“مصدر دبلوماسي”
مقالات مختارة
مجلة الامن العام
ميشال كرم
بدأ العد العكسي للانتخابات البرلمانية المقررة في 15 ايار، مع انضمام المرشحين الى اللوائح قبل 5 نيسان الفائت، وعزوف من لم ينضو الى اي لائحة، التي يفرض القانون الانتخابي ان تكون مكتملة او غير مكتملة وتضم اقله مرشحا عن كل دائرة صغرى و40% من مقاعد الدائرة بما لا يقل عن 3 مقاعد
من المعلوم ان هذه اللوائح التي شكلتها الكتل السياسية والاحزاب (103 لوائح) ستتنافس على 128 مقعدا نيابيا مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وتتوزع هذه المقاعد على الطوائف والمذاهب كالاتي: 28 للسنة، 28 للشيعة، 8 للدروز، 34 للموارنة، 14 للارثوذكس، 8 للكاثوليك، 5 للارمن، 2 للعلويين ومقعد واحد للاقليات داخل الطائفة المسيحية، وسيقترع الناخبون الذين بلغ عددهم 3,967,507 بينهم 225,624 ناخبا خارج الاراضي اللبنانية، في 15 دائرة انتخابية للائحة واحدة مع امكان اعطاء الصوت التفضيلي لاحد اعضائها حصرا من دائرته الصغرى بغض النظر عن طائفته.
على الرغم من زيادة عدد المرشحين الذي وصل الى 1043 مرشحا بينهم 155 امراة في هذه الانتخابات مقارنة بـ976 مرشحا بينهم 111 امرأة في انتخابات 2018، ورفع رسم الترشيح من 8 ملايين الى 30 مليون ليرة لا يسترد سواء عاد المرشح عن ترشحه او فاز او حاز على 20 في المئة من اصوات المقترعين، فان الاموال التي دخلت الى صندوق خزينة الدولة ارتفعت بالليرة اللبنانية من 7,808,000,000 مليارات في دورة 2018 الى 31,290,000,000 مليار في دورة 2022 لكنها انخفضت بالدولار الاميركي من 5,205,000 ملايين الى 1,303,000 ملايين دولار.
يبقى الاهم من كل ما سبق في سياق التحضيرات، عملية الفرز التي لم يألفها اللبناني الا في دورة 2018، والية احتساب النتائج في النظام النسبي واشكالياته التي شرحها الخبير في الشأن الانتخابي كمال فغالي، فاوضح بداية ان عتبة التمثيل تساوي الحاصل الانتخابي (عدد المقترعين/عدد المقاعد)، وتشكل الحد الادنى من نسبة اصوات المقترعين التي يجب ان تتخطاها كل لائحة لكي تتمثل. واعطى مثالا على ذلك مستوحى من انتخابات 2018، فأشار الى ان دائرة جبل لبنان الاولى تنافس فيها سنتذاك خمس لوائح على ثمانية مقاعد ونالت كل من لائحة التغيير الاكيد: 26980 صوتا، لبنان القوي: 54544 صوتا، التضامن الوطني: 12551 صوتا، كلنا وطني: 2526 صوتا، عنا القرار: 18553 صوتا، وبلغ عدد المقترعين 115,154 فيكون الحاصل الانتخابي 14,394,25 صوتا. عندها تم استبعاد لائحتي التضامن الوطني التي نالت 12551 صوتا، وكلنا وطني التي نالت 2526 صوتا، لانهما لم يتخطيا عتبة التمثيل البالغة 14,394,25 صوتا. بعد استبعاد هاتين اللائحتين تم حسم اصواتهما من المقترعين للحصول على الاصوات التي يعتد بها لتوزيع المقاعد: 100,077 =15,077- 115,154 ليصبح الحاصل الجديد: 12,509= 100,077:8.
