مقالات مختارة
موقع “أساس”
مارلين خليفة
قلّما تقلّدت سيّدة لبنانية وزارتين سياديّتين ومنصباً سياسياً رفيعاً في هذا البلد، حيث نسبة النساء في البرلمان لا تزال دون الـ10 في المئة. وها هي الحكومة الجديدة التي شكّلها الرئيس نجيب ميقاتي لا تضمّ إلا سيّدة واحدة، في وزارة دولة.
لذا تعتبر زينة عكر السيدة اللبنانية الأولى في تاريخ لبنان، وربما تكون الأخيرة، التي تتولّى 3 مناصب رئيسية: نيابة رئاسة مجلس الوزراء، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية والمغتربين (بالوكالة). وهي أوّل سيّدة تتولّى حقيبة الدفاع في العالم العربي.
كلّ هذه المسؤوليات سقطت على عكر بفعل اتصال هاتفي من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ذات ليلة من تشكيل حكومة حسان دياب. فالسيّدة التي كانت في منزلها مع زوجها، رجل الأعمال جواد عدره ووحيدتهما نور، تناقش شؤون مؤسّستهم الخاصّة “الدوليّة للمعلومات” التي تتولّى رئاسة مجلس إدارتها، لم تشأ يوماً خوض غمار السياسة من بابها الرسمي، مفضِّلةً رسم السياسات في نشاطات القطاع الخاص والمجتمع المدني الذي عملت فيه يافعةً، وتحديداً في جمعية Save the Children.
لا تحبّذ عكر التحدّث كثيراً إلى الإعلام، ويمكن القول إنّ هذه السطور نتاج واحدة من المقابلات القليلة جدّاً التي تعطيها للصحافة اللبنانية منذ تولّيها مسؤوليّاتها. فهي مدمنة على العمل، ويبدأ نهارها في الصباح الباكر، وينتهي قبيل منتصف الليل. تداوم في مكتبها في “الدفاع” وفي “الخارجيّة” يوميّاً، فيما تخصّص بعد الظهر لاجتماعات في السراي وفي المنزل كنائبة لرئيس مجلس الوزراء، حيث تقوم بالإجتماع مع اللجان ومع منظّمات المجتمع الدولي، ومع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وكان قد سبق لنائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس أن شكّل لجاناً ومستشارين لمعاونته في دراسة الملفّات.
تنقل الوزيرة عكر الكثير من العمل إلى منزلها، ولا “تبيّت” بريداً، بل توقّعه يومياً إلا إذا كانت خارج البلاد. فهي تعتبر أنّ الوزارات وُجِدت لخدمة العباد، وليس العكس.
وهي أحدثت تغييراتٍ ملحوظة في وزارة الدفاع، فحافظت على علاقة جيّدة مع قيادة الجيش بعد توتّر دام عقوداً بين المنصبين، وألغت الكثير من الاستثناءات، وتفقّدت العسكر مراراً وتكراراً، وجالست الضبّاط، في ظاهرة غير مسبوقة في الوزارة، التي توجّس ساكنوها من أن تتولّاها سيّدة. وهو أمر لم يسبق أن عاينوه، إلا أنّ سلاستها وخبرتها الواسعة في إدارة الموارد البشرية جعلت من فريق عمل الوزارة فريق عملها الناجح.
تعقيدات في الخارجية
في وزارة الخارجية، التي تولّتها بالوكالة خلفاً للوزير شربل وهبه، كان التعاطي أشدّ تعقيداً مع مجتمع دبلوماسي متمرّس ومتعدّد الولاءات السياسية، وله معاييره التي تنافس بقساوتها المعايير العسكرية، وهي المتمكّنة من نسج العلاقات مع جميع الأطراف السياسية على تنوّعها وتناقضها.
فقدت عكر جانباً من حياتها العائلية خلال فترة ولايتها الوزارية، التي انتهت أمس الأوّل. فهي بالكاد كانت ترى نور، ابنتها ذات الأعوام الـ17، في المنزل، بين اجتماع وآخر… ولولا مساندة شريكها جواد عدره وتفهّمه لكان الوضع أسوأ.
