مقالات مختارة
مجلة الامن العام
مارلين خليفة
تصوير عباس سلمان
سقط 55 في المئة من اللبنانيين لغاية اليوم في براثن الفقر جراء الانهيار الاقتصادي الذي بدأت تباشيره تظهر في العام 2018 وترسخت في تشرين الاول 2019. في هذا السياق، يتبين بأن برنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة سيمدد بقاءه في لبنان، حيث تتزايد الحاجة الى خدماته اكثر من اي وقت مضى
بحسب التقارير التي ينشرها البرنامج، ادت الازمات الاقتصادية والسياسية في لبنان الى فقد الاسر منازلها ووظائفها “ما ترتب عليه تراجع قدرة العديد من هذه الاسر الان على شراء ما يكفيها من الطعام. وخلال العام الذي اعقب انفجارات مرفأ بيروت تراجعت قيمة العملة اللبنانية الى 15 من قيمتها السابقة، وادى التضخم الى جعل الغذاء بعيدا من متناول العديد من السكان”.
كذلك ارتفع سعر السلة الغذائية التي يقدمها برنامج الاغذية العالمي – التي تحتوي على مجموعة من المواد الغذائية الاساسية التي تشمل الزيت والعدس – بمعدل خمسة اضعاف منذ بداية الازمة في تشرين الاول 2019. يعاني حاليا اكثر من 90 في المئة من اللاجئين السوريين وما يقرب من نصف الشعب اللبناني من انعدام الامن الغذائي، بحسب ما يروي الممثل والمدير القطري لبرنامج الاغذية العالمي في لبنان عبدالله وردات لـ”الامن العام”.
قدم وردات الى لبنان منذ 3 اعوام، وهو خبر العمل الانساني ضمن البرنامج الذي تأسس في العام 1963 ويستمر منذ 23 عاما، تنقل خلالها في مهامه من العراق الى الصحراء الغربية وجنوب السودان وجوبا واليمن وافغانستان ومصر واليمن، وتسلم في دبي منصب المدير الاقليمي للدول الخليجية، ليحط في لبنان في حزيران 2018.
بدأ برنامج الاغذية العالمي عمله في لبنان في العام 2011 بالتزامن مع اندلاع الحرب السورية، وهو يتواجد عادة حين تعصف ازمات في بلد معين. عمل لستة اشهر بعد حرب تموز 2006 مستقدما المواد الغذائية، ثم غادر لبنان بسبب انعدام الحاجة الى خدماته. لكن حضوره منذ العام 2011 يبدو انه سيطول. في العام 2011، وقع البرنامج اتفاقية مع المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين حتمها وصول عدد النازحين السوريين الى 5 الاف لاجيء وهي العتبة التي تحتم حضوره وفق الاتفاقية المذكورة.
بين عامي 2011 و2012، بدأ برنامج الاغذية العالمي التدخل عبر مساعدات انسانية طارئة للاجئين السوريين، ولغاية اليوم يحتضن لبنان العدد الاكبر من اللاجئين، مقارنة بعدد السكان، والعدد المتداول يبلغ مليونا ونصف مليون نازح.
تدرج البرنامج من مساعدات غذائية تطورت الى بطاقات الكترونية ومن ثم الى مساعدات نقدية. كان تركيزه لغاية العام 2018 على تقديم المساعدات بنسبة 90 في المئة الى السوريين و10 في المئة الى لمجتمعات اللبنانية المضيفة. لكن الوضع تبدل بحسب وردات.
