“مصدر دبلوماسي”
في ما يأتي الكلمات التي القاها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس ابان زيارته في اليوم الثاني لرئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وأثناء الاجتماع مع أسرة الأمم المتحدة.
بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري
صباح الخير جميعاً.
لقد عقدتُ للتو اجتماعاً بنّاءً مع الرئيس نبيه بري وأنا ممتنٌّ لاستضافته لي. كان اجتماعاً بناءً للغاية، تحدثنا خلاله عن أفضل السبل لإيجاد حلولٍ للأوضاع المُعقَّدة والصّعبة التي يواجهها لبنان حالياً.
أعتقد أنّ اللبنانيين هم الوحيدون الذين يستطيعون إيجاد حلّ لأزمات بلادهم ولكن أعتقد أيضاً أنه ينبغي على المجتمع الدولي أن يعزز دعمه للبنان لتجاوز الظروف الصعبة الذي يمرّ بها حالياً. الأمم المتحدة متضامنة جداً مع اللبنانيين في هذه الأوقات. وسوف نفعل كل ما بوسعنا لتعبئة المجتمع الدولي لتعزيز الدعم للبنان على المسار الإنساني والإنمائي وإعادة هيكلة مختلف أوجه الاقتصاد والوضع المالي للبلاد.
قبل أن آتي إلى هنا، قمتُ بزيارةٍ لمرفأ بيروت تكريماً لأرواح الضحايا الذين قضوا في الانفجار، وللإعراب عن تضامني مع الجرحى ومع أُسَر الضحايا. أعرف المعاناة، وأعرف أنّ الشعب يريد معرفة الحقيقة، ويريد التوصل إلى المساءلة الملائمة، وكلنا متضامنين مع ضحايا هذه المأساة التي ألمّت بالبلاد.
من جهة أخرى، سنحت لنا فرصة التداول بشأن وجود اليونيفيل في جنوب لبنان، وعن ضرورة وضع حدٍّ لكافة الانتهاكات، لوقف إطلاق النار، لا سيما أنّ الرئيس بري قد لفت نظري إلى الانتهاكات المتكررة للمجال الجوي في لبنان، وإلى ضرورة احترام قرارات مجلس الأمن احتراماً كاملاً.
وناقشنا أيضاً بأهمية التعاون بين اليونيفيل والجيش اللبناني وضرورة أن يقدّم المجتمع الدولي دعماً إضافياً للجيش.
في سياق نشاطاتنا، سوف نفعل كل ما بوسعنا لتسهيل المفاوضات من أجل التوصل إلى حلٍّ سريع لترسيم الحدود البحرية حتى يتسنى للبنان الاستفادة من الثروات الطبيعية الموجودة فيه، وهو سيساهم في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
آن الأوان للزعماء السياسيين أن يتّحدوا وأن يتجاوزوا الانقسامات والاختلافات. آن الأوان للمجتمع الدولي أن يعزز دعمه لشعب لبنان. آمل أن يسمح هذان العاملان، ألا وهما وحدة القادة اللبنانيين وعزمهم وتضامن المجتمع الدولي، لشعب لبنان أن يستعيد في المستقبل القريب الحياة والازدهار اللذان تميز بهما لبنان في السابق، وهو ما يتماشى مع إحدى أقدم الحضارات في العالم.
وشكراً.
كلمة غوتيرس بعد لقائه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي
أود أن أعبّر مرةً أخرى عن امتناني لرئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي على دعوته وكرم ضيافته. اليوم هو اليوم الثاني من زيارتي إلى لبنان ولا بد من أن أقول أنّ لديّ أسباباً وجيهة تجعلني متأملاً.
هذه زيارة تضامن مع شعب لبنان الذي كان كريماً للغاية مع اللاجئين الذين قدِموا إلى لبنان. ولكن اللبنانيين الآن يعانون بشكل كبير ويستحقون نفس التضامن من المجتمع الدولي. لكن من الواضح أنه من الضروري أن يتولّى اللبنانيون أنفسهم زمام الأمور.
