“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تقارب ايران حوادث لبنان الاخيرة وخصوصا المجزرة التي وقعت في منطقة الطيونة في 14 الجاري جرّاء عمليات قنص اوقعت ضحيتها 7 مدنيين و66 جريحا بعقل بارد ليس غريبا عمّن يدير ملفاته مع الولايات المتحدة الاميركية وهي عدّوه الاول بكثير من الهدوء وعلى نار خفيفة، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بلاعب محلّي لا يستأهل حجمه ردود فعل متهورة تخرّب لبنان وسلمه الاهلي؟
بحسب الرأي الايراني فإن المشكلة الكبرى التي يعاني منها لبنان تكمن في مقاربة السياسة الخارجية الاميركية لملفات السياسة الدولية بعقل أمني وليس سياسي من هنا فإن تداعيات هذه السياسة مدمّرة وتخريبية كما نشهده سواء في لبنان وكذلك في دول العالم.
في السياق اللبناني الداخلي فإن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي وجّه اليه حزب الله وحركة أمل اتهاما مباشرا باطلاق النيران على المتظاهرين السلميين الذين كانوا يتوجهون الى تظاهرة في قصر العدل في بيروت تعبيرا عن موقفهم من التحقيقات الجارية في انفجار مرفأ بيروت يفتقد بدوره الى المقاربة السياسية الحكيمة ويستبدلها بمقاربة أمنية بحتة. بينما على عكسه، فإن مقاربة أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله الذي يقود أكبر تنظيم عسكري في المنطقة كانت سياسية بامتياز تأخذ بالاعتبار خصوصيات المكونات اللبنانية. وعلى غرار “حزب الله”، يقارب الايرانيون حوادث الطيونة بعقلانية واضعين الملف بين ايدي اللبنانيين في انتظار أن تعطي التحقيقات الجارية النتائج، مع تشديد على أن الجيش اللبناني هو خطّ أحمر للجميع ويجب التعويل عليه بالنسبة الى الامن والامان في لبنان.
بالعودة الى رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، فإن للإيرانيين معه ملف مفتوح يتعلق بالدبلوماسيين الاربعة الذين اختفوا ابان الحرب اللبنانية، وتتهم طهران جعجع إما بقتلهم أو بتسليمهم الى اسرائيل. “الملف مفتوح ولم يغلق بين إيران وهذا الشخص” كما تعلّق أوساط على اطلاع واف على الموقف الايراني. وتضيف الاوساط التي تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” :” ليس لدى ايران أية مشكلة مع الشريحة المسيحية التي صوّتت في الانتخابات للقوات اللبنانية، فإيران تحترم خياراتها التي جاءت بحسب الاصول الديموقراطية، بل إن المشكلة التي نشأت إبان مجزرة الطيونة تتعلق بمجموعة من الاشخاص الذين يريدون تحريض الآخرين ويهددون السلم الاهلي. إن المشكلة قائمة مع “هذا الشخص” تاريخيا وهذا الملف مفتوح لكن ايران لا تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية ولا في التحقيقات المتروكة للبنانيين”.
لا يرى الايرانيون موجبا لاشعال الساحة اللبنانيون كما يحاول “هذا الشخص” ان يفعل، ” إيران حريصة على أمن المنطقة، ونحن على وشك الخروج من الحرب الاهلية في سوريا وبدأت مفاوضات ناجحة مع المعارضة السورية، وتم تشكيل لجنة دستورية، ولا ضرورة لاندلاع حرب أهلية أخرى في المنطقة”. ترى إيران ضرورة أن يأخذ الجميع العبر مما حدث في سوريا:” فقد حكي في الحرب الاهلية السورية عن تمويل خارجي، وحاول البعض تعزيز وجوده، لكن ما حدث في سوريا شكّل عبرة ممتازة ينبغي لفت النظر اليها. كان التمويل الخارجي لاختلاق حوادث وصدامات ضخما جدّا وأكبر مما نراه في لبنان، وأسهمت فيه بلدان عديدة واسفر عن حروب داخلية حقيقية وعنيفة منها في حلب على سبيل المثال لا الحصر، حيث وجدت تحصينات ضخمة جدا وضعها الارهابيون لكنها أزيلت كلها بجهود الجيش السوري واصدقاء سوريا”.