* كيف لاحظت تراجع الاوضاع في لبنان بين عامي 2018 و2021؟
– كان امرا غير متوقع، ولم نحسب له حسابا مع اننا غالبا ما نعمل على خطط طوارئ. في بداية مجيئي الى لبنان في العام 2018 انصب 90 في المئة من عملنا على اعانة اللاجئين السوريين و10 في المئة فحسب على اللبنانيين كمجتمعات مضيفة، بالاضافة الى مشروع الاسر الاكثر فقرا الذي نديره مع وزارة الشؤون الاجتماعية منذ العام 2016 ولغاية اليوم. لم نكن نتخيل ان تحصل حاجة اكبر انذاك، لكننا بدأنا نرصد في نهايات 2018 وبدايات 2019 حاجة للبنانيين انفسهم، اعتبرنا الامر عاديا في مناطق معينة ولن يصل الى مرحلة الفقر والجوع. تدهور الوضع بشكل دراماتيكي في تشرين الاول 2019، تاريخ بدء الانتفاضة اللبنانية وكان فاصلا، حين بدأت الناس تتكلم بوضوح عن الاوضاع المعيشية والاجتماعية. هذا الوضع معطوفا على جائحة كوفيد-19 جعلنا نشعر بان ثمة حاجة الى استجابة طارئة. في بدايات 2020، بدأ برنامج الاغذية العالمي يعمل على استجابة طارئة للبنانيين من اجل مواجهة الحاجة التي تظهرت بشكل فاقع جراء الاوضاع الاجتماعية والمعيشية، بالاضافة الى كوفيد-19. بدأنا لاول مرة عملية استجابة خاصة باللبنانيين فحسب، عبر توزيع طرود غذائية وكان الهدف توزيع هذه الطرود على 50 الف عائلة لبنانية مخططين لاغلاق العملية في نهاية السنة لتوقعاتنا بأن الاوضاع سوف تتحسن. لكن ويا للاسف، بقينا نمدد في هذه العملية ونوسعها لنصل الى هدف 75 الفا ثم 100 الف لبناني، وهنا نتكلم عن توزيع المواد الغذائية، لكن العوز اكبر من ذلك بكثير. ان العوز بحسب تقارير البنك الدولي والتقارير التي انجزت تفيد بأن 55 في المئة من اللبنانيين يحتاجون الى مساعدات انسانية. بدأنا هذا المشروع وأخذنا نتوسع بالتوازي مع مشروع الاسر الاكثر فقرا مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وهما برنامجان مختلفان. هنالك 400 الف لبناني يجب ان نصل لهم عبر المساعدات الغذائية. بالنسبة الى برنامج الاسر كان العدد 10 الاف اسرة ووصلنا الى 15 الف اسره واخيرا وصلنا الى 36 الف اسرة يمنحون بطاقات تمويلية للشراء، وقيمتها 100 الف ليرة شهريا للشخص الواحد في مقابل مواد غذائية، وللاسرة نعطي 200 الف ليرة وهي مبالغ ندرك انها لا تشكل ثلث حاجة الاسر. نحن نطلب زيادة هذه الحصص الى 300 الف ليرة للشخص شهريا في مقابل مواد غذائية والى 400 الف شهريا للعائلة اللبنانية. صحيح ان البعض قد يعتبر المبالغ ضئيلة لكنها تساعد اذ لا يوجد بديل منها وكثر من اللبنانيين لا دخل لديهم الا هذه البطاقة.
* ماذا بعد انفجار المرفأ في اب 2020؟
– بعد انفجار مرفأ بيروت ازدادت الامور سوءا وخصوصا للناس المتضررين. كان المرفأ بوابة لبيروت وللبنان كله من ناحية الصادرات والواردات والعمل والحركة، وقد تأثر حتى قطاع العمل فيه وخصوصا لجهة توفير المواد الاساسية كالقمح والذرة. ميدانيا، لاحظنا وقتها دمارا كبيرا، وقد عملت في بلدان عدة من افغانستان الى العراق، ولم ار ما شاهدته بعد انفجار مرفأ بيروت. ان البوابة الوحيدة التي تجلب المواد الاساسية اغلقت، وقد استقدم برنامج الاغذية العالمي في غضون ثلاثة ايام باخرة من 12500 طن طحين، اذ توقعنا ان ترتفع اسعار الخبز. وتمكنا لوقت محدد من ان نحافظ على سعر الربطة 1500 ليرة بوزن 900 غرام.
* بعد مرور عام على انفجار المرفأ، هل تعتبر ان هنالك خطرا داهما على الامن الغذائي للبنانيين؟
– بتنا نحكي عن الامن الغذائي في لبنان بشكل كبير. يستورد لبنان 90 في المئة من احتياجاته، واليوم يرتبط الاستيراد بـ”الفريش” دولار، وبالتالي توجد حاجة. وقد لاحظنا منذ 5 اشهر وجود نقص في المواد الغذائية في المحال والسوبرماركت. ما نقوم به حاليا اننا نعتمد في الجزء الاكبر على المساعدات النقدية، وبدأنا نتوجه نحو استجلاب مواد عينية، كما سنستورد كميات كبيرة من المواد الغذائية من الخارج لتوزيعها على المستفيدين الذين سيصل عددهم الى 100 الف.