لقد تشجّعتُ كثيراً في أعقاب اجتماعاتي مع فخامة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والآن مع رئيس مجلس الوزراء. هناك تأكيدٌ واضح ومضمون أن الانتخابات ستجرى في أوائل شهر أيار/مايو قبل المهلة الدستورية المحددة. وهذا يعني أنّ لبنان سيتيح الظروف المؤاتية لانتخاب برلمان جديد، وهو ما سيساعد على إرساء استقرار سياسي جديد للمستقبل.
من ناحية أخرى، لقد أُعجِبتُ بشدةٍ اليوم بالعمل الذي تقوم به الحكومة فيما يتعلق بالتحضير للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي. فقد تم إنجاز الكثير من العمل الفني. كما يسعدني أنّ فريق الأمم المتحدة في لبنان يدعم الحكومة دعماً كاملاً، وآمل أن يتم تهيئة الظروف السياسية الملائمة في أقرب وقت ممكن للسماح بإجراء مفاوضات رسمية. لكن من المشجع أن نرى حجم العمل الجادّ الذي يتم إنجازه.
من جهة أخرى، لا يمكنني إغفال شعوري بلحظةٍ عاطفية للغاية هذا الصباح عندما زُرتُ مرفأ بيروت. فمعاناة الناس – في المقام الأول أولئك الذين لقوا حتفهم في الانفجار، وأُسَرهم، والجرحى – والتأثير الدراماتيكي للانفجار على حياة الكثير من الناس، هي أمورٌ تخلق بالطبع إحساسا عميقا للغاية بالتضامن. من ناحية أخرى، تلقَّيتُ رسائل من العديد من الضحايا يدعون إلى الحاجة إلى إحقاق الحقيقة، وإلى إجراء تحقيقٍ مستقل قادر على كشف النقاب عن الحقيقة. أتفهّم تماماً مخاوفهم وآمل أن تتمكن المؤسسات من ضمان ذلك.
أود أن أعبّر لجميع الضحايا عن تضامني البالغ معهم وعن أملي بقدرة البلاد، ليس فقط على إعادة بناء المرفأ ولكن أيضاً على إعادة بناء اقتصاده وتهيئة الظروف المؤاتية لتحقيق الازدهار والتنمية التي يستحقها الشعب اللبناني.
شكرا جزيلًا لكم.
ملاحظات غوتيرس خلال اجتماع أسرة الأمم المتحدة في لبنان مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي والحكومة اللبنانية
حضرة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي،
شكراً جزيلاً لدعوتكم وكرم ضيافتكم.
أصحاب السعادة،
سيداتي وسادتي،
زملائي الاعزاء،
لقد جئت إلى لبنان عدة مرات في الماضي، وأتيت الآن لأشهد الكرم الكبير للشعب اللبناني فيما يتعلق باللاجئين السوريين الذين كنت أتولى دعمهم آنفاً بصفتي مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين.
وأتذكر ما مثّلّه في ذلك الوقت دخول أكثر من مليون سوري إلى لبنان، ناهيك عن اللآجئين الفلسطينيين الموجودين سابقاً ويبلغ عددهم مليون نسمة، مع ما لكل ذلك من تأثير دراماتيكي على الاقتصاد والمجتمع وأمن البلاد.
في ظل هذه الظروف، وفي عالم أُغلقت فيه أبواب كثيرة، وأغلقت دول غنية كثيرة حدودها، رأيت في لبنان حدوداً مفتوحة، وأبواباً مفتوحة، وقلوباً مفتوحة لاستقبال السوريين.
ولطالما تأثرت بشدّة بكرمكم، وهو كرم متجذّر في واحدة من أقدم الحضارات في العالم. نعتقد أن عاصمة بلدي لشبونة أسسها الفينيقيون، ومنذ ذلك الحين تعتبر هذه المنطقة من العالم حضارة متجذّرة بعمق ولها تأثير هائل في المنطقة وخارجها.
والمجتمع اللبناني لا يمثّل فقط وجهة نظر حضارية، ولكن أيضاً وجهة نظر دينية وثقافية. على سبيل المثال، عندما أعود بالذاكرة الى فترة شبابي ومرحلة المراهقة، أتذكره كمثال غير عادي للتسامح الديني والقدرة على خلق مجتمع متنوع ومتناغم ومزدهر، وكان مركزاً للمنطقة.