تشكو عكر لـ”أساس”: “خلال مرحلة الوزارة لم يكن لديّ الحياة العائلية التي اعتدتها، وكان زوجي جواد سنداً أساسياً، دعمني ووقف إلى جانبي. لكنّ الوقت مرّ بسرعة ولم يكن ملكاً لي. صحيح أنّ عائلتي كانت تخسر، لكنّني كنتُ أعتبر أنّ مَن يقرّر تحمّل المسؤولية عليه تحمّلها كاملةً. وهنا تأتي التضحية وتصبح الأولويّة هي المسؤوليّات وخدمة الوطن والمواطنين وليس العائلة. وأنا سرتُ في هذه الطريق، مع العلم أنّه كان لجواد عدره آراء ناقدة عبّر عنها في مقالات عدّة كتبها ومن خلال تغريداته على تويتر”.
عكر لديها جانب عاطفي غير مرئي تأبى الحديث عنه علانيّة، لكنّ المعروف أنّ دمعتها تنهمر بسرعة حين تتأثّر بحدث معيّن، ولا سيّما ما يتناول القضايا الإنسانية.
وُلِدت زينة عكر في كفرحزير بقضاء الكورة في 21 حزيران من عام 1964. تابعت دراستها في مدرسة بشمزين العالية، ثمّ سافر أهلها إلى الخليج حيث أكملت دراستها في أبو ظبي، ثمّ عادت إلى مدرسة الأميركان في طرابلس، لتنتقل بعدها إلى الجامعة اللبنانية الأميركية، حيث نالت إجازة في إدارة الأعمال والتسويق، وتخرّجت في عام1987 . فور تخرّجها بدأت العمل مع جمعيّة Save the Children. وكانت تلك المرّة الوحيدة في حياتها التي حملت فيها لقب “موظّفة”. وقد تسلّمت الإدارة والمشاريع وماليّة الجمعيّة. ثمّ غادرت عملها في عام 1992، ثمّ أسّست بعد فترة مع شريك حياتها جواد عدره شركة “الدولية للمعلومات” للدراسات والإحصاءات و”جمعيّة الإنماء الاجتماعي والثقافي”، وكانت تُعنى بالشؤون الخيرية.
العمل الخيري والاجتماعي
أحبّت العمل الإنساني منذ يفاعتها، والاحتكاك بالناس، وقد أعطتها تجربتها مع Save the Children خبرة في الإدارة وفي العمل الميداني والعلاقات مع الناس. لديها ابنة وحيدة هي نور التي تبلغ الـ17 من العمر وتتهيّأ لدخول الجامعة. تحبّ العمل كثيراً، وقد أسّست مع زوجها “متحف نابو” للآثار والفنون: “كانت تجربة جميلة أحدثت تغييراً في الشمال، لكنّ الوضع الذي استجدّ في العامين الأخيرين لم يسهِّل إقامة معارض اعتاد المتحف على تنظيمها”.
تسلّمت عكر منصب وزيرة الدفاع، وذلك في 21 كانون الثاني من عام 2020، في عزّ الأزمة اللبنانية والانتفاضة الاجتماعية التي انطلقت في 19 تشرين الأول 2019، وتمكّنت من سلوك هذه الطريق التي لم تسلكها سيّدة لبنانية سواها. تقول لـ”أساس”: “تهيّبت كثيراً تسلُّم وزارة الدفاع في بداية تعييني، إذ اعتبرت أنّها تتضمّن شؤوناً عسكرية، لكن تبيّن لي أنّ عمل وزير الدفاع ينصبّ أكثر على النواحي الإدارية، إذ يُعنى قائد الجيش بالشؤون العسكرية. وفي فترة قصيرة تمكّنت من فهم آليّة العمل، وحرصت على عدم تعيين فريق عمل خاصّ بي. قلت لموظّفي الوزارة: أنتم فريق عملي. بالنسبة إليّ، الأهمّ في بناء المؤسسات هو أن يبقى الموظّفون الأصليون في الوزارات لكونهم على اطّلاع على تطوّرات الأوضاع والملفّات، وهذا ما أتّبعه”.
