“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
من علامات الانهيار البارزة في لبنان قطع البث التلفزيوني المباشر أمس الثلاثاء لدى بدء عدد من سفراء الدول الردّ على خطاب رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب الذي دعاهم الى اجتماع في السراي الحكومي ليسمعهم رأيه في الازمة الراهنة، فإذا بهم يفاجأون بتأنيبه لهم واتهام الدول بأنها سبب كل ما يمر به لبنان مطالبا اياها بكل ثقة بتقديم المساعدة!
ومن علامات الانهيار الشامل، أن السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية أصغوا اليه وقرروا الردّ، فإذا بإعلام السراي الحكومي يقرر قطع البث المباشر بعد أن بدأ التقريع الدولي لدياب وللمنظومة السياسية برمتها وقد استهلت حفلة التوبيخ ووضع النقاط على الحروف السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو التي لم نتمكن من الحصول على نص كلمتها كاملة لأنها كانت ارتجالية، بل حصلنا على بعض ما ظهر على شاشات التلفزة.
جاءت ردّة فعل السفيرة غريو عنيفة وهي وضعت الإصبع على الجرح متسائلة لم لا تعمد حكومة دياب على العمل لتفعيل الاجراءات الآيلة الى بدء العمل بقرض البنك الدولي، وهي بحسب اوساط دبلوماسية “صعقت بشكل كبير من هذا الخطاب، الذي اعتبر بأن ازمة لبنان الراهنة تقع مسؤوليتها على المجتمع الدولي، وهذا أمر غير منطقي وعبثي وخاطئ بشكل كامل” بحسب تعيبر الاوساط التي اضافت لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن “المسؤولية تقع برمتها على الطبقة السياسية اللبنانية سواء الحكومة الحالية التي تصرّف الاعمال ولكن ايضا على كامل الطبقة السياسية اللبنانية، وبالتالي لا يمكن رمي مسؤولية الآلام المبرحة التي يعاني منها عموم اللبنانيين على أي كان من المجتمع الدولي، وبالتالي لم يكن ممكنا للسفيرة غريو أن تمرّر هذا الامر، فاضطرت الى الردّ بحزم على هذا الخطاب لرئيس الحكومة المستقيل”.
ومما قالته السفيرة غريو متوجهة الى دياب والوزراء الذين يحوطونه:” إن ما يعيشه لبنان من انهيار ليس نتيجة حصار خارجي بل هو نتيجة مسؤوليتكم انتم بشكل خاص وكل الطبقة السياسية المتعاقبة منذ سنوات. هذه هي الحقيقة، في هذا الاجتماع اليوم الذي اجده حزينا وهو في غير محله، لأن فرنسا وعدة دول شريكة ممثلة على هذه الطاولة لم تنتظر هذا النداء لمساعدة لبنان، ففي العام 2020 تم تقديم 100 مليون دولار اميركي من المساعدات المباشرة للشعب اللبناني. استطيع القول اليوم بأننا نعمل مع عدد من الشركاء على تنظيم مؤتمر ثالث لدعم اللبنانيين، لأنه لا يجوز ان يكون الشعب اللبناني رهينة الوضع الحالي. لكن في هذه الاثناء يا حضرة رئيس الحكومة وكل الوزراء بإمكانكم حتى في ظل تصريف الاعمال اتخاذ القرارات اللازمة لتفعيل قرض البنك الدولي”. وهنا قطع اعلام السراي الحكومي البث، وفي المعلومات أن السفيرة الاميركية دوروثي شيا لم تكن اقل قسوة في مقاربتها التي قدمتها حول مسؤولية الطبقة السياسية برمتها عن الانهيار الحاصل في لبنان. تستمر فرنسا في مواكبة مساعدة لبنان وهذا قرار اتخذ على اعلى المستويات في الاجتماع الثلاثي الذي انعقد في ايطاليا الاسبوع الفائت بين وزراء خارجية فرنسا جان-ايف لودريان، واميركا انتوني بلنكن والسعودية الامير فيصل بن فرحان واولى ترجمات استمرار الدعم للشعب اللبناني زيارة السفير بيير دوكين بدءا من الغد للبنان، ودوكين الذي كان مسؤولا عن إدارة مؤتمر “سيدر” في العام 2018 يعود الى بيروت اليوم من باب مسؤوليته كسفير ينسق الاعمال المتعلقة بإعادة الاعمار في لبنان وهو منصب عيّن به من قبل الرئيس الفرنسي بعد انفجار الرابع من آب العام الفائت. ودوكين بحسب أوساط دبلوماسية فرنسية تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” يأتي لتنسيق مؤتمر ثالث حول لبنان “فقد نظمت فرنسا مؤتمرين اثنين لدعم لبنان وسينعقد مؤتمر ثالث بعد اسبوعين من اليوم وذلك في سياق الجهود الحثيثة التي تبذلها فرنسا من اجل تحشيد المجتمع الدولي من اجل دعم الشعب اللبناني”، سيمضي السفير دوكين بضعة أيام في لبنان حيث سيلتقي شخصيات من الاوساط الاقتصادية والسياسية وفي بيئة الاعمال من اجل التعرف الى الاحتياجات المستجدة التي يمكن ان تساعد بها فرنسا”.
