لوقف إطلاق النار وعقد اتفاقيات السلام بإسم الصليب الأحمر الدولي في جميع مناطق النزاع في العالم من كولومبيا ومالي وصولا الى سوريا والعراق واليمن وسواها من الدول”. ويشير الدبلوماسي الذي فضّل الحديث دون الكشف عن هويته نظرا الى حساسية الموضوع:” بعد انتهاء الحرب الباردة وجد الصليب الأحمر الدولي أنه لا يستطيع الإعتماد على الولايات المتّحدة الأميركية وروسيا فحسب، وعليه ان يتسلّح بذراع خاصة به تضطلع بمهام التفاوض بإسمه في مفاوضات خفض التوتر ووقف إطلاق النار في البلدان حيث يعمل، فقرر أعضاء مجلس إدارته تأسيس هذا المركز في تسعينيات القرن الفائت”.
ويشير المصدر الدبلوماسي الغربي: “كل هذه الحوارات تندرج ضمن “الدبلوماسية الخاصة” ولا يجب الإضاءة عليها في الإعلام وإلا تفقد فاعليتها وقدرتها”.