* لِمَ يوجد خطر على الامن الغذائي في لبنان وما هي المعايير لتحديد هذا الامر؟
– يوجد خطر حاليا على الامن الغذائي. نحن نرصد وجود هذا الخطر عندما يصبح الانسان عاجزا عن توفير اساسياته، وغير قادر على تناول 3 وجبات يوميا، وحين تقلص العائلة عدد الوجبات الغذائية التي تتناولها او تضطر الى ارسال ولد او بنت بعمر 11 او 12 سنة الى سوق العمل، وحين نرى بأن الاسرة اللبنانية بدأت تبيع الموجودات الخاصة بها، هذا كله يعني وجود خطر على الامن الغذائي.
* ما هي النسبة الموجودة من هؤلاء؟
– هنالك 55 في المئة حاليا من الشعب اللبناني في حالة فقر، وتوجد نسبة 22 في المئة لديها خطر انعدام الامن الغذائي، ونحن نتوقع ان يرتفع هذا الرقم بسرعة.
* هل لمست جوعا في لبنان؟
– نعم يوجد جوع. وانا لمست هذا الواقع كوني انزل الى الميدان. وجدته في اماكن عدة حتى في بيروت، وقد رأيت هذا الامر بعد انفجار المرفأ. نحن نحاول دمج هؤلاء الان في المشاريع ذات الاستمرارية، وهم موجودون في المناطق كلها.
* هل تستطيعون تلبية كل الطلبات الموجودة لديكم؟
– ان الحاجة اكبر من الموارد الموجودة. ان انعدام وجود قاعدة بيانات اساسية معتمدة في لبنان هي مشكلة كبيرة وموجودة في المشاريع كلها. يوجد شق من المشاريع الخاصة بنا ننفذه نحن، مثل توزيع الحصص الغذائية حيث نقوم بالتسجيل بانفسنا ونطلب من جمعيات المجتمع المحلي ان تقوم بدور المرجعية لانها موجودة على الارض. لكننا ندقق جدا في عمل الجمعيات التي نعمل معها. نزور العائلات ونقيّم الوضع، ونحن نمتلك اكبر قاعدة بيانات للناس الذين هم تحت خط الفقر بسبب هذا المشروع الذي بدأناه.
* هل تتعاملون مع الاجهزة الامنية وماذا عن الامن العام اللبناني؟
– نحن لا نشتغل بشكل مباشر مع الامن العام اللبناني، ولكن في الظروف التي مرت وخصوصا في السنة الماضية فرضت تحديات كبرى في ارض الميدان. يتطلب عملنا ان نكون جميعنا في ارض الميدان. حاليا يوجد عمل مع اللاجئين بشكل مباشر ومع اللبنانيين، وثمة حاجة الى العمل على السيطرة على الزحمة، وبالتالي كان هناك تنسيق مع الامن العام اللبناني للسيطرة على الزحمة بين الناس، وقد حصلت مشاكل عدة وكان ثمة دور للامن العام اللبناني في حلها.
* انعقدت 3 مؤتمرات بدعوة من فرنسا وزارتكم السفيرة الاميركية دوروثي شيا اخيرا معبرة عن دعم الولايات المتحدة الاميركية، كيف تتم عملية تمويلكم من الدول المانحة؟
– تبلغ الميزانية السنوية لمنظمتنا من 7 الى 8 مليارات دولار في العالم. للاسف ان هذا الرقم السنوي كان بين 5 الى 6 مليارات، لكنه زاد بسبب الازمات الحاصلة في العالم اجمع، وخصوصا اثر جائحة كورونا، حيث زادت الحاجة في العالم كله وليس في لبنان فحسب.