ورأى فغالي ان المشترع اللبناني اختار صيغة النسبية في اللوائح التي تطرح اشكاليتين: توزيع المقاعد على اللوائح وتوزيع المقاعد على المرشحين في اللوائح. ففي الاشكالية الاولى تحصل كل لائحة على نسبة من المقاعد توازي نسبة الاصوات التي تنالها، وتحتسب الكوتا الانتخابية بقسمة مجموع الاصوات في الدائرة على عدد المقاعد (الحاصل الانتخابي)، لكن غالبا ما تبقى اصوات غير مستعملة (الفضلات او الكسور) ومقاعد غير موزعة.
اضاف: ثم يتم ترتيب اسماء المرشحين في قائمة واحدة من الاعلى الى الادنى وفقا لما ناله كل مرشح من النسبة المئوية للاصوات التفضيلية في دائرته الصغرى، ويمنح المقعد الاول للذي جاء في المرتبة الاولى محققا اكبر نسبة من الاصوات التفضيلية من بين مرشحي اللوائح جميعهم، ويمنح المقعد الثاني للذي جاء في المرتبة الثانية، وهكذا بالتتالي على ان يهمل اسم المرشح لمقعد في الدائرة الصغرى تم اختيار نوابه، وان يتوقف التوزيع في لائحة استكملت حصتها من المقاعد. لقد تم توزيع 7 مقاعد مارونية (زياد الحواط 14424 صوتا تفضليا، نعمة افرام 10717 صوتا تفضيليا، شوقي الدكاش 10032 صوتا تفضيليا، سيمون ابي رميا 9729 صوتا تفضيليا، فريد الخازن 9081 صوتا تفضيليا، شامل روكز 7300 صوت تفضيلي، روجيه عازار 6793 صوتا تفضيليا)، وبقي مقعد شيعي تم توزيعه بحسب الكسر الاكبر فنالته لائحة عنا القرار (مصطفى الحسيني 256 صوتا تفضيليا).
ولفت فغالي الى ان تقديراته للنتائج المتوقعة للانتخابات في 15 ايار الحالي تستند الى الدراسات التي قام بها في كانون الاول 2021، التي ابرزت ان هناك غضبا شديدا لدى الناخبين في مختلف الدوائر والمناطق اللبنانية نتج من الازمة المعيشية والاجتماعية، حيث عبّروا عن شعورهم بالاذلال والفقر وتقلص قيمة مداخيلهم، محملين المسؤولية للقوى التقليدية التاريخية وبخاصة الى القوى الموجودة داخل السلطة وكذلك الى التي تداولتها، مما انعكس تعبيرا عن احجامهم عن الاقتراع لهؤلاء المسؤولين.
واشار الى ان الاسئلة كانت واضحة وشاملة لكل الناخبين على جميع الاراضي اللبنانية وتمحورت حول الاوضاع الاجتماعية التي تعصف بالبلد، وكان السؤال الاول عما اذا كانوا متاثرين بالازمة؟ فكان جوابهم بنسبة 83 في المئة معبّرة عن استيائهم من تدهور اوضاع حياتهم اليومية بشكل غير مسبوق، اما السؤال الثاني فكان عن المسائل التي يعتبرونها من اولياتهم في هذه الظروف؟ فجاءت الاجوبة، خلافا لما كانت في الدورات الانتخابية السابقة التي كانت ترفع خلالها الشعارات السياسية، بنسبة 95 في المئة جازمة بأن الاولوية هي لقضايا اقتصادية معيشية فيما الباقون الذين شكلوا 5 في المئة ركزوا على الاوضاع السياسية. في وقت نرى ان الاحزاب والقوى السياسية لم تاخذ في الاعتبار هذا المنحى الجديد لدى الناخبين من الطوائف كافة ولم تتلقفه، وما زالت ترفع شعاراتها السياسية من دون مقاربة هموم المواطنين ووجعهم ومعاناتهم.