غالباً ما يقع تشابك بين صلاحيّات كلّ من وزير الدفاع وقائد الجيش، ما انعكس تاريخياً توتّراً في العلاقات بين الطرفين. إلا أنّ الوزيرة عكر شذّت عن هذه القاعدة متخطّية سوء التفاهم بين الوزير والقائد بأسلوب عملها المختلف. تقول: “يحدّد قانون وزارة الدفاع صلاحيّات الوزير، لكن على غرار قوانين عدّة يمكن تفسيره لمصلحة جهة دون أخرى. من جهتي، لم أتّبع هذا الأسلوب، بل اعتبرت أنّ علينا العمل فريقاً واحداً كلٌّ وفق قدرته لمصلحة البلد والجيش، خاصّة في ظلّ الظروف الصعبة التي نعيشها. فمَن يحتاج إلى خلافات داخلية في الوقت الذي علينا فيه التعاون وتغليب مصلحة الوطن والجيش على أيّ شيء آخر”.
لكن ماذا عن تفسير الصلاحيّات بشكل متناقض؟
تجيب: “لم أركّز على هذا الموضوع، بل قرّرت العمل كفريق عمل واحد. وإذا اختلفنا على أيّ موضوع اتّفقنا على أن نجلس معاً، سواء مع قائد الجيش أو مع مسؤولي المديريّات، ونتناقش في ضوء مصلحة الجيش والبلد والقانون، ويقنع أحدنا الآخر بهذه الطريقة”.
هكذا تمكّنت من نسج علاقة محترمة قائمة على التعاون والعمل والإنتاجية، بدءاً من أصغر الموظفين ووصولاً إلى أكبرهم. لم يعد يوجد أيّ ملفّ عالق في وزارة الدفاع. تركت عكر بصمة مهمّة في وزارة الدفاع تتمثّل في رفضها الاستثناءات في الملفّات كلّها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر رخص السلاح.
تضيف: “بعد تعييني، تبيّن أنّ الوزير السابق الياس أبو صعب قد أعدّ برنامجاً جيّداً يسهِّل رصد الرخص التي ينالها كلّ حزب أو طرف سياسي معيّن. وأنا أكملت العمل به، لكنّني أضفت إليه خطة الكوتا لكلّ طرف. وتتوزّع هذه الكوتا بين الوزراء والنواب والأحزاب والقضاة والسفارات وغيرها. لقد أثارت الكوتا في الفترة الأولى انزعاج كُثُر، لكن حين التزمت بها بحذافيرها ومن دون استثناءات أو تمييز، مشي الحال”.
لم تأخذ عكر قراراً بإلغاء رخص السلاح التي يبدو أنّها تنخرط في صلب شخصية اللبناني. “يوجد الكثير من الدول التي لا تعطي رخص سلاح، لكنّ الرخصة في لبنان تحمل معاني كبرى، ولا أعرف السبب. بالنسبة إليّ كنت أفضّل أن تُعطى رخص السلاح بطريقة أخرى على أن توفّر دخلاً للدولة اللبنانية، فتكون مقابل مبلغ من المال، لكنّ الأمر يحتاج أيضاً إلى مشروع قانون. وهذا ما قد يحدّ من الطلب على الرخص. أودّ الإشارة إلى أنّنا جمّدنا طلب الرخص في وزارة الدفاع منذ حوالي سبعة أشهر لأنّ الوضع على الأرض صعب”.
تميّزت الوزيرة عكر بأنّها داومت على زيارة كلّ مراكز الجيش اللبناني على الأراضي اللبنانية كافّة. جالت على جميع الألوية في كل القطاعات والمراكز من الشمال إلى الجنوب فالبقاع: “أعتبر أنّ التواصل على الأرض ذا أهميّة كبيرة. يعنيني كثيراً التعاطي مع النّاس. فالتواصل المباشر مع ضبّاط وعناصر الجيش مفيد، إذ يُشعِرهم بوجود المسؤول إلى جانبهم، وباهتمامه بالإصغاء إليهم. وقد عملت على الكثير من الأمور في وزارة الدفاع في ضوء الزيارات الميدانية”.
قامت عكر مثلاً بتأجيل دفع العسكريين قروض الإسكان وصندوق التعاضد على مدى سنة: “عرفت أهميّة الموضوع من خلال احتكاكي بالعسكر على الأرض. فكنتُ أعود إلى الوزارة وأتّصل بالمعنيّين بحلّ الموضوع، مثل جمعيّة المصارف والمصارف، حيث لبّت وحلّت الأمر بسرعة، ولا بدّ من توجيه الشكر في هذا المجال”.