ومن نتائج اجتماع ايطاليا الثلاثي ايضا الاتفاق بين فرنسا والولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية على تفعيل رزمة عقوبات مشتركة تحظى هذه المرة بمظلة سعودية وخليجية لن تكون هذه العقوبات الاوروبية فاعلة من دونها. من هنا أهمية الزيارة التي قام بها الى لبنان أمس أيضا وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حيث أن قطر التي لن تغرّد لبنانيا خارج السرب الخليجي، تجسّ النبض اللبناني حول قابلية الاصلاح او عدمه. ولعل الايام القادمة ستحمل الكثير من الاجابات عن مآل هذا التنسيق الاميركي الفرنسي الخليجي حول عقوبات عتيدة ضد المسؤولين اللبنانيين.
الخبر الرسمي الصادر عن السراي الحكومي
واصدر المكتب الاعلامي في السراي الحكومةي البيان الرسمي الآتي الذي تضمن خطاب دياب الذي اثار حفيظة السفراء جاء في الخبر:
التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب قبل ظهر اليوم (أمس) في السراي الحكومي عددًا من السفراء وومثلي البعثات الديبلوماسية والمنظمات الدولية في لبنان ضم، السفير الكويتي عبد العال القناعي، السفير العماني بدري بن محمد بن بندر المنذري، السفير القطري محمد حسن الجابر، السفير المصري ياسر محمد علوي يرافقه المستشارة شيرين الشهاوي، القائم بالأعمال في السفارة العراقية أحمد جمال كنهش، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير عبد الرحمن الصلح، سفير الإتحاد الأوروبي رالف طراف، السفير الياباني تاكيشي أوكوبو والسكرتيرة الأولى في السفارة ماكي ياماغوشي، السفيرة الإيطالية نيكوليتا بومباردييري والسكرتير الأول في السفارة إيمانوييل دب أندرسي، السفيرة الأميركية دوروثي شيا، السفيرة الكندية شانتال شاستناي، السفيرة الفرنسية آن غرييو، السفير الروسي ألكسندر روداكوف، السفير النرويجي مارتن إيترفيك، السفير التركي علي باريش أولوزوي، السفير الصيني وانغ كيجيان، السفير البريطاني مارتن لونغدن، القائم بأعمال السفارة الألمانية مايكل روس، نائبة رئيسة البعثة السويسرية ماغا مختار، السكرتير الأول في السفارة الدنماركية توماس إيليرتزن، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا فرونتيسكا، ممثلة البنك الدولي في لبنان منى كوزي والخبير وسام حركة. وحضر اللقاء الوزراء زينة عكر، غازي وزني، راوول نعمه، رمزي المشرفية، ومستشاري رئيس الحكومة خضر طالب والسفير جبران صوفان.
