“مصدر دبلوماسي”
وصل الى بيروت عصر اليوم أمين عام الامم المتحدة أنطونيو غوتيريس في زيارة تستمر لغاية يوم الاربعاء المقبل وتتضمن في برنامجها مجموعة من الانشطة منها مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء المقبل، وجولة على قوات “اليونيفيل” في جنوب لبنان ولقاءات مع مسؤولين سياسيين واعضاء من المجتمع المدني. وفور وصوله الى مطار رفيق الحريري الدولي قال غوتيرس: “عندما كنتُ المفوض السامي لشؤون اللاجئين، جئتُ إلى لبنان عدة مرات ولمستُ وقتها تضامن شعب لبنان مع العديد من اللاجئين. أعتقد أن الوقت قد حان لنا جميعاً، في العالم، للتعبير عن نفس التضامن مع شعب لبنان. لذلك، إذا أردتُ وصف زيارتي إلى لبنان بكلمة واحدة ستكون كلمة “تضامن”.
وعصرا، استقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون غوتيرس في قصر بعبدا.
—
وأكد رئيس الجمهورية على ان العمل جار على تجاوز الأزمات المتلاحقة التي يعاني منها لبنان، من خلال وضع خطة التعافي الاقتصادي لعرضها على صندوق النقد الدولي والتفاوض بشأنها بالتزامن مع إصلاحات متعددة في المجالات الاقتصادية والمالية والإدارية، وإعادة النظر بعدد من إدارات الدولة وضبط الانفاق ووقف الهدر ومكافحة الفساد وبلوغ التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان أهدافه في كشف المسؤولين عمّا لحق بالبلاد من خسائر على مر السنين الماضية.
وأشار عون الى ان الهدف يبقى اعتماد حوكمة مستدامة تصحح الخلل الذي اعترى مؤسسات الدولة، مشددا على ان لبنان سيشهد في الربيع المقبل انتخابات نيابية ستوفر لها كل الأسباب كي تكون شفافة ونزيهة، مرَحبا بأي دور يمكن ان تلعبه الأمم المتحدة في متابعة هذه الانتخابات بالتنسيق مع السلطات اللبنانية المختصة”، ومطالبا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتييرس بضرورة ايجاد مقاربة جديدة لموضوع النازحين السوريين الى لبنان وتشجيع العودة الآمنة لهم الى قراهم ووطنهم، مجددا التزام لبنان تنفيذ القرار ١٧٠١ بكل مندرجاته، وتمسكه بممارسة سيادته على كامل أراضيه، وحقوقه الكاملة في استثمار ثرواته الطبيعية لا سيما منها في حقلي الغاز والنفط، والاستعداد الدائم لمتابعة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
كلام رئيس الجمهورية جاء في خلال الكلمة المشتركة التي توجه بها والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتييرس الى الصحافيين، بعد المحادثات التي جرت بينهما بعد ظهر اليوم في قصر بعبدا.
من جهته، اكّد غوتييرس انه يحمل رسالة واحدة بسيطة وهي ان الامم المتحدة تقف متضامنة مع الشعب اللبناني، موجها الدعوة الى المجتمع الدولي لتعزيز دعمه للبنان.
وقال: “لا يملك القادة السياسيون في لبنان، عند مشاهدة معاناة الشعب اللبناني، الحق في الانقسام وشل البلد، ويجب ان يكون رئيس الجمهورية رمز هذه الوحدة الضرورية”، مشددا على “ان الانتخابات العام المقبل ستكون المفتاح، وعلى الشعب اللبناني ان ينخرط بقوة في عملية اختيار كيفية تقدم البلد. ويجب ان يكون للنساء والشباب كل الفرص للعب دورهم الكامل”، كاشفا ان الأمم المتحدة ستؤازر لبنان في كل خطوة من هذه المسيرة”، مشيرا الى “استمرار الدعم الدولي للجيش اللبناني والمؤسسات الامنية الأخرى.”
الوصول والمحادثات المشتركة
وكان الأمين العام للأمم المتحدة وصل الى قصر بعبدا، الذي رفع على ساريته علم الأمم المتحدة الى جانب العلم اللبناني، عند الخامسة من بعد ظهر اليوم، حيث أستعرض سرية من تشريفات لواء الحرس الجمهوري، ودخل وسط صفّين من الرمّاحة، قبل ان يستقبله الرئيس عون في صالون السفراء حيث عقد لقاء ثنائي، تلاه لقاء موسع ضم الى الرئيس عون والأمين العام للأمم المتحدة، الوفدين الرسميين.
