“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
الخبر المضلل للاعلام هو أن وزير الطاقة والمياه وليد فيّاض سحب يوم الجمعة الماضي في آخر جلسة لمجلس الوزراء “عروضا مغرية” لشركة لانشاء معملين جديدين لانتاج الطاقة الكهربائية في الزهراني ودير عمار في دير عمار والزهراني. الخبر الصحيح: هو أن وزير الطاقة لم يقدّم بالأصل أية عروض لمجلس الوزراء لأنه ليس مطلوبا منه ذلك بل إن أية عروض خاضعة لمناقصات تنافسية، وهذه العروض قيد البحث برسائل متبادلة أرسلت بموجبها هذه الشركات إجابات غير تفصيلية لا تعدو كونها “اعلان نوايا”. إذن ماذا سحب الوزير؟ سحب فيّاض بندا يتعلق بشركة استشارية هي “شركة فرنسا للكهرباء” “أو دي أف” كان طلب منها اعداد دفتر شروط للمناقصات تبين أنه غير جاهز ومكلف جدا.
الصحيح ايضا ان مجلس الوزراء كان طلب من وزير الطاقة وليد فياض الاستعانة باستشاري عالمي من اجل اطلاق مناقصة لبناء المحطات. وصودف أن عرض الاسشاري العالمي وهو شركة “أو دي أف” الفرنسية لم يجهز بعد لعرضه على مجلس الوزراء، ليعدّ على اساسه دفتر الشروط. في موازاة ذلك، ما يحكى عنه “كعروض مغرية” ليس موجودا بالأصل. جلّ ما في الأمر، أنه مطلوب من وزير الطاقة فقط أن يتواصل مع الشركات ومعرفة اقتراحاتها للمساعدة في وضع ملف استدراج العروض وليس من اجل أن يرسو عليها الخيار. ويقول وزير الطاقة والمياه في حوار لموقع “مصدر دبلوماسي” أنه لم يعد بالامكان أن يرسو الخيار على هذه الشركات بسبب اتفاق ثلاثي ضمّه مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس دائرة المناقصات جان العلية تم الاتفاق خلاله على اجراء مناقصات لاختيار العرض الافضل.
وسط هذه “الهمروجة” التي شارك فيها اعلاميون وصحافيون وناشطون سياسيون عبر حساباتهم على السوشال ميديا، يبقى أن الخبر الأهم للبنانيين هو أن وزير الطاقة والمياه وليد فياض تلقى اخيرا بموجب القرار 71 من مجلس الوزراء اللبناني تفويضا لكي يوقع عقود استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الاردن عبر الاراضي السورية بغية توليد الغاز ونقله ومبادلته. “الامور جاهزة” يقول فياض لموقعنا، مضيفا:” بحسب ما اسمعه فإن الادارة الاميركية تدعم وتضغط في اتجاه تحقيق هذا الموضوع بعد ان كان البنك الدولي قد اشترط توقيع العقود”.
في ما يأتي نص الحوار:
*معالي الوزير تريثت في عرض بندين على آخر جلسة لمجلس الوزراء بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة، ماذا عنهما؟
-إن البند الذي يثير اللغط يتعلق بدراسة استشارية كلفت بها شركة “أو دي أف” بغية اعداد دفتر شروط لمناقصة تريد وزارة الطاقة والمياه اطلاقها لبناء وانشاء معامل كهرباء وتمويلها وتشغيلها لاعوام طويلة قادمة، على طريقة الـ
EPC&financing
كنت على وشك التوصل الى نتيجة نهائية مع شركة الاستشارات الفرنسية العالمية وهي الذراع الاستشارية لشركة الكهرباء الفرنسية ولكي اعرض الدراسة على مجلس الوزراء لأخذ موافقته.
ماذا كانت تستهدف دراسة المناقصة العتيدة؟
– بناء معملين ومحطتي كهرباء وتمويلهما وتشغيلهما وذلك في دير عمار والزهراني.
