“مقالات مختارة”
مجلة “الامن العام”
مارلين خليفة
منذ ان وجه وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبدالله بوحبيب تعميما في نهاية كانون الثاني الفائت الى رؤساء البعثات الدبلوماسية اللبنانية “للتواصل مع الجاليات والجمعيات الاغترابية لتغطية نفقات تشغيل البعثات”، وضعت وزارة الخارجية تحت مجهر الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي .
بدأ العمل على اعادة هيكلة نفقات وزارة الخارجية والمغتربين للمرة الاولى منذ تأسيسها وتحديدا منذ تشرين الثاني 2021. فرض هذا الامر الوضع الاقتصادي والمالي الصعب في لبنان، مما حتم على وزارة الخارجية والمغتربين القيام “بعملية اعادة تقييم شاملة لبنود نفقاتها كافة، بغية تخفيض ما يمكن لاسيما ما يسدد بالعملة الصعبة” بحسب التعميم المذكور، الذي يضيف بأن الوزارة تدرس “امكان اقفال عدد من البعثات اللبنانية في الخارج كتدبير مالي طارئ اعتمده عدد كبير من الدول التي اجتاحتها ازمات مالية مماثلة”.
اثار التعميم تساؤلات حول تداعيات دعم الجاليات في دفع النفقات التشغيلية على عمل البعثات، واثيرت في السياق ذاته سجالات تتعلق برواتب السفراء التي تعتبر مرتفعة في حالات معينة، واعتماد البعثات اللبنانية استئجار مبان فخمة سواء لمقار البعثات او لاماكن سكن السفراء والدبلوماسيين. تشعبت التساؤلات سواء من الاعلام او من اعضاء السلك الديبلوماسي انفسهم حول جدوى عصر نفقاتهم في حين تمت زيادة الرسوم القنصلية، وجدوى رفع وزارة الخارجية والمغتربين بالاتفاق مع وزارة المال كلفة جواز السفر في الخارج. لكن السبب الاهم الذي يحدو لبنان الى الابقاء على اعفاء دول عدة، ابرزها دول الاتحاد الاوروبي الـ27 والدول العربية والخليجية من رسوم تأشيرات الدخول التي تشكل موردا ماليا مهما، وذلك منذ العام 2003 بقرار من وزير المال السابق فؤاد السنيورة، وكذلك اعفاء هذه الدول من رسوم مصادقة المعاملات التجارية.
تشرح اوساط ديبلوماسية معنية في وزارة الخارجية والمغتربين خلفيات التعميم المذكور، مشيرة الى ان الوزارة “تقوم باعادة هيكلة لنفقاتها ووارداتها، وهي بدأت منذ تشرين الثاني 2021 تطبيق لائحة جديدة للرسوم القنصلية في مراجعة تأخرت 17 عاما، وعادة ما تعيد الدول النظر في الرسوم القنصلية كل عامين او ثلاثة فتدخل تعديلات بحسب كلفة المعيشة. تهدف وزارة الخارجية والمغتربين من هذه الخطوة زيادة وارداتها، ونتيجة لذلك سترتفع نسبة الواردات بنسبة 55 في المئة اي من 13 مليون دولار اميركي سنويا الى 20 مليون دولار بحسب التوقعات”.
عن اهمية التعميم الذي اثار جدلا في الاوساط الدبلوماسية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي وفي بعض التقارير الاعلامية المجتزأة حول تخفيض النفقات، تقول الاوساط الديبلوماسية: “توجد ازمة مالية كبرى، لذا تعيد الوزارة اعادة هيكلة لنفقاتها كلها ودراسة للجدوى الاقتصادية والاغترابية والسياسية لوجود بعثاتنا في الخارج، وهو اجراء روتيني تقوم به دول عدة حين تمر في ازمات مالية”.