وألقى الرئيس دياب كلمة قال فيها:
“أود أن أتوجه إليكم بداية بالشكر على مشاركتكم في هذا اللقاء، فهذه المشاركة تعني اهتمامكم، بشخص كل منكم، وبما تمثّلون، بلبنان وواقعه المؤلم والمظلم في آن واحد.
أيها السيدات والسادة
ونحن نجتمع هنا، هناك في شوارع لبنان طوابير السيارات تقف أمام محطات الوقود، وهناك من يفتش في الصيدليات عن حبة دواء وعن علبة حليب أطفال. أما في البيوت، فاللبنانيون يعيشون من دون كهرباء التي يهدد انقطاعها شبه الدائم حياة المرضى في المستشفيات.
إن لبنان يعبر نفقاً مظلماً جداً، وبلغت المعاناة حدود المأساة، فالأزمات الحادة التي يعيشها اللبنانيون، على مختلف المستويات الحياتية والمعيشية والاجتماعية والصحية والخدماتية، تدفع الوضع في لبنان نحو الكارثة الكبرى التي تتجاوز تداعياتها أي قدرة على الاحتواء، وبالتالي نصبح أمام واقع لبناني مخيف.
الصورة أصبحت واضحة: لبنان واللبنانيون على شفير الكارثة.
لكن،أؤكد لكم أن الخطر الذي يهدد اللبنانيين لن يقتصر عليهم.عندما يحصل الارتطام الكبير، سيتردد صدى تداعياته خارج جغرافيا لبنان إلى المدى القريب والبعيد، في البر والبحر. لن يستطيع أحد عزل نفسه عن خطر انهيار لبنان.
إن الاستقرار في لبنان هو نقطة ارتكاز الاستقرار في المنطقة. ومع وجود نحو مليون ونصف المليون نازح سوري ومئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، سيكون من الصعب التكهّن بنتائج انهيار الاستقرار في لبنان.
إن هذه الوقائع تدفعنا للتأكيد أن العالم لا يستطيع أن يعاقب اللبنانيين أو أن يدير ظهره للبنان، لأن الاستمرار في هذه السياسة سيؤدي حتماً إلى انعكاسات خطيرة فتخرج الأمور عن السيطرة بحيث يسود التشدّد في العصبيات.
السيدات والسادة
لقد سمعنا الكثير من الدعوات المتكررة عن ربط مساعدة لبنان بإجراء إصلاحات.
نعم، لبنان يحتاج إلى إصلاحات مالية وإدارية. ولقد اتخذت الحكومة،قبل استقالتها، قرارات عديدة تتضمن إصلاحات جوهرية وأساسية، وهي جاهزة للتنفيذ. كما وضعنا خطة متكاملة للتعافي تتضمن إصلاحات مالية واقتصادية، وهي جاهزة للتطبيق بعد تحديثها، وتستطيع الحكومة المقبلة المباشرة بتنفيذها فور تشكيلها.
لقد طال انتظار تشكيل الحكومة، واللبنانيون صبروا وتحملوا أعباء هذا الانتظار الطويل، لكن صبرهم بدأ ينفذ مع تعاظم الأزمات والمعاناة، وأصبح ربط مساعدة لبنان بتشكيل الحكومة يشكل خطراً على حياة اللبنانيين وعلى الكيان اللبناني، لأن الضغوط التي تُمارس والحصار المطبق على لبنان لا يؤثر على الفاسدين، بل يدفع الشعب اللبناني وحده ثمناً باهظاً يهدد حياته ومستقبله كما يهدد لبنان كنموذج ورسالة في العالم، وما نشاهده من هجرة هو دليل على أن اللبنانيين قد بلغ اليأس منهم فقرروا مغادرة الوطن.
إن الاستمرار بحصار ومعاقبة اللبنانيين، سيدفع حكماً لتغيير في التوجهات التاريخية لهذا البلد، وسيكتسب هذا التغيير مشروعية وطنية تتجاوز أي بعد سياسي، لأن لقمة العيش وحبة الدواء ومقومات الحياة لا تعرف هوية جغرافية أو سياسية، ولا تقيم وزناً للمحاور الغربية والشرقية والشمالية، الأهم بالنسبة للبنانيين أن ينكسر هذا الطوق الذي بدأ يخنقهم ويقطع الاوكسيجين عن وطنهم.