وتابع فغالي: من البديهي ان يفرض نفسه سؤال عما اذا كان المستطلعون سيصوتون كالمرة السابقة او سيقترعون للتغيير؟ فكانت حصيلة الاجوبة كالاتي: 31 في المئة سيصوتون كالمرة السابقة، و69 في المئة بينهم 25 في المئة لا يرغبون في التصويت كالمرة السابقة، فيما الباقون مترددون او يفضلون عدم الذهاب الى صناديق الاقتراع. للمرة الاولى تصل نتائج الدراسات الى هذا المستوى، اذ كانت نسبة المقترعين في المرة السابقة تبلغ بين 65 و70 في المئة، ونسبة التغيير لا تصل الى اكثر من 15 في المئة، باستثناء “التسونامي” الذي حصل عند المسيحيين يوم خاض العماد ميشال عون الانتخابات النيابية.
وشدد على ان تقييم اداء الزعماء الرمزيين والتقليديين لم يأت لصالحهم كما كان يحصل في الدراسات السابقة لأن معدل ما حصلوا عليه من تأييد كان 4/10 وما دون. وبينت الدراسة ايضا ان هناك 52 في المئة كانوا متعاطفين مع الحراك المدني، لكن نسبة الذين ليس لديهم النية في المشاركة في الانتخابات كانت مرتفعة وتراوحت عند السنة بين 60 و70 في المئة، وعند المسيحيين والموحدين الدروز بين 40 و50 في المئة، وعند الشيعة بين 30 و35 في المئة.
اضاف: مؤشرات هذه الدراسة تفيد ان الناس ترغب في التغيير لكن عندما لا تلمس جدية في هذا الاتجاه ستمتنع عن الاقتراع وتبقى في منازلها. من هنا يمكن للمراقب ان يستخلص ان قوى التغيير لو انضوت في لائحة وطنية بشعار واحد وبرنامج واحد لكانت حصدت اكثر من نصف مقاعد مجلس النواب، لكن مع انتهاء مهلة تشكيل اللوائح، لم يحصل هذا الامر على مستوى معظم الدوائر، بل تشتتوا في لوائح عدة مما افقد ثقة الناخب بهم واندفاعته وحماسته للاقتراع لهم، وهذا ما سيؤدي الى تدني نسبة الاقتراع على جميع الاراضي اللبنانية.
ورأى فغالي ان قوى التغيير لم تتمكن من الانتظام في هذه المعركة الانتخابية لأنها لم تتمكن من تحديد هويتها خلال سنتين، ولم تتوافق على برنامج موحد مختصر مؤلف اقله من صفحة واحدة، ولم تتميز بخطابها وتوجهها الى هموم الناس بل كان خطابها سياسيا يختلف من مكان الى آخر وتغلب عليه الشعارات السياسية. تضاف الى كل هذه الاسباب مسألة الانانية التي تتحكم بمعظم مرشحي قوى التغيير وهذا ما فضحته طريقة تشكيل اللوائح والتهافت للدخول اليها حتى ولو مع القوى التقليدية. واعطى مثالا ينسحب على معظم الدوائر، ففي الشمال هناك لائحتان تضمان قوى تغيير جديدة هما: “شمالنا” و”مواطنون ومواطنات” مع الحزب الشيوعي، فيما هناك لائحة معوض التي تضم ايضا قوى تغيير وكذلك لائحة فرنجية. هذا التشتت لا يفضي الى النجاح.
واعرب عن اعتقاده ان نتيجة الدراسة تؤشر الى ان “حزب الله” وحلفاءه سيفوزون باكثرية نوعية بمعنى اكثرية ميثاقية، اي انه سيربح المقاعد الشيعية كلها او اغلبيتها الساحقة ونسبة كبيرة من المقاعد السنية، كذلك ستكون له حصة من الموحدين الدروز ومن المسيحيين بسبب خوضه معركة في ضوء تشتت قوى التغيير والمعارضة من دون منافسين اقوياء من 14 اذار مع عزوف تيار المستقبل عن الترشح، حتى ان الرئيس فؤاد السنيورة حاول تعبئة هذا الفراغ ولم يتمكن مفضلا الانسحاب. لذلك يخوض “حزب الله” المعركة من دون جهد يذكر وليس له مصلحة في تأجيل الانتخابات.