ليس من رابط بين زيارة وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان قبل قرابة اسبوع من حوادث الطيونة وبين ما حصل، ” قد يربط العقل المغلق هذه الحوادث بالزيارة ولكن عقلانيا لا علاقة بين الحدثين، علما بأن الحوادث تزامنت مع زيارة معاونة وزير الخارجية الاميركي (فيكتوريا نولاند) وربما حصلت بتحريض منها”.
في الصورة السياسية الاشمل، تنفي الاوساط ذي المعرفة الوافية بالمناخ الايراني وجود اتفاق ايراني فرنسي حول لبنان أفضى عن تشكيل الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي، وتردّ ولادة الحكومة الى “معالجة لبنانية لتفاصيل ولجزئيات معينة” وقد يكون الدّفع الرئيسي للتشكيل هو من الجانب الاميركي ” بعد رؤيته توافد البواخر الايرانية المحمّلة بالمشتقات النفطية”.
أما علاقة ايران بفرنسا فليست بدايتها اتصال الرئيس ايمانويل ماكرون بالرئيس ابراهيم رئيسي “فهذا الاتصال لم يكن بداية بل نهاية. فلطالما شجعنا مع الفرنسيين الاطراف اللبنانية الداخلية على تجاوز المشاكل والعقبات وتشكيل الحكومة. أما الحديث عن تقسيم ادوار ايراني فرنسي وتنسيق في الشان الداخلي اللبناني فهي مقولة عارية عن الصحة واي كلام من هذا النوع يجب أن يكون لديه سندا ووثائق”.
في المناخ الايراني أن لبّ المشكلة اللبنانية يكمن في التدخّلات الاميركية أو “الهيمنة الاميركية في لبنان، أما كلمة السر لخروج لبنان من مأزقه فتتمثل بكفّ يد الاميركيين من القرارات اللبنانية”. وهل إن انسحاب الاميركيين من أفغانستان ونيتها الانسحاب من سوريا والعراق سيؤدي الى انسحابها كليا من الملف اللبناني؟
تشير الاوساط ذي الاطلاع الواسع على العقل الايراني:” إن مشكلة الاميركيين أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون في المنطقة، انسحبوا من افغانستان وخلّفوا مشاكل معقدة، بالنسبة الى العراق فالأمر يتعلق بتنفيذ قرار البرلمان العراقي، أما في سوريا فإن حضورهم يفتقر الى الشرعية القانونية ولا يتوافق مع القانون الدولي، والدولة السورية تعتبرهم دولة محتلة. أما بالنسبة الى لبنان فيمكن القول أن لبنان ليس في سلّم أولويات الأميركيين لأن الأولوية هي لسوريا. لكن، إن حصل انسحاب من سوريا والعراق فسيكون الأمر على الصعيد العسكري، وليس على المستويين الامني والسياسي حيث سيبقون على حضورهم، والأمر سيان في لبنان”.