كان لبنان هو البلد الذي يأتي اليه الناس للدراسة. كان لبنان هو البلد الذي يأتي اليه الناس للقيام بأعمال تجارية متطورة. وكان لبنان البلد الذي يتمتع بنظام مالي قويّ في المنطقة. وعليه، لا يسعني الا القول انني متأثر جدًا لأن أعود إلى لبنان وأرى أنكم تواجهون وضعاً مأساوياً للغاية.
انه وضع مأساوي للغاية يتحمل فيه اللبنانيون بوضوح بعض المسؤوليات، ولكن يجب ألا ننسى أن العديد من المسؤوليات تقع أيضاً خارج لبنان، بسبب الوضع الدراماتيكي للمنطقة وكل تداعياته، وهنا أتذكر الاجتياح الإسرائيلي قبل عدة سنوات، وبالطبع تأثير الأزمة السورية، ثم كل تدخلات القوى الكبيرة والمتوسطة، وفي مرات عديدة تتآمر لتجعل من الصعب على اللبنانيين أن يكونوا قادرين على الالتقاء. لكن الحقيقة هي أن الشعب اللبناني يعاني اليوم بشكل رهيب، وهذا يخلق بطبيعة الحال مسؤولية كبيرة على القادة اللبنانيين للالتقاء.
أعني أن هذه ليست اللحظة المناسبة لاستكشاف الانقسامات. هذه لحظة الوحدة، ولحظة ينبغي فيها على جميع المؤسسات بذل كل ما في وسعها لحلّ مشاكل البلاد. ولكن لنكن واضحين، إن لبنان يستحق الآن نفس النوع من التضامن الذي تم تقديمه للاجئين السوريين، ويستحق حشداً هائلاً للموارد لدعم انتعاشكم الاقتصادي.
لقد تأثرت بشدة بالتزام رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب. هنالك ضمان بإجراء الانتخابات وفقاً للدستور الذي يسمح بانتخاب مجلس نواب جديد قبل نهاية ولاية المجلس الحالي. وقد شجعني كثيراً ما قاله لي رئيس مجلس الوزراء حول الالتزام القوي من جانب الحكومة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وفي نفس الوقت القيام بعدد من الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية اللازمة للبلاد للاستفادة الكاملة من الإمكانات التي أوجدها الدعم الدولي لضمان بدء تعافي لبنان في أسرع وقت ممكن وفعّال قدر الإمكان.
وفي هذا السياق، إنه لمن دواعي سروري بالطبع أن ألتقي بكم في هذا النقاش الهام حول الشراكة بين الأمم المتحدة ولبنان وحول تعاوننا. وكما تعلمون، لدينا أجندة 2030، أهداف التنمية المستدامة. أعرف أن لبنان كان ملتزماً بشدّة في هذا الاتجاه، وأعلم أن الأزمة بالطبع تؤثر على هذا الجهد، لكننا نريد أن نفعل كل ما هو ممكن لدعم لبنان للعودة إلى المسار الصحيح فيما يتعلق بهذه الأهداف التي نتشاركها معاً.
وأعتقد أن كل شخص في هذه القاعة، من كلا الجانبين، لديه دور يلعبه. يجب أن تكون استراتيجياتنا متماسكة، وأن تكون أساليبنا متماسكة، لتحقيق هدف مشترك، ألا وهو لبنان مستقر ومسالم يعيد الأمل لجميع أبنائه ويمنحهم الفرصة. ويقع على عاتق الأمم المتحدة دور مهم لفعل كل شيء من أجل دعم الحكومة اللبنانية في هذا الاتجاه. إن هذه الشراكة الإستراتيجية ضرورية لإيجاد حلول مستدامة مصممة خصيصاً للتعامل مع التحديات التي تواجهونها.
