“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
بدأ الرئيس الاميركي جو بايدن عصر أمس الجمعة زيارة تعتبر تاريخية للمملكة العربية السعودية وخصوصا وأن كسرت مقاطعة قادها الرئيس الديموقراطي للرياض على مدى عام وثمانية اشهر لأسباب مختلفة أبرزها عزم ادارته على ابرام اتفاق نووي جديد مع ايران، تعارضه السعودية لكن يبدو أنه مجمّد لغاية اليوم.
ولعلّ ما سرّع انعطافة بايدن نحو السعودية التي تعود علاقتها بالولايات المتحدة الاميركية الى عقود خلت وتحديدا الى حقبة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت هي الحرب الاوكرانية وازمة الطاقة التي بدأت تضيق الخناق على اوروبا، وسط ارتفاع جنوني باسعار النفط وزيادة التضخم في الولايات المتحدة الاميركية والعالم بشكل غير مسبوق، الى ضغوط تقوم بها الادارة الاميركية لزيادة انتاج النفط لا سيما في إطار أوبك +، ما سيقطع الطريق على روسيا للافادة من ازمة الغاز والنفط لمتابعة حربها على اوكرانيا والمستمرة منذ 24 شباط الفائت. تبدو القمة الثلاثية التي تنعقد في طهران بين رؤساء ايران وروسيا وتركيا ردا مباشرا وسريعا على زيارة بايدن للمملكة وعلى قمة جدة للامن والتنمية التي بدأت فاعلياتها اليوم السبت والتي تجمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والاردن ومصر والعراق مع الولايات المتحدة الاميركية. تكتسب هذه القمة اهميتها إذ تقدم تحالفا عربيا واضحا وصافيا امام الرئيس الاميركي، وتسنح بخلق فرص استثمارية وتجارية اميركية في السعودية ولكن ايضا في دول مثل مصر وهي تشكل قوة دفع لرؤية 2030 التي اطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ومن المنتظر أن توقع الولايات المتحدة الاميركية والسعودية عدة اتفاقيات وتتوج هذه القمة عودة اميركية الى حلفائها في الشرق الاوسط بعد قطيعة ادت الى نسج السعودية وشقيقاتها من الدول الخليجية تحالفات وقيام تعاون مع دول مثل الصين وروسيا والهند وهو ما ازعج الاميركيين، لكنها كانت رسالة خليجية حاسمة بأنه لم يعد من الجائز الرهان على الاميركيين وخصوصا بعد ابرام ادارة اوباما الاتفاق النووي مع ايران في العام 2015.
ويبدو بأن الولايات المتحدة الاميركية عازمة على الاستنزاف الاقتصادي والعسكري لروسيا، مما جعلها تعود ادراجها الى حلفائها التاريخيين وفي مقدمتهم السعودية، وثمة قناعة اميركية تولدت اخيرا أنه بالرغم من أن الصين هي اولويتها فإنه لا بد من التعامل المباشر مع قضايا تهم حلفائها في المنطقة وسط دفع اكيد من ملف الطاقة الضاغط والامن الغذائي وهدف أساسي للولايات المتحدة الاميركية هو دمج اسرائيل في المنطقة، ويسجل في هذا السياق فتح السعودية اجواءها للرحلات التجارية من اسرائيل. وتشير مصادر دبلوماسية الى أن زيارة بايدن هي اشارة لإيران ايضا بأن سياسة التوازن ستستمر في المنطقة وأن لا غلبة لدولة على اخرى حتى في حال حصول اتفاق نووي. لكن هل تتجه اميركا الى تغيير جذري بالنهج في المنطقة؟ الأمر متروك للمستقبل.
بالعودة الى قمة جدة تقول صحيفة “الرياض” السعودية بأن هذه القمة هي:” تأكيد على دور المملكة الريادي وثقلها ومكانتها العربية والاسلامية والدولية،واستشعارًا لثقلها الاقتصادي العالمي، وانطلاقًا من مسؤوليتها الإقليمية والدولية المترتبة على ذلك، ودورها المحوري في أمن واستقرار المنطقة”. وتضيف الصحيفة السعودية:
“كما تأتي تلبية قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للدعوة الكريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – لتؤكد الرؤية المشتركة لمنطقة يسودها السلام والاستقرار، وأهمية الالتزام بأمن المنطقة والتعاون الدفاعي والأمني، وحماية ممرات الملاحة البحرية وفقًا لمبادئ الشرعية الدولية.
وتهدف القمة إلى تأكيد الشراكة التاريخية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتعميق التعاون المشترك في مختلف المجالات، وتؤكد أهمية تطوير سبل التعاون التكامل فيما بينهم، وبناء مشاريع مشتركة تسهم في تحقيق تنمية مستدامة في المنطقة، والتصدي الجماعي للتحديات البيئية، ومواجهة التغير المناخي، بما في ذلك مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، اللتان أعلن عنهما صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وتطوير مصادر متجددة للطاقة، والإشادة باتفاقيات الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون والعراق.
