“مصدر دبلوماسي”
نظمت مجموعة البازورية الإعلامية ندوة لرئيس مؤسسة عامل الدكتور كامل مهنا، بعنوان “مؤسسة عامل الدولية.. أنموذج في صون كرامة الإنسان”، تحدث فيها عن تجربته في العمل الإنساني، وتأسيس عامل في ظروف الحرب الأهلية الصعبة، والعمل على تطويرها، إلى أن أصبحت حاضرة في معظم مؤتمرات المنظمات الإنسانية في العالم، ولها مراكز في عواصم ومدن في العالم، منذ العام 2010، ورشحت لنيل “جائزة نوبل”.
الندوة التي أقيمت في الباحة الخارجية لقاعة الدكتور عبد الكريم قرعوني في البازورية حضرها حشد من الفعاليات التربوية والاجتماعية والبلدية والإعلامية والطبية والحزيية من البلدة والمنطقة ووفد من متقاعدي قوى الأمن الداخلي والعاملين في مؤسسة عامل في البازورية وصور، إضافة إلى د. مهنا وعقيلته وعضوي الهيئة الإدارية الدكتور درويش شغري والأستاذ أحمد عبود وعقيلته والكاتب أحمد بزون.
قدمت للندوة الآنسة حوراء حسن جفال من الهيئة الادارية للمجموعة، ثم كانت كلمة لرئيس مجموعة البازورية الإعلامية الاستاذ مهدي قرعوني أشاد فيها بدور المؤسسة، ورأى أن مجموعتهم تتكامل معها بالعمل من أجل الكرامة الإنسانية. كما استعرض انشطة مجموعة البازورية الإعلامية المتنوعة، على كافة الصعد الإعلامية والتربوية والثقافية والرعاية الاجتماعية والمساعدات الطبية والمواكبة الرياضية، على مدى أربع سنوات.
ثم بدأت كلمة الدكتور كامل مهنا التي شكر في بدايتها الحضور النخبوي والمجموعة الإعلامية، مشيداً بما تقوم به المجموعة من أنشطة مهمة، ومتمنياً لها دوام العطاء. كما أشاد بدور مركز عامل في البازورية، المركز الصحي – الإنساني الذي اختير من قبل وزارة الصحة، كأفضل مركز ضمن شبكة الرعاية الصحية الأولية في لبنان، والسيدة رجاء عبود كأفضل مديرة.
كما استعرض تجربته النضالية قبل تأسيس مؤسسة عامل، بدءاً بمعاناته كمواطن من جنوب لبنان الذي يتعرض دائماً للاعتداءات الإسرائيلية، ولاسيما بلدته الخيام والمجزرة التي ارتكبها جيش العدوان الإسرائيلي فيها. وأتى على ذكر نضاله الطلابي في فرنسا، حيث ترأس الاتحاد العام للطلبة اللبنانيين، وقام بنضالات فيها، وصولاً إلى صدور قرار طرد بحقه ألغي بعد حملة طلابية واسعة. ثم تحدث عن مشاركته في الثورة في ظفار، وخوضه تجربة جريئة في حصار تل الزعتر والنبعة حيث تعرض للاصابة مرتين، وعلاقته، منذ ذلك بمجموعة من “أطباء بلا حدود” و”أطباء العالم” في قلب الحصار. وتابع مهنا سيرته بالانتقال،، مع مهجري تل الزعتر والنبعة إلى الدامور، وتأسيس “النجدة الاجتماعية”، قبل أن يؤسس في العام 1979 “مؤسسة عامل”.
وقال مهنا: “لقد حققت تجربة عامل انتقالًا نوعيًّا كبيرًا في زمن قياسي قصير. ولم تكن لتحقق ذلك لولا حفاظها على طابعها النضالي الوطني اللاطائفي، من خلال تكوينها التنظيمي، وانتشارها الجغرافي في كل المناطق اللبنانية، ودورها العام، المتحرر من الاعتبارات الطائفية، والعائلية، والجهوية، والشخصية. وهذا يَبرُز في عمق التجربة وفي المضمون الاجتماعي والوطني للمبادرات والبرامج التي تنفذها عامل، وتجعلها أشد التزامًا بقضايا الإصلاح والتغيير الاجتماعي والسياسي في لبنان وأكثر وفاء لها”.
