مقالات مختارة
“إندبندنت عربية”
مصطفى الانصاري
سفير السعودية السابق في باكستان ولبنان أكد في حوار مع “اندبندنت عربية” أن واشنطن تعرف رد الرياض على انحياز أميركا لمقاربة طهران في المنطقة خصوصاً “الاتفاق النووي“
ضجت الساحة العالمية بخطوة “أوبك+” خفض إنتاجها نحو مليوني برميل يومياً، على رغم ضغوط أميركية ارتقت للوعيد أحياناً، وسط جدل عما إذا كان قرار المنظمة يعني عودة “حروب النفط” السياسية، من دون التفات إلى تأكيدات السعودية التي قالت إنها معنية بمصالحها وحلفائها في المنظمة فقط أكثر من أي شيء آخر، فهي لا ترى النفط عتاداً عسكرياً حتى تستخدمه في مواجهة غير متكافئة مع حلفائها التاريخيين في الغرب، بقيادة أميركا.
لكن إدارة بايدن التي وضعتها انتخابات الكونغرس النصفية قبل الحرب الأوكرانية والشتاء في عنق الزجاجة، راح صقورها يبحثون عن “كبش فداء” يبوء بـ “إثم غلاء البنزين” في واشنطن، على رغم توفرها على حلول تراها “أوبك” أكثر وجاهة من إلقاء اللوم على الآخرين، مثل تحرير قدر أكبر من مخزونها الاستراتيجي، وإعفاء شركاتها النفطية من قيود استهل بها بايدن عهده الذي كان بين سماته أيضاً مناكفة الرياض، قبل أن يعيد بعض التوازن لعلاقة البلدين الحليفين في قمة جدة 16 يوليو (تموز) الماضي، لولا أن خفض “أوبك+” إنتاجها أخيراً أعاد أجواء التوتر للعلاقة، إلى حد دفع المتحدث باسم البيت الأبيض إلى القول بأن بايدن يعيد تقييم العلاقات مع السعودية.
إدارة العلاقات المعقدة
في هذا السياق يرى السفير السعودي السابق في باكستان علي عواض عسيري أن الرياض حتى في أحلك الظروف “قادرة على التعامل مع العلاقات المعقدة مع القوى التقليدية مثل الولايات المتحدة وأوروبا، فضلاً عن القوى الناشئة مثل الصين وروسيا”، ونسج خيوط من المصالح المشتركة مع الأطراف من دون أن يعني ذلك أنها مع هذا الطرف أو ذاك، في إشارة إلى انتهاج وسائل إعلام اميركية وغربية شيطنة السعودية بوضعها في كفة واحدة مع روسيا، وأن “بوتين ومحمد بن سلمان يضحكان على الغرب”، وفق تفسير اعتبره محللون سعوديون “محاولة ابتزاز رخيصة”، وإن انطلت على مجاميع يسارية أو شعبوية، إلا أن صانعي القرار يدركون أن الرياض ليست لها أي مصالح في دعم المجهود الحربي لموسكو بأية وسيلة في أوكرانيا التي ثمن رئيسها فولوديمير زلينسكي جهود ولي العهد الأميرمحمد بن سلمان وساطته لتحرير سجناء من بلاده كانت أحوال بعضهم في قمة السوء، وعلى وشك الهلاك.
عسيري حاول شرح الطريقة التي تنظر بها بلاده إلى المشهد، فهي تعتبر نفسها “ركيزة للاستقرار والنمو في منطقة الخليج وخارجها”، معدداً ثلاثة أسباب لحدوث ذلك بحسب رأيه، فهي أولاً باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم العربي تعمل كمصدر رئيس للدعم الاقتصادي للدول العربية المتعثرة، وثانياً بوصفها أكبر دولة في منطقة الخليج تضع جدول أعمال مجلس التعاون الخليجي المحورية بالشراكة مع حلفائها في المجلس.