يبلغ عدد البعثات الدبلوماسية اللبنانية في الخارج 89 بعثة، 74 سفارة و15 قنصلية عامة، ستخضع هذه البعثات لتخفيض في عددها ايضا وسيقفل عدد منها بموجب خفض النفقات. وفيما يتردد في الاوساط الدبلوماسية ان عدد البعثات التي ستقفل يبلغ 10 ترفض الاوساط الدبلوماسية في وزارة الخارجية تحديد العدد، وتقول لـ”الامن العام”: “هذا قرار يتخذه مجلس الوزراء، نحن نعد دراسة مفصلة في هذا الشأن سنرفعها اليه قريبا”. هنالك جزء من تخفيض النفقات يتعلق بتخفيض بدلات الاغتراب اي رواتب السفراء والدبلوماسيين التي تعتبر خيالية في بعض الحالات وتصل الى 20 الف دولار اميركي شهريا.
تقول الاوساط الدبلوماسية: “ثمة بندان في النفقات، جزء يتعلق برواتب الدبلوماسيين المتعارف عليها ببدلات الاغتراب، وآخر يتعلق بالمكاتب ودور السكن. بالنسبة الى النقطة المتعلقة بالايجارات، بدأت الوزارة معالجتها ولكل بعثة خصوصيتها بحسب تاريخ انتهاء عقد الايجار، ولغاية الان بلغ التوفير 4 ملايين دولار، ونحن مستمرون اذ نطلب من بعثاتنا الانتقال من الاماكن المستأجرة الى منازل اصغر تكون لائقة وتحافظ على كرامتهم لانها تعكس صورة البلد، لكن مع اعتماد مساحات اصغر تماشيا مع الوضع الاقتصادي في لبنان. ينسحب الامر ذاته على المكاتب، حيث بدأت البعثات منذ 8 اشهر نقل مكاتبها تدريجا كلما انتهى عقد ايجار، ويتم اعتماد مكاتب بمساحات اصغر وبايجارات اقل كلفة”.
بالنسبة الى بند الرواتب، تشرح الاوساط المذكورة: “اعدت الوزارة مشروعا يتعلق بتخفيض الرواتب بنسبة اجمالية تبلغ 9 في المئة، فيما بلغ تخفيض الرواتب التي تسبب اشكالية 25 في المئة، علما ان عدد الدبلوماسيين في الخارج يبلغ 160 دبلوماسيا، الا ان رواتبهم ليست كلها عالية، وسبب ارتفاع بعض الرواتب هو بسبب دخول الشخص المعني الى السلك الدبلوماسي من سلك آخر تكون فيه درجاته عالية فينقلها معه”.
هل يؤثر هذا التخفيض على مستوى معيشة الدبلوماسي، خصوصا وان زوجة السفير لا تعمل ولديه مصاريف خاصة ونفقات بروتوكولية وضمان صحي وتكلفة مدارس وسواها؟ تقول الاوساط الدبلوماسية في وزارة الخارجية والمغتربين: “نحن نحاول مواكبة الوضع الذي يرزح تحته لبنان، فيتحمل الجسم الدبلوماسي جزءا من الاعباء التي سيتقاسمها الجميع. على الدبلوماسي المساهمة ايضا بنسبة تكون مقبولة ومنطقية، فيكيّف نفسه وموازنته مع الوضع الجديد المستجد في لبنان بطريقة تحافظ على كرامته وبشكل تساهم فيه وزارة الخارجية والمغتربين والدبلوماسيين بتحمل جزء من هذه المسؤولية الجماعية”.
تبلغ موازنة وزارة الخارجية السنوية 115 مليون دولار، 95 مليون دولار منها بالعملات الصعبة، والبقية هي للادارة المركزية. هنالك 6 ملايين دولار (جزء من الـ95 مليون دولار)، هي مساهمات تدفعها الوزارة الى منظمات دولية وليس الى وزارة الخارجية علاقة مباشرة بها، كاشتراكات لبنان في الاونيسكو وفي محكمة العدل الدولية ومنظمة الفاو وسواها.
تشير الاوساط الدبلوماسية: “تقدمت الوزارة باقتراح بنقل اعتمادات هذه الاشتراكات الموضوعة على موازنة وزارة الخارجية والمغتربين الى الوزارات المعنية (كالتربية والثقافة) اذ يمكنها الافادة منها اكثر ان اشرفت على دفع اشتراكاتها”.