وقال: “على نحو أكثر من أربعة عقود ما انفكت عامل في خطها الوطني الإنساني، الرافض لكل ما يعوق قيام الدولة – الوطن، على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات. ولا تزال تمارس دور المحرك في إطار منظمات المجتمع المدني، ودور الجامع الذي يحترم الآخر. ففي العمل الإنساني علينا أن نبحث عما يجمعنا، فالاهتمام بالقضايا الأساسية تنسينا اختلافنا، وإهمالها يوقعنا في الإساءة إلى مجتمعنا. فالمشكلة التي تسيطر على عقول الكثير منا تمتد من الذاتية إلى الطائفية، إذ تسود مزاعم: “أنا أحسن، عائلتي أحسن، منطقتي أحسن، بلديتي أحسن، وحزبي أحسن، والآخر لا يساوي شيئًا”، كيف يمكن أن نتطور، يومًا، بمثل هذه الأنانية الذاتية، ولا أقول الفردية، فالأفراد عناصر الجماعة، وأجزاء الفريق، فلا نجاح للمجتمعات إذا لم تَسُدْ فيها روح الفريق. بهذا المعنى اختصرنا وعي العمل الجماعي في مؤسسة عامل ببعدين جوهريين: “التفكير الإيجابي والتفاؤل المستمر”.
وتحدث كامل مهنا المجتمع المدني، فميز بين جمعية وأخرى، فقال: لقد نبتت في لبنان، بعد نهاية الحرب الأهلية، ولا سيما مع حراك 17 تشرين 2019، كما ينبت الفطر، جمعيات كثيرة، علمًا أن الجمعيات الفاعلة أو الحقيقية في لبنان لا يزيد عددها على مئة، وفْق أكثر التقديرات تفاؤلًا، وأن عددًا كبيرًا من الجمعيات اعتمدت أسلوب “البزنسة” وتحويل الجمعيات إلى دكاكين تسلم أمرها لمن يدفع. أما عامل فلها منطلقاتها الرؤيوية للعمل الإنساني المجتمعي، منها:
أولا: تعتمد عامل الانفتاح على الجميع، وذلك بتوثيق العلاقة بالأصدقاء، واستقطاب المحايدين وتحييد الخصوم، ما أتاح لها مجالًا حيويًا لتطبيق برامجها التنموية، والتواصل الإيجابي مع كل الفئات.
ثانيًا: إن أي عمل إنساني لا تكون فلسطين قضيته المركزية لا يستحق هذه السمة، ففي صلب عمل المؤسسة الإنساني الدؤوب التزامها القضايا العادلة للشعوب.
ثالثًا: العمل على توزيع عادل للثروات في العالم. لا شك في أنّ تحوّل مؤسسة عامل إلى مؤسسة دولية يرتّب عليها أعباءً إضافيّة، فمن الصراع اليومي لإيجاد مساحة للعدالة الاجتماعية في لبنان، انتقلت إلى توسيع آفاق طموحاتها النضالية، وتكثيف العمل مع الجمعيات الدولية للتعاون في تحقيق حلم الوصول إلى عالم أكثر عدالة.
رابعًا: العمل ضد ازدواجية المعايير، بين الغرب وبلاد العالم الثالث. فيقتضي مبدأ احترام إنسانية الإنسان في كل مكان، بغض النظر عن عرقه ومعتقده وجنسه، عدم الكيل بمكيالين سواء على المستوى المحلّي، أو الدولي.
خامسًا: العمل على بناء دولة العدالة الاجتماعية. فلا يكون فيها القطاع الخاص هو المقرر، ولا تحتلّ منظمات المجتمع المدنيّ الدور الذي على مؤسسات القطاع العام أن تقوم به، كي لا تقع في فخ إعفاء القطاع العام من مهامه، ومن مراقبة القطاع الخاص الذي يهدف دائمًا إلى تحقيق مزيد من الأرباح، من دون أدنى اهتمام بالقضية الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني”.
سادساً: حماية البيئة ومواجهة التغير المناخي.
وأشار الدكتور مهنا إلى أن من بين الشعارات العملية لعامل:
1- التفكير الإيجابي والتفاؤل المُستمر، وهو ما ينسجم مع نهج المؤسسة العام الذي يُركز على الفعل والإنجاز بدلًا من التذمر والتفكير السلبي.