والسبب الثالث هو الذي يتعلق بمحور الأزمة، فمعروف أن السعودية “رائدة في قطاع الطاقة العالمي نظراً إلى قدرتها الاستثنائية على العمل كمنتج متأرجح وتحقيق الاستقرار في أسعار الطاقة العالمية، بالتالي فإن المملكة قادرة على التعامل مع العلاقات المعقدة مع القوى المختلفة في الغرب والشرق” في وقت واحد باستقلال.
الإبحار في الأوقات الصعبة
ورأى في حوار مع “اندبندنت عربية” أن تلك “السمات الفريدة” التي يؤمن بأن السعودية تملك زمامها مكنت بلاده من “الإبحار في الأوقات الصعبة في المنطقة مثل حربين في العراق وموجة الإرهاب الدولي التي نفذتها القاعدة والدولة الإسلامية في العراق وسوريا، فضلاً عن تحديات هائلة جراء الانتفاضات العربية عام 2011 في تونس ومصر”، وهي اضطرابات امتدت بعد ذلك إلى سوريا والبحرين واليمن وليبيا. وقد تعاملت بنجاح مع بعض هذه التحديات، على سبيل المثال من خلال قيادة العملية الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي ضد الاضطرابات في البحرين في عام 2011 ومساعدة التحول السياسي في مصر منذ عام 2013.
ويشرح استراتيجية السعودية في إدارة التحديات والتحالفات في محيطها بأنها “كدولة ذات سيادة مضطرة لحماية أمنها القومي واستقرارها السياسي ونموها الاقتصادي من أي خطر من داخل الخليج العربي أو خارجه، وبخاصة عبر حدودها المباشرة”.
ومن المفارقات التي يرى أنها لافتة في مقالة له نشرتها مجلة “منارة” الصادرة عن كامبردج في هذا الصدد، رغبة الولايات المتحدة المتراجعة باستمرار للعمل كحامية لموارد الطاقة وطرق التجارة في الخليج هي التي حفزت النزعة العسكرية الإيرانية، لا سيما منذ الانتفاضات العربية عام 2011.
ويؤمن بأن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 (خطة العمل المشتركة) التي حدت أنشطة إيران للتخصيب النووي في مقابل تخفيف العقوبات الدولية، “لعبت دوراً رئيساً في تفاقم المعضلة الأمنية لدول الخليج العربي، على رغم أن النظام الديني في إيران ملتزم أيديولوجياً بتدمير أميركا وإسرائيل والنظام السياسي القائم في العالم العربي”.
ويذكر بأنه منذ عام 1979، قامت ذراع النظام الإيراني السرية، الحرس الثوري، برعاية اغتيال المعارضين والدبلوماسيين في الأراضي الأجنبية، علاوة على تقديم الدعم المالي والعسكري للجماعات المتطرفة، التي تشمل الحوثيين في اليمن وعديد من الجماعات المسلحة في العراق وسوريا لزعزعة استقرار العالم العربي.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية أعلنت الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس التابع له منظمة إرهابية، وسط تنديد إيراني وتشكيك في جدوى خطوة واشنطن تلك.
يدان للمصافحة
وبنت السعودية مقاربتها تجاه سياسات إيران في المنطقة على عمودين، هما “اليد الممدودة” للحوار والأخرى “القابضة على الزناد”، تاركة لجيرانها خيار التي يصافحون.
ويمكن الاستدلال على اليد الخشنة بما قاله سفير الرياض الأسبق لدى باكستان ولبنان علي عواض عسيري في حوار مع “اندبندنت عربية”، بأن الرد السعودي المتوقع على أي قنبلة يثبت أن إيران تملكها سيكون “قنبلة سعودية”، مؤكداً أن الخطوة “أسهل مما يتوقع أي أحد، إلا أن الرياض دائماً ظلت في غنى عنها”.
وأشار عسيري إلى باكستان بصفتها المصدر الموثوق قائلاً، “أؤكد لك أنه لو اتصل الملك سلمان وقال أنا أحتاج إلى كذا فلن يتأخر إلا مسافة الطريق، سواء كان الجيش أو أي شيء آخر، وهذه معلومة أكيدة. التعاون العسكري بين باكستان والسعودية يفوق أي تعاون اقتصادي أو أخوي موجود في العالم حتى الآن، وزيارات الوفود العسكرية السعودية لا تتوقف عن باكستان، ولديهم مصانع ممتازة في التصنيع العسكري”.
