مقالات مختارة
ذي ناشونال إنترست
سفير المملكة العربية السعودية الأسبق الدكتور علي عوّاض عسيري
يعد مرور عشرين عاماً على أحداث 11 سبتمبر 2001 التي وقعت في الولايات المتحدة فترة كافية لطي السجل المأساوي هذا لا سيما وأن الحرب التي شُنت في أفغانستان رداً على ذلك والتي امتدت لعشرين عاماً أيضاً قد انتهت الآن على نحو مأساوي أيضاً، ومع ذلك يأبى الصدع في العلاقات السعودية-الأمريكية و المرتبط بأحداث 11 سبتمبر أن يتلاشى.
ويبدو أن المحاولات المستمرة واليائسة لاتهام المملكة العربية السعودية في مسألة توريطها في أبشع عمليات الإرهاب ضد الولايات المتحدة التي أودت بحياة نحو ثلاثة آلاف من الأبرياء-كون أن خمسة عشر من أصل ١٩ عشر من مرتكبي أحداث 11 سبتمبر كانوا مواطنين سعوديين- قد باءت ولحسن الحظ بالفشل.
وقد طالبت عائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر مؤخراً وقبل حلول الذكرى العشرين للهجمات الإرهابية من الرئيس “جو بايدن” برفع السرية عن تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي مؤلف من ست عشرة صفحة حول الروابط المحتملة بين “نواف الحازمي” و”خالد المحضار”-الخاطفان اللذان شاركا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر- وبين “فهد الثميري” و”عمر البيومي”- وهما سعوديان يعيشان في الولايات المتحدة، وعلى غرار ما كُشف عنه سابقاً فإن التقرير الذي أعد في 2016 والذي استند إلى “عملية أونكور” [وهو تحقيق أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي حول روابط المملكة العربية السعودية بهجمات 11 سبتمبر] لم يقدم أي دليل على تورط مسؤولين حكوميين سعوديين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وقد رُفعت السرية أيضاً في عام 2016 عن ملف “شائن السمعة” مؤلف من ثماني وعشرين صفحة كان قد نُقح من تقرير عام 2002 الذي أعده التحقيق المشترك [للكونجرس] في أنشطة مجتمع الاستخبارات قبل وبعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، وقد شكلت هذه الصفحات الجزء الأخير من التحقيق الذي توصل إلى نفس النتيجة والتي تفيد بأنه “لم يتمكن أي من شهود وكالة الاستخبارات المركزية أو مكتب التحقيقات الفيدرالي من الإثبات بشكل حاسم مدى دعم المملكة العربية السعودية للأنشطة الإرهابية على الصعيد العالمي أو داخل الولايات المتحدة، أو إثبات أن هذا الدعم- إن وجد-هو دعم متعمد أو غير متعمد بطبيعته”.
وعلى نحو مماثل لم يجد تقرير عام 2004 من لجنة 11 سبتمبر المؤلفة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي “أي دليل يشير إلى أن حكومة المملكة العربية السعودية كمؤسسة أو كبار المسؤولين السعوديين فيها قد مولوا بشكل فردي [تنظيم القاعدة]”، وقد أصدر مدير الاستخبارات الوطنية بعد فترة وجيزة من رفع السرية عن ملف الثماني والعشرين صفحة بياناً أيد فيه النتائج التي توصلت إليها لجنة 11 سبتمبر من عام 2013 قائلاً إنه: “لم يكن هناك دليل جديد من شأنه أن يغير النتائج التي توصلت إليها لجنة 11 سبتمبر بشأن المسؤولية عن هجمات 11 سبتمبر”.
وكان من المفترض أن ينتهي الأمر عند هذا الحد ولكن لم ينته، ولهذا السبب أصرت الحكومة السعودية لعدة سنوات على الكشف الكامل عن جميع الوثائق الأمريكية السرية المتعلقة بأحداث 11 سبتمبر كي يُغلق هذا الفصل السيئ من العلاقات السعودية-الأمريكية بشكل نهائي، كما توقن السلطات السعودية أن عمليات الكشف الإضافية المفترض أن تأخذ مجراها في الأشهر المقبلة بموجب الأمر التنفيذي الموقع من جانب “بايدن” لن تسفر عن تطورات جديدة، والأمر سيان فيما يتعلق بإجراءات الدعاوى القضائية العديدة التي رفعتها أسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر بموجب قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” (جاستا) والتي تطعن فيها المملكة العربية السعودية في محكمة منطقة مانهاتن.
