“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
“إن المكاسب التي حققتها المعارضة المسيحية المناهضة لـ”حزب الله” يوم الأحد مثيرة للإعجاب ولكنها لم تكن كافية لها لتوجيه المشهد السياسي. بشكل ملحوظ، استحوذت كتلة “حزب الله” – “أمل” على جميع المقاعد الشيعية البالغ عددها 27، مم أعطى هذا الفصيل تأثيراً حاسماً في الخيارات السياسية المقبلة (…)”. هذه الخلاصة عن الانتخابات البرلمانية التي جرت في لبنان ليست لسياسي لبناني تابع لمحور معين، بل لوكيل وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية السابق ديفيد هيل في مقال كتبه في موقع “ويسلون سنتر” في 18 الجاري فنّد فيه نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية التي جرت في 15 أيار.
أما الخلاصة الرئيسية لهيل الذي كان سفيرا للولايات المتحدة الاميركية في لبنان بين عامي 2013 و2015 فكانت كالآتي:” الواقع الذي ظهر يوم الأحد [في 15 أيار 2022 ] هو أنه في حين عانى حلفاء “حزب الله” المسيحيون من انتكاسات إلا أنّ الممارسات الديمقراطية والبنية السياسية الطائفية في لبنان تميلان إلى إحداث حالة من الشلل”.
لا يشذّ المساعد السابق لوزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد شينكر الذي شغل هذا المنصب في عهد الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب عن هذه الخلاصة الذي توصل اليها مواطنه هيل فيقول في معرض تحليله للانتخابات النيابية في إطار حلقة حوارية نظمها “معهد واشنطن” في 14 الجاري:” “أنا شخصياً لست متفائلاً بهذه الانتخابات ولا أعتقد أنّ على الإدارة الأميركية أن تراهن عليها. هنالك نظام معطّل في لبنان والانتخابات وفق قوانين انتخابية كهذه لن تصلحه بصورة واضحة”.
لكن اللافت أن التقييم الذي أجراه “حزب الله” أخيرا يتوافق مع التقييم الأميركي، سواء بتحليل الدور السلبي الذي لعبته الولايات المتحدة الاميركية إبان عهد ترامب وايصالها لبنان الى الانهيار او في شأن محاربة حلفاء “حزب الله” ولا سيما “التيار الوطني الحر” كما كشف شينكر بشكل فجّ، أو في قراءة نتائج الانتخابات التي قدمها ديفيد هيل وخصوصا لناحية الشلل المنتظر في الحياة السياسية اللبنانية.
في تقييمها للانتخابات الاخيرة، تتحدث اوساط “حزب الله” عن وجود 3 كتل كبرى: “حزب الله” وحلفائه القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي و”بقايا” 14 آذار والمجتمع المدني وما يسمى بـ”الشخصيات المستقلة”. مع الاخذ بالاعتبار عامل المفاجأة الذي يحتفظ به كل فريق لناحية فرز وولاء النواب المنتخبين من المجتمع المدني او الذين يضعون على جباههم يافطة “مستقلون” بحيث لن يفرز اللون الابيض من الاسود إلا عند المفترقات الصعبة في لبنان التي تتطلب تصويتا اكثريا في البرلمان الجديد الذي لا يحتوي اكثرية غالبة [ظاهريا] لأي فريق من الفرقاء. وبالتالي، وبحسب ما تقرأ شخصية وازنة مقربة من “حزب الله” لموقع “مصدر دبلوماسي” فإن:” مصلحة القوى المحلية الثلاثة تكمن في التسويات وإلا فأن البلد ذاهب نحو الشلل”.
هذه الخلاصة تعني عمليا بأن “همروجة” الانتخابات النيابية انتهت بلا نتيجة حاسمة كما توقع الاميركيون، وأن المرتجى لن يكون إلا بتسوية اقليمية تدق الابواب من سوريا حيث الحوار السعودي السوري في اوجه على اعلى المستويات الامنية والسياسية، وايضا في بغداد حيث لقاء مرتقب بين وزيري خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان من جهة وبين وزير خارجية ايران حسين أمير عبد اللهيان من جهة ثانية، يكون متوجا لحوارات بغداد من جهة وللقاءات سرية في مسقط وبغداد في آن بحسب معلومات حصل عليها موقعنا من اوساط دبلوماسية عربية وازنة.