وشارك عن الجانب اللبناني: وزير الخارجية والمغتربين السفير عبدالله بوحبيب، ورئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية السيدة كلودين عون، ومستشار الرئيس عون الوزير السابق سليم جريصاتي، ومدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير، والمندوبة الدائمة للبنان لدى الأمم المتحدة السفيرة أمل مدللي، والمستشارون العميد بولس مطر، رفيق شلالا، وأسامة خشاب.
وضم الوفد المرافق للسيد غوتييرس الذي حضر الاجتماع المشترك: الأمين العام المساعد لعمليات حفظ السلام السيد جان-بيار لاكروا، والأمين العام المساعد للشؤون السياسية وحفظ السلام السيدة روزماري ديكارلو، والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان السيدة جوانا فرونتسكا، وقائد قوات “اليونيفيل” في جنوب للبنان الجنرال ستيفانو ديل كول ومدير ومنسق زيارة الأمين العام ميغيل غراكا، والسيدة ساسكيا رامينغ.
وخلال اللقاء الموسع، ركّز الرئيس عون على الشراكة الحقيقية القديمة بين لبنان والمنظمة الدولية، شاكرا التضامن الذي تبديه الأمم المتحدة مع لبنان، كما اثنى الرئيس عون على جهود فريق الأمم المتحدة العامل في لبنان بكافة هيئاته، مشددا على ضرورة عودة النازحين السوريين الى المناطق السورية الآمنة.
وشدد رئس الجمهورية كذلك على أهمية دعنم المجتمع الدولي، كما شكره على تعيين السفيرة اللبنانمية كارولين زيادة في منصب الممثل الخاص الجديدي ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للإدارة المؤقتة على كوسوفو.
وتحدثت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية السيدة كلودين عون، وقالت: “نحن ندعم رؤيتكم، عبر “الاجندة المشتركة”، وملتزمون بدعمكم من خلال تطبيق رؤيتكم الخاصة في ما يتعلق بالمرأة والشبيبة والنمو.” وشكرت السيدة عون الأمين العام على المساعدة التقنية المقدمة من مختلف وكالات الأمم المتحدة من اجل وضع القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن الدولي موضع التنفيذ، والمتعلق بالمرأة والسلام والأمن. وأشارت الى ان الحكومة اللبنانية اقرت خطة عمل في تشرين الاول من العام 2019، في هذا الاطار. وقد تم انجاز 30% من النشاطات الملحوظة فيها، على الرغم من الصعوبات التي اجتازها لبنان، وهناك 60% قيد الإنجاز، ويبقى 10% متعلق بصورة خاصة بدور المرأة في تمتين أواصر السلام.
واشارات الى الجهود المبذولة من اجل المضي قدما في تنفيذ ما لحظته الخطة لا سيما لجهة دعم دور المرأة ووساطتها في مبادرات السلام وحل النزاعات، بدءا من المستوى المحلي وصولا الى الواقع الوطني.
وختمت بالإشارة الى ان التحدي الأكبر يبقى في حض القيادات السياسية لاعتماد تدابير من شأنها اتاحة المجال امام مشاركة فاعلة للمرأة في مواقع القرار السياسي والاقتصادي، كما في مفاوضات السلام وإعادة الاعمار.
ورد غوتييرس معربا عن تقديره لالتزام لبنان حقوق المرأة، مثنيا على الجهد الذي بذل لمشاركة النساء في الانتخابات النيابية، ومؤيدا فكرة الكوتا النسائية في التمثيل البرلماني.
وقدم السيد لاكروا تقريرا عن الوضع الأمني في منطقة الجنوب، وعمل القوات الدولية بالتعاون مع الجيش اللبناني من خلال الشراكة القائمة بينهما، متناولا الصعوبات التي تواجه عمل “اليونيفيل” وضرورة التعاون لتذليلها. وكان لقاء صحافي مشترك.
كلمة الرئيس ميشال عون
أهلاً بكم سعادة الأمين العام في لبنان في زيارتكم الأولى إليه وأنتم على رأس المنظمة الدولية بعدما توليتم من العام 2005 الى العام 2015 مسؤولية مفوضية شؤون اللاجئين.
