“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
طغى الاعتداء الذي تعرض له وزير الطاقة والمياه الدكتور وليد فياض على الاعتداء الاسرائيلي اول أمس الاحد باطلاق عشرات القذائف على جنوب لبنان، ونجح الوزير المسالم والمعروف بخفة دمّه ودماثته في أن يجمع الاضداد السياسيين حول شجب الاعتداء الذي تعرض له.
انهالت الاتصالات على الوزير فياض منذ وقوع “الحادث” معه ليل الاحد في أحد مطاعم بيروت: شخصيات من مختلف المشارب السياسية والاحزاب اللبنانية، ومن اتجاهات ومحاور متعارضة ومتخاصمة كانت تتصل به للاطمئنان. ولدى سؤاله عن الرسالة التي يوجهها للمعتدي ورفاقه يقول بمرارة يصعب عليه اخفاؤها في عينيه: “ليهتدوا وليفهموا أن التخريب لا يوصل الى حلول في لبنان”.
صعق الفيديو المتداول ليل الاحد عن اعتداء مجموعة من الناشطين يطلقون على انفسهم لقب “ثوار” على فياض عبر دفعه بعنف ووحشية بينما كان يجيب على اسئلة رجل طويل القامة ذو ضخامة جسدية وضحالة فكرية واضحة الرأي العام اللبناني، إذ عوض ان يتفاعل “العملاق الكرتوني العقل” مع افكار فياض ويناقشه لم يتمكن من مقارعته إلا بتوجيهه له لكمة شديدة على صدره.
في منزله في الحمرا، على مقربة من السفارة السعودية لا يبدو فياض أنه فقد حس الفكاهة المعروف به. يزوره اصدقاؤه في المنزل القرميدي القديم المظلل بالاشجار وهم متجهمين، وما إن يصافحوه ويتحدثوا اليه لثوان معدودة حتى تعلو الابتسامة وجوههم ويزيلون العبوس وهم يصغون الى تعليقاته الفائضة بالمرح. يقول لأحد المتصلين:” الحمد لله، هذه المرة لم أتأذى! كل شيء تحت السيطرة”. لا يسعى وليد فياض الى اسباغ صبغة دراماتيكية على الحادثة التي مرّ بها، ويتلقى اللوم بأنه يخرج للعشاء في توقيت سيء انتخابيا او بسبب الوضع المعيشي المتردي برحابة صدر راويا حقيقة خروجه. يخبر أنه كان متواعدا مع شريكه في العمل في اليونان، قصده مع زوجته لتسليمه بعض الملفات وانهاء عملية تفاوض حول مشروع مشترك قبل سفر الشريك. يشير فياض الى انه تلقى بينما هو في داخل المطعم اتصالا من ان مجموعات “ثائرة” متجهة نحو المكان المتواجد فيه مع نصيحة له بالخروج قبل وصولها.
لكن الوزير فياض الطافح بمحبة الناس، وصاحب الثقة واليقين بأنه يقوم بواجبه على اكمل وجه تجاه لبنان واللبنانيين أبى إلا أن يناقش هؤلاء، وهنا وقع في سوء التقدير. خرج وحيدا من المطعم الى الشارع، ولم يكن بعد قد تناول العشاء مع صديقه، وراح يشرح للمجموعة التي صار يعرف اعضاءها بسبب هجومهم على الوزارة منذ اسبوعين وتعقبها له مرارا، راح يشرح لهم ما أعدّه من عقود استجرار الغاز والكهرباء من مصر والاردن الى ما هنالك من تعقيدات متشابكة في ملف الكهرباء الذي تسلمه فياض في ايلول 2021 وزيرا في حكومة نجيب ميقاتي.
وفجأة ومن دون سابق انذار قام أحد الناشطين ويدعى ايلي هيكل –بحسب ما تم تداوله على تويتر- بدفعه بعنف، وكاد رأس فياض أن يرتطم بباب حديدي وراءه لولا العناية الالهية. وقامت هذه المجموعة وامثالها بتصوير الاعتداء ونشره عبر السوشال ميديا متبجحة “بالمواجهة” مع وزير الطاقة.
لم تشفع شهادات الدكتوراه التي نالها فياض من جامعات اميركا وفرنسا في اجتذاب احترام اولاد الشوارع له، فهذه المجموعة وعلى رأسها الشاب الذي دفعه وهو ملتح وصاحب عضلات مفتولة زينها بوسومات سوداء لا تعترف بالدكتوراه في الهندسة الالكترونية من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا “أم آي تي”، ولا يعنيها ماستر العلوم في الهندسة المدنية والبيئية من المعهد ذاته ولا شهادة الدبلوم في الهندسة من الـ
Ecole Polytechnique
الفرنسية في العام 1995 ولا يأبه هو واترابه من “قطاع الطرق” بشهادة الدبلوم الهندسية في الفن والصناعات من جامعة
Ecole Centrale
في باريس في العام 1995 وهي من اعرق الجامعات الفرنسية.
والمتحدث مع الوزير فياض، لا بدّ ان يكتشف منذ الوهلة الاولى كم هو “غربي المزاج” بمعنى انسلاخه الحتمي عن عقليات الضرب والخبط والعنف الجسدي، وهو باعتقادي لا يعرف نبض “الزعران” الذين يحكمون الشوارع في زمن الانهيارات المتتالية. كيف له ان يعرف وهو عاش في الخارج لفترات طويلة وتنقل في مناصب عدة وفي شركات دولية منها ماكينزي وبوز آلن هاميلتون وغيرها من الشركات في اميركا واوروبا والبلاد العربية ووضع الكثير من الاستراتيجيات والسياسات في مشاريع لقطاعات متعددة ومنها الطاقة والبيئة، بالتأكيد أنه لم يلتق في مساره اشباها لإيلي هيكل وعصابته.