* ما هو ترتيب لبنان في وسط الدول المحتاجة عالميا؟
– وياللاسف، انه في التقارير الاخيرة واخرها من برنامج الاغذية العالمي والفاو. لاحظنا ان لبنان صار على قائمة الدول المهددة بالجوع في الشرق الاوسط. الى اجل قريب كان معظم التمويل مخصصا للاجئين، لكننا بتنا الان نرى حاجة للبنانيين. في مؤتمر باريس الاخير، كان طرح للامم المتحدة يتعلق باللبنانيين فحسب وعادلت قيمة التعهدات تقريبا 358 مليون دولار. لكن ثمة حاجة الى التمويل السريع. رأينا ان الاستجابة عالية وممتازة، لكن الان، يجب ان نرى ان وصل هذا التمويل وكيف سيتم توزيعه. بالنسبة الى التعاون مع الولايات المتحدة الاميركية فهو كبير جدا، وهي من اكبر الدول الداعمة لبرنامج الاغذية العالمي عالميا وفي لبنان. تعرفت السفيرة شيا في زيارتها على الحاجة المدقعة للبنانيين على ارض الواقع.
* وقعت اخيرا اتفاقية مع وزارة الخارجية والمغتربين، ما هي هذه الاتفاقية وعلام تنص ولم تأخرت منذ العام 2011؟
– نحن في العادة، يجب ان تكون بيننا وبين الحكومة اتفاقية سياسية تنص على شروط وقواعد وحقوق وامتيازات. منذ عام 2011 الى عام 2015 كنا نعتقد بأن النزوح السوري سينتهي في غضون عامين، ولم نكن نعتقد ان ثمة حاجة الى بقاء برنامج الاغذية العالمي في لبنان. لكن وياللاسف ان ما يحصل مختلف، فبرنامج الاغذية العالمي في حاجة لان يبقى موجودا ويقدم مساعدات مباشرة وعينية ومادية وفنية. ثمة تعاون بيننا وبين البنك الدولي والحكومة اللبنانية، حيث طلب من برنامج الاغذية العالمي تنفيذ المشروع الاخير وهو ما تم الاتفاق عليه بين البنك الدولي والحكومة اللبنانية. بسبب خبراتنا ونتيجة المشاريع التي ننفذها، لدينا هذه القدرات ولدينا الكادر الموجود الذي يمكنه تنفيذ مشروع كالبطاقات النقدية الموجودة.
* هل للبرنامج دور معين في ما يحكى عن قرض البنك الدولي بقيمة 248 مليون دولار اميركي وايضا بما يحكى عن البطاقة التمويلية؟
– طلب منا ان نكون منفذين لهذا المشروع عبر اصدار البطاقات للبنانيين الذين هم في حاجة الى مساعدات.
* هل تشمل خدمات البرنامج المقيمين على الاراضي اللبنانية من الفلسطينيين والسوريين؟
– ان الفلسطينيين يقعون تحت تفويض الاونروا ونحن نساعد جزءا قليلا منهم، وهم اللاجئون الفلسطينيون القادمون من سوريا ومهجرون من سوريا بين عامي 2011 و2012. هؤلاء نقدم لهم مساعدات لكن من طريق الاونروا. بالنسبة الى السوريين فقد وصل عدد مَن يستفيدون من مساعدات برنامج الاغذية العالمي في لبنان الى مليون سوري.
* كيف يتم الخروج عادة من كوارث مماثلة، وما هي النصائح التي يمكن ان توجهها في السياسات العامة؟
– في الوضع الحالي، نرى ان الازمة ليست واحدة بل ازمات عدة. نحن نحتاج الى تمويل بسبب اتساع الحاجة، وهذا التمويل لا يأتي دوما بسهولة. ان الدول المانحة تطلب حكومة اصلاح وعمل. نحن في هذا الوضع، نجعل الدول المانحة ترى الحاجة على ارض الواقع بغض النظر عن الاصلاح والحكومة، لكن الحقيقة التي لا يمكن لاحد اخفاءها انه توجد حاجة ماسة لهذه المساعدات، لذا يقع عبء كبير على البرنامج الذي ينزل الى الميدان ويعمل مع المجتمعات المحلية والجمعيات الانسانية بشكل مباشر وكبير، ولا يمكن ان ندير ظهرنا ونمشي بل يجب ان نستمر.