“البوصلة”
مارلين خليفة
@marlenekhalife
نقلت قناة “أم تي في” عبر موقعها الالكتروني بأن المواطنين في كسروان “لاحظوا” خبزا ومنتجات من “أفران الهادي” على رفوف المحال مما أثار ” شكوكهم واستغرابهم” حول الكلفة التي تتكبدها “افران الهادي” للتوزيع في مناطقهم.
إنني أكاد أقسم أن لا أحد من اهالي كسروان لا في جونيه ولا في الكسليك ولا في الجرود لاحظ ذلك، وأن من استغرب وشكك ليس إلا ناشطا أو ناشطة منضوين في منظومة سياسية سخيفة تشتغل على اضرام العصبيات الغبية بين اللبنانيين.
لم أجد أسخف من هذه الحملة التي أقل ما توصف به بأنها: حمقاء. ولعلّ أشد المتضررين منها هم أهالي كسروان في حال تبعوها. فأن تصل أطايب الضاحية الجنوبية لبيروت الى هذه المنطقة وسواها لهو بنظري أمر إيجابي، لأن في الضاحية الجنوبية يمكن تذوّق أشهى المنتجات والأطباق في اسواقها وفي مطاعمها.
من أنواع الخبز المحشو بالتمور وجوز الهند والجوز واللوز والمغلف بالسمسم وبأشكال متنوعة من الاسمر والابيض الى الشوفان والنخالة الى الحلويات العربية الطازجة دوما عند “القلقاس” و”افران الهادي” والمناقيش على انواعها والدوناتس والكاتو والكنافة وكعك العباس عند “الامراء” وفي أكثر من عنوان تتذوق فيه أشهى هذه الانواع، وإذا اعتدت زيارة هذه الاماكن وسواها الكثير في الضاحية فإن الخوف الوحيد الذي ينتابك أو أن تزيد وزنك لأن الارادة تسقط أمامها.
أما في المطاعم فحدّث ولا حرج من المطاعم اليابانية والصينية والفرنسية والايطالية، الى المطبخ اللبناني بأطباقه التي توضع فيها لمسة الجنوبيين بأطباق لا تجدها الا في الضاحية من “فخارة فتوني” حيث أطباق اللحوم المختلفة والمشاوي اللبنانية تقدم بالفخارة، الى “الجواد” وهو يقدّم مروحة واسعة من الاطباق اللبنانية بالاضافة الى مطبخه “الانتركونتيننتال”، وصولا الى مطاعم السمك المنتشرة في “معوض” والسان تيريز. ولا ننسى الباتيسري حيث “الغاتو” الذي تقدمه محال الضاحية والشوكولا لا يمكن ان تتذوق ما يضاهيه خارجها. أما الكافيهات التي تقدم النراجيل والعصائر فهي أكثر من أن تعد وتحصى، وهي تجمع الشبان والشابات من كافة الاعمار والطوائف ومن خلفيات ثقافية متضاربة تماما. ولا ننسى “السناكات” المنتشرة حيث تقدم الشاورما والفلافل والمشاوي والسفيحة البعلبكية ولعلّ أشهرها “فلافل خليفة” و “مشاوي كساب” وسواها الكثير. ولا ننسى “زين الدين” في برج البراجنة حيث أطيب أطباق الفول والبليلة وسواها.
إن التقوقع الذي يريد البعض اغراق المسيحيين فيه بعد اعوام من طويلة من الحروب التي توجتها مرحلة القحط الأخيرة لا يبرر للناس العاديين أو للنخب أن يلحقوا بهذه “البروباغندا” بل عليهم محاربتها.
أهالي الضاحية الجنوبية لبيروت، ومعظمهم اليوم من الشيعة اللبنانيين يتعرضون لأبشع أنواع الاضطهاد المعنوي، ومن يعرف هؤلاء الناس البسطاء فعليا ويتحدث معهم يشعر بالخجل من حملات اعلامية مماثلة. هؤلاء الناس، كما أهل الجنوب، يستقبلونك في بيوتهم وإن كنت غريبا تمرّ في حيّهم للمرة الأولى، فما إن تطلب رشفة ماء حتى ترى نفسك مدعوا الى طاولة أطايب ممتدة على طول منزلهم لتكريمك حتى من دون معرفة اسمك ولا هويتك ولا من أين تأتي. ليس في هذا الأمر مبالغة، لكن لا يمكن لمن اختار التقوقع أن يدرك الحقائق إن كان عقله وقلبه يتجرعان سمّ التعصب والكره يوميا لأسباب سياسية لا يجب أن تنال من القيم الانسانية والتبادل الاجتماعي الذي نعيشه في لبنان.