وتابع، “نعلم أن السعودية تدعم باكستان ولو لم تدعمها في كل المجالات لما وصلت إلى ما وصلت إليه، والباكستانيون أوفياء، خصوصاً جيشهم شديد الاحترافية الذي يحكم البلاد، لكنه يفعل ذلك من بعد”.
خان مرحلة شاذة
ولدى سؤاله عما إن كان الرهان على الجيش الباكستاني لا يزال ناجعاً في إحراز الردع المتوازن مع طهران، أكد أنه “على الرغم من تحالفات السعودية العسكرية المختلفة وتطور جيشها الآن مقارنة بعقود التعاون الباكرة بين إسلام آباد والرياض، فإن الجيش الباكستاني لا يزال مشهوداً له بالتفوق والتدريب والعقيدة القتالية العالية، وما يميز علاقة البلدين أكثر أنها ليست علاقة تقليدية دبلوماسية بل في العمق، مبناها ثقة متبادلة غير مشروطة، فأهم مصلحة هناك للسعودية أن تكون باكستان قوية والعكس أيضاً، فغاية إسلام آباد أن لدى السعودية وهي قبلة المسلمين جيش قوي يستطيع حماية بلاده من كل تهديد”.
ورأى الضابط الأمني الذي تخصص في الأمن الدبلوماسي قبل أن يصبح سفيراً لبلاده في إسلام آباد وسط واحدة من أصعب المحطات بعد الـ 11 من سبتمبر (أيلول)، أن الروابط العقدية بين باكستان والسعودية يستحيل نقض عراها مهما حاول الآخرون، إن كانوا أتراكاً أو إيرانيين، التأثير فيها، وذلك بعدما سألناه عما إذا كانت تلك الروابط لا يزال يعوّل عليها بعد ما شهدنا تخلف باكستان عن دعم الرياض في حرب التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن، فضلاً عن محاولات عمران خان المضادة لموقف الجناح الإسلامي الذي تقود السعودية مؤسساته.
وقال، “أنا أعتقد أن مرحلة خان حال شاذة في علاقات البلدين، فقد تخللتها أخطاء كبيرة صححت لاحقاً، وربما تعود لنقص الخبرة أو أنه حاول بناء تكتل قوي في الداخل وأتى البيوت من غير أبوابها، لكن تصرفاته قادته إلى أن يُقصى من الحكم، وولي العهد ذهب بنفسه إلى باكستان وعزز العلاقة وأكدها وقدم دعماً سخياً للبلد، لكن خان لم يحسن التقدير فدفع ثمن الانحراف السياسي الذي أراده”.
الجيش وشهباز يعيدان التوازن
لم تكتف السعودية بإحباط سياسات خان في قمة كوالالمبور المناهضة لمنظمة التعاون الإسلامي التي تقودها في جدة وحسب، لكنها أيضاً حركت نفوذها في باكستان، العضو النووي الوحيد في المنظمة، وقام حلفاؤها بإسقاط لاعب الكريكت خان، إذ قام تكتل أحزاب بقيادة شهباز شريف بسحب الثقة منه في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، ليقود شريف البلاد متخذاً الرياض وجهته الأولى، إذ أكد عدم التفريط في حلف الدولتين المسلمتين الكبيرتين اللتين بنتا تاريخاً من العلاقة والتحالف منذ معركة استقلال إسلام آباد العام 1947 وحتى دحر الاتحاد السوفياتي في أفغانستان إلى البرنامج النووي الذي تعتبره تقارير غربية سعودياً مثلما هو باكستاني، إذ يقر الطرفان بتمويل الرياض له والدفاع عنه سياسياً قبل أن يصبح أمراً واقعاً.
وأعلنت السعودية هذا العام إثر عودة المياه لمجاريها منح الملك سلمان قائد الجيش الباكستاني قمر جاويد أرفع أوسمتها والذي قلده إياه ولي العهد السعودي “تقديراً لجهوده المميزة في توطيد وتعزيز أواصر الصداقة والتعاون المشترك وتطوير العلاقات السعودية – الباكستانية“.
