“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
مذ كان رئيس حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع في ريعان شبابه وهو يحلم بحكم “الكانتون المسيحي”، وبعد بلوغه الستين أصبح لديه حلم ثان: أن يكون رأس حربة في وجه “حزب الله”، وهو يستخدم شعار “أمن المجتمع المسيحي” لتحقيق الحلمين سويّا.
لم يتمكّن جعجع على غرار رئيس حزب الكتائب سامي الجميل من أن يحجز له مكانا في صفوف المجتمع المدني، فاضطر أن يخترع مجتمعا مدنيا قواتيا تحت مسمّيات جمعيات ومنظمات شتّى، ولم يكن الأمر كافيا لتحقيق حلمه الشخصي أي حكم المنطقة المسيحية عبر تحقيق الفيديرالية، فجاء الحلم الثاني الذي يدغدغ حلفاءه من الدول المعادية لـ”حزب الله” لكي يشكّل له دفعا قويا، فتمّ مدّه بالسلاح والدولارات الطازجة، ليكوّن قوّة مسيحية مواجهة لحزب الله ولقهر “غطرسته وجبروته” بحسب تعبير أحد الاصدقاء الخليجيين.
هكذا التقى حلم جعجع بالمصالح الاقليمية والدولية، وبما أنه معروف عنه حسّ التنظيم فقد أحسن تكوين تنظيم مسلّح ومدرّب مع واجهة اعلامية واسعة ومنظمة تنطق بالأخبار التي تروجها القوات معطوفة على شبكة واسعة من المغرّدين على السوشال ميديا.
بالأمس، وفي مقابلة مع الزميل وليد عبّود، نفى جعجع تهمة أنه أعدّ كمينا مسلّحا أردى 7 لبنانيين من المتظاهرين من انصار حركة أمل وحزب الله وجرح بقناصيه الذين توزّعوا على أسطح أبنية الطيونة وعين الرمانة 66 مواطنا لبنانيا. نفى أن يكون هيّأ لعمل عسكري وأمني منظم كما اتهمته قيادتا الثنائي الشيعي وتوسعت فيه قناة “المنار”. وضع جعجع المجزرة التي وقعت مباشرة على الهواء حيث رأينا كلبنانيين من منازلنا أشخاصا متظاهرين يتم قنصهم كالعصافير، وضعها في خانة الدفاع عن “أمن المجتمع المسيحي” وتحديدا في عين الرمانة، وقال أن مجموعة من المتظاهرين وصفها بـ”الجحافل” دخلت في أحد أحياء عين الرمانة الضيقة وبدأت بتحطيم السيارات مستنفرة الحالة الشعبية هناك التي طالما تعرضت لاستفزازات وسكتت، وهذه “الحالة الشعبية” مؤلفة من اشخاص بالتأكيد أن بينهم قوات، ونفى قطعا أن يكون الامر منظما مسبقا بل جاء بشكل عفوي، لكن ذلك لم يمنع جعجع من التباهي بأن “الحالة الشعبية” حققت “ميني 7 أيار مسيحي” في اشارة الى حوادث 7 ايار 2008 التي قام بها حزب الله وحركة أمل دفاعا عن شبكة اتصالات المقاومة واحتلوا خلالها العاصمة بيروت في غضون ساعة.
إلا أن جعجع، نسي أن “الحالة الشعبية” التي استنفرت للدفاع عن عين الرمانة لا يمكن أن تستمر بإطلاق النيران والتقنيص من سلاح متطور على مدى 4 ساعات متتالية في اشتباكات مع الجيش اللبناني، وأن “الحالة الشعبية” لا تمتلك كل هذا التمويل لاطلاق رصاص حيّ يكلّف آلاف الدولارات ثم تنسحب بقناصيها المحترفين الذين صوّبوا على رؤوس الابرياء وصدورهم وأردوا سيدة هي مريم فرحات وهي والدة لخمسة أطفال سيعيشون يتامى الام مدى العمر وفي قلبهم غصّة، ورواية سيتغذون منها كل يوم بأن من قتل والدتكم هم أهل عين الرمانة من المسيحيين.
