“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
بعد تعيين كاثرين كولونا وزيرة للخارجية الفرنسية خلفا لجان-إيف لودريان في الحكومة الفرنسية الجديدة التي تترأسها إليزابيت بورن في الولاية الثانية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا يزال الاهتمام الفرنسي موجودا بلبنان لكن لا توجد زيارات رفيعة في الأفق، ولا تزال المطالب الفرنسية تنصبّ على اصلاحات جوهرية، فيما يبدو أن استضافة فرنسا لمؤتمر خاص بالازمة اللبنانية مستبعد حاليا الى درجة أن مصدرا دبلوماسيا فرنسيا يقول لموقع “مصدر دبلوماسي”: “ ينبغي على اللبنانيين أن يخبرونا ماذا يريدون فعله، فليس على فرنسا ان تقرر عقد مؤتمر ما، بل على اللبنانيين ان يعبّروا عن احتياجاتهم، وفرنسا مستعدة دوما للمواكبة والدعم”.
يشدد الفرنسيون في العهد الرئاسي والدبلوماسي الجديد على اهمية تشكيل حكومة لبنانية بسرعة لمواكبة الانهيار الشامل والقيام بالاصلاحات المطلوبة، ويقول المصدر الدبلوماسي الفرنسي بأن “فرنسا ليست مهتمة بهوية رئيس الحكومة او اعضائها بل بامكانية تفعيلهم لاصلاحات مطلوبة من لبنان”.
يبدو جليا أيضا، بأن الانتخابات النيابية التي شكلت مدماكا ديموقراطيا مهما تجاوزه لبنان، هو استحقاق نال اعجاب فرنسا التي لا يتوقف المسؤولون فيها عند اكثريات واقليات نيابية. فيما يشددون على ضرورة عدم السماح بذهاب لبنان الى فراغ رئاسي طويل. يقول المصدر الدبلوماسي الفرنسي:” إن الموقف الفرنسي ينطلق من ضرورة تجنب الفراغ حتماّ، لا يجب أن يحصل فراغ رئاسي لأن لبنان ليس اليوم في اعوام 2014 و2015 و2016 فقد تبدّل السياق الاقتصادي، كذلك تغير السياق الدولي، ولا يمكن للبنان أن يسمح بفراغ في السلطة وسط ازمة
بنيوية”.
الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي هو بداية الانطلاقة
هذه هي الرسائل الاساسية التي توصلها السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو الى جميع المسؤولين اللبنانيين سواء الرؤساء الثلاثة أو رؤساء الاحزاب السياسية والكتل النيابية والنواب الجدد كما القدامى، تقول الرسالة:” يوجد لديكم على الطاولة حل وحيد هو بدء تطبيق الشروط التي تمّ تفصيلها في الاتفاق المبدئي الذي وقّع بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي في بداية نيسان الفائت. تضمنت هذه الوثيقة التقنية افعالا مسبقة مطلوبة من لبنان، وهي كناية عن أمور بسيطة وقاعدية: اقرار موازنة 2022، التصويت على قانون يتعلق بالسرية المصرفية يتيح رفع هذه السرية وسط شروط محددة بطبيعة الحال، اقرار قانون الكابيتال كونترول، اقرار قانون حول اعادة هيكلة النظام المصرفي، أي آلية تبتّ خسائر هذا النظام كل هذه التدابير تعتبر ضرورية من اجل تبني برنامج من صندوق النقد الدولي يسمح بتحشيد تمويل لصالح لبنان”. يضيف المصدر المذكور:” بطبيعة الحال إن المبالغ التي سيعطيها صندوق النقد الدولي لن تكون كافية ولا تتعدى الـ3 أو الـ4 مليار دولار أميركي، لكن هذا المبلغ يوفره صندوق النقد الدولي بحدّ ذاته، لكن تبني برنامج من هذا الصندوق سيترافق مع هبات وتمويل من قبل المانحين الدوليين، سواء أكانوا دولا او مؤسسات دولية، فرنسا البنك الدولي…وسيترافق ذلك ايضا مع اعادة جدولة للديون اللبنانية، وبالتالي قد تصل الهبات الى لبنان الى ما يقارب الـ16 مليار دولار في الاعوام القادمة، وهذا ما يحتاجه لبنان قطعا، ولا توجد حلول اخرى، أما كل ما يحكى خلق صندوق من اجل بيع املاك الدولة، او الاتكال على الاغتراب بشكل أكبر، كلها حلول غير مجدية، وخصوصا أنه لا توجد ثقة بالاقتصاد اللبناني وبالتالي لن تعمد الشركات الخاصة الى الاستثمار في هذا البلد”.
استحقاق تشكيل الحكومة
تعتبر الدبلوماسية الفرنسية انه يجب تشكيل حكومة ” سريع، لأنه يجب مواكبة المؤسسات الازمة التي يعيشها لبنان. وبالتالي من غير المفيد البتة ابقاء الحكومة حكومة لتصريف الاعمال طيلة عام، كما حصل في العام الماضي، هذا ليس ممكنا في الوضع الراهن”.
