“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
لا تزال المملكة العربية السعودية على موقفها النائي بالنفس من لبنان، وذهبت الجهود التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في سبيل تليين موقفها المتصلّب حيال الملف اللبناني أدراج الرياح.
سجّل الرئيس الفرنسي آخر محاولاته منذ ثلاثة أسابيع اثناء اتصال بينه وبين ولي عهد المملكة الامير محمد بن سلمان، تناول فيه المسؤولان الفرنسي والسعودي مواضيع تهم البلدين منها الاستقرار الاقليمي ومكافحة الارهاب، ولم يفوّت الرئيس ماكرون الفرصة ليثير موضوع لبنان بحسب أوساط واسعة الاطلاع على المناخين السعودي والفرنسي. إلا أن ماكرون لم ينل ما يريده لناحية تليين الموقف السعودي حيال لبنان حتى بعد تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، وابتعاد رئاسة الحكومة من سعد الحريري الذي شكّل أحد العوائق الرئيسية أمام اعادة السعودية النظر بمقاربتها للملف اللبناني.
تظهّر الانكفاء السعودي في البيان الرسمي الصادر عن الدوائر السعودية والذي نشرته وكالة الانباء السعودية وفيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان استعرضا هاتفيا “العلاقات بين البلدين وفرص تطويرها وتنميتها”، وبحثا “عددا من قضايا ومستجدّات الاحداث في المنطقة، والاتفاق على أهمية الحفاظ على السلام في المنطقة، ودعم الجهود الرامية لتعزيز الامن والاستقرار”. في حين ذكر بيان قصر “الإيليزيه” بأن المباحثات تناولت الوضع في أفغانستان ومتابعة لنتائج مؤتمر بغداد الذي انعقد في نهاية آب الفائت وسبل الشراكة، وكذلك المواضيع الاقليمية في الشرق الاوسط وبالأخص لبنان”!.
لم يثن العناد السعودي الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون من بذل المحاولات المتكررة لتبديد الغضب تجاه لبنان: أثناء طرحه مبادرته الشهيرة في الأول من أيلول 2020، واثناء محاولاته المساعدة في تشكيل حكومة لبنانية من حيث حثّ الأطراف المؤثرة على تعبيد الطرقات اللبنانية الداخلية المتعرجة، حصلت اتصالات عديدة بينه وبين السعوديين، وهو كان انهى اللمسات الاخيرة لسفره الى المملكة في آذار الفائت قبل الغائه رحلته في اللحظات الاخيرة، ويردد العارفون أن السبب كان الملف اللبناني إذ لم يحصل حوله اتفاق بين الطرفين. وجاءت المكالمة الهاتفية بين ماكرون وبن سلمان لتعيد الى مسامع ولي العهد القضية اللبنانية، لكن البيان السعودي وما اعقبه من زيارة الى الرياض لوزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان أظهرا بما لا لبس فيه بأن الرياض لم تتجاوب مع مساعي باريس و”لم يكن الاتصال موفقا ولا زيارة لودريان حركت الجمود الحاصل على خط الرياض بيروت منذ العام 2015 والامر مستمر حتى بعد تشكيل حكومة نجيب ميقاتي الثالثة التي تتعاطى معها الرياض ببرودة واضحة، ولم توجّه للآن دعوة لميقاتي لزيارتها”.
مرة جديدة لم تنجح فرنسا في تحريك جمود الملف اللبناني سعوديا نظرا الى الغضب السعودي من المنظومة السياسية اللبنانية التي لم تستثمر الدعم السعودي الطويل ولأعوام مديدة لصالح الشعب اللبناني، ولا حتى لصالح الطائفة السنية، فتكبدت المملكة المليارات من الدولارات في لبنان ولم تجن أي استثمار سياسي بسبب المنظومة الموجودة. من جهة ثانية، لا لبس بأن الخلاف بين ولي العهد وسعد الحريري جعل السعودية تنكفئ عن الملف اللبناني، أما السبب الثالث كما يقول السعوديون فهو تحويل لبنان الى منصّة اعلامية للهجوم على المملكة العربية السعودية بسبب القوة التي يتمتع بها “حزب الله” وانكفاء اللبنانيين عن الدفاع عنها، وبطبيعة الحال لا تنظر المملكة بعين الرضى الى وجود خبراء من “الحزب” في اليمن يمدّون الحوثيين بالخبرات العسكرية في الحرب الدائرة هناك منذ العام 2015، ويعتبر اليمن من الناحية الاستراتيجية والامنية الحديقة الخلفية للسعودية.
وبعد عدم النجاح الفرنسي، يعوّل العارفون على الاتصالات السعودية الايرانية حيث بلغت جولات التفاوض بين الطرفين حدّا مقبولا من التقدم، وهي تسير بإيجابية، ولا يوفر المسؤولون في البلدين الكلام الايجابي وصفا لهذه المحادثات. صحيح بأن البلدين ينفيان قطعا وجود الملف اللبناني على الطاولة، إلا أن العصف الايجابي للمحادثات بين الدولتين الاقليميتين الاكثر تأثيرا في لبنان سيلفح برياحه بيروت حتما، وذلك بحسب العارفين بخفايا الامور. واكبر دليل ان الاتصال الذي حصل بين ماكرون والرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في 9 آب الفائت كان فأل خير على لبنان إذ تشكلت حكومة نجيب ميقاتي في 10 ايلول الفائت، وفي هذا الاتصال كان رئيسي قد أكد لنظيره الفرنسي أن ايران “تؤيد أي عمل يستهدف الاستقرار والأمن وتحسين الوضع الاقتصادي للشعب اللبناني ونرحب بدعم فرنسا في هذا الصدد”.
تنبغي الاشارة الى أن وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان اكتفى تعليقا على حوادث الطيونة الاسبوع الفائت اثناء زيارة له الى واشنطن بالقول:” إن الحوادث الأخيرة التي شهدها لبنان تؤكد أنه بحاجة الى “تغيير حقيقي”، مشددا على ضرورة “التحرك الآن”.