2- الميمات الثلاث: مبدأ، موقف، مُمارسة، حيث ينبغي أن ينسجم الموقف مع المبدأ، وتنسجم المُمارسة مع الموقف، في علاقة ثلاثية مشروط بعضها بالبعض الآخر.
وتابع مهنا: “لقد تعاظم دور المؤسسة، على الرغم من كل الصعوبات التي فرضتها التغييرات الموضوعية والحروب. ومع ذلك لم نيأس أو نستكين، إنما رفعنا في عامل شعار “الاستمرار هو الأهم”، وهذا ما حصل، فهي استطاعت، رغم تراجع دور الأحزاب التقدمية ومغادرة منظمة التحرير الفلسطينية لبنان عام 1982، أن تبقى موجودة. ثم تمكنت من الاستمرار والتطور والوصول إلى أن تصبح مفخرة لبنان، باعتراف وتقييم عدد كبير من المسؤولين والمهتمين بالشأن العام. وهكذا ليست عامل اليوم مجرد جمعية، إنما هي قصة نجاح مؤسسة باتت من نسيج المجتمع اللبناني، وتعمل مع كل الناس ولكل الناس، وبحماية الناس حيث تزرع غرسها، حتى توسعت إلى درجة أن توزعت أنشطتها في لبنان على ثلاثين مركزًا، وست عيادات نقالة، ومدرستين جوالتين على مخيمات النازحين، وسيارة للحماية الاجتماعية لأطفال الشوارع، يسيّر عملها 1400 متفرغ ومتفرغة، وهي منتشرة في معظم المناطق اللبنانية، أما على الصعيد الخارجي، فقد باتت عامل مؤسسة دولية، بدأت خطاها عبر منظمات الأمم المتحدة في جنيف، وكنت حينها المُشرف على برنامج اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان (MENAP)، في المفوضية السامية للاجئين، وأيضا كانت عامل في قيادة المجلس الدولي للعمل التطوعي ICVA. وفي عام 2010 وافقت الأمم المتحدة على تسجيل المؤسسة في جنيف كمؤسسة دولية، وكان لنا أول مركز خارج لبنان. وهذا ما يخولها القيام بأنشطة خارج لبنان، ويعزز إمكانية بناء شراكات مع الجمعيات الدولية الصديقة”.
وعن تنامي العمل في عامل، قال مهنا: “بعد جنيف أنشأنا مراكز لمؤسسة عامل الدولية في كل من فرنسا، فأميركا (في هيوستن ومستقبلًا في ديربورن) وبلجيكا وإيطاليا. وبدأنا العمل على إنشاء فرع في بوركينا فاسو، ونعمل على إنشاء فروع في أثيوبيا وسريلانكا وكوت ديفوار وسيراليون وبريطانيا وألمانيا وكندا ومناطق أخرى من العالم. لم يقتصر تعاملنا مع الغرب من موقع الندية وليس التبعية على المؤسسات الصحية والإنسانية، إنما تعاملنا أيضًا مع الدول، فقد ابتعثت الحكومة الإيطالية فريقًا جراحيًا اشتغل معنا في مستشفيي وادي أبو جميل والهلال الأحمر الفلسطيني، وعندما تقرر إرسال جرحى استقبلت إيطاليا رسميًّا مائة جريح، ورافقتُ الدفعة هذه إلى إيطاليا. وهذا ما حصل أيضًا مع فرنسا عندما أرسلنا 550 جريحًا، والكويت التي أرسلنا إليها 105 جرحى، ودول أخرى، إضافة إلى تركيب 400 طرف اصطناعي بالتعاون مع الحكومة الهولندية.
وختم بالقول: “إنها المرة الأولى التي تبادر فيها جمعية من العالم الثالث في العمل خارج الحدود وخاصة في الغرب، مقدمة أنموذجاً نضالياً وملتزماً بالقضايا العادلة للشعوب وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والتحرر من كل أشكال التبعية والاستعمار الغربي في مختلف مجالاته”.
في ختام الندوة، قدمت مجموعة البازورية الإعلامية هدية رمزية للدكتور كامل مهنا عربون تقدير ومحبة، وبدوره قدم رئيس مؤسسة عامل الدولية إلى الأستاذ مهدي قرعوني كتاب “ملحمة الخيارات الصعبة، من يوميات الدكتور كامل مهنا”.