*ما هو البند الثاني الذي سحبته ايضا؟
-موضوع اعداد مناقصة لاستدراج عروض لها علاقة بالغاز لمحطة الزهراني التي تحتاج الى محطة تغويز وعقد لاستجرار الغاز، وقد أعددنا دفتر شروط استند الى شروط معدة سابقا للتغويز في 3 محطات، وقد ركزناه على محطة واحدة.
*لم بدّلت رأيك وسحبت هذين البندين قبل 3 ايام من انعقاد آخر جلسة لمجلس الوزراء؟
-إن توقيت اطلاق مناقصة حاليا في مجال الغاز ليس مناسبا لأن الغاز غالي الثمن بشكل كبير عالميا.
*أليس لذلك علاقة بالغاز الموعود به لبنان من مصر؟
-له علاقة بطريقة مختلفة، نحن هدفنا أولا أن نستجرّ الغاز من مصر عبر الاردن وسوريا الى محطة دير عمار، إن كلفة هذا المشروع هو الاهم والاسرع والذي نعلق عليه آمالا كبرى، تبين أن الاسعار تبلغ بين الـ7 والـ10 دولار لل
MBTU
بينما وضع السوق العالمي للغاز وبحسب مشاوراتي يتجاوز الـ20 دولار اميركي للـ
MBTU
لذلك هو أغلى ثمنا بشكل كبير. فقررت اختيار التوقيت المناسب لكي نأخذ أفضل عروض للغاز.
*لكن، معالي الوزير قررت ذلك في آخر جلسة للحكومة بعد الانتخابات البرلمانية، يعني أن هذه المناقصة ذهبت الى أجل غير مسمّى؟
-لا، ليس الى أجل غير مسمى، لكن في الوقت عينه إن من يطلق مناقصة عليه ايضا أن يتحمّل مسؤولية اطلاقها ونتائجها. فأنا تهمني حلول جاهزة للتطبيق وتكون بأسعار مقبولة.
*ما المشكلة في دراسة الشركة الاستشارية الفرنسية؟
-هي أعدت لنا دفتر شروط لاطلاق مناقصة، وهي تحوي اجزاء فنية ومالية وقانونية واستشارية تجمعها الشركة بغية اعداد دفتر شروط. هنالك امور مالية وتتعلق بالتمويل واكلاف البناء ورأس المال…إن العرض الذي أتانا كرزمة هو مرتفع بقيمته من الشركة الفرنسية. الى ذلك، يريدون تقاضي كل استحقاقاتهم السابقة قبل بدء العمل وهي 3 ملايين ونصف المليون يورو، بالاضافة مليوني ونصف المليون يورو كآخر عرض مالي. أنا كنت أحب تقديم هذه العروض على أساس أن تكون جاهزة.
*متى سحبت البندين؟
-قبل 3 أيام من الجلسة بعد أن تبيّن أنهما غير جاهزين، لكن لا شيء يمنعنا اذا وصلنا الى صيغة مناسبة مع “أو دي أف”، أن نوفر لها التمويل وهو يبلغ 6 ملايين يورو، فإذا وفرنا تمويلا وتمكنا من تخفيض شروط التمويل التي وضعوها، يمكننا حينها ان نستغني ع دفع كل الاموال دفعة واضحة، مع الاستحصال على شروط تمكننا من التمويل، عندها يذهب خيارنا الى الشركة الفرنسية “أو دي أف”، عبر قرار استثنائي يتخذه رئيسا الجمهورية والوزراء.
*لماذا تأتي عروض عبر شركات خاصة ونحن نسمع ان المجتمع الدولي وفرنسا سيساعدون في حل المشكلة عبر منح؟
-إن جزءا من معادلة فرنسا للبنان ان تكون لدينا اسعار تفضيلية وارخص، وخصوصا وانه كانت لدينا عقود قديمة بالموضوع.
