مارلين خليفة
بين تسويف اسرائيلي في الاجابة على اقتراح لبنان حول ترسيم الحدود البحرية وتقاسم الثروة الغازية بحسب الخط 23 زائد حقل قانا، وقرار “حزب الله” المبرم بالدفاع عن الثروة الوطنية واستعداده للخوض فيما يسميه المسؤولون فيه “التحرير الثالث” يقف لبنان والمنطقة على شفير اندلاع حرب لا تجمّدها لغاية اليوم سوى الحسابات الدولية والاقليمية وسط حرب اوكرانيا المشتعلة منذ شباط الفائت وازمة الطاقة الدولية.
لم يعط الجانب الاسرائيلي بعد الجواب النهائي بعد حول عرض لبنان في الخط 23 كاملا زائد حقل قانا كاملا، لكنه بعث برسائل من خلال الوسيط الاميركي آموس هوكستين تنمّ عن استعداده للقبول بالعرض اللبناني بشرط تأجيل المحادثات الى ما بعد الانتخابات التشريعية الاسرائيلية في تشرين الثاني المقبل خوفا من ان ينعكس اي تنازل سلبا على نتائج الانتخابات، بحسب ما قال لموقع “مصدر دبلوماسي” مصدر سياسي مطلع على مسار المفاوضات عبر الوسيط الاميركي مشيرا الى أن “الجواب اللبناني تمثل بأن لبنان ليس معنيا بالانتخابات الاسرائيلية وبنتائجها بل بالحصول على ثروته الوطنية”.
من جهتها، تشير اوساط مقربة من “حزب الله” لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن “الحزب يقف اليوم على عتبة التحرير الثالث للثروة الوطنية بعد تحرير الجنوب في العام 2000 ثم تحرير الجرود الشرقية من داعش، بمعنى آخر إذا وصلت المفاوضات الى مكان أدّت فيه الى عدم الحصول على ثروتنا النفطية فنحن ذاهبون عمليا نحو التحرير الثالث”.
وكانت شخصيات لبنانية التقاها هوكستين نقلت عنه قوله وجود “موافقة اسرائيلية مبدئية وليست رسمية بعد حول الخط 23 زائد قانا، ولكن التأخير يحصل بسبب الانتخابات الاسرائيلية العتيدة”.
ستنظم اسرائيل انتخاباتها التشريعية الخامسة في غضون 3 اعوام ونصف العام وذلك بعد حلّ البرلمان في 30 حزيران الفائت.
في هذا الوقت، أوقف الاسرائيليون أي استخراج للنفط والغاز من خلال السفينة اليونانية في حقل كاريش بحسب اعلان سابق، علما بأن عمل هذه السفينة كان يجب ان يبدأ في الاول من ايلول المقبل، وسط تسريبات متضارية في الصحافة الاسرائيلية حول مشاكل تقنية وتعطّل المعدّات. في هذا السياق، لا بد من التذكير بأن “حزب الله” الذي دخل في 2 تموز الفائت على خط الضغط العسكري من باب الدفع في اتجاه استخراج الثروة الوطنية لا الترسيم كان ارسل في تاريخه ثلاث طائرات مسيّرة غير مسلحة ومن احجام مختلفة باتجاه المنطقة المتنازع عليها عند حقل كاريش للقيام بمهام استطلاعية اسقطها الاسرائيليون.
وفي 31 تموز، نشر الاعلام الحربي لـ”حزب الله” مقطع فيديو لمنصات اسرائيلية لاستخراج النفط التقطت ضمن عمليات الرصد مهددا باستهدافها مع كلام لأمينه العام السيد حسن نصر الله قال فيه: “اللعب بالوقت غير مفيد”.
وتقول إسرائيل إن المنصة التي وضعتها أخيرا بحقل كاريش تقع ضمن منطقتها الاقتصادية الحصرية، أما لبنان فيقول إن المنطقة متنازع عليها.
وسط وساطات وتدخلات عدة لمنع نشوب حرب بين “حزب الله” واسرائيل حافظ الأمين العام لحزب الله على شيء من الهدوء الحذر في آخر خطاب له منذ يومين اثناء الاحتفالية الختامية لتأسيس “حزب الله” قبل 40 عاما، ودعا نصر الله الى الانتظار بضعة ايام للاتيان بالاجابة الاسرائيلية من قبل الوسيط الاميركي آموس هوكستين الذي تناقلت وسائل اعلام لبنانية انه سيعود الى لبنان في غضون أيام.
إن حظوظ وقوع الحرب وعدمها هي مناصفة في وقت يصرّ المسؤولون في “حزب الله” على القول:” إن حقنا سنأخذه”. لا يربط الحزب بحسب اوساط واسعة الاطلاع على مناخه الترسيم وبدء الاستخراج بأي استحقاق محلي (أي الانتخابات الرئاسية اللبنانية) ولا اسرائيلي، مع تأكيد على أن الحزب سيمنع اسرائيل من استخراج النفط في ايلول المقبل إذا لم يتم التوافق على حقوق لبنان وإلا فالذهاب حتمي نحو التصعيد.
في هذا السياق، هنالك قناعة لبنانية يتشاركها “حزب الله” من أن العالم لن يتحمل حربين في اوكرانيا وفي الشرق الاوسط وسط ازمة محتدمة للطاقة والوقود، وبالتالي لن تسمح الولايات المتحدة الاميركية بمغامرة اسرائيلية جديدة. من هنا يجد “حزب الله” في هذا التوقيت “فرصة ذهبية” للضغط على الولايات المتحدة الاميركية وعلى اسرائيل لتحصيل الحدود.
لكن، هذا القرار بـ”التحرير الثالث” تقف عنده عقبة عدم وجود اجماع وطني حول الحرب بل تفضيل للسبل الدبلوماسية المتبعة حاليا بوساطة اميركية، ولعل الدليل البارز هو البيان المشترك الذي صدر في 4 تموز الفائت لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير خارجيته الدكتور عبد الله بو حبيب والذي أشار الى أن “لبنان يرى أن أي عمل خارج اطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي الذي تجري المفاوضات في اطاره غير مقبول ويعرضه لمخاطر هو في غنى عنها”.
يعتبر “حزب الله” بأن الاجماع اللبناني غير متوافر على قضايا عدة كما أن احتمالات الحرب لا يمكن تحديدها لأن التهديدات متبادلة، ويستبعد “حزب الله” حصول اجماع، وبرأيه ان غالبية من اللبنانيين تؤيد ما يقوم به “حزب الله” لأنه صبّ في خدمة المفاوض اللبناني لتحصيل الحقوق. بحسب منطق “الحزب” كانت حقوق لبنان ستنحصر بما طرحه الموفد الاميركي الخاص فريديريك هوف في العام 2012 والذي ورسم الخط لي اقترح من خلاله ان يتم تقاسم المنطقة المتنازع عليها بين لبنان واسرائيل عند الحدود البحرية الجنوبية. حدود لبنان البحرية الشرعية تمتد على حوالى 860 كلم 2 والاقتراح يعطي لبنان مساحة 500 كلم2 وتعطى اسرائيل 360 كلم2. يعني ان ينال لبنان 60 في المئة من ثروات النفط مقابل 40 في المئة لاسرائيل لبنان وافق على أخذ الـ500 كلم2، ولكنه رفض التنازل عن الـ360 كلم2 فتم تجميد الاقتراح.
بينما صار لبنان اليوم بالخط 23 زائد قانا أي الـ860 كليومتر كاملة. وتشير الاوساط المقربة من “حزب الله”:” لو كان الوضع الحكومي متماسكا ولم يكن يوجد مسؤولين يخافون من العقوبات الاميركية لحصل لبنان على الخط 29 وليس 23″.
ولماذا لم يقم “حزب الله” بهذا التهديد اثناء التفاوض على الخط 29 الذي يعطي لبنان مساحة تفوق الـ860 كلم لماذا انتظر الى حين تراجع المسؤولون اللبنانيون عن هذا الخط ليبدأ بالتهديد؟
تشير الاوساط المقربة من “حزب الله” بأنه:”يجب الفصل بين موقف “حزب الله” من الترسيم وموقفه من الثروة الوطنية، إن الترسيم هو قرار الدولة اللبنانية، لا توجد لدى الحزب طوبوغرافيا ولا جيش يحدد الخطوط ولا تقع على الحزب مسؤولية القيام بهذا الامر الخاضع لمفاوضات ولمعاهدات دولية وقرارات امم متحدة، وبالتالي فإن الترسيم هو من مسؤولية الدولة اللبنانية. أما حق لبنان بالثروة الوطنية أي حق التنقيب والاستخراج والدفاع عن هذه الثروة فهو من ضمن مهام الحزب، ولولا التهديدات والمسيرات لما خرج الملف التفاوضي من خط هوف”.