ويسمح قانون “جاستا” للمحاكم الأمريكية برفع القضايا ضد الدول الأجنبية المتهمة بدعم الأعمال الإرهابية حتى وإن كانت تتمتع بحصانة سيادية بموجب القانون الدولي، وعليه فإن هذه الدعاوى القضائية لا تضر بجهود مكافحة الإرهاب فحسب بل قد تشكل سابقة سيئة إذا ما استخدمتها دول أخرى في المستقبل ضد جنود ودبلوماسيين أمريكيين يخدمون في الخارج في حالات النزاع، ولهذا السبب مارست إدارة “أوباما” حق النقض ضد القانون، ولكن القانون أصبح سارياً بعد أن ألغى الكونجرس حق النقض فيه في عام 2016.
والمشكلة في الدعاوى القضائية التي تُرفع ضمن إطار “جاستا” هي أن الدولة المدعى عليها – المملكة العربية السعودية في هذا الصدد – يمكن أن تكشف عن معلومات حساسة من أجل الدفاع عن نفسها ضد اتهامات التورط مع الإرهابيين، وبالتالي لا تهدد هذه الدعاوى القضائية من جهود مكافحة الإرهاب فحسب، بل تضر أيضا بالأمن القومي الأمريكي، وبالمثل فإن الكشف العلني عن ملفات مكتب التحقيقات الفدرالي السرية قد يضر بالأمن القومي للولايات المتحدة لأنها تحتوي على مصادر استخبارية وأساليب لجمع المعلومات الأمر الذي قد يقوض من استعداد الحكومات الأجنبية للعمل مع مكتب التحقيقات الفيدرالية إذا لزم الأمر.
وفي الواقع فإن إدارة “بايدن” تواجه هذه المعضلة بالفعل، ففي قضية سبقت عملية رفع السرية عن تقرير “مكتب التحقيقات الفيدرالي” شدد مدير “الاستخبارات الوطنية” “آفريل هاينز” على حق الدولة في ممارسة امتياز التحفظ على أسرار الدولة في دعوى مدنية رفعتها شركة “سكاب” السعودية القابضة ضد مسؤول مكافحة الإرهاب السعودي السابق “سعد الجابري” واثنين من أبنائه الذين اتهموا بدعوى تزوير، وكانت وزارة العدل قد أعربت أيضاً في وقت سابق عن نيتها التدخل في هذه القضية، لأن السماح للقضية بالمضي قدما دون قيود من شأنه أن يؤدي إلى : “الكشف عن معلومات من شأنها إلى حدٍ معقول أن تلحق ضرراً بالأمن القومي للولايات المتحدة”.
وإلى حدٍ ما يشير هذا إلى ازدواجية كبيرة في نهج إدارة “بايدن” فيما يتعلق بحق الدولة في ممارسة امتيازات التحفظ على أسرارها، فالإدارة تتذرع بهذه الامتيازات فوراً حين يتعلق الأمر بحماية الأمن القومي الأمريكي، ولكنها تُسقطها عمداً فيما يتعلق بالإيحاءت المرتبطة بأحداث 11 سبتمبر ضد المملكة العربية السعودية.
وعلى المملكة العربية السعودية من جانبها أن تتوخى الحذر بشأن تبادل المعلومات الحساسة في قضايا المحاكم الأمريكية من أجل الحفاظ على التقدم الذي أحرزته في شراكتها مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب-وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر- كما ينبغي للمملكة العربية السعودية أن تضمن أن لا يتضرر الأمن القومي الأمريكي في خضم هذه العملية، وفي نهاية المطاف فإن هذا أقصى ما يمكن أن تقدمه المملكة العربية السعودية بصفتها صديقاً حقيقياً للولايات المتحدة في الوقت الذي تتعرض فيه سمعة المملكة العربية السعودية العالمية للخطر بسبب الثأر السياسي لبعض المصالح الخاصة داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ولا يمكن لأحد أن ينكر حقيقة أن المملكة العربية السعودية كانت قد تعاونت مع الولايات المتحدة بشكل وثيق في العقود الثلاثة الماضية لمكافحة الإرهاب الدولي ضد تنظيم “القاعدة” و”داعش”، فالمملكة العربية السعودية نفسها كانت ضحية إرهاب تنظيم “القاعدة” من قبل أحداث 11 سبتمبر بأمد بعيد، وقد اتبعت المملكة العربية السعودية سياسة نموذجية لمكافحة الإرهاب ركزت على تفادي وقوع العمليات الإرهابية ومعالجتها وأخذ الحيطة والحذر منها بهدف منع وقوع عمليات إرهابية دولية والقضاء على التطرف وإعادة تأهيل الإرهابيين والمتطرفين.
