مقالات مختارة
موقع “أساس”
مارلين خليفة
خلّفت الحرب الاخيرة في الاراضي الفلسطينية المحتلة اكثر من 240 قتيلا من بينهم اكثر من 60 طفلا، بالاضافة الى 47 الف مهجر، وجد معظمهم ملاذا في مدارس “الأونروا” في غزة.
تحتاج وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بشكل عاجل إلى 38 مليون دولار لتغطية الاحتياجات الإنسانية للسكان المتضررين في غزة وذلك بعد وقف الأعمال العدائية إثر شن غارات جوية إسرائيلية واسعة النطاق على غزة، بدأت في 10 أيار وانتهت في 21 منه فضلا عن اشتباكات في الضفة الغربية والتي شملت القدس الشرقية. إلا أن الوكالة التي أسستها الامم المتحدة في العام 1949 تعاني نقطة ضعف تأسيسية تتمثل بالتمويل الطوعي للدول. وبالرغم من الغاء الرئيس جو بايدن قرار سلفه دونالد ترامب تجميد الولايات المتحدة الاميركية تمويلها للوكالة، إلا أن بلاده لم تسدد لغاية اليوم سوى مبلغ 150 مليون دولار من أصل 360 مليون دولار تقع على عاتقها طوعيا سنويا، من ضمن موازنة عامة يبلغ حجمها 1،5 مليار دولار تتحكم بمصائر 5،7 مليون لاجئ فلسطيني يعيشون في الشتات. أما تمويل الدول العربية فقد تراجع بشكل ملموس منذ العام 2018 وخصوصا بعد اتفاقيات ابراهام في العام الفائت، إذ قلصت إحدى الدول الخليجية مساهمتها من 50 مليون دولار في العام 2018 الى مليون هذا العام.
يرأس الايطالي كلاوديو كوردوني فرع المنظمة الدولية في لبنان منذ العام 2017، وهو احد 5 مدراء في سوريا والاردن وغزة والضفة الغربية، بينما يتولى رئاسة الاونروا في الاردن المفوض العام السويسري فيليب لازاريني.
رسم كوردوني لـ “اساس” خطوط عمل الاونروا في الاراضي المحتلة ولبنان، وهو ليس بغريب عن المنطقة، فقد ولد في مصر وعاش في لبنان 5 اعوام في بداية السبعينيات ولغاية اندلاع الحرب الاهلية حيث درس في مدرسة ايطالية في فردان، بعدها انتقل الى ايطاليا حيث تابع تحصيله الجامعي، ثم الى الولايات المتحدة الاميركية. بدأ حياته العملية في منظمات دولية واستمر 26 عاما، ثم انضمّ الى الامم المتحدة في مهمة سنة في البوسنة، فليبيا، وبعدها مباشرة تسلم منصب مدير “الأونروا” في لبنان. وبالتالي لديه مزيج من الخبرة في مجالي حقوق الانسان والاغاثة.
في حرب