وأكدت الرياض في أعقاب زيارة شريف دعمها المستمر لباكستان واقتصادها، بما في ذلك مناقشة إمكان دعم وديعة لدى البنك المركزي الباكستاني بقيمة 3 مليارات دولار من خلال تمديد أجلها أو من خلال خيارات أخرى، وبحث الخيارات لتعزيز تمويل المنتجات البترولية ودعم الإصلاحات الاقتصادية في باكستان بما فيه مصلحة البلاد وشعبها، وتجدد ذلك بعد موجة الفيضانات التي امتدت على أجزاء كبيرة من البلد الآسيوي.
وقال عسيري تعليقاً على تاريخية العلاقة إن بلاده “أسهمت بشكل مطرد في اقتصاد باكستان واستقرارها بدأ حتى قبل استقلالها”، ففي العام 1940، وهو العام الذي صدر فيه “قرار باكستان” من الأمم المتحدة آنذاك، زار ولي العهد السعودي الأمير سعود بن عبدالعزيز كراتشي ولقي ترحيباً حاراً من قادة “الرابطة الإسلامية” وعلى رأسهم ميرزا أبو الحسن أصفهاني، وحين ضربت مجاعة البنغال في العام 1943 استجاب الملك عبدالعزيز آل سعود لاستغاثة “القائد الأعظم” محمد علي جناح من خلال تقديم تبرع سخي.
حكاية نقل الترسانة النووية
يرى عسيري أن التحول الحديث الأبرز كان “عندما مدت السعودية يدها إلى باكستان في ظل العقوبات الغربية الشديدة التي فرضت عليها في أعقاب التجارب النووية التي أجرتها الأخيرة عام 1998 بالجزء الأعظم من حاجاتها النفطية مدة عام واحد على دفعات مؤجلة، تحول معظمها إلى هبات في وقت لاحق”، مؤكداً في هذا السياق الأمني أنه لدى شغله منصب السفير هنالك خلال فترة مضطربة اتسمت بجسامة الإرهاب الذي واجه البلدين في أعقاب أحداث الـ 11 من سبتمبر، “ورأى العالم كيف واجهنا هذا الخطر معاً في ذروة حربنا ضد الإرهاب، وقد حافظت بتعليمات وتوجيهات من قيادتي على تفاعل وثيق مع القيادة المدنية والعسكرية لضمان استقرار باكستان وأمنها” على الدوام.
وتجسيداً للثقة النادرة بين البلدين يقول عسيري إن وزير الدفاع السعودي الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز “كان الرجل الأجنبي الوحيد الذي زار البرنامج النووي الباكستاني، مما يعكس ثقة الباكستانيين فينا”.
وهل كان الأمير سلطان طلب في ذلك الوقت نقل بعض تلك الترسانة إلى السعودية كما تتكهن بعض المصادر، يجيب السفير السابق “ليس هناك حكاية تروى في السياق، بل هناك اجتهادات لبعض الكُتاب، وأنا أقول لك مجدداً إن بلادي لا تسعى إلى أن تكون بلداً نووياً لكنها تستطيع، وباكستان لن تتردد في أي طلب تطلبه السعودية مهما كان”.
ولدى سؤاله بصيغة أخرى عما إذا كان علم بأن السعوديين بحثوا نقل بعض الترسانة الباكستانية النووية إلى الرياض بعد ذلك، خصوصاً بعد التهديدات الإيرانية المتزايدة، قال ممازحاً “حتى لو أعرف لن أقول لك”، لافتاً إلى أن بلاده ذات الأهداف التنموية الطموحة في عهدها الجديد لديها من أدوات الشرعية والاستقرار والتأثير الإقليمي والدولي ما يجعل الترسانة النووية آخر ما تفكر فيه، “ولكنها إن شاءت فإن الأمر في متناول يدها”.