*ماذا عن عرض لسيمنز قرأنا عنه الكثير؟ واللغط كبير حول الموضوع؟
-هنا اللغط الذي يقع فيه الاعلام حاليا، أنا كل ما سحبته هو دفتر شروط لمناقصة. في ما يخص بقية الموضوع، أنا بموجب قرار مجلس وزراء سابق بتاريخ 14 نيسان 2022، والذي يشكل تعديلا لقرار متخذ في 6 نيسان من العام ذاته، هذا القرار ينص على أن مجلس الوزراء يفوّض وزير الطاقة متابعة إطار تنفيذ خطة الكهرباء واجراء مباحثات مباشرة مع المصنعين العالميين لمعرفة الحلول التي يطرحونها لانشاء محطات وتمويلها وتشغيلها. في هذا الاطار، بعثت برسائل لكي أتلمّس النوايا، وهم ردّوا برسائل اعلان نوايا. نحن أرسلنا الى شركات: جنرال الكتريك،وسيمينز وانسالدو وميتسوبيتشي، وهذه الشركات نعمل معها دوما. ونحن لا نعمل كثيرا مع المصنعين الشرقيين، لأنهم غير مثبتين عندنا في لبنان. ولأنه نريد أن نقوم بأمر مثبّت طلبنا منهم معلومات عما يمكن ان يقدمونه من عروض.
*اطلعت على “اعلان النوايا” كوزير للطاقة وهل اطلع عليه الرئيس نجيب ميقاتي؟
-الظاهر أن اعلان النوايا وصل ايضا الى أناس آخرين لأنني قرأت عنه في الاعلام وانا لم اوزّع شيئا للاعلام، لذلك لا اعرف من سرّب هذه الامور.
الرئيس ميقاتي طرح سؤالا عن موضوع البند الذي سحبناه، وشرحت سبب سحبه بأنه يمكن اكمال العمل من خلال تصريف الاعمال بقرار استثنائي. لكن تظهرت في الاعلام مسائل مغلوطة تماما، وكأنني أنا سحبت العروض من سيمنز وانا لم افعل ذلك، هذه العروض غير المكتملة ليست سوى اعلان نوايا لا تزال موجودة، ومن المفترض الاستمرار بالعمل عليها، لأن المستوى القانوني غير مكتمل، ونحن كلبنان نرغب بكونسورسيوم، وما يأتينا حاليا عروض مختلفة. اعطي مثلا: الجهة الممولة مثلا تكون احيانا عراقية او صينية او سواها، هذه الجهة الممولة هي التي تحظى بالاتفاق الاساسي وتتفق باطنيا مع سيمنز وانسالدو وسواهما حتى تقدم لها قطعا، في هذه الطريقة لا توجد شفافية وبالتالي الامر غير مكتمل كتركيبة قانونية. على المستوى الفني هذه العروض غير مطابقة للمخطط التوجيهي لشركة الكهرباء “أو دي أف”، لذلك يجب أن تصبح مطابقة. وعلى المستوى المالي، لا تزال التكلفة باهظة الثمن مقارنة بالسوق، تصل كلفة “الميغاواط” 800 الف دولار في احد العروض. وتكون كلفة التمويل 16 في المئة، وكلفة الكيلواط ساعة في احد العروض بين الـ4 والـ5 سنت قبل زيادة كلفة الفيول والغاز، لذلك كل هذه الارقام تشير الى أن العرض ليس مغريا كثيرا على المستوى المالي، فكيف إذا فكرنا بالتعاقد معهم بالتراضي؟ نحن وبحسب قرار مجلس الوزراء نريد ان نعمل بشفافية وبتنافسية، وباعداد مناقصة عمومية مع دائرة المناقصات، واستدراج عروض بالتساوي بين كل الناس.