يقدّم الوزير وليد فياض مثالا ممتازا عن اللبناني الناجح في عالم الاغتراب حيث عاش في الخارج بين عامي 1989 و2002 ولذلك شكلت “الدفعة العنيفة” أو “الدفشة” التي تلقاها ضربة لكلّ شخصية مسالمة سواء سياسية او اعلامية او صحافية او طبيبا او محاميا او عاملا بسيطا. هل يدعم ما حصل معه فرضية أن لا مكان للناس الاوادم في لبنان؟ يرفض فياض هذه المقولة ويقول لموقع “مصدر دبلوماسي“:” ابدا بالعكس، لبنان لا يوجد فيه مطرح لناس من امثالهم، لبنان ليس فيه مطرح إلا للناس الاوادم”.
وللدهشة يقول فياض أن الحادثة التي مرّت عليه البارحة ليست الاصعب في هذه الفترة التي تولى فيها وزارة الطاقة:” لا، ليست الاصعب، بل الأصعب تأخير البنك الدولي للتمويل لأننا وصلنا الى آخر مساحة في عمر الحكومة، ولدينا القليل من الوقت واريد أن انهي هذا الموضوع”. وما هو سبب تأخير البنك الدولي؟
-“يقول البنك الدولي انه يطلب مزيدا من الوقت لدراسة الجدوى السياسية”
يشرح فياض للرأي العام ما كان يشرحه للمجموعة المعتدية ليل الاحد:” لقد انجزنا عقد استجرار الكهرباء من الاردن برمته، ثم قال لنا الاميركيون عبر البنك الدولي وكذلك مسؤول ملف الطاقة الاميركي آموس هوكستين انه من الافضل العقود مع مصر اولا ثم يليها الاردن بالرغم من اننا كنا قد وقعنا العقد مع الاردن. ثم انهينا مصر نهائيا، وعادوا الى موضوع التمويل وعوض ان يقوم البنك الدولي يوم الجمعة الماضي أي منذ 10 ايام بعد اجتماع المجلس التنفيذي للبنك بالدخول في مرحلة مفاوضات رسمية مع لبنان على القرض طلبوا المزيد من الوقت لدراسة جدوى سياسية ولم تنته بعد فاصبروا معنا قليلا. لكن المشكلة أن الوقت ضيق وهو ثمين ومكلف، إذ تبلغ كلفة الكهرباء شهريا على لبنان حوالي 80 مليون دولار”. ومن يتهم بما حصل معه؟ يجيب فياض:” انهم مجموعة من المخربين الذين سبق وحطموا الوزارة وكسروا المكاتب، هي عصابات لا اعرف من ارسلها وانا كنت متكلا على أمن الدولة لكي يأخذ القضاء مجراه ويوقفونهم عن الاعمال التخريبية، والظاهر لم يتخذ الامن اجراءات بحقهم وعلى الأمن ان يأخذ اجراءاته بعد ان توصلوا الى الاعتداء الجسدي”.
وعن الخطوات المقبلة يقول الوزير فيّاض:” لدينا مرحلة دقيقة مع بقاء اسبوعين تقريبا من حياة هذه الحكومة، وبالتالي من المهم انهاء اكبر عدد ممكن من الانجازات الضرورية في قطاع الطاقة ومن ضمنها انهاء العقود مع مصر ومع الاردن وسوريا، بالنسبة الى نقل الغاز ومن ضمنها قانون حفظ الطاقة والامور المالية المتعلقة بمحطات تكرير المياه ودفع المستحقات عن السنين الماضية لكي نستفيد من وعد الاتحاد الاوروبي بتمويلنا للاعوام الثلاثة المقبلة في هذه المحطات وتضمينهم مع مؤسسات المياه التي لا تتضمن اليوم امورا بيئية محددة، لدي العديد من الملفات لاعرضها على مجلس الوزراء لكي يوافق عليها قبل ان يتأخر الامر، وطبعا موضوع الكهرباء رئيسي ومن ضمنه الترخيص لـ11 شركة او 12 شركة ربحت بمناقصات لتوليد الطاقة الشمسية”.
ويحرص فياض على تعداد ما تم احداثه في عمر الحكومة القصير: تشريعات حول الطاقة الشمسية، مشروع قانون الطاقة المتجددة والموزعة وقد قبل فيه مجلس الوزراء ووصل لمجلس النواب، وقانون حفظ الطاقة الذي سيتداوله الخميس مجلس الوزراء وهي اساسية في اصلاح قطاع الطاقة ويتم العمل على التراخيص لشركات محطات توليد طاقة شمسية حيث يتم العمل على الترخيص لهم وقد انتهت مرحلة التفاوض، ويتم العمل على المناقصة الخاصة بالغاز في الزهراني
FSRU
وثمة شركات مهتمة وهذا يساعد لبنان على زيادة ساعات التغذية عبر استخدام المحطات الموجودة، كذلك يتم العمل على استدراج عروض من مصنعين عالميين لمناقصة لتعيين استشاري فني لبناء محطات جديدة بآليات تمويل بمشاركة القطاع الخاص عبر الشراكة مع القطاع العام.