“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تعتبر المقابلة التي أجرتها الزميلة في إذاعة “لبنان الحر” رلى حداد أمس السبت مع مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم محضر “استجواب” (وهو اسم برنامجها) محكم وناجز أوضح بما لا لبس فيه الادوار السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية التي يقوم بها اللواء ابراهيم منذ توليه المديرية العامة للأمن العام في 2011 وخصوصا في مرحلة بدء الانهيار الشامل في تشرين الاول 2019 ولغاية اليوم. وبدت المحاورة الشابة مهنية بامتياز تمسك بحرفية مفاصل المحاور والملفات التي خاضت فيها متميزة بجرأة السؤال من غير ان تسقط لياقة الاستجواب الاعلامي، فطرحت كل الاسئلة المثارة حول ادوار اللواء ابراهيم وخصوصا بعد “إسقاط” اسمه سياسيا للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، فلم تلغ وجهة نظر إلا وعبرت عنها طالبة اجابات واضحة مع ادراكها وزن الشخصية التي تحاورها بكل ميزاتها الامنية والسياسية والدبلوماسية وبأبعادها الاقليمية والدولية.
من جهته، كان اللواء عباس ابراهيم واضحا في اجاباته، سلسا في التعامل مع مختلف انواع الاسئلة “الهجومية” أو “المفخخة”، أو” المستدرجة”، متعاملا معها بحنكة ودبلوماسية وجرأة غير متردد في توجيه رسائل مبطنة في معظمها تحمل خصائص “الشيفرة” التي قد لا يفهمها سوى خصومه الذي نجح في “تقليبهم” بين الرمضاء والنار إذا صح التعبير، ونجح بـ”فكفكة” حججهم الواهية والتي تستهدف دوره المحوري، مرسخا صورته كرجل دولة لا يؤمن إلا بالقانون.
حقائق حول المرفأ
كشف اللواء عباس ابراهيم الكثير من القصص والالتباسات التي تخص ملفات حيوية:
في ملف مرفأ بيروت، تمّ ايضاح علامات الاستفهام حول استدعائه في انفجار 4 آب 2020.
كشف اللواء ابراهيم بأنه لم يتبلغ بشكل رسمي طلبا من المحقق العدلي طارق البيطار للاستماع اليه وهذا يكشف للمرة الاولى. فالقاضي البيطار يعلم بأن المسار القانوني في استدعاء اللواء ابراهيم مفقود وغير ناجز. وفي حين استمع المحقق العدلي السابق في قضية المرفأ القاضي فادي صوان الى اللواء ابراهيم كشاهد لمدة عشر دقائق إذ اعتبر أن ليس لديه ما يسأله عنه بموضوع ليس من صلاحية الامن العام، فإن طلبه الاستماع الى ابراهيم كان فقط لأنه يسأل الاجهزة الامنية كلها.
من جهته، يصرّ البيطار على ان يكون المثول قانونيا أي بعد نيل الاذن من وزير الداخلية والمدعي العام التمييزي وهو ما ليس متوافرا إذ ليس في حوزته اذنا قانونيا من الوزير، ثم ان النيابة العامة التي تفصل بالخلاف بين الوزير والقاضي ايّدت قرار الوزير السابق محمد فهمي بعدم السماح باستجواب اللواء ابراهيم بسبب عدم اكتمال العناصر القانونية لذلك. قال اللواء ابراهيم امس بوضوح: “عندما يسمح لي القانون للمثول امام القاضي البيطار سأمثل”.
باتت صلاحيات الامن العام واضحة لمن يريد أن يستوعب ذلك، وهذه الصلاحيات المنصوص عنها بالمراسيم الاشتراعية الصادرة في العام 1959 تحدد مهامه في مرفأ بيروت اي انه ليست له علاقة بالعنابر والبضائع بل بحركة مرور الاشخاص. كذلك اعاد اللواء ابراهيم التأكيد للمرة المليون بأنه تابع المراسلة الاولى التي ارسلها لرئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية في ايار 2013 وفق الصلاحيات المنصوص عنها وخصوصا وان “البضاعة” أي نيترات الامونيوم كانت محجوزة بقرار قضائي.
سألته المحاورة عما استند اليه المحقق العدلي من نظام الموانئ والمرافئ، فكشف اللواء ابراهيم بأن هذا ليس قانونا بل قرار وزاري صدر في العام 1966 عن وزير الاشغال الذي ليست له صلاحية على الأمن العام، وهو لم ينفّذ منذ العام 1966 إذ يتناقض مع المراسيم الاشتراعية التي نظمت عمل الأمن العام. ونظام الموانئ والمرافئ لا ينص على ان الامن العام ذي صلاحية. هذا ايضاح جديد لم نسمع به سابقا.
جريصاتي والسيد وحسواني
وكانت المرة الاولى امس التي تضيء فيها المحاورة رلى حداد على دور معين لسليم جريصاتي المستشار القانوني لرئيس الجمهورية ومحاولته تصفية حسابات مع اللواء عباس ابراهيم مع “صديقه” اللواء جميل السيّد، وهو المنافس الشرس للواء ابراهيم المتهم أقله من الرأي العام بقيادته حملة شعواء ضد غريمه ابراهيم يستخدم فيها اسلحة فتاكة من التغريدات الى الشائعات الى حياكة المكائد وخصوصا مع جريصاتي. أوضح اللواء ابراهيم امس ايضا كل الجدل الذي ساد “علاقته” بجورج حسواني الشخصية السورية التي وضع خاطفو “جبهة النصرة” راهبات معلولا الـ11 في منزله في سوريا، مشيرا الى أن “العلاقة” التي بنى المغرضون الكثير من القصص حولها لا تعدو اتصالا هاتفيا من حسواني لابراهيم عارضا خدماته، من دون ان يعاود ابراهيم الاتصال به.