كما تؤكد القمة أهمية التعاون الوثيق والرؤى المشتركة حيال عدد من القضايا والأوضاع في المنطقة، التي منها تأكيد موقف دول المجلس من دعم حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وإدانة هجمات الحوثي الإرهابية ضد المدنيين والأعيان ومنشآت الطاقة، والترحيب بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ودعم الحل التفاوضي بين الحكومة اليمنية والحوثي، والترحيب بالهدنة وتمديدها، وأهمية الالتزام باستمرار دعم الحاجات الإنسانية والإغاثية للشعب اليمني.
كما تؤكد على منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، ودعوة إيران إلى العودة لالتزاماتها النووية، والتعاون الكامل مع وكالة الطاقة الذرية، واحترام قواعد حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتعاون الإيجابي مع دول المنطقة والمجتمع الدولي، بما يحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وكذلك دعم العراق وأمنه واستقراره ورفاهه، ودعم الحلول السياسية لأزمات المنطقة كافة، وفقًا لقرارات ومبادئ الأمم المتحدة ذات الصلة، وأهمية استقرار لبنان واستقلال قراره السياسي، ودعم أمن واستقرار أفغانستان وعدم تحولها إلى ملاذ آمن للإرهابيين والمتطرفين. وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والسعي لحصول أطياف الشعب الأفغاني كافة على الحقوق الأساسية وفرص التعليم.
وفيما يخص الأزمة بين روسيا وأوكرانيا تأتي القمة تأكيداً على الالتزام بمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، ودعم جهود الوساطة، وتشجيع حل الأزمة سياسيًا من خلال المفاوضات، ودعم تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، ودعم جهود ضمان توفر إمدادات الغذاء والطاقة.
الاتفاقيات المعقودة
وأمس الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الطاقة، وأصحاب المعالي وزراء الاستثمار والاتصالات والصحة في المملكة العربية السعودية، مع نظرائهم في الولايات المتحدة الأميركية، 18 اتفاقية ومذكرات للتعاون المشترك في مجالات الطاقة والاستثمار والاتصالات والفضاء والصحة، وذلك على هامش زيارة الرئيس بايدن إلى المملكة.
وتأتي تلك الاتفاقيات في ضوء ما توفره (رؤية المملكة 2030) بقيادة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء من فرص واسعة للاستثمار في القطاعات الواعدة. ومن بين الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، 13 اتفاقية وقعتها وزارة الطاقة، ووزارة الاستثمار، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وعدد من شركات القطاع الخاص، مع مجموعة من الشركات الأميركية الرائدة، مثل شركة بوينغ لصناعة الطيران، وريثيون للصناعات الدفاعية، وشركة ميدترونيك، وشركة ديجيتال دايجنوستيكس، وشركة إيكفيا في قطاع الرعاية الصحية، وعدد آخر من الشركات الأميركية المتخصصة في مجالات الطاقة والسياحة والتعليم والتصنيع والمنسوجات. كما وقعت الهيئة السعودية للفضاء مع وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) اتفاقية (أرتميس) لاستكشاف القمر والمريخ مع وكالة (ناسا)، للانضمام للتحالف الدولي في مجال الاستكشاف المدني واستخدام القمر والمريخ والمذنبات والكويكبات للأغراض السلمية.
ووقعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات مذكرة تعاون مع شركة (IBM) الرائدة في مجال التقنية الرقمية، وذلك لتأهيل 100 ألف شاب وفتاة على مدى خمس سنوات ضمن ثماني مبادرات مبتكرة تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة مركزاً محورياً للتقنية والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كما وقعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات مذكرة تعاون مع الإدارة الوطنية للاتصالات والمعلومات الأميركية (NTIA)، تتضمن تعاون البلدين في مجالات تقنيات الجيل الخامس والجيل السادس، وذلك بهدف تسريع نمو الاقتصاد الرقمي وتعزيز وتيرة البحث والتطوير والابتكار في المنظومة الرقمية بالمملكة.
ووقع البلدان، اتفاقية شراكة في مجالات الطاقة النظيفة، تتضمن تحديد مجالات ومشروعات التعاون في هذا المجال، وتعزيز جهود البلدين في نشر الطاقة النظيفة والعمل المناخي بما في ذلك التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
كما وقعت وزارتا الصحة السعودية والأميركية مذكرة تعاون مشترك في مجالات الصحة العامة، والعلوم الطبية والبحوث، تهدف إلى دعم وتعزيز العلاقات القائمة في مجالات الصحة العامة بين الأفراد والمنظمات والمؤسسات، وتوحيد الجهود لمواجهة قضايا الصحة العامة والتحديات الطبية والعلمية والبحثية، وتبادل المعلومات والخبراء والأكاديميين، إضافة إلى التدريب المشترك للعاملين في المجالات الصحية والطبية، والتطبيق السليم لنظم المعلومات الصحية، والبحث والتطوير والابتكار الصحي.
وأمس الجمعة استقبل الملك سلمان بن عبد العزيز الرئيس بايدن وجرى استعراض العلاقات التاريخية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وسبل تعزيزها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين في شتى المجالات.
وحضر اللقاء، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني الدكتور مساعد بن محمد العيبان.
كما حضره من الجانب الأميركي وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان. وكان في استقبال الرئيس جوزيف بايدن الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، في قصر السلام بجدة أمس.