وقد وفر التقرير القُطري لعام 2019 عن المملكة العربية السعودية والصادر من وزارة الخارجية الأمريكية الأدلة على ذلك، فوفقاً للتقرير فإن “مسؤولي الحكومة السعودية قد واصلوا العمل بشكل وثيق مع نظرائهم الأمريكيين لنشر إستراتيجية شاملة وممولة جيداً لمكافحة الإرهاب والتي تضمنت تدابير أمنية يقظة وتعاون إقليمي ودولي واتخاذ التدابير اللازمة من أجل مكافحة التطرف الإرهابي وعملية تجنيد الإرهابيين”، و”قد تمكنت المملكة العربية السعودية من الحفاظ على مستوى تعاون عالٍ مع الولايات المتحدة والشركاء الدوليين في طائفة من ميادين مكافحة الإرهاب، بما في ذلك تبادل المعلومات عن الإرهاب ورصد المقاتلين الإرهابيين الأجانب وأمن الحدود ومكافحة المنظومات الجوية غير المأهولة ومكافحة التطرف العنيف”.
فكيف يمكن لأحدٍ ما أن يلمح أن المملكة العربية السعودية متواطئة في أحداث 11 سبتمبر وسط هذا المستوى العالي من التعاون السعودي-الأمريكي في مكافحة الإرهاب الدولي؟
إن الإدعاءات من هذا القبيل تدحض كافة التضحيات والخدمات السعودية في مكافحة الإرهاب وتعد بمثابة غطاء تستر به الولايات المتحدة من أخطائها الاستراتيجية التي أدت إلى ظهور تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش” في المقام الأول، فقد ولد تنظيم “القاعدة” بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن أفغانستان بعد أن هزم المجاهدون السوفييت، وظهر تنظيم “داعش” عقب الفراغ الذي خلفه التحالف بقيادة الولايات المتحدة في حرب العراق، وعليه لم تتعامل الولايات المتحدة وحدها مع العواقب الإرهابية المترتبة بل اضطر حلفائها مثل المملكة العربية السعودية وباكستان أيضاً إلى مواجهة نفس العواقب والتعامل معها.
وكوني خدمت كسفير للمملكة العربية السعودية في إسلام أباد لما يقرب عقد من الزمان، أدرك مدى التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في مكافحة تنظيم “القاعدة” والجماعات المحلية التابعة له وقد تمكن البلدان في خضم هذه العملية من تحقيق الاستقرار في باكستان، وكنت قد وصلت إلى إسلام آباد [كسفير] قبل أشهر من وقوع أحداث 11 سبتمبر وسُعدت بالعمل مع أربعة سفراء أميركيين بدءاً من “ويندي تشامبرلين” وانتهاءً بـ”آن باترسون” إلى أن عينت سفيراً في لبنان عام 2009، وقد أسفر هذا التعاون الواسع الذي شمل تبادل المعلومات الاستخباراتية عن عدد كبير من الاعتقالات، فقد اعتقل من خلال هذا التعاون كل من “خالد شيخ محمد” وهو العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر و”أبو زبيدة” المسؤول عن تفجير المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” و”أبو فرج الليبي” القائد التنفيذي لتنظيم القاعدة، وقد واجهت كل من المملكة العربية السعودية وباكستان خلال هذه الفترة المضطربة هجمات إرهابية عنيفة، بينما أُحبطت محاولات أخرى من خلال عمليات تبادل المعلومات الاستخباراتية بمشاركة الولايات المتحدة.