أنا أدعو العالم لإنقاذ لبنان، وأناشد الأشقاء والأصدقاء أن يقفوا إلى جانب اللبنانيين.
ولأن القاعدة الشرعية تقول “لا تزر وازرة وزر أخرى”، أدعو لعدم محاسبة الشعب اللبناني على ارتكابات الفاسدين.
ما ذنب اللبنانيين ليدفعوا الثمن الصعب؟ هل المطلوب أن يموت اللبنانيون على أبواب المستشفيات في الطريق إلى محاسبة الفاسدين؟
أنا أناشد عبركم الملوك والأمراء والرؤساء والقادة في الدول الشقيقة والصديقة، وأدعو الامم المتحدة وجميع الهيئات الدولية، والمجتمع الدولي والرأي العام في العالم الى المساعدة في انقاذ اللبنانيين من الموت ومنع زوال لبنان.
لبنان على مسافة أيام قليلة من الانفجار الاجتماعي. واللبنانيون يواجهون وحدهم هذا المصير المظلم.
ولنتحدث بصراحة.
كل الإجراءات التي اتخذناها في هذه الحكومة نجحت في تأجيل الانفجار وليس منعه.
نحن نبذل جهوداً كبيرة لتدارك الانهيار. لكن، بربكم، كيف يمكن منع الانهيار الكبير في ظل هذا الحصار الشديد الذي يقطع أنفاس البلد؟
قولوا لنا كيف لبلد أن يصمد أحد عشر شهراً من دون حكومة لديها ثقة نيابية وصلاحيات دستورية وفي ظل فقدان كل مقومات المناعة المالية والاقتصادية والسياسية وإدارة ظهر كاملة من الدول الشقيقة والصديقة؟
قولوا لنا كيف يمكن تأمين الكهرباء بـ 200 مليون دولار فقط في العام 2021، بينما على مدى عشرات السنين كان يتم صرف 2 مليار دولار في السنة للحصول على 14 ساعة كهرباء؟!
قولوا لنا كيف يمكن حماية الليرة اللبنانية من الانهيار وقد وجدنا الخزينة اللبنانية خاوية وفجوات هائلة في المال واقتصاداً زائفاً وفساداًمتجذّراًيحكم كل مفاصل البلد؟
هناك من يتاجر اليوم بالشعارات، سعياً لمكاسب انتخابية. يتحدّثون عن 14 بالمئة من أموال المودعين، بينما صرفوا أو شاركوا في هدر 86 بالمئة من أموال المودعين خلال السنوات الماضية، ومنهم من سكت عن الحق ويأتي اليوم في ثوب الملائكة ليحاضر في حماية ما تبقى نظرياً من تلك الأموال.
أقول بكل جرأة وراحة ضمير: لا تستطيع هذه الحكومة ولا أي حكومة أخرى أن تنقذ البلد من المأزق، من دون مساعدة الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الدولية.
لا يحق لهذه الحكومة استئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي لتطبيق خطة التعافي التي وضعتها الحكومة، لأن ذلك يرتّب التزامات على الحكومة المقبلة قد لا تتبناها.
لذلك، نحن نصرّ على أن الأولوية المطلقة هي لتشكيل حكومة. لم يعد مقبولاً هذا الدوران في الحلقة المفرغة حكومياً على مدى أحد عشر شهراً.
نقطة الانطلاق نحو طريق الإنقاذ هي تشكيل الحكومة، وبعد ذلك هناك طريق واحد نحو هذا الهدف، وهو طريق التفاوض مع صندوق النقد الدولي، مع تأمين مساعدة عاجلة للبنان كي يستطيع تخفيف آلام المرحلة الصعبة والخطيرة التي يمر بها.
وهنا، أدعوكم لتكونوا رسل لبنان في دولكم، لشرح هذه الصورة القاتمة، وأن تساعدونا في نقل رسالتنا إلى دولكم ومؤسساتكم: أنقذوا لبنان قبل فوات الأوان”.