بين لبنان والأمم المتحدة شراكة عميقة تعود جذورها الى انشاء المنظمة حيث كان لبنان من الدول الخمسين التي شاركت في تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945 في سان فرنسيسكو، ومن الذين ساهموا في وضع شرعة حقوق الانسان في العام 1948.
وخلال الأزمات العديدة التي عصفت بلبنان منذ العام 1948 واللجوء الفلسطيني وحتى يومنا هذا مرورا بالحرب اللبنانية، والحروب الإسرائيلية العديدة، وصولاً الى انعكاسات النزوح السوري الكثيف، وانفجار مرفأ بيروت، والأزمة الاقتصادية المالية، وتداعيات الأزمات الحالية غير المسبوقة؛ فإن منظمة الأمم المتحدة كانت عامل دعم ومؤازرة للاستقرار خصوصاً عبر قوات “اليونيفيل” في الجنوب، وشريكاً في التنمية عبر أجهزتها العاملة في لبنان.
لقد بحثت مع سعادته في الأزمات المتلاحقة التي يعاني منها لبنان والسبل الايلة الى الخروج منها لا سيما ما يتعلق منها بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تردت خلال الأشهر الأخيرة. وأكدت لسعادة الأمين العام اننا نعمل على تجاوزها ولو تدريجيا من خلال وضع خطة التعافي الاقتصادي لعرضها على صندوق النقد الدولي والتفاوض بشأنها كذلك بالتزامن مع إصلاحات متعددة في المجالات الاقتصادية والمالية والإدارية، وإعادة النظر بعدد من إدارات الدولة وضبط الانفاق ووقف الهدر ومكافحة الفساد وبلوغ التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان أهدافه في كشف المسؤولين عما لحق بالبلاد من خسائر على مر السنين الماضية. والهدف يبقى اعتماد حوكمة مستدامة تصحح الخلل الذي اعترى مؤسسات الدولة. وأكدت لسعادته ان لبنان سيشهد في الربيع المقبل انتخابات نيابية ستوفر لها كل الأسباب كي تكون شفافة ونزيهة تعكس الإرادة الحقيقية للبنانيين في اختيار ممثليهم. ونرحب بالمناسبة باي دور يمكن ان تلعبه الأمم المتحدة في متابعة هذه الانتخابات بالتنسيق مع السلطات اللبنانية المختصة.
كذلك، تطرقنا الى موضوع النزوح السوري وأكدت على سعادته ضرورة ايجاد مقاربة جديدة لموضوع النازحين السوريين الى لبنان، هذه الأزمة المستمرة والمتصاعدة منذ أكثر من ١٠ سنوات مع ما تشكله على لبنان من أعباء ضخمة خاصة في ظل الظروف الحالية، وضرورة تحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته وتشجيع العودة الآمنة للنازحين الى قراهم ووطنهم.
وفي ما يتعلق بالوضع مع اسرائيل فقد أعدت التأكيد لسعادته على التزام لبنان تنفيذ القرار ١٧٠١ بكل مندرجاته والحفاظ على الاستقرار القائم على الحدود الجنوبية والتعاون الدائم بين الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”، لافتا إياه الى استمرار الانتهاكات الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية لا سيما استخدام الأجواء اللبنانية منطلقا لاعتداءات جوية متكررة على سوريا. وشددت امام سعادته على تمسك لبنان بممارسة سيادته على كامل أراضيه، وحقوقه الكاملة في استثمار ثرواته الطبيعية لا سيما منها في حقلي الغاز والنفط، والاستعداد الدائم لمتابعة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
ختاما، اجدد الشكر للمنظمة الدولية ولكل أجهزتها العاملة في لبنان على كل الجهود المبذولة، وأخص بالشكر سعادة الأمين العام على تضامنه الدائم مع لبنان، والذي تجلى بالموقف وبالمساعدات وبعقد المؤتمرات الخاصة دعما للشعب اللبناني.