وتخبرنا القراءة الصحيحة للتاريخ أن وجود القوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية الذي تلا هزيمة العراق في حرب الخليج الأولى عام 1991 قد قدم لمؤسس تنظيم “القاعدة” “أسامة بن لادن” ذريعة لشن “حملة من الهجمات الفدائية لطرد القوات الأمريكية من المملكة العربية السعودية”في عام 1995، وفي عام 1996 أعلن [بن لادن] “الحرب ضد الأميركيين الذين يحتلون أرض الحرمين الشريفين”، وردت المملكة العربية السعودية من خلال تجميد أصول “بن لادن” وسحب جنسيته، كما إن تأسيس “الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والكفار” في عام 1998 كان يستهدف الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وعليه فليس من المستغرب أن يصبح البلدين هدفين رئيسيين لإرهاب تنظيم “القاعدة” في تسعينيات القرن العشرين.
وقد واجهت الولايات المتحدة قبل هجمات 11 سبتمبر ثلاث هجمات إرهابية كبيرة من تنظيم القاعدة والتي تضمنت تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 و تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998 و الهجوم الذي استهدف المدمرة الاميركية “يو إس إس كول” عام 2000، وقد وقع أول هجوم للقاعدة ضد السعودية في عام 1995 واستهدف الهجوم مجمع تدريب تابع للحرس الوطني السعودي في الرياض وأسفر عن مقتل ستة أشخاص بينهم خمسة مواطنين أمريكيين وجرح أكثر من ستين شخصاً، ثم في عام 1996 انفجرت شاحنة مفخخة ضخمة بجانب محيط مجمع أبراج الخبر السكني وأسفر الهجوم عن مقتل تسعة عشر طياراً أميركياً وجرح أكثر من خمسمائة آخرين.
وعلى مدى السنوات الخمس التالية ووصولاً إلى الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001 وقعت سلسلة من التفجيرات التي استهدفت في الغالب العمال المغتربين الغربيين الذين يعيشون في المملكة العربية السعودية، وفي عام 2001 توجه رئيس الاستخبارات السعودية آنذاك الأمير “تركي بن فيصل” إلى أفغانستان لإقناع قيادة طالبان بتسليم بن لادن، وعلى الرغم من فشل مساعي القبض على “بن لادن” إلا أن المملكة العربية السعودية قد انهمكت في الانخراط بحملة نشطة للقضاء على تنظيم “القاعدة” عشية الحادي عشر من سبتمبر، ولكن في أعقاب الحادثة المأساوية وصلت الأوضاع في ذروتها إلى شفا جرف هاوٍ.
وفي عام 2003 شن تنظيم “القاعدة” حملة إرهابية واسعة النطاق في الرياض استهدفت البنية التحتية الحيوية والشركات الدولية والسكان الأجانب والسلطات السعودية والحكومة الأمريكية، وقد بدأت بسلسلة من الهجمات على مجمعات سكنية في العاصمة السعودية في عام 2003، ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2006 وصل عدد القتلى إلى المئات وآلاف من الجرحى، ثم ظهر في عام 2009 تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” الذي انخرط في شن المزيد من الهجمات المميتة، وسعى التنظيم إلى اغتيال ولي العهد آنذاك ورئيس مكافحة الإرهاب الأمير “محمد بن نايف” أربع مرات الأمر الذي دفع الحكومة الأمريكية إلى تصنيف “تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” كأخطر جماعة مرتبطة بالقاعدة في العالم.
ومن جانبها أنشأت المملكة العربية السعودية أيضاً أحد أكبر برامج مكافحة الإرهاب وأكثرها فعالية بفضل جهودها وبالتعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها الاستراتيجيين الآخرين، وقد أثمرت هذه الجهود في عام 2010 عن تنفيذ خطة تسلل سعودية تمكنت من إحباط محاولة لتنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” من زرع قنابل على طائرتي شحن في اليمن كانت متجهة إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي ساعد في إنقاذ حياة آلاف الأمريكيين.
وقد أدت الشراكة الأمريكية-السعودية اللاحقة في مجال مكافحة الإرهاب إلى مقتل ” قاسم الريمي” القيادي في تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” العام الماضي والقضاء على سلفه “ناصر الوحيشي” في عام 2015، وقد قتل الإثنين في غارات أمريكية باستخدام بطائرات مسيرة في اليمن، كما ساعدت هذه الشراكة على القضاء على تنظيم “داعش” في سوريا والعراق بما في ذلك قتل زعيمها “أبو بكر البغدادي” في هجوم بطائرة أمريكية مسيرة في عام 2019.
