“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
صبّت أصوات اللبنانيين في الانتخابات النيابية للعام 2022 رسائل حادّة في وجه كل القوى السياسية التقليدية القابضة على السلطة دون استثناء، وشكّل وصول كتلة قد تتعدى النواب العشرة من قوى منبثقة من انتفاضة 17 تشرين لصالح خلق بيئة برلمانية متغيّرة حتما.
تحتاج دراسة تأثير التصويت وانعدامه في انتخابات 2022 الى المزيد من الوقت وتحليل النتائج النهائية بعمق بحسب الدوائر والحواصل والتحالفات، إلا أن الأكيد أن تجديدا طفيفا دخل الى مساحة الاحزاب التقليدية التي بقيت ممسكة بزمام البرلمان الجديد مع تسجيل غلبة لبعض منها على البعض الآخر.
أولى هذه المتغيرات طاولت الدوائر المسيحية برمتها، وإذا كان متوقعا تراجع عدد نواب التيار الوطني الحر بـ3 أو 4 نواب نتيجة الملاحظات الكثيرة على أداء ممثليه في البرلمان والحكومة ونظرا الى الحملة المكثفة ضده منذ 6 اعوام، فإن المفاجئ كان تسجيل القوات اللبنانية تقدّما ملحوظا في تمثيلها النيابي المسيحي، في تطوّر لافت يكسر المقولة بأن جمهور القوات ثابت لا يزيد ولا ينقص. هل حقق سمير جعجع هذا التطور بزنوده الشخصية وعبر اقناع المسيحيين بصوابية خياراته السياسية؟ أم حقق هذا التقدّم بفضل الدعم الهائل سياسيا وماليا من المملكة العربية السعودية ليبقى شوكة في خاصرة حزب الله ولكي يخفف من وقع الغطاء المسيحي لخيارات الحزب؟ أم أن المسيحيين اقترعوا له “نكاية” بالتيار الوطني الحر الذي خذلهم وخصوصا معيشيا وانمائيا بسبب عوامل عدة؟ أم أن اعتكاف عدد كبير من العونيين التقلديين عن الاقتراع واعتماد المقاطعة هو من قوّى جعجع؟ كل هذه الاسئلة تحتاج الى تحليل معمّق وتمحيص قبل التوصل الى استنتاجات نهائية. الا أن الأكيد بأن الساحة المسيحية باتت منقسمة بشكل شبه متساو بين خيارين سياسيين مختلفين وستكون التجاذبات أكثر حدّة في السياسة مع خطر كبير في أن تنزلق الى مواجهات في الشارع إذا لم يلملم الطرفان الوضع بتسوية بينهما.
بالنسبة الى التيار الوطني الحر الذي تراجع بعدد نوابه، وخسر دوائر برمتها ابرزها جزين صيدا، وفقد المزاج الطاغي في كسروان وجبيل والمتن وبعبدا فإنه تلقى رسالة قاسية من المقترعين في لبنان والانتشار بأن اداءه يحتاج الى تعديل وإلا فإن تمثيله المستقبلي على المحك. غير أنه لا يمكن اغفال، أن التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل وبالرغم من “الحرب الكونية” التي شنّت عليهم تمكنوا من البقاء على قيد الحياة سياسيا، فيما كان المأمول ازاحتهم كليا من المشهد السياسي المسيحي والوطني، وهذا ما لم يحصل، حصل تراجع هو نتيجة رسالة قاسية من قاعدتهم ينبغي تحليل اسبابها، لكن حضورهم لا يزال مؤثرا وإن لم يعد طاغيا ومريحا، ما يحتّم أداء جديدا للتيار الحر ورئيسه يتلاءم مع مزاج القاعدة الشعبية المسيحية التي لا يمكن اغفال ان نصفها لم ينتخب احدا.
في ما يخص حزب الله وحركة أمل، فإن الحرب الكونية التي شنّت على الحزب تحديدا وخياراته في المقاومة باءت بالفشل، إذ تمكن حزب الله وحليفته في الحفاظ على المقاعد الشيعية من دون اي خرق يذكر، إلا ان نسبة الاقتراع تراجعت ما يشكل ايضا رسالة يتوجب على قيادتي الحزب والحركة أخذها في الاعتبار، كذلك تمكنت احدى شخصيات انتفاضة 17 تشرين الدكتور الياس جرادي من خرق لائحة الثنائي في دائرة الجنوب الثالثة ما يشكل رسالة ثانية يتوجب تحليلها، وايضا تمكن مرشح القوات اللبنانية انطوان حبشي من الفوز بمقعد في بعلبك الهرمل بالرغم من المحاولات الحثيثة لابعاده عن البرلمان في رسالة كانت لتكون واضحة جدا من الحزب تعود خلفيتها الى حوادث الطيونة المتهم فيها جعجع والقوات بقتل 7 من مناصري أمل وحزب الله.
في ما يخص المرشح الشيعي المنتمي الى حزب الله رائد برّو فقد تمكن ايضا من أن يحظى بمقعد في جبيل كسروان بالرغم من الحرب الضروس التي شنها عليه حزب القوات اللبنانية وقوى مناهضة لحزب الله ابرزها فارس سعيد الذي لم يتمكن من بلوغ عتبة البرلمان الجديد.
في ما يخص الدوائر السنية ولا سيما في بيروت الثانية وطرابلس وعكار كانت نسبة المقاطعة السنية ملموسة من دون أن يتمكن سعد الحريري من فرض مقاطعة شاملة كليا، إلا أنه يبقى الرابح الاقوى كشخص من دون ان تكون الطائفة السنية هي الرابح الاقوى بسبب تشتت قرارها بفعل تشتت الاصوات لجهات مختلفة من المهم معرفة اين سترسو في التحالفات المقبلة. نتائج طرابلس لافتة جدا مع فوز اشرف ريفي ولائحته بثلاثة حواصل ( النتائج غير نهائية بعد)، وتحقيق ايهاب مطر بالتحالف مع الجماعة الاسلامية نتيجة غير متوقعة جعلته ينافس على حاصلين، كذلك حملت مدينة طرابلس مفاجأة بعدم دخول النائب فيصل كرامي الى البرلمان الجديد.
أما ما يسمى بمجموعات تشرين التي انخرطت في المعركة الانتخابية شبه مشرذمة فإنها حققت بعض الخروق والفوز النسبي، إلا أنه في نهاية المطاف يجب انتظار تحالفاتها واين سيرسو كل نائب من نوابها في نهاية المطاف.
ويبقى اي تحليل نهائي وشامل لنتائج الانتخابات رهم بالنتائج النهائية، مع الاشارة الى أن
نسبة الاقتراع وصلت بعد إقفال صناديق الاقتراع على مستوى لبنان 41.01 بالمئة، بتراجع وصل إلى أكثر من ثماني نقاط عن العام 2018، عندما كانت 49.7 بالمئة. أي بخلاف نسب المشاركة في دول الاغتراب التي ارتفعت من نحو 56 بالمئة إلى نحو 63 بالمئة.