دور حاسم لجبران باسيل في الانتخابات الرئاسية المقبلة
إذن يتطابق استنتاج “حزب الله” مع الخلاصة التي قدمها مسؤولان أميركيان رفيعان يعرفان لبنان جيدا. إلا أن الخلاصة الأهم التي توصل اليها “حزب الله” في معرض تقييمه للاستحقاق الانتخابي هي أنه وبالرغم من تراجع حليفه “التيار الوطني الحر” جزئيا في عدد النواب (من 28 في العام 2018 الى 22 في انتخابات 2022) فإن دور رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل “سيكون حاسما في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنه القوة المسيحية الاولى” بحسب تعبير الشخصية المذكورة التي تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” رافضة الكشف عن هويتها.
خلاصة رئيسية ثالثة، تتمثل في أن “الحزب” لا يعترف بمناصفة في التمثيل المسيحي بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” والمتهمة من قبل “التيار الوطني الحر” وحلفائه بـ”شراء الذمم”. تقول الشخصية المذكورة:”” لا توجد مناصفة مع “القوات اللبنانية” بل مثالثة معها ومع المجتمع المدني ومن يطلقون على انفسهم تسمية “المستقلين” وهم بطبيعة الحال ليسوا كذلك”.
اسئلة الى جعجع عن الاصوات التفضيلية
لا يمكن أن يتغاضى كثر من اللبنانيين والمراقبين عن دفع الرشى الذي واكب هذه الانتخابات بشهادة المراقبين، وثمة طعون قدمها “التيار الوطني الحر” ببعض النواب لهذا السبب تحديدا. يتباهى رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع بأنه ربح السباق الانتخابي مسيحيا بقرابة الـ45 الف صوت تفضيلي اكثر من باسيل. هنا تسأل الشخصية المقربة من “حزب الله”: ” جعجع يعيّر باسيل ويسأله كيف ربح [سامر التوم ] دائرة البقاع الثالثة[ وادغار طرابلسي ]دائرة بيروت الثانية]، ونحن نسأل جعجع: كيف نجح ايلي خوري في طرابلس؟ وكيف نجح انطوان حبشي في بعلبك الهرمل لو لم تصب له 4 آلاف صوت سنّي؟ طلع السفير السعودي وليد البخاري شخصيا وزار البيوت كلها في المنطقة لينجح انطوان حبشي”.
نتائج الانتخابات منفصلة كليا عن عمل المقاومة
الخلاصة الرابعة هو غياب أية تداعيات على عمل المقاومة بحسب تقييم “حزب الله”. تقول الشخصية المذكورة التي تحدث اليها موقع “مصدر دبلوماسي”:” لم يربط “حزب الله” في يوم من الأيام موقعه السياسي أو أداءه سواء أكان في الحكم أو في المعارضة بعمل المقاومة، حتى في وقت الانتخابات النيابية بالذات كانت المقاومة في حالة استنفار قصوى“.
للمفارقة أن ديفيد هيل كان توصل في مقاله الى الخلاصة ذاتها فكتب في معرض تفنيده “الاعتقادات الخاطئة”:” أحد الأوهام هو أنّ تقليص حضور “حزب الله” البرلماني وتحالفاته يقلل من قوته. في الواقع، إن نفوذ حزب الله في الانتخابات والبرلمان هو مجرد نتيجة ثانوية مفيدة لهيكل سلطته الموازية خارج الدولة القائمة على الأسلحة والمقاتلين والخدمات والأموال غير المشروعة. تمنح الانتصارات الانتخابية “حزب الله” الشرعية والوصول من الداخل إلى سياسة التأثير وعرقلة المعارضة وتوجيه موارد الدولة إلى ناخبيه الشيعة”.
من جهته، ماذا يقول حزب الله ؟ تقول الشخصية المقربة من الحزب:” تعرضت المقاومة لحملات سياسية وعسكرية وأمنية وضغوط اقتصادية متعددة، لم يؤثّر ذلك على عملها على الاطلاق، ونتائج الانتخابات الحالية في لبنان بغضّ النّظر عمّن يقول أنه الفائز أو الخاسر، لن تؤثر على عمل المقاومة بمجالها الأساسي وهو ردع العدوان عن لبنان”.
هكذا تبدو قراءة ديفيد هيل دقيقة، فلا يزال “حزب الله” لاعبا رئيسيا في الحلبة اللبنانية، ما يتطلب من الاميركيين “اعادة تقويم ما اذا كان لبنان يمثّل أولوية، وفهم سبب نمو “حزب الله “من “كيان إرهابي” صغير وخطير إلى وحشية كما هو عليه اليوم، على الرغم من أربعين عاماً من المعارضة الأميركية (…)”. كما كتب هيل.