لكن ماذا عن القول أن الحضور الايراني بدأ يتقلص في المنطقة ايضا وخصوصا بعد نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 10 تشرين الاول الجاري والتي أفضت الى
نيل التيار الصدري “سائرون” على 73 مقعدا أي ما يقارب ضعف المقاعد الـ 37 التي حصل عليها نوري المالكي. أما ائتلاف “الفتح” الذي يضمّ منظمة بدر بزعامة هادي العامري و”عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي قتقلص عدد مقاعده من 48 إلى 14.لا تعبّر هذه النتائج عن مقوّمات القوّة التي تعتدّ بها إيران، في العقل الايراني أنه يجب تحليل نتائج الانتخابات الاخيرة بشكل صحيح، وعدم تهميش العلاقات الوطيدة بين البلدين والشعبين سياسيا واقتصاديا، فالنفوذ الايراني لا يرتبط بنتائج الانتخابات لأن خيارات الناس في الانتخابات تحدوها المواضيع الداخلية والاقتصادية والسياسية. وبالتالي فإن البناء على عدم فوز ائتلاف الفتح ليس واقعيا، فالعراق بلد معقد جدا. هذا التحليل في ما يخص نتائج الانتخابات العراقية ينسحب أيضا على لبنان، حيث أن الايرانيين لا يعلقون أهمية كبرى على أكثريات وأقليات عالمين بأن للطوائف اللبنانية الكبرى والصغرى كلمتها المسموعة والتي لا يمكن تجاوزها في بلد متعدد الطوائف.
أما الحصار المحكم على “حزب الله” والذي انسحب على لبنان برمته، بسبب عقوبات اميركية على سوريا ابرزها قانون قيصر واعتكاف الخليجيين عن مد يد المعونة للبنان بسبب ما يسمونه النفوذ الايراني. فإن الاوساط الوافية الاطلاع على المناخات الايرانية تشير الى أن “حصار المقاومة بدأ منذ العام 2000، والمؤشرات واضحة، وهو مستمر منذ ذلك الحين. تكمن المشكلة بطريقة التعاطي الاميركي بالملف اللبناني. كان ثمة اتفاق ايراني اميركي على بأن الأمن والإستقرار في لبنان هما خط احمر، لكن الاميركي تجاوز هذه الخطوط الحمر منذ فترة وهذه هي المشكلة التي وقع فيها لبنان، وبالتالي يجب أن يعود الأميركيون الى منطق العقل الذي تجاوزوه في لبنان، فرهاناتهم خاطئة وليست مدروسة على صعيد لبنان والعالم”.
وهل بالامكان أن تخفف اللقاءات الإيرانية السعودية من وطأة الغضب السعودي على لبنان؟ وماذا عن مناخات هذه اللقاءات التي وصلت الى اربعة في العاصمة العراقية بغداد؟ تقول الاوساط المذكورة ” بأنه في الفترة التي كانت فيها لإيران مشكلات مع السعوديين طالما دعت طهران لإعادة العلاقات الى طبيعتها، وإيران لم تقطع هذه العلاقات يوما من جهتها. عاد السعوديون في هذه المرحلة الى منطق العقلانية ووجدوا في الحوار علاجا لأية مشاكل. وبالتالي تتم متابعة الحوار مع السعودية في بغداد بشكل يسوده الاحترام المتبادل وهذا أمر جيّد”. يتناول الحوار الايراني السعودي العلاقات الثنائية بين البلدين، ومن المتوقع إعادة السعودية فتح قنصليتها إما في مشهد أو في بغداد، وتتناول النقاشات ايضا تفاصي تتعلق برحلات الحج الى مكّة المكرّمة. أما بالنسبة الى ملفّي اليمن ولبنان، فإيران مصرة بأنها لا تقبل ربط ملفات الاقليم بنقاشاتها مع السعودية، إذ تفضل أن يكون كل بلد حاضرا بنفسه على طاولة النقاش، ومتابعة مشكلاته.
ستستمر إيران بدعم “حزب الله” ولن تتخلّى عنه يوما، أما حصاره فمستمر منذ العام 2000 كما أن حصارها من قبل الاميركيين مستمر منذ 40 عاما. وتشير الاوساط المذكورة الى أن “هذا الواقع مفروض من قبل الاسرائيليين ضد محور المقاومة وأصدقاءه”. أما بالنسبة الى الاتفاق النووي فإيران لم تنسحب منه منذ البداية ومن نكث بالالتزامات عليه العودة اليها، وبعد الانتخابات الايرانية وتشكيل حكومة جديدة كان لا بد للايرانيين من اعادة دراسة معايير التفاوض في جنيف.