“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
كشف السفير البابوي في لبنان المونسينيور جوزيف سبيتيري أن حاضرة الفاتيكان لم تتدخل مطلقا في قضية راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية المطران موسى الحاج، مشيرا الى أن بعض الاطراف اللبنانيين حاولوا تسييس هذه المسألة. (يذكر أن المطران كان تم التحقيق معه في تموز الفائت من قبل الامن العام اللبناني عند معبر الناقورة بناء لاشارة قضائية بسبب نقله مبالغ طائلة من اسرائيل وصلت الى 620 الف دولار أميركي وادوية في مخالفة صريحة للقانون اللبناني).
كلام السفير البابوي جاء في لقاء حواري نظمته “مؤسسة الامام الحكيم” التي استضافت سبيتيري الذي انهى مهمته في لبنان طيلة 4 اعوام للتحدث عن “ابعاد زيارة البابا الى العراق” بحضور السفير العراقي في بيروت حيدر البراك والمسشار السياسي في السفارة الايرانية حميد ثاني وممثل عن المجلس المذهبي للموحدين الدروز وعدد من رجال الدين والأكاديميين والباحثين وقدم اللقاء المحامي بلال الحسيني. تشعب الحوار إثر مداخلة حول زيارة البابا فرنسيس للعراق في العام الفائت الى حوار طويل أجاب خلال المونسينيور سبيتيري على تساؤلات عقائدية وسياسية واجتماعية مختلفة. وسأله موقع “مصدر دبلوماسي” عن الحوار مع المرجعية الشيعية في ايران وخصوصا وان زيارة البابا فرنسيس الى العراق قرأها البعض بأنها رسالة الى المرجعية الدينية الايرانية؟ فقال:” لدى الفاتيكان مكتب يختص بالحوار بين الاديان انشأه منذ 60 عاما، وتتذكرون جميعكم الكاردينال جان-لوي توران وهو كان رئيسا لهذا المكتب قبل الكاردينال الحالي، من خلال هذا المكتب -وهو مجلس حبري- بدأنا حوارا وقمنا بدراسات لاهوتية مشتركة مع جامعة قم، وبالتالي لا يوجد أي سبب اطلاقا للقول بأن اجتماع البابا مع السيد سيستاني موجه ضد احد أو ان الطائفة الشيعية في العراق هي ضد مجموعات أخرى أينما وجدت في ايران او سواها، نحن نقيم علاقات ممتازة مع المجموعات قاطبة ولدينا ايضا تبادل مثمر ومنحا دراسية للطلاب في الجامعات الحبرية في روما مختصة بالمسلمين الشيعة”.
وردأ على سؤالنا حول ماذا يمثل مسيحيو لبنان وسوريا للفاتيكان الآن وهم يعيشون مهددين من التطرف ومن الحروب وخصوصا بسبب الحرب مع اسرائيل؟
قال المونسينيور سبيتيري:”علينا أن نترك الاعمال والوقائع لتتكلم بالنسبة الى مسيحيي لبنان وسوريا وفلسطين، يساعد الفاتيكان الفلسطينيين المسيحيين منذ اكثر من 60 عاما، وهنالك مؤسسات كنسية خاصة في أميركا ونيويورك وغيرها تمثل الرسالة البابوية، كذلك في اوروبا. وفي كل عام نعقد اجتماعين اثنين لجميع المؤسسات التي تساعد في الاراضي المقدسة اولا وفي لبنان وسوريا وايضا في العراق ومصر واثيوبيا، وبالتالي هذه وقائع. بالنسبة الى الفاتيكان، فإن لبنان هو نقطة التقاء لجميع الاديان الابراهيمية، وأنه من الأساسي للمسيحيين بأن يعيشوا ويعملوا مع الجماعة المسلمة في لبنان، ونحن ندعم ذلك بشكل كامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلى اي مستوى”.