أميركا جرّأت الحوثي
وحذر السفير السابق الإدارة الأميركية في عهد بايدن الذي أصلح لتوه العلاقة مع الرياض قبل أن تتوتر مجدداً من ألا “يعير المخاوف العربية تجاه الخطر الإيراني آذاناً صاغية”.
ولفت إلى أن المفارقة التي شككت المنطقة في جدية أميركا برزت حين “كافأت إدارة أوباما طهران بالاتفاق النووي عام 2015، حين ظهرت أدلة تشير إلى أن إيران تطور أسلحة نووية”، مما يعتقد أنه مهد لبدء حرب اليمن في العام نفسه، إذ “حرضت إيران ميليشيات الحوثيين على التمرد ضد حكومتها الشرعية التي عرضت بدورها الأمن السعودي إلى الخطر خلال السنوات التي تلت ذلك”.
وبدلاً من مساعدة السعودية في حماية بنيتها الحيوية الأساس من هجمات الحوثيين الصاروخية والطائرات المسيرة، اختارت إدارة بايدن بحسب روايته “إزالة هذه الميليشيات من قائمة المنظمات الإرهابية، ثم سحبت نظام الدفاع الصاروخي الأميركي من طراز (باتريوت) من السعودية”.
ووسع الحوثيون بفضل ما وصفه بـ “جرأتهم المتنامية” نطاق العدوان الذي اتهم إيران برعايته ليطال الإمارات العربية المتحدة أوائل هذا العام، حتى إن إدارة ترامب وعلى الرغم من انسحابها من الاتفاق النووي، لم تفعل شيئاً رداً على الهجوم الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيّرة الذي استهدف مصافي النفط السعودية الرئيسة في بقيق وخريص العام 2019، وهي الهجمات التي تردد على نطاق واسع أن إيران دفعت ثمنها غالياً، إذ دفعت إلى استهداف رجلها القوي الجنرال قاسم سليماني مطلع 2020 في غارة جوية أميركية شكلت ذروة سياسة الضغوط القصوى التي فرضتها إدارة ترمب على النظام الإيراني.
أميركا تناقش ما بعد امتلاك إيران “السلاح النووي”!
ومع أن الرئيس بايدن انتهج سياسة مغايرة إلا أنه واجه تعنت طهران التي رفضت العودة للاتفاق النووي من دون شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، وهو ما ترفضه المنطقة وقوى في واشنطن تتهمه بالمسؤولية عن تجنيد وتمويل قوى الإرهاب والتخريب في المنطقة، على الرغم من النكران الإيراني في بعض الحالات. وشكلت الانتفاضة التي تشهدها إيران على خلفية مقتل الفتاة مهسا أميني حرجاً للإدارة الأميركية، دفعت في تقدير المراقبين إلى تعليق مباحثات إحياء الاتفاق النووي الذي عارضته إسرائيل بشدة، إلا أن إدارة بايدن عوضت النظام الراديكالي بصفقة لم تنشر تفاصيلها بعد، إلا أن بنوداً فيها أثارت الجدل إثر تسريب أنها تضمنت إفراج أميركا عن نحو 7 مليارات دولار من أموال النظام في طهران، في وقت كان المنتظر من أميركا فيها دعم الانتفاضة.
إيران تبحث عن دور إقليمي
ويشير الدبلوماسي السعودي السابق الذي لا يزال نشطاً في مناقشة شؤون المنطقة السياسية، خصوصاً المتعلقة بالأمن الإقليمي، إلى أن تصعيد إيران العسكري والسياسي ومساومة المجتمع الدولي على الاعتراف بها كدولة نووية يخفي وراءه البحث عن دور إقليمي أكثر منه امتلاك قنبلة نووية، “لأنهم يعرفون أن أحداً لن يسمح لهم بذلك، وليس السعودية وحدها، ولكن أيضاً تكتل دول المنطقة وأميركا”، مؤكداً أن واشنطن تعرف كيف سيكون رد الرياض على أي قنبلة إيرانية، ومعتبراً أن استهداف الداخل الإيراني في عمليات نوعية اقتنصت خبراء نوويين ومعامل حيوية في الداخل هي رسائل استوعبت طهران مراميها، على الرغم من المكابرة والتهديد بإزالة إسرائيل والتصعيد في الخليج.