يقول المصدر الدبلوماسي الفرنسي الواسع الاطلاع:” إن الموقف الفرنسي واضح، يجب تشكيل حكومة، وقد تضمّ نفس الشخصيات، فرنسا ليست مهتمة بهويات الاشخاص، لا يهمها من يكون رئيس الحكومة ولا الوزراء وحقائبهم، المهم أن يكون الوزراء المعينين أكفاء وقادرين على تطبيق الاصلاحات المنتظرة، وبالتالي إن النتائج هي المهمة وليست الاسماء”. ويشير المصدر الدبلوماس يالفرنسي:”ونحن لا نسمح لأنفسنا بالدخول في هذا النقاش. نحن نقول انتم من حطمتم هذا النظام واليوم عليكم التوافق من اجل اعادة النهوض بالاوضاع والحل واضح ولن تحصلوا على اية مساعدات اذا لم يتم تطبيق هذه التدابير. وبالتالي يجب اعادة التوضيح، انه لن تكون هنالك مساعدات أو أية ملحقات اضافية من فرنسا أو أي جهة باستثناء المساعدة الانسانية التي نقدمها مباشرة للشعب اللبناني، لن تكون من مساعدة هيكلية او مالية للبنان اذا لم تطبق هذه الاصلاحات”.
الصندوق الفرنسي السعودي
وقعت فرنسا ملحقا اضافيا حول صندوق المساعدات الانساني للبنان في السعودية مع مسؤول ملف المساعدات السفير بيير دوكين، “انه صندوق فرنسي سعودي رديف يهدف الى تغذية المشاريع الانسانية، وهو لن يعمد الى أي تمويل هيكلي، فقط مشاريع انسانية تقدم المساعدة المباشرة للشعب اللبناني، وللآن توجد اولويتان: الصحة، والامن الغذائي، هنالك 30 مليون دولار وقد يزيد المبلغ، لكنه ليس هو الحل للازمة، إنه احدى الحلول التي نحملها من اجل التخفيف من آلام الشعب ولكنه لن يحسن الوضع العام”.
بسبب الحرب الاوكرانية، هل لا يزال الرئيس ماكرون مهتما بلبنان؟
يشير المصدر الدبلوماسي الفرنسي:”إن الرئيس ماكرون مهتم جدا بدعم الشعب اللبناني، وهذا سيستمر والامر واضح بعد الرسائل التي نمررها للبنانيين، من الهم التنبيه الى أنه توجد فرصة مع رئيس فرنسي يبقى متحمسا ويريد دعم لبنان لكن الامر يتعلق أيضا بالاعمال التي يقوم بها لبنان. إذا استمر لبنان بتأخير الاصلاحات المنتظرة ، ففي لحظة ما سوف تغلق النافذة ولن يعود بمقدور فرنسا تحشيد شركائها. لا يمكن لفرنسا انقاذ لبنان لوحدها، فهي مضطرة للقيام بذلك مع الشركاء الاوروبيين، والغربيين، والخليجيين، ولذلك علينا ان نعطيهم براهين
بأن لبنان يريد مساعدة نفسه. الوقت ضئيل جدا ويجب العمل بسرعة”.
رضى عن الانتخابات النيابية
ليس من افكار او مبادرات فرنسية جديدة إذن في ما يخص لبنان في عهد “ماكرون الثاني” بل ثمة استمرارية في العمل الفرنسي وبالمصلحة اللبنانية. انصبّ الاهتمام الفرنسي في الاشهر الاخيرة على ضرورة اجراء الانتخابات النيابية وبعد اتمامها في 15 أيار الفائت تنظر الدبلوماسية الفرنسية بإيجابية الى اتمام هذا الاستحقاق “بالرغم من بعض الشوائب البسيطة التي رافقته، لكن ما يهمّ الفرنسيين أن هذا الاستحقاق الديموقراطية قد أنجز بمشاركة لبنانية تضاهي تلك التي كانت في دورة العام 2018” كما يقول المصدر الدبلوماسي الفرنسي الواسع الاطلاع لموقعنا. يضيف المصدر المذكور: بأن “المفاجآت التي حملتها الانتخابات النيابية شكلت عاملا ايجابيا بالنسبة الى الفرنسيين”، وهذا يعني بأنه ” لم يكن كلّ شيء مكتوبا سلفا، وان هنالك تطلعات للشعب اللبناني تمّ التعبير عنها بشكل واضح وهذا أمر ايجابي”. إن عدم توصل البرلمان اللبنانية الى غالبية واضحة وصريحة ليس بالأمر الدراماتيكي بالنسبة الى الفرنسيين الذين يتعاطون بالملف اللبناني. ” إن مفهوم الاقلية والاكثرية في لبنان لم يكن يوما واضحا، حتى في الدورات التشريعية السابقة كانت توجد احيانا غالبية، لكن حين يصل الامر الى الحكومات تغيب أية غالبية”. يضيف المصدر الدبلوماسي الفرنسي: “لا يتمثل الرهان الحالي حول الاكثرية او الاقلية، ليس هذا مطروحا، إن التحدي اليوم يكمن في مواجهة الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي في البلد، وهذا ما تبلغه دبلوماسيتنا الى جميع المسؤولين اللبنانيين. فالبلد يمرّ في أزمة منذ 3 أعوام، حيث أن النظام مشلول، والبلد مفلس من المال باستثناء ما يرسله المغتربون والمؤسسات الانسانيّة، والاستثمارات غائبة كليا عن البلد، وبالتالي فإن الاولوية تتمثل في فرملة هذا الانهيار الاقتصادي والمالي، تشخيص الوضع وخصوصا في القطاع المصرفي، واستئناف العمل والانشطة كلها في البلد، بالنسبة الينا كفرنسيين هذه هي الاولوية”.