وردا على سؤال موقع “مصدر دبلوماسي” عن كيفية رؤية الحوار بين الاديان في لبنان وخصوصا وأن هذا الحوار انقطع اخيرا بين الكنيسة المارونية و”حزب الله” على خلفية نقل المطران موسى الحاج مبالغ من اسرائيل ووصف بعض المتظاهرين في باحة بكركي لحزب الله بأنه ارهابي؟ وعن السبب الحقيقي لارجاء زيارة قداسة الباب فرنسيس الى لبنان في حزيران الفائت؟
قال المونسينيور سبيتيري:”بالنسبة الى ارجاء زيارة البابا الى لبنان، فقد كان واضحا بأنه لم يكن في استطاعة البابا المجيء الى هنا بسبب المشاكل الصحية الحقيقية التي عانى منها في ذلك الوقت، فهو كان عاجزا عن المشي، وهو الغى ايضا اسفارا اخرى الى الكونغو وجنوب السودان ولما سافر الى كندا كان لا يزال على كرسي متحرك. أعتقد أن مجموعات واحزابا سياسية في لبنان تحاول أن تعطي تفسيرا مختلفا لذلك، كما يحصل الآن من محاولة لتسيييس ما حصل مع المطران موسى الحاج، إن الفاتيكان لم يدخل مطلقا في هذه المسألة”.
وتحدث المونسينيور سبيتيري ردا على اسئلة الصحافيين متحدثا عن وجوب المثابرة بالايمان بانه خلف المشاكل هنالك أمل بغذ افضل في لبنان. وروى انه بعد انفجار مرفأ بيروت “قصدت منطقة الاشرفية حيث شاهدت شبانا وشابات مسلمين ومسيحيين أتوا من صيدا وعكار والضاحية الجنوبية وبعلبك والشمال كل هؤلاء انكبوا على تنظيف الشوارع، وبالتالي هذا لبنان حيث يمكن العمل سويا من مختلف المناطق اللبنانية. لكن للأسف توجد مشاكل سياسية وهي تتخطى مختلف المجموعات الموجودة، إن السياسة ليست حاجة فحسب، إذا فهمنا السياسة خدمة من اجل الجماعة، عندها تكون من أنبل ما يقوم به الانسان. للاسف فإن الاحزاب السياسية تحاول أن تنافس بعضها البعض لطرح افكارها ونيل الاصوات لذا تقوم بدعايات خاصة بها وضد الآخرين ما يخلق الانقسامات، ولكن عندما نعلم اننا نعمل من اجل خير الوطن علينا تخطي الانقسامات وهنا الدور المهم للقادة الدينيين للذهاب أبعد من الاختلافات السياسية وتخطيها نحو أمر أكثر اهمية. واذا ذكرت الانقسامات بين المسيحيين في لبنان، لكل مواطن الحق في اختيار أي فريق او حزب يصوّت له، نحن كرجال دين علينا أن نذكر المواطنين انه يوجد دوما أمرا اكثر أهمية، حتى السياسة يجب أن تمارس مع احترام جوهري للآخر، لأنه في النهاية هذا يصب في مصلحة الجماعة ككل وفي خير المجتمع والأمة والوطن، هل نقوم بذلك؟ (…).
وردا على سؤال حول موقف الكنيسة الكاثوليكية من المثلية قال المونسينيور سبيتيري: “إن البابا فرنسيس كان واضحا جدا بالنسبة الى عقيدة الزواج في الكنيسة الكاثولية وهي بين رجل وإمرأة، إن قضية المثلية مشكلة اجتماعية يجب أن تتم دراستها بشكل أفضل، إن المسألة تتعلق بالمزيد من التسامح الذي يفرض ذاته لأسباب صحية احيانا او نفسية من اجل ترك الباب مفتوحا كي لا ندين الآخرين، لكن الزواج الكنسي هو فقط مسيحي بين رجل وامرأة وهذا واضح ولا يمكن أن نغيّر ذلك البتة، فالبابا لا يمكنه تغيير العقيدة بالنسبة الى الزواج المسيحي. من هنا اهمية الحوار الدائم حول هذه المسائل الحساسة”.