*وما هو رأي الرئيس ميقاتي؟
-لما اجتمعت مع الرئيس ميقاتي ومع مدير عام دائرة المناقصات جان العلية كانت الفكرة باحتمال التوصل الى بعض العروض بشكل مباشر فيتم تقييمها ماليا بعد ان نجري مفاوضات للتخفيض، لكن بالتشاور مع دائرة المناقصات تم الاتفاق وتعديل قرار مجلس الوزراء ليكون العمل عبر اجراء مناقصة.
* يذكر انه صدر عن المكتب الإعلامي لوزير الطاقة والمياه البيان التالي:
“تعليقاً على ما تردد بعد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء من افتراءات واخبار غير دقيقة طالت وزير الطاقة والمياه واتهامه بالخضوع لضغوط سياسية، يهم وزير الطاقة والمياه الدكتور وليد فياض ان يؤكد على التالي:
أولاً: ان الوزير فياض ومنذ توليه وزارة الطاقة والمياه قد اثبت استقلاليته في العمل الوزاري بما يمليه عليه ضميره وواجبه الوطني وما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا وهو لا يخضع لأي ضغوط أو إملاءات من أية جهة كانت.
ثانياً: إن الوزارة قد ارسلت سابقاً الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء إقتراح تكليف مؤسسة كهرباء فرنسا (EDF) بإعداد دفاتر الشروط وملفات التلزيم لإنشاء معملين جديدين لإنتاج الطاقة الكهربائية في الزهراني ودير عمار. واستكملت بالتوازي التفاوض مع EDF ليتبين أن الكلفة المطروحة في عرض شركة مؤسسة كهرباء فرنسا مرتفعة. لذلك طلب وزير الطاقة والمياه التريث بإدراج البند لإفساح المجال أمام المزيد من المفاوضات مع الشركة على كامل المبلغ ومحاولةً منه لتخفيض المبلغ حرصاً على المالية العامة والمصلحة العليا للدولة،
هذا بالإضافة الى عدم توفّر التمويل المطلوب.
ثالثاً: بما يختص بالترويج الإعلامي لما يسمى بند معامل الكهرباء، يؤكد وزير الطاقة والمياه أنه لا يوجد ولم يُطرح أي بند لتلزيم معامل كهربائية جديدة كما أنه لم يستلم أي عروض مكتملة، إنما تسلمت الوزارة مراسلات من الشركات الصانعة الأربعة: سيمنس – جنرال الكتريك – أنسالدو- ميتسوبيشي كان آخرها بتاريخ 20/5/2022 أي تاريخ آخر جلسة لمجلس الوزراء، يبدون فيها إهتمامهم بقطاع الطاقة ومنهم من قدم عروضاً أولية بحاجة للدرس والتدقيق ولم يأتِ أي عرض مكتمل من النواحي الفنية والمالية والقانونية. وهنا نستغرب وصول هذه المراسلات لعدة جهات بالتوازي مع وصولها الى وزارة الطاقة والمياه.
وبالتالي لم تطلب وزارة الطاقة والمياه إدراج هذه العروض على مجلس الوزراء لأنها تفتقر بمعظمها الى التفاصيل التقنية والمالية، أما التي تحوي بعض من هذه التفاصيل فإن كلفة التمويل فيها تصل الى 16% ما يجعل كلفة إنتاج الكيلوواط أعلى من معدل كلفة الانتاج من كافة المصادر خلال الاعوام الماضية، ومن الأغلى في العالم على عكس ما يتم التسويق له. علماً أن العقود المقترحة هي طويلة الأمد وتصل الى 20 عاماً ما يحتّم أن تكون كلفة الكيلوواط متدنيّة.
أخيراً نعيد ونؤكد التزام وحرص وزارة الطاقة والمياه السير قدماً بتنفيذ خطة الكهرباء بحسب قرارات مجلس الوزراء في هذا الاطار وهي ليست بوارد السير بتوقيع صفقات بالتراضي لشراء الكهرباء بأثمان مرتفعة بل باعتماد الطرق القانونية السليمة التي تتيح المنافسة للجميع في اطار من الشفافية الكاملة بعيدًا عن أية شبهات”.