أريد أن أقول إن مهمتنا هي في الأساس مهمة تضامن. وأريدكم أن تتأكدوا أن لبنان اليوم هو محور كل إستراتيجياتنا وجهودنا، سواء على مستوى الأمانة العامة أو على مستوى الوكالات المختلفة المتعاونة مع السلطات اللبنانية، ناهيك عن بعثاتنا الأخرى، ولا سيما اليونيفيل الي نريدها أن تتعاون أكثر فأكثر مع الجيش اللبناني كعامل أساسي للاستقرار والأمن في الجزء الجنوبي من لبنان.
يجب علينا بأي ثمن أن نتجنب تكرار أشكال صراعات الماضي التي لها عواقب وخيمة على الشعب اللبناني، ويجب أن نتأكد من تنفيذ قرارات مجلس الأمن وعدم وقوع انتهاكات لوقف إطلاق النار.
وكما تعلمون، نحن أيضاً نطلق جدول أعمال مشترك في الأمم المتحدة، وفي جدول الأعمال المشترك هذا يتمثل أحد الجوانب الرئيسية في دعم الأمم المتحدة للدول الأعضاء في مراجعة عقدهم الاجتماعي في سياق جميع التغيّرات التي تحدث في العالم: تغيّرات في المناخ، في التكنولوجيا، تغيرات متعلقة بتأثير الأشياء التي لم تكن متوقعة قبل عشر أو عشرين عاماً في الهياكل الاقتصادية، وفي هياكل سوق العمل والتي تتطلب أشكالًا جديدة من الحماية الاجتماعية وأشكالًا جديدة من العلاقات بين الدولة والمواطنين.
بالطبع، نحن نعلم أنكم تواجهون الآن مرحلة خاصة جداً وصعبة للغاية، لكننا نريد أن يكون لبنان جزءًا من هذا النقاش المهم حول كيفية بناء عقد اجتماعي جديد في هذا القرن الحادي والعشرين في سياق اتفاق عالمي جديد تصبح فيه العلاقات الدولية أكثر عدلاً مما هي عليه في الوقت الحاضر.
نحن أيضاً تحت تصرفكم في سياق عملنا مع المؤسسات المالية الدولية للتأكد من قدرتها على تقديم أقصى دعم ممكن للبنان، ومن ناحية أخرى، سنعمل على التأكّد من أن إطار الإصلاح والإنعاش وإعادة الإعمار في لبنان، الذي يجمع بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، يحظى بدعمنا الكامل. نريد أن نشارك بقوة مع الحكومة في جميع هذه الجوانب.
واسمح لي أن أقول اننا ملتزمون جداً في الأمم المتحدة بالمساواة بين الجنسين، وأعتقد أن المجتمعات تعمل بشكل أفضل عندما تلعب النساء دوراً مهماً في جميع هياكل تلك المجتمعات. لدينا الآن تكافؤ في 200 من كبار قادة الأمم المتحدة وفي 143 من الأنظمة التابعة للمنسقين المقيمين، ونريد حقًا أن نعرب عن رغبتنا في رؤية لبنان يتقدم بطريقة محددة أيضًا من منظور المساواة بين الجنسين.
نحن ملتزمون التزاماً تاماً بدعم لبنان في هذا الصدد، ولا بدّ لي من القول إنه لضمان السلام، وضمان الاستقرار، وضمان الانسجام في المجتمع، فإن دور المرأة مهم للغاية، لذا ستعذرونني على ذلك، وهذا التزام شخصي وعاطفة شخصية ولن تسمح لي زوجتي أن أكون مختلفاً في هذا الصدد.
أود أن أقول إننا تحت تصرفكم تماماً لدعم الجهود التي أعلم أنها جارية، وآمل أن يضم مجلس النواب القادم عدداً من النساء أكبر مما كان عليه في الماضي.
إن الشعب اللبناني يعاني نتيجة عوامل كثيرة، ولكن هناك شيء واحد يمكنكم أن تتأكدوا منه تماماً، وهو أن لبنان ليس وحيداً، وأسرة الأمم المتحدة بأسرها معكم.
ومن الضروري أن نتعامل مع هذه الأزمة المترابطة معاً من خلال جبهة موحّدة قائمة على جهد مركز ومتماسك ومنسّق بأجندة واحدة فقط، ألا وهي رفاه الشعب اللبناني.