مما لا شك فيه أن “حزب الله” وحلفائه خسروا الغالبية البرلمانية التي تمتعوا فيها في انتخابات 2018 والتي تجاوزت الـ72 نائبا، بالرغم من انهم لم يتمكنوا من استثمارها وخصوصا مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين في العام 2019. لكن، لا يغفل هذا الفريق في تقييمه مجموعة من العوامل التي أدت الى تراجع حلفائه انتخابيا، علما بأن “حزب الله” نال قرابة الـ370 الف صوت تفضيلي على مستوى لبنان وهو في كتلة الوفاء للمقاومة في المرتبة الاولى في هذا المجال.
اسباب التراجع: خلاف حلفاء المقاومة وخصوصا بري وباسيل
احد العوامل الرئيسية للتراجع يتمثل في أن حلفاء المقاومة لعبوا ضدّ بعضهم البعض على طريقة “يا قاتل يا مقتول”، فوقع الطرفان في فخ التفرقة التي تفيد الخصوم دوما، وليس عبثا من قال يوما:” فرّق تسد”. حلفاء “حزب الله” المتفرقين شكلوا استثمارا رابحا لخصومهم بسبب الاحقاد الشخصية والتباينات السياسية. تقول الشخصية المقرّبة من “حزب الله” والتي رفضت الكشف عن هويتها:” حلفاء المقاومة ضربوا انفسهم قبل ان يضربهم الآخرون”.
العامل الثاني يتمثل بمحاولات خارجية حثيثة مدعومة استخدمت أدوات داخلية لضرب “حزب الله” في بيئته الشيعية الأم باعتراف ديفيد شينكر الذي قال في الندوة الافتراضية التي أجراها “معهد واشنطن” في 14 الجاري تحت عنوان “ديناميات حزب الله والشيعة وانتخابات لبنان التحدّيات والفرص والتداعيات السياسية” ما لم يكن اصدقاؤه في لبنان يتخيلون أنه يمكن أن يتفوّه به الدّ اعدائهم. افاد شينكر بأنّ واشنطن “زرعت رجال أعمال شيعة”، مشيراً إلى أنّه “خلال توليه منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، سافر إلى لبنان عدة مرات، وفي كل مرةٍ كان يعقد لقاءات علنية مع رجال أعمال وصحافيين شيعة معارضين لحزب الله”، مسمّياً صحافيي موقع “جنوبية“، الذين التقاهم باستمرار”.
هذه المحاولات اخفقت في البيئة الشيعية، ولم تجد اصداء لها ضد الحليف الأول لـ”حزب الله” أي رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الذي كثرت الحملات الشعواء ضده ابان انتفاضة 17 تشرين 2019، فانتقل خصوم الحزب الى جناحه الثاني المتمثل بـ”التيار الوطني الحر”، وقد سرى اعتقاد سمعناه كصحافيين من دبلوماسيين خليجيين خصوصا كانوا يعملون في بيروت من أن الحليف المسيحي هش بسبب وجود اعداد كبيرة منه من العاملين في الخليج والولايات المتحدة الاميركية، وبسبب تشبثه بمصالحه الاقتصادية والمالية. وعد التيار بالمنّ والسلوى إن فكّ تحالفه مع “حزب الله” بحسب تصريحات عدّة لرئيسه جبران باسيل، وإلا فإن العقوبات ستكون له بالمرصاد، وهذا الذي حصل فوضعت عقوبات ماغنتسكي على باسيل في تشرين الثاني من العام 2020 في سابقة عقابية غير مألوفة على شخصية مسيحية. لنعود الى ما قاله ديفيد شينكر عن جبران باسيل، الذي أشار في خطاب الاحتفال بكتلته النيابية أخيرا بأنه سيضم تصريحات شينكر الى ملفه القضائي في الولايات المتحدة الاميركية حيث يعمل على نزع شرعية عقوبات قانون ماغنتسكي عليه. قال شينكر في ندوة معهد واشنطن: ” كنّا نحن من يقف خلف قرار خفض تصنيف لبنان الائتماني، وإدارة ترامب كانت حريصة على مزامنة إعلان خفض التصنيف مع فرضها عقوبات على بنك الجمّال، إذ فرضتها حينها في اليوم التالي فوراً”.
ولفت ديفيد شينكر في هذا السياق، إلى أنّ “واشنطن لم تكتفِ بهذا الحدّ بل فرضت أيضاً عقوبات على حليف “حزب الله”، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل”.