تغلبنا على عقبات أصعب مع واشنطن
ويؤمن عسيري بأن “العلاقة السعودية -الأميركية مرنة بما يكفي للتغلب على عقبات مؤقتة كتلك المتمثلة في الحظر النفطي عام 1973، والصدع الذي حصل أخيراً في العلاقات، إذ توفر “رؤية 2030” فرصاً هائلة لتمويل القطاع الخاص في الولايات المتحدة وخبراته في مجال البنية الأساس واسعة النطاق والتنمية وتنظيم المشاريع”، ومن هنا فإن السعودية تتوقع من الولايات المتحدة بحسب قوله أن تضافر جهودها معها في مواجهة الخطر المحدق المقبل من إيران، ولا يقتصر هذا الخطر على الحرب بالوكالة، بل “يمتد أيضاً ليشمل مساعي إيران إلى تصنيع الصواريخ الباليستية والأسلحة النووية، وكما ذكرت الهيئة الدولية للطاقة الذرية أخيراً فإن طهران أصبحت الآن أقرب من أي وقت مضى إلى إحداث اختراق نووي، وهي تنتهك نظام المراقبة علناً”.
وأعلن مسؤول إيراني تزامناً مع زيارة بايدن السعودية أن طهران أصبحت تملك الموارد الكافية لصنع “قنبلة نووية” إلا أنها لا تريد ذلك، وهو ما رد عليه المبعوث الأميركي روبرت مالي بأن “الفرص تتضاءل بسرعة كبيرة أمام طهران، وفي مرحلة ما سيصبح واضحاً للجميع أن الاتفاق لم يعد متاحاً”.
ضجيج “القبضة”
ورداً على الجدل الذي أعقب “قمة جدة” مع الرئيس الأميركي، لفت عسيري في حديثه مع “اندبندنت عربية” إلى أن الانقسام الذي تشهده أميركا في الوقت الحالي لا يمكن التعويل عليه، فكل طرف يحاول إعطاء الزيارة البعد الذي يلبي مطامح أيدولوجيته سلباً أو إيجاباً.
وقال “علينا ألا ننجر إلى الضجيج الأميركي وإثارة اللغط حول المصافحة وسواها من التفاصيل التي تختلف قراءتها من صحيفة إلى أخرى، ولكن ما يهمنا هو جوهر الاتفاق الذي خلص إليه الطرفان السعودي – الأميركي، إما ثنائياً أو مع المجموعة الخليجية والعربية في (قمة جدة)”، كما هو الحال في سجال ما بعد خفض “أوبك+” إنتاجها، في قرار اتخذته دول المجموعة باتفاق ولم تنفرد فيه السعودية بوحدها، كي تلام.
وكان الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد المقرب من دوائر صنع القرار في الرياض، لاحظ في مقالة كتبها في “الشرق الأوسط” اللندنية أن “القبضة بين بايدن وولي العهد السعودي أشغلت الإعلام الشعبي ومعه الرأي العام عن خلاصات الزيارة الاستراتيجية المترجمة إلى اتفاقات عسكرية وأمنية وفضائية واقتصادية، أعادت أميركا للمنطقة وسط اعتقاد ثبت عدم واقعيته بأن الانسحاب منها صار ممكناً، قبل أن يتبين أن المستفيد من تلك الخطوة منافسو واشنطن الأشداء في روسيا والصين، وقال “عند رصد اللقاءات وتقويمها فليست البهارات الصحافية ما يُحتسب، بل ما يتم الاتفاق عليه بين الدولتين، إضافة إلى القمة السياسية التي شارك فيها قادة مجلس التعاون مع مصر والأردن والعراق وحضرها بايدن”.