شكراً سعادة الأمين العام وأهلاً وسهلاً بكم
كلمة انطونيو غوتيرس
انا سعيد للغاية بالعودة الى لبنان. لقد حظيت بلقاء ناجح مع الرئيس عون، وشكرته على ضيافته وعلى المحادثات الهامة التي اجريتها اليوم. كما اعربت عن تقدير الامم المتحدة والمجتمع الدولي على كرم لبنان في استضافة الكثير من اللاجئين بسبب الصراع في سوريا. لقد كنت في السابق مفوضا أعلى للاجئين لمدة عشر سنوات، ومن خلال تجربتي طوال هذه السنوات، وجدت القليل من الدول والشعوب التي كانت سخية الى هذه الغاية تجاه اللاجئين، كما كان لبنان تجاه اللادئين السوريين. ولقد ترك الأمر تداعيات جمّة على الاقتصاد اللبناني كما على المجتمع اللبنانيز وبسبب النزاع في سوريا، فإن الاوضع الأمني في لبنان تأثر كذلك. وانا اؤمن ان المجتمع الدولي لم يقم كفاية بدعم لبنان، كما فعل تجاه دول أخرى فتحت حدودها وابوابها وقلبها للاجئين، فيما للأسف بعض الدول الأكثر قدرة أقفلت حدودها الخاصة. من هنا فإن مثال لبنان هو مثل يستدعي تحمل مسؤولية من قبل القيمين على الأمن الدولي من اجل دعم لبنان بالكامل بهدف مواجهة الأعباء التي تواجهه في الملاحة الراهنة.
لقد ابلغت الرئيس انني اتيت ومعي رسالة واحدة بسيطة وهي ان الامم المتحدة تقف متضامنة مع الشعب اللبناني. وخلال زيارتي، سألتقي شريحة كبيرة من قادة المجتمع السياسي والديني والمدني، بمن فيهم النساء والشباب، بهدف مناقشة كيفية تقديم المساعدة الافضل للشعب اللنباني ليتغلب على الازمة الاقتصادية والمالية الحالية، والعمل على احلال السلام والاستقرار والتنمية المستدامة. واحثّ القادة السياسيين اللبنانيين، على العمل معاً لحل هذه الازمة، وادعو المجتمع الدولي الى تعزيز دعمه للبنان. وعلى سبيل المثال فإن برنامج دعمنا الإنساني قد تم تمويله فقط بنسبة 11% ونحن بجاجة ماسة الى تضامن اقوى من قبل المجتمع الدولي. ان الشعب اللبناني يتوقع ان يعيد القادة السياسيون ترميم الاقتصاد، وان يؤمّنوا فاعلية للحكومة ولمؤسسات الدولة، وانهاء الفساد، والحفاظ على حقوق الانسان. وهذا ما قاله فخامة الرئيس، وهو يصبّ في هذا الاتجاه.
لا يملك القادة السياسيون في لبنان، عند مشاهدة معاناة الشعب اللبناني، الحق في الانقسام وشل البلد، ويجب ان يكون رئيس الجمهورية اللبنانية رمز لهذه الوحدة الضرورية.
ان الانتخابات العام المقبل ستكون المفتاح، وعلى الشعب اللبناني ان ينخرط بقوة في عملية اختيار كيفية تقدم البلد. ويجب ان يكون للنساء والشباب كل الفرص للعب دورهم الكامل، فيما يسعى لبنان الى تخطي تحدياته الكثيرة ويضع اسس مستقبل افضل، وستؤازر الامم المتحدة لبنان في كل خطوة من هذه المسيرة.
وكجزء من الالتزام باستقرار لبنان، سأزور قوات “اليونيفيل” في الجنوب. ان الالتزام التام بتطبيق القرار الدولي 1701، والمحافظة على وقف الاعمال العدوانية على الخط الازرق، والعمل على تخفيف التوتر ببين الاطراف، هو امر اساسي. واغتنم المناسبة لتوجيه التحية الى الآلاف من النساء والرجال العاملين على الحفاظ على السلام، البعيدين عن عائلاتهم واوطانهم، ليخدموا السلام في لبنان.
كما اود ان اؤكد على ان استمرار الدعم الدولي للجيش اللبناني والمؤسسات الامنية الاخرى، هو اساسي لاستقرار لبنان. واحث كل الدول الاعضاء على الاستمرار وزيادة دعمهم للبنان، وعلى تحمل مسؤولياتهم بالكامل. ان لبنان يواجه مرحلة صعبة للغاية، وانا احث القادة اللبنانيين على ان يستحقوا شعبهم، كما احث المجتمع الدولي ان يواكبوا بما يتلاءم مع كرم الشعب اللبناني.