تقول باعتزاز: “الجلوس إلى جانب الضبّاط والعسكر، والنقاش معهم والاستماع إلى همومهم، سمحت بالتواصل المباشر والمفيد لحلّ المشكلات العالقة”.
التواصل مع العسكر والضبّاط
من خلال احتكاكها المباشر بالعسكريين والعسكريّات، اكتشفت عكر وجود مشكلة في النقل من المناطق، وأنّ العسكر ينفقون أكثر من نصف رواتبهم على النقل: “تواصلتُ مع قائد الجيش لدراسة كيفيّة الحصول على باصات تنقل العسكريين، فوافق سريعاً وتمّ شراء باصات ستصل قريباً لحلّ هذه المشكلة”.
هكذا عملت بشكل وطيد مع قائد الجيش العماد جوزيف عون على توفير مساعدات للمؤسسة العسكرية لتتمكّن من الصمود وسط الانهيار الحاصل.
ولا تنسى الإشارة إلى أنّ “كلّ الدول الصديقة والشقيقة مهتمّة بمساعدة الجيش. فقد نظّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمراً خاصّاً لمساعدة الجيش اللبناني، بالتعاون مع الأمم المتحدة التي تتابع الموضوع لمعرفة نوع المساعدات التي يحتاج إليها الجيش. وقد وصلت مساعدات من دول عدّة، تتألّف من أدوية ومستلزمات طبية ومواد غذائية، وكلّها وصلت إلى الجيش”.
لا تنفي عكر وجود حالات فرار: “هذا أمر متوقّع لأنّ أيّ شخص لديه فرصة أفضل للعمل لن يتردّد في نيلها. لكنّ نسبة الهروب من الخدمة ليست كبيرة، وهذا أمر تتعامل معه الألوية. في كثير من المرّات يعيدونهم، وبعضهم يذهبون ويعودون”.
لكن هل تعاقبونهم؟
تجيب: “لا، فقد خُفِّفت العقوبات بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة. نتفهّم حين يتركون، ونستقبلهم حين يعودون. فهؤلاء أبناء الجيش”.
كانت عكر في الأردن عند وقوع انفجار الصهريج في التليل في عكار، وقد علمت بوقوع انفجار الصهريج في الصباح الباكر قبل موعد لقائها الملك الأردني عبد الله الثاني، فاتّصلت بقائد الجيش: “يومها انقلب نهاري بكامله رأساً على عقب، وأردت العودة بسرعة، لكنّ الاجتماع مع جلالة الملك عبد الله الثاني كان مهمّاً وأساسيّاً، وقد لمست كم هو محبّ ومتعاطف مع لبنان، إذ أرسل 9 طائرات من المساعدات، وطلب معلومات إضافية أرسلتها لجلالته في غضون أيام قليلة بناءً على ما طلبه. طبعاً هناك دول أخرى ساعدت لبنان كثيراً، لكنّني أتحدّث عن الأردن لأنّني كنت يومها في زيارة رسمية له”.
فور وصولها إلى مطار رفيق الحريري الدولي، توجّهت عكر إلى المستشفيات التي استقبلت جرحى الانفجار: “كان الوضع محزناً جدّاً، والأوجاع كبيرة. ونحن نواكب هؤلاء الجرحى حتى اليوم. لكن للأسف استشهد عدد من العسكريين المصابين الذين سافروا إلى الخارج. وبلغت الخسائر البشرية من الجيش 11 عنصراً، وسقط عدد كبير من الجرحى”.
لم يتمتّع منصب نائب رئيس مجلس الوزراء في لبنان يوماً بصلاحيّات، فكان غالباً مركزاً “شرفيّاً” للطائفة الأرثوذكسية. ليس لهذا المركز مراسيم تنظيمية، إلا أنّه تحوّل إلى عمل يوميّ ومضنٍ لوزيرة الدفاع ووزيرة الخارجية والمغتربين بالوكالة زينة عكر، التي تخصّص له الكثير من الوقت.