الادوار الاجتماعية والاقتصادية
أضاءت المقابلة على محورية الوساطة السياسية للواء عباس ابراهيم في تشكيل الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي، بعد أن تم التعتيم الاعلامي على حركته وثمار وساطته وخصوصا في آخر اسبوع من محاولات تشكيل الحكومة.
في هذا السياق اوضحت المقابلة الصلاحيات القانونية للامن العام اللبناني من خلال الاضاءة على القانون 139 الصادر العام 1959 وبالتالي إعطاء اسناد قانوني للدور السياسي في الامن الاجتماعي والاقتصادي لمدير عام الامن العام في رد غير مباشر على من ينتقدون مبادراته وخصوصا من خلال حسابات السوشال ميديا والحملات التي تشنّ ضده بين فترة واخرى.
كان اللواء ابراهيم جريئا في الاعتراف بأنه قريب من “حزب الله” كما هو قريب من جميع الاحزاب اللبنانية وفقا لدوره كوسيط يجمع الناس، وان علاقته الجيدة بـ”حزب الله” جعلت الغرب يتحاور معه، وهذا الموقف سبق وعبّرت عنه تقارير غربية متخصصة كتبت عن ادوار اللواء ابراهيم وعلاقاته المتشابكة مع الفرقاء المحليين والاقليميين والدوليين.
وجّه اللواء عباس ابراهيم في مقابلته رسائل تمثل جرعات تفاؤل مهمّة يحتاجها الناس: تشكيل الحكومة تمّ خلال شهرين فحسب وهذه سابقة، اقرار البيان الوزاري تم خلال اسبوع، امكانية تراجع سعر صرف الدولار، ثقة بوضع لبنان على سكة الخروج من النفق. شدد قائلا:” نحن مسؤولون عن شعبنا ويجب ان نقرع جميع الابواب لنوفر سبل العيش”، الانبوب من مصر الى دير عمار جاهز فنيا، الاطمئنان على الوضع الامني الى حدّ ما، وقال لمن يريدون الهجرة: “لبنان لا يترك.”
كذلك كشف بأن استجرار الكهرباء من الاردن متعلق بوجود 80 برج في جنوب سوريا تعرضوا للتحطيم من قبل الارهابيين ما يحتاج لاصلاح 6 اشهر و5 ملايين دولار هل سيقدم البنك الدولي على هذه الخطوة؟
الاجابة الاقوى كانت امكانية تولي اللواء ابراهيم رئاسة البرلمان وترشحه للانتخابات المقبلة لم يعط جوابا حاسما وترك جميع الابواب مشرّعة، وهذا تفصيل مهم قال:” انا لا أفكر حاليا بالانتخابات ولم اتخذ قرارا في ما يمكن أن أعمله”. كذلك جوابه بأن توقع اللبنانيين انه سيتولى رئاسة البرلمان فأشار بأنه “كلام موقع فخر ويمثل ثقة اللبنانيين” وهذه رسالة جديدة مقارنة مع اجاباته السابقة حول الموضوع حيث كان أكثر دبلوماسية وبدا وكأنه هذه المرة يوجه رسالة مباشرة وغير مبطنة لرئيس المجلس النيابي نبيه بري.
اقليميا
كان مهما تجسيد الدور الاقليمي للواء ابراهيم مع العراق وتحديدا مع الرئيس مصطفى الكاظمي عبر رواية القصة الحقيقية Authentic حول الجلسة مع الرئيس الكاظمي ووزير النفط العراقي في منزل رئيس الحكومة العراقية، ثمّ رواية تفاصيل العرقلة التي واجهت مسودة الاتفاق مع العراق حول فتح الاعتمادات من مصرف لبنان وكيفية التدخل المباشر مع الرئيس الكاظمي والخلوة لربع ساعة بين اللواء ابراهيم والكاظمي الذي طلب على اثرها تلاوة مسودة البيان في الاجتماع التالي وكيف انه حين الوصول الى بند فتح الاعتمادات قال الكاظمي أن التسديد يكون عبر خدمات.
وكان مهما ايضاح ماهية الخدمات كالخدمات الاستشفائية.
واخيرا كان من المهم أن يوجه رجل أمن من وزن اللواء ابراهيم رسالة مهمة لجهة الالتزام بحقوق الانسان. لدى سؤاله عن الممارسة الديكتاتورية للبعض سابقا اعتبر اللواء ابراهيم أن قمع الحريات يختزل في داخله تأجيلا لانفجار محتوم وعلى الجميع ان يدلي برأيه، وحرية كل شخص تقف عند حرية الآخرين، وليس القمع علامة من علامات الأمن بل الامن ممره التواصل مع الآخرين. ولفت في فكرة جديدة لبنانيا الى ان الامن أصبح بمفهومه الجديد قائم على العلم والتكنولوجيا والتواصل مع الآخرين.