وأضاف، “عدا ما لم يعلن وربما تم التفاهم عليه من الترتيبات الاستراتيجية، فإن ما صدر رسمياً في حد ذاته يشكل تطوراً مهماً في العلاقات والتعاون”، معتبراً أن الجانب الأكثر أهمية هو “عودة الولايات المتحدة للتعاون العسكري مع السعودية، وبالتالي يمكن أن نقول إن الولايات المتحدة عادت أمس للعلاقة الاستراتيجية مع الرياض التي تراجعت كثيراً لنحو عقد من الجمود، وذلك منذ رئاسة الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي اختار آنذاك تقليص التعاون مع السعودية والدول العربية والتفاوض مع إيران”. إلا أنه انتقد مجدداً تصعيد واشنطن خلافاتها مع الرياض جراء اتفاق فيينا بين مجموعة “أوبك+”، معتبراً أن “إرضاء واشنطن مهمة صعبة”، وأن علاقة بلاده مع واشنطن صعبة تبعاً لذلك “ففي ظل تجاذب الحزبين. إن أنتجت (الرياض) المزيد من النفط قد تعاقب غداً بدعوى تلويث الوقود الأحفوري للبيئة، وإذا خفضت إنتاجها ستعاقب بدعوى الاحتكار”.
انتهاك للبروتوكول
وانتقدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية تصرف الرئيس الأميركي المتذبذب أثناء زيارته المنطقة بروتوكولياً، إذ اعتبرت أن بايدن “أهدر فرصة استعادة العلاقات الاستراتيجية مع السعودية، ويجب طرد موظف البيت الأبيض الذي اقترح التحية بالقبضة”، معتبرة أن التصرف مثّل “انتهاكاً جسيماً للبروتوكول”، فيما اتجهت صحف أخرى إلى أن بايدن بتحيته رجل السعودية القوي بعد أن تعهد بجعل دولته منبوذة، قد نكث وعوده وأظهر نفسه في موقف ضعف لا يغتفر.
وكانت مصادر في الـ “ناتو” نقلت عنها “بي بي سي” البريطانية اطلاعها على تقارير استخبارية تفيد بأن الأسلحة النووية المصنعة في باكستان نيابة عن السعودية أصبحت الآن جاهزة للتسليم، فيما قال الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أموس يالدين خلال مؤتمر في السويد إنه إذا نجحت إيران في صنع قنبلة نووية فإن “السعوديين لن ينتظروا شهراً واحداً، فلقد دفعوا مسبقاً ثمن القنبلة وسيذهبون إلى باكستان ويحضرون ما يحتاجون إليه”.
ولم تنف الحكومة السعودية تلك التصريحات أو تؤكدها، إلا أن ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان أكد في وقت لاحق أثناء مقابلة مع شبكة “سي بي إس” التلفزيونية الأميركية أن الرياض “لا ترغب في حيازة السلاح النووي، ولكن إذا طورت إيران قنبلة ذرية فسنقوم بالمثل في أسرع وقت ممكن ومن دون أدنى شك”.
ومنذ العام 2021 انخرط السعوديون في جولة محادثات مع النظام الإيراني بواسطة العراق إلا أنها لم تحرز حتى الآن التقدم الكافي على الرغم من إبداء الطرفين رغبتهما في إنجاحها، والدفع بها نحو الأمام في جولتها المرتقبة منذ زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة، قبل أن تخلط المظاهرات في إيران الأوراق، خصوصاً بعد أن تعامل معها النظام بقمع لافت، فضلاً عن التوتر في بغداد التي كانت الراعية للمفاوضات، بفعل تأزيم طهران أيضاً، التي تستميت في قيادة أنصارها الحكومة، على الرغم من دعواتها الشكلية العراقيين إلى الوحدة، حتى وهي تقصف شمال البلاد في كردستان، تحت ذريعة دعمها ما تسميه العناصر الكردية الانفصالية فيها، مما استدعى تنديداً من جامعة الدول العربية ضد القصف الاستهداف الايراني، لولا أن مندوب بغداد في الاجتماع لم يرق له ذلك، بحجة وصفها إعلاميون عرباً بالواهية، وهي أن إيران ليست الوحيدة التي تستهدف العراق، فلماذا لا تدين الجامعة الكل. في إشارة إلى تركيا التي تشن غارات بين الحين والآخرين على الاقليم للأسباب نفسها.