المداخلة الكاملة
وقدّم المونسينيور سبيتيري مداخلة في البداية حول زيارة قداسة البابا الى العراق في العام 2021 وقال:” كان ثمة رغبة عند معظم البابوات لزيارة العراق وخصوصا مدينة “أور”. في العام 2000 جرت تحضيرات لزيارة مماثلة من قبل البابا القديس يوحنا بولس الثاني، لكن الظروف لم تسمح بأن تصل التحضيرات الى خواتيمها. عند توليه مهامه اعطى البابا فرنسيس اهمية قصوى للحوار بين الاديان. ويجب ذكر أنه حين كان اسقفا لبيونس آيرس في الارجنتين اقام علاقات قوية مع المسيحيين والجماعات اليهودية والمشايخ المسلمين، ثم قام بدعوة هؤلاء الى روما حين تولى الكرسي الرسولي. إن زيارة قداسة البابا الى العراق في العام الفائت تشير الى علاقة تضامنية مع المسيحيين في العراق ومع شعبه كاملا. لكن من الواضح بأن فكرة زيارة “أور” شكلت لحظة رمزية لتذكّرنا بالأب المشترك لنا. يمثل ابراهيم العلاقة الايمانية بالاله الواحد ويذكّرنا بإمكانية كل واحد منّا لسماع نداء الله لنا كما فعل ابراهيم (…) وهذا يذكرنا بأننا جميعنا إخوة واخوات نمشي سويا لتحقيق ارادة الله. ان نستجيب لنداء الله هو ان نعمل سويا للسلام والعدالة والانماء. يعني الايمان أن نسأل الله أن يساعدنا، هكذا نعرف أنه لا يمكننا أن نحقق شيئا بذاتنا، نحن بحاجة لمساعدة الله في كل ما نقوم به، حتى السلام هو هبة من الله للانسانية، والله يسألنا دائما أن نرحّب بالسلام بقلب مفتوح لكي نتمكن من مشاركته مع اخوتنا واخواتنا. هذه الروحانية عاد اليها قداسة البابا مع شيخ الازهر احمد الطيب عندما وقعا وثيقة الاخوة الانسانية في 4 شباط 2019 في ابو ظبي. في الطائرة التي عادت الى روما من بغداد، اجاب البابا على اسئلة الصحافيين في طريق العودة، قال أنه يمكننا اعتبار توقيع وثيقة الاخوة الانسانية كأنها الخطوة الاولى الكبرى على طريق الاخوة، وزيارة المرجعية السيد السيستاني اليوم هو الخطوة الثانية وهذا يعني أننا نسير على الطريق من اجل معرفة بعضنا البعض لنتمكن من العمل سويا. هدفت وثيقة ابو ظبي الى تقديم مساعدة لتمتين الاخوة بشكل افضل وهذا يمكنه ان يساعدنا على الاحترام المتبادل والحوار الصادق. عندما يرتكز الحوار الى الاحترام فهو لا يلغي التعددية بل يساعد على الاغتناء من الاختلاف، حينئذ نعتبر الآخر هدية يمكننا التعلّم منه. والهدايا المتبادلة تغني العائلة الانسانية بأجمعها لأننا نضع في خدمة الانسانية مواهبنا المختلفة ونحن نبقى صادقين ومخلصين لتقاليدنا الخاصة.
تطلّب تحضير وثيقة أبو ظبي وقتا طويلا وأشهرا ويمكن اعتبارها وثيقة نبوية بطريقة ما لأنها تتطلع الى مستقبل الانسانية. لسنا متشائمين، ونعلم ان الله يمكننا بمعونته من القيام بشيء جيد، هذا يعني أنه يمكننا العمل سويا ضد الظلم ومن اجل الانماء البشري الاصيل ويمكننا ايضا ان نعمل سويا للحفاظ على الطبيعة وهي هدية لنا من الله. بهذه الخلفية، نصل الى اللقاء الذي حصل بين قداسة البابا وسماحة المرجعية السيد علي السيستاني في آذار 2021. كما قال قداسته إنها الخطوة التالية نحو الحوار والسلام واللقاء. وذكر قداسة البابا ما قاله آية الله السيستاني: نحن اخوة في الدين ومتساوون في الانسانية وهو شدد على هذه المساواة التي تجعلنا سويا. وقد عبر قداسة البابا حين كان يتحدث الى الصحافيين عن اعجابه العميق والبالغ بالسيد السيستاني، ووصف اللقاء بأنه كان لقاء مشرّفا، وقال بأن سماحته هو رجل متواضع وحكيم، وأن الاجتماع به كان له وقع جيد وجعله يشعر بالكثير من الارتياح وأن السيد السيستاني بحكمته يعبّر عن حكمة الله نحو العالم، وهذه هي الطريق نحو الاخوة. ومن الاماكن التي زارها قداسته كنيسة سيدة النجاة وهي تقع في مقابل السفارة البابوية، ونذكر جيدا الهجوم الارهابي التي حصل فيها. وعندما زار قداسته هذه الكنيسة شدد على الرجاء والأمل بالمستقبل، وكذلك عندما زار شمال العراق (…). وكانت زيارة الموصل مهمة، هنالك حيث الازمات الكبرى يمكن بناء مستقبل أخوة. ونقلا عما ذكره البابا في لقائه لسماحة المرجع الاعلى السيد السيستاني :” لقد كرر حديثا للامام علي بأن “الماس صنفان: إما أخر لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”.
هذه هي الرسائل الاساسية من زيارة قداسة البابا الى العراق”.