بتكليف من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وبتنسيق تامّ مع رئاسة الحكومة، انخرطت عكر في عمل اللجان الموجودة من أجل تفعيل العمل مع المجتمع الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. “نجري محادثات مع الجميع، ونعمل بتنسيق تامّ من أجل توفير المساعدات للبنان على المستويات المختلفة”.
لى جانب تولّيها وزارة الدفاع ونيابة رئاسة الحكومة، تولّت عكر وزارة الخارجية بالوكالة خلفاً للوزير المستقيل شربل وهبه، وذلك في 19 أيار 2021. لكنّ تولّي هذه الوزارة الرئيسية، في ظلّ حكومة تصريف الأعمال إثر استقالة حكومة دياب بعد انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، لم يكن بالأمر السهل.
رأست عكر أخيراً أوّل وفد لبناني رسمي رفيع إلى سوريا بعد قطيعة دامت 10 أعوام. نسألها: ما انطباعك كأوّل مسؤولة لبنانية رفيعة تكسر الحصار على سوريا بعد 10 أعوام؟ وهل صحيح أنّ الإيعاز أميركيّ؟
وفي الأيام القليلة المقبلة، ستسلم حمولاتها الوزارية إلى الوزراء الجدد، ومعها أمانات ما فعلته في وزاراتيها.
تجيب: “سوريا دولة عربية شقيقة، ولنا معها تاريخ من العلاقات الثنائية، وهذه الزيارة أتت للبحث في موضوع تقنيّ في ظلّ أزمة الكهرباء التي يعاني منها لبنان واللبنانيون. وكانت المحادثات إيجابية بين الوفد الوزاري اللبناني والمسؤولين السوريين بشأن استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا. وقد رحّب الجانب السوري بطلب لبنان، مؤكّداً استعداد سوريا لتلبيته. ونحن نشكر لهم تعاونهم معنا”.
على الرغم من عملها في ظلّ حكومة تصريف أعمال، انكبّت الوزيرة عكر على تطوير الإدارة المركزية، وتحسين الوضع الإداري قدر المستطاع وسط شحٍّ كبيرٍ في موازنة وزارة الخارجية، ولا سيّما أنّ الجبايات قليلة جدّاً.
فور تسلّم مهامّها في وزارة الخارجية عملت عكر على قرار زيادة الرسوم القنصلية، الذي تجري حالياً مراجعته مع وزارة المال للتوصّل إلى الصيغة النهائية. تواصلها مع سفراء لبنان في الخارج عبر النقاش وتبادل الآراء. باشرت العمل على إجراء انتخابات المغتربين. تقول لـ”أساس”: “كان يفترض أن نبدأ في 20 أيلول الجاري بتسجيل لوائح المغتربين في الخارج. كنّا ندفع قُدُماً باتجاه الانتخابات، وأوجدنا تنسيقاً وثيقاً مع وزارة الداخلية والبلديات من أجل فتح باب التسجيل قبل 20 أيلول، وكان يفترض يتمّ إطلاق الرابط الإلكتروني بين الداخل والخارج في هذا التاريخ”.
تخفيض رواتب السفراء؟
سرت أخبار عن أنّ الوزيرة عكر اقترحت خفض رواتب السفراء وبدلات الاغتراب وموازنة وزارة الخارجية والمغتربين عبر خفض عديد البعثات الدبلوماسية؟
تجيب: “كيف يمكنني أن أعمل على خفض الموازنة وأنا بعثت بمراسلة إلى وزير المال من أجل زيادة موازنة الخارجية لأنّها شبه معدومة. فنحن بالكاد نشتري المازوت لتسيير الأعمال”.
تضيف: “في ما يخصّ بعثاتنا في الخارج، ونظراً إلى أنّنا ندفع بالعملة الصعبة أي الدولار، طُلِب منّي خفض الرواتب. لذا، وانطلاقاً من ذلك، اشتغلنا بشكل كبير على زيادة الواردات القنصلية التي من شأنها زيادة الموازنة وليس خفضها. عملنا على إعادة البحث في خفض الإيجارات العالية للمباني والسفارات ومنازل السفراء. وثمّة دراسة متكاملة هي قيد الإعداد لِما يمكن فعله. وتحتاج إلى بحث مع وزارة المال ومصرف لبنان لتوفير المبالغ التي سنتوصّل إليها. بالنسبة إلى خفض البعثات المتروك للمرحلة النهائية، لكنّ أولويّتي كانت للإيجارات والمباني السكنيّة والسفارات”.