وتشكل كل من “القاعدة” و”داعش” “خطراً مميتاً على المملكة العربية السعودية”- وهي العبارة التي استخدمتها لجنة 11 سبتمبر في تقريرها- في الفترة التي يطمحان فيها إلى إحياء الخلافة الإسلامية، وبما أن المملكة العربية السعودية هي مهد الإسلام وقيادتها خادم للحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنورة فالسبيل الوحيد لهذه الخلافة هو من خلال المملكة العربية السعودية وملكيتها، وبما أن المملكة العربية السعودية تواجه تهديداً وجودياً من تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش” فمن غير المتوقع بل ومن المستبعد جداً أن تكون بلداً يتعاون مع الإرهابيين، ولكن المتوقع هو أن المملكة العربية السعودية ستبذل كل ما في وسعها من أجل “حماية الأمة الإسلامية من شرور جميع الجماعات والتنظيمات الإرهابية” كون ذلك هو الهدف الرئيس من تأسيس “التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب” الذي أنشأته الرياض في عام 2016 والذي يضم 41 دولة مسلمة.
ويكشف السرد المذكور أعلاه بشكل كاف مدى تفاهة الادعاءات بشأن صلات المملكة العربية السعودية بإرهابيي 11 سبتمبر، ألم يكن من الأجدر أن تتخذ أجهزة الأمن الأمريكية التدابير الوقائية اللازمة والمتابعة عن كثب بعد اللقاء الذي جمع الخاطفيين السعوديين بسعوديين آخرين مقيمين في لوس أنجلوس؟ فما الدور الذي كانت ستلعبه المملكة العربية السعودية هنا؟ وبالتالي لا يمكن للولايات المتحدة أن تتخذ من المملكة العربية السعودية كبش فداء لأسوأ فشل استخباراتي في تاريخ الولايات المتحدة.
وليكن واضحاً أيضاً أن الإرهاب لا دين له لأن المنحرفين من جميع الأديان مسلمين كانوا أم مسيحيين أو غيرهم قد ارتكبوا عمليات إرهابية وقتلوا مدنيين أبرياء، وتعد عملية تفجير مبنى في مدينة أوكلاهوما في عام 1995 على يد “تيموثي ماكفي” مثال واضح على ذلك، ولكن كراهية الإسلام [الإسلاموفوبيا] قد صاغت المواقف والسياسات الغربية على مدى العشرين عاماً الماضية، وبالتالي عوملت المملكة العربية السعودية باعتبارها مركز الثقل في العالم الإسلامي بمعاملة خاصة، ولم تسفر مسألة رفع السرية في الولايات المتحدة أي شيء سوى عن إلحاق الضرر بعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية التي اجتازت اختبار الزمن.
وعليه أصبحت الحاجة إلى مبادرة من إدارة “بايدن” إلى تصحيح مسارها وإظهار سلوك مسؤول ملحة، فالمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة على حدٍ سواء قد تعرضتا إلى عمليات إرهابية مميتة على يد تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وقد تمكن البلدين بشراكتهما من توجيه ضربات قاضية لهذه الجماعات الإرهابية، وبالتالي من المفترض أن تضع مثل هذه الوقائع حداً للمزاعم التي لا أساس لها حول تواطؤ المملكة العربية السعودية في هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، فالعلاقة التاريخية بين البلدين أثمن من أن تفشل، وقد حان الوقت الآن لمداواة الجراح القديمة والمضي قدما وإعادة بناء الشراكة الاستراتيجية.
علي آل عواض عسيري
شغل منصب سفير المملكة العربية السعودية في باكستان (2001-2009) ولبنان (2009-2016)، وهو عضو في مجلس إدارة المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة) في الرياض، وهو حاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بيروت العربية، كما ألف كتابا بعنوان “مكافحة الإرهاب: دور المملكة العربية السعودية في الحرب على الإرهاب” الذي نال رسالة تقدير من الرئيس باراك أوباما.
ا