وعن رفع رسوم المعاملات في الخارج ومنها جواز السفر بقرار من وزارة الخارجية، تشرح الاوساط الدبلوماسية: “كانت كلفة جواز السفر قبل رفع الرسوم القنصلية 44 يورو (سنويا) وقد اصبح سعره يوازي اليوم تقريبا 60 يورو، وبالتالي ليست الزيادة دراماتيكية كما يصورها البعض. لكن، الفارق ان المواطن يدفع في الخارج بالعملة الصعبة، بينما يدفع في لبنان بحسب سعر السوق السوداء وبالتالي صار يشعر بأن المبلغ اقل بكثير”.
عن عدم استيفاء رسوم على تأشيرات الدخول للدول الاوروبية والعربية وسواها، وكان وزير المال فؤاد السنيورة الغى استيفاء لبنان لهذه الرسوم منذ العام 2003؟ تشير الاوساط المذكورة: “ليست كل الدول معفاة من رسوم التأشيرة، بل البعض منها ونسبتها ضئيلة وهي ليست ذات تأثير وازن”.
كيف لا تؤثر و27 دولة اوروبية معفاة منها؟ تجيب الاوساط الدبلوماسية متسائلة: “هل لدى لبنان ملايين السياح الاوروبيين الذين يدخلون الى اراضيه؟ كما ان غالبية من يقصدون لبنان يحملون جوازي سفر اجنبي ولبناني، وبالتالي فان نسبة السياح الاجانب ضئيلة جدا ولا تغير في المعادلات. اما اعفاء الدول العربية فهو بهدف تشجيع السياح على المجيء الى لبنان، وبالتالي ان رسم 40 او 50 دولارا اميركيا هو مصدر دخل، لكن مصدر الدخل الاكبر هو السائح الذي يأتي الى لبنان ويصرف اموالا في البلد ويحرك العجلة الاقتصادية، وبالتالي ان هذا الرسم لا يؤثر في المعادلات لأنه مبلغ زهيد جدا”.
اما المورد الثاني الذي تخلى عنه لبنان طوعيا ايضا، فهو استيفاء رسوم المصادقة على المعاملات التجارية، بقرار من وزير المال السابق ايضا فؤاد السنيورة في اثناء التفاوض مع منظمة التجارة العالمية. وقد بدأ لبنان تطبيق قيود هذه المنظمة منذ العام 2003 من دون ان ينضوي فيها لغاية اليوم!
تشير الاوساط الدبلوماسية: “بالنسبة الى المصادقة على الرسوم التجارية فنحن نتقاضاها على المرفأ. هناك اتفاقات تجارية عقدها لبنان ليس مع منظمة التجارة العالمية فحسب، بل مع منظمة التجارة البينية العربية ومع الاتحاد الاوروبي، وهي تفرض على لبنان شروطا معينة، وتغييرها يحتاج الى قرار لمجلس الوزراء ونحن لدينا اتفاقات مع هذه الدول ونستوفي الرسوم هنا على المرفأ. هذه الاموال كلها تحوّل الى الخزينة. فالسفارات، حين تستوفي الرسوم تحولها الى خزينة الدولة بحسب قانون المحاسبة العمومية، فتذهب المبالغ الى الموازنة العامة ثم توزع بالانفاق”.
في المحصلة، يحاول وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب احداث اعادة هيكلة كاملة لوزارة الخارجية والمغتربين وتخفيف النفقات. تشير الاوساط: “لا يمكن اغفال الوضع الصعب في الوزارة، فنحن في الادارة المركزية نتصل احيانا ببعض الاصدقاء لتوفير القرطاسية او المازوت لمولدات الكهرباء، وهو امر يقوم به الوزير بوحبيب شخصيا، الامر ذاته يحصل في بعض الدول في الخارج حيث نطلب من بعثاتنا المساعدة من الجاليات المقتدرة للاسهام في النفقات التشغيلية”.