ومعروف أنّ التشكيلات الدبلوماسية مؤجّلة لأنّها تحتاج إلى التئام مجلس الوزراء، ويوجد شغور هائل في البعثات الخارجية يصل إلى 40 في المئة. تشير في هذا الخصوص إلى إمكانية “حلّ هذا الأمر عبر إرسال دبلوماسيين بمهامّ خاصة، لكنّ الأمر صعب بسبب إلزامية الدفع لهؤلاء بالدولار. وبحثنا خطة متكاملة تشمل مَن يعملون في الإدارة المركزية، إذ يُظلَم السفراء الذين يعملون في الداخل لأنّهم يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية فيما نظراؤهم في الخارج يقبضون بالدولار”.
وتكشف عكر أنّها أرسلت إلى البعثات اللبنانية في الخارج، سواء السفير أو نائبه، تعميماً بدفع جزء من رواتبهم بين مئة ومئتيْ دولار (بشكل اختياري) لنظرائهم في الإدارة المركزية. “وتمّ تشكيل لجنة لتلقّي هذه الأموال ثمّ توزيعها على الموظفين المحليين. وقد لبّت البعثات الطلب بإرسال المساعدات، وهم مشكورون على ذلك”.
وبعدما دمّر انفجار مرفأ بيروت “قصر بسترس”، القصر التاريخي للدبلوماسية اللبنانية في الأشرفية، كشفت عكر لـ”أساس” أنّ وزير خارجية اليونان “سيرسل وفداً في أيلول الجاري من أجل تقويم تكلفته ودراستها ولحظ إمكان القيام بالترميم. وهو مشروع لا يزال قيد الدرس”.
على الرغم من عملها في ظلّ حكومة تصريف أعمال، انكبّت الوزيرة عكر على تطوير الإدارة المركزية، وتحسين الوضع الإداري قدر المستطاع وسط شحٍّ كبيرٍ في موازنة وزارة الخارجية، ولا سيّما أنّ الجبايات قليلة جدّاً
العرب حضن الجيش
جابت الوزيرة زينة عكر في فترة قصيرة بلداناً عدّة. حضرت اجتماع وزراء الخارجية العرب في قطر كأوّل اجتماع رسمي لها خارج لبنان، ثمّ جالت وزيرةً للخارجية والمغتربين بالوكالة في اليونان والأردن وإيطاليا وقبرص وألمانيا.
“اللقاءات الشخصية مع المسؤولين الدوليين تكتسي أهميّة خاصّة، إذ تسهّل التواصل لاحقاً، وقد أبدى جميع مَن التقيتهم الاهتمام بلبنان، وأجمع معظمهم على العبارة ذاتها: ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم”.
يقال إنّ العلاقة مع الدول الخليجية هي مفتاح الحلّ للبنان، فهل سعت عكر إلى إصلاح هذه العلاقة؟ تجيب: “لم تترك الدول العربية لبنان يوماً، وطالما دعمته ودفعت مبالغ طائلة في سبيل ذلك. أتفهّم إعرابهم عن عدم الرضا، وتساؤلهم عن وجهة صرف الأموال التي استثمروها في لبنان. نحن بدأنا التواصل مع الدول العربية، والتقيت عدداً من وزراء الخارجية والمسؤولين العرب في قطر وإيطاليا، وكان على جدول أعمالي زيارة إلى مصر قبل تشكيل الحكومة الجديدة”.
تنفي عكر تماماً ما تردّد عن رفضها طلب بعض السفراء وضعهم بالاستيداع لمدّة عام: “بالعكس سمحتُ بذلك، ولم أوقف أحداً طلب وضعه بالاستيداع، لأنّني رأيت أن أوافق للجميع أو لا أوافق لأحد. إنّ العدد الذي طلب الاستيداع في غضون عام ونصف عام لا يُذكَر ولا يتجاوز خمسة”.
وفي الأيام القليلة المقبلة، ستسلم حمولاتها الوزارية إلى الوزراء الجدد، ومعها أمانات ما فعلته في وزاراتيها.