وأشار شينكر إلى مسألة الهجوم على التيار الوطني الحر و”تصويره على أنّه فاسد” بسبب علاقته بحزب الله، معتبراً أنّه “ليس من الواضح إن كان هذا الأسلوب سيؤثّر في خيارات القاعدة التصويتية المسيحية كما يراد لها”.
ربح ساحق للتيار الوطني الحر بنظر “حزب الله”
بناء على ما تقدّم من اعترافات فاضحة: يعتبر “حزب الله” بأن حليفه “التيار الوطني الحر” ربح الانتخابات النيابية ربحا ساحقا بعد “حرب كونية” شنتها عليه الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل بحسب قول باسيل في خطابه عشية صدور نتائج الانتخابات النيابية في البترون حيث نجح نائبا.
تقول الشخصية المقربة من “حزب الله في معرض تقييمها الانتخابي” لا يتوقف الانجاز الذي حققه باسيل على 22 مقعدا بل يتمثل الانجاز الحقيقي انه بقي موجودا على قيد الحياة السياسية بعد ان تكتلت ضده اميركا والسعودية والقوى المحلية”. تضيف الشخصية الوازنة:” قاوم باسيل وانتصر على الولايات المتحدة الاميركية والسعودية وأدواتهما المحلية، ولولا بعض الاخطاء والخلافات الداخلية بين حلفائنا وخصوصا في جزين أي بين حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” لكانت النتائج افضل بكثير، لكن، لا يمكن اغفال ان “التيار الوطني الحر” خاض حرب الغاء سياسية ضده بعد أن واجه في تسعينيات القرن الفائت حرب الغاء عسكرية”.
قانون المغتربين
الخلاف المستحكم بين باسيل وبري اطاح اذن بمقعدي جزين، واحد الاسباب قانون المغتربين الذي ادى الى خسارة ابراهيم عازار حليف بري في جزين ايضا، من هنا قال باسيل في خطاب له متوجها الى بري:” طابخ السم آكله”، وكان باسيل يريد حصر انتخاب المغتربين بمقاعد ستة بحسب ما نص عليه قانون العام 2017. في البقاع الغربي أعطى المغتربون ايضا لياسين ياسين وللائحة الثانية فخسر ايلي الفرزلي. كذلك لم تمكن مناصرو “حزب الله” في دول الخليج والمانيا والولايات المتحدة الاميركية من الانتخاب بحرية بسبب الخوف من ملاحقتهم، كون هذه الدول تضع “حزب الله” على لوائح الارهاب.
أداء الحلفاء
السبب الثالث اداء الحلفاء. لا يمكن اغفال سقوط عدد كبير من حلفاء سوريا منهم: فيصل كرامي، ايلي الفرزلي، اسعد حردان، وسواهم. برأي “حزب الله” أن اداء بعض المرشحين لم يكن جيدا سواء لجهة التعاطي مع الناخبين او لجهة اختيار شخصيات لم تكن ملائمة. تقول الشخصية المذكورة التي تحدثت الى موقعنا وهي مقربة من “حزب الله”:” لا يمكن القول أن حلفاء سوريا خسروا، فمحمد يحي (نائب عكار) هو الاول بأصوات السنة وهو حليف سوريا، وحزب الله نال 367827 صوتا تفضيليا في الدوائر كلها لكتلة الوفاء للمقاومة”.
طبيعة قانون الانتخابات
السبب الرابع يتمثل بطبيعة القانون وهو قانون نسبي. يقول احد السياسيين الذي واكب قانون 2017:” تمّ تفصيل القانون على مقاس جبران باسيل فربح به سمير جعجع، فلو لم يفصّل باسيل الدوائر كما يريد، لو تركها دوائر نسبية وكبرى لكان الوضع افضل بكثير”.
معركة رئاسة المجلس النيابي
تبقى أقرب المعارك متمثلة بانتخابات رئيس المجلس النيابي والمرشح الوحيد هو الرئيس الحالي نبيه بري، تطالب بعض شخصيات المجتمع المدني المنتخبة حديثا بألا يكون شيعيا. تضحك الشخصية البارزة في “حزب الله” معلقة:”لا احد يستطيع العبث بالتوازن الطائفي في البلد”.
ويبقى أن بري لا يريد أن يخسر اصوات “التيار الوطني الحر” التي ستعطيه ارجحية 70 نائبا عوض عن 50، لكن بين الطرفين احقاد عديدة آخرها معركة جزين، فهل سينجح “حزب الله” بـ”المونة” على باسيل؟ وهل يكون المخرج بأن يترك الأخير حرية الخيار لنوابه؟