بعيدا من الاتهامات، وفي انتظار نتائج التحقيقات، حيث علم موقع “مصدر دبلوماسي” بأن الاجواء السياسية في البلد غير مهيّأة بعد لاعطاء أجوبة حاسمة حول مآل الأمور وأن ثمة سيناريوهات كثيرة يتم تداولها، وأن الجهود انصبت في اليومين الاخيرين على تطويق أية اشكالات امنية قد تنشأ عن هذه المجزرة، وعدم التصعيد، إلا أن الامور بحسب أوساط سياسية واسعة الاطلاع “تتطوّر نحو الأسوأ”. وتشير الاوساط الى أن الضحية الاولى لمجزرة 14 تشرين الاول كانوا الشهداء السبعة، أما الضحية الثانية فتتمثل بالحكومة التي شلّت كليا، وهي كانت تلقت صفعة من كلام تفوه به رئيسها نجيب ميقاتي في برنامج تلفزيوني اعترف فيه أنه قال للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه غير قادر على تطبيق جميع الاصلاحات ولا سيما انشاء هيئة ناظمة لمؤسسة كهرباء لبنان لأن ثمة جهة تعارض ذلك، علما بأن الهيئة الناظمة وقانون استقلالية القضاء هما شرطان أساسيان لأي قروض قد يعطيها صندوق النقد الدولي للبنان ما يعني أيضا تأخير أية مساعدات للبنك الدولي في حال تجمدت الاصلاحات. وكان المبعوث الفرنسي المسؤول عن المشاريع بيار دوكان قد عبّر في زيارته الاخيرة الى لبنان عن غضبه من التباطؤ الحاصل ومن سماعه كلاما مكررا بأنه لا يمكن تحقيق كل الاصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي. أما الضحية الثالثة فتتمثل بالشعب اللبناني الذي فقد فرصة للاستقرار كان يأمل بها بعد تشكيل الحكومة وأضاع السجال حول تحقيقات القاضي طارق البيطار وما تبعها من مجزرة الطيونة فرصة طالما انتظرها الشعب اللبناني.
بالعودة الى المسار الذي يتخذه سمير جعجع، في المرحلة الحالية.
ما يحدث منذ فشل انتفاضة ١٧ تشرين الاول 2019 ومحاولة حرفها لتكون ضد سلاح “حزب الله” وفشل ذلك، ثم انكشاف غاياتها والضالعين فيها من مجتمع مدني مزيف، وبعد فشل الحصار الذي أحكم ضد لبنان بتعاون أميركي خليجي أوروبي هدفه أضعاف حزب الله وجعل بيئته وحلفائه ينقلبون عليه. ولما تبين ان هذا الحصار أعطى نتائج عكسية، كون الحزب مدعوم بالدولارات التي صارت اهم من السلاح من قبل راعيه الاقليمي اي ايران، ولما تمكن الحزب من ضبط بيئته ومساعدتها وفتح بابا لم تكن تحلم به ايران وهو استيراد مشتقات نفطية تهافت عليها اللبنانيون من كل المناطق، ( وتقول معلومات موثقة بأن ثمة قواتيين استفادوا من المازوت الإيراني على مستوى شخصي، متغاضين عن موقف قيادتهم المعادي لإيران).
ولما تبين ان الحصار وما رافقه من تضخم ومافيا المصارف التي لا تزال تعمل لغاية الآن ولا ننسى المحتكرين الذين يحركهم الخارج الداخل سويا وهم جعلوا كل الطوائف ترزح في فقر مدقع باستثناء بيئة الحزب التي تأثرت لكن بشكل طفيف. ولما قرر الأميركيون إعطاء استثناءات للبنان خوفا من تغول إيراني اكبر، واكبر دليل تصريح نائبة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند أمس الاول عن استثناءات انسانية من قانون قيصر لصالح لبنان. ولما كانت السعودية تقوم بحوارات جدية مع ايران في بغداد، والإمارات بالرغم من اهتمامها بلبنان والاستثمارات لم تعد تثق باللاعبين فيه، تبين ان ثمة فريق رابح وآخر خاسر.
وما عمق هذه الفكرة لدى الفريق المناوئ لحزب الله هو الانسحاب الأميركي من أفغانستان وقرار الانسحاب من سوريا والعراق.
هذا الواقع جعل الصقور الذين يقفون في مواجهة “حزب الله” في حالة من الارباك الشديد. رأس الحربة هو الدكتور سمير جعجع، لان سعد الحريري أنهاه سياسيا (لغاية اليوم) ولي عهد المملكة العربية السعودية الامير محمد بن سلمان.
جعجع، وجد نفسه مأزوما امام حلفائه الخليجيين وفِي مقدمتهم السعودية لانه لم يحقق شيئا من وعوده عبر استراتيجياته الكثيرة التي رسمها بهدف اضعاف “حزب الله” تمهيدا لسحقه وتبين ان لا شيء لديه سوى الخطابات الحماسية التي تثير تصفيق مناصريه ومحازبيه.
ثم تبين ان جعجع غير مقبول بشكل كامل من جماعات المجتمع المدني التي تناصب “حزب الله” العداء ايضا.
وتبين ان الشارع المسيحي لم يعد يستسغ عمليات العنف التي يقودها والتي برزت ابان الانتفاضة عبر قطع الطرق، وضرب سوريين كانوا يتوجهون للانتخابات، ثم عمليات عنف جرت في منطقة الجميزة وضرب الشيوعيين واسالة دمائهم.
والأهم الأهم انه على بعد اقل من عام على موعد الانتخابات النيابية تبين لجعجع انه لا حليف له ! فقد خسر جميع حلفائه من مسيحيين وسنة بعد انفضاض العقد مع سعد الحريري وجبران باسيل. صحيح أن السعودية تمدّه بالتمويل اللازم وتجعله مرجعيتها لدى السنة وخصوصا في طرابلس إلا أن ذلك لا يكفي لبناء تحالفات انتخابية.
والاخطر هو ما يقرأه جعجع عم تقارب إيراني سعودي عتيد زاد من خوفه وتوجسه، على ان تأتي التسوية الاقليمية على حسابه، وحسابه مفلس من اية إنجازات.
لذلك، سارع الى التفكير في ما يمكن ان يلمع صورته أمام السعودية والخليج ولا ننسى ان هذه الدول تموله لابقاء شعلة الغضب مشتعلة لبنانيا واقليميا ضد “حزب الله”.
فلم يعثر هو المتفوق بالاعمال الحربية اكثر من السياسة، سوى قضية المرفأ التي تدغدغ الرأي العام اللبناني والمسيحي من اجل استغلالها وبدأ الاعداد لخطط حربية هجومية على الحزب بهدف بعيد هو ترسيم حدود المناطق المسيحية تمهيدا لفيديرالية تشكل حلمه الاول كما ذكرنا في مقدمة هذا التقرير.
وجاء الاشتباك السياسي على تحقيق القاضي طارق البيطار، ودعا أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله لتظاهرة ضد التسييس في الملف، فنشر جعجع مسلحيه على أسطح البنايات وأودى بسبعة لبنانيين بينهم سيدة ام لخمسة أطفال كانت تعد العدة للهرب من منزلها بحسب رواية تلفزيون “المنار” وقيادتا حركة أمل وحزب الله سويا.
حزب الله، كالعادة تصرف بدهاء موصوف به، لم يقم بردة فعل فورية كي لا ينجرّ الى حرب داخلية يريدها جعجع تمهيدا لفيديرالية يشتغل عليها اكثر من طرف لبناني.
ضبط حزب الله وكذلك حركة أمل شارعهما تاركين القنّاصين في مواجهة طويلة مع الجيش اللبناني.
يتردّد بأن مناصري الثنائي الشيعي -بعضهم وليس جميعهم- قاموا باستعراضات لسلاح حربي يدوي يحملونه، ظهر في بعض الفيديوهات التي حرص اعلام القوات على ترويجها، لكن العارفين يقولوا بأنها كانت للعراضة فقط وليس لاطلاق النيران.
بحسب المناخات السائدة لدى حزب الله وأمل فإن ما قاله جعجع عن ردة فعل عفوية غير مقنع وبأن فعلته لن تمرّ مجانا، وقد استثمر في الدماء لشد العصب المسيحي قبيل انتخابات نيابية يفتقد فيها لحليف أو لإنجاز فعلي.