“البوصلة”- مارلين خليفة
@marlenekhalife
ترتكز السياسة اللبنانية الى نسج التسويات في قضايا وطنية واقتصادية وسياسية حساسة، ومنذ تأسيس لبنان وخصوصا بعد الاستقلال كان “تبويس اللحى” دارجا لكنه اصبح فاقعا ما بعد الحقبة الممتدة من انجاز اتفاق الطائف ليتحول الى القاعدة لا الشواذ بعد 2005.
في الآونة الاخيرة، تسعفني الذاكرة على استعادة بعض الأمور التي تخضع لتسويات من تحت الطاولة: اكتشفت اخيرا أن الآنسة كيندا الخطيب التي اتهمت بالتعامل مع اسرائيل بسبب زيارتها للاراضي المحتلة عن طريق الاردن عادت للتغريد على صفحتها على “تويتر”، وهي بطبيعة الحال تتبع سياسيا للمحور السعودي الاماراتي ضد المحور الايراني، شأنها شأن جميع اللبنانيين المستقطبين بين المحورين. ليس هنا الموضوع، بل كيف خرجت كيندا؟ وبأية تسوية وبأية شروط؟ وخصوصا وأنها لا تزال تكتب ضد فريق لبناني بنفس عدائي موصوف هي التي اتهمت هذا الفريق يوما بأنه هو وراء ادخالها الى السجن لا زيارتها السرية لدولة الاحتلال؟
لنترك كيندا جانبا، ونصل الى مطران حيفا والنائب البطريركي للقدس والاراضي المحتلة موسى الحاج، فـ”سيّدنا” درج على حمل الدولارات من اسرائيل الى لبنان عبر معبر الناقورة، من خلال إذن أمني خاص لم نكن كلبنانيين نعلم بوجوده لشخصيات منها الحاج. المطران خالف القانون اللبناني بنقله اموالا وادوية الى لبنان لانها من دولة محتلة، واخبرونا في الاعلام بأنها لعائلات اشخاص مبعدين الى اسرائيل بسبب تعامل ذويهم مع العدو ابان الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان. هذا ما قيل، لكن حجم المبلغ الذي نقل مرارا وتكرارا في غضون عام ونصف العام وحجم الحقائب وعددها 20 بحسب ما كشف مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم في مقابلة تلفزيونية يشي بتمويل ما لجهات ما، وما قوّى هذا الاحتمال العظات المتكررة للبطريرك الماروني والتي اتسمت بالحدة والغضب مطالبة باستعادة الاموال ما طرح تساؤلات جمة. وبعد حملات اعلامية واخرى على السوشال ميديا وتهديدات و و و سكت الجميع بأمر ما. اوقف البطريرك عظاته النارية، خمد الاعلام ولم يعد احد يتطرق للموضوع، وقرأنا عن تسوية يقودها ناجي البستاني مع المعنيين عن الملف، وبطبيعة الحال سوف تبرئ “سيدنا” وأكاد أجزم بأنه سيعود “يكزدر” بين الناقورة ولبنان من دون أي وازع، وليس مستبعدا اعادة الـ660 الف دولار أميركي و30 ألف يورو التي نقلها في “الرحلة” الاخيرة اليه مراضاة لرأس الكنيسة المارونية الذي لم يجد غضاضة في الاعلان بأن المطران سينقل المزيد من الاموال، فمن اعجبه الامر اهلا وسهلا ومن لم يعجبه فليبلّط البحر! (طبعا البطريرك لم يقل ذلك حرفيا، لكن بهذا المعنى).
الحادثة الثالثة التي تخضع لتسويات ولكن على حساب المظلوم المودع بسام الشيخ حسين اللبناني الذي اقتحم الاسبوع الفائت مصرف الفدرال بنك في الحمرا لاستعادة وديعته وقيمتها 210 آلاف دولار أميركي لتطبيب والده ولأنها حق سليب بسبب سياسة المصارف، بسام صدّق من فاوضوه وسلم نفسه مكتفيا بـ35 الف دولار كما قيل في الاعلام. لكن بسام لا يزال معتقلا للآن في فرع المعلومات وهو ينفذ اضرابا عن الطعام قد يؤثر على حياته، لأـن المصرف وحلفائه لديهم كلمة مسموعة جدا لدى الجهاز الامني المعني، ويرفضون التنازل عن “حقهم القانوني” والقيام بتسوية مع بسام وهو مواطن ضعيف لا ظهر له مثل البطريرك او السعودية او ايران!
وجاءت بالامس حادثة طائرة الميدل ايست التي تعقبتها طائرتان حربيتان يونانيتان في اجواء اسبانيا، لأن القبطان وهو ابن مدير الشركة محمد الحوت “نسي” إدارة جهاز الراديو للرد على أية مخاطبات ترد للطيارين في الاجواء ما كاد يتسبب بمقتل 145 راكبا. وبطبيعة الحال، فإن القضية “ستتلفلف” بتسوية لأن والد الحوت هو اسم على مسمّى في صرف النفوذ لصالح “الخير الخاص”.
ولا يسعنا في هذه “البوصلة” تعداد كل التسويات وآخرها ما حيك في خصوص ترسيم الحدود البحرية، وللبحث صلة في هذا الملف. إلا أن هذا الواقع الشديد القتامة لن يعيد بناء دولة، وسيجعل حبل الفوضى القانونية يتفلت على غاربه، وسيشعر حتى المواطن النزيه الذي يحترم القوانين بأنه يمكنه خرقها وخصوصا إذا كان ذي سند قوي. التسويات هي الطريق الى شريعة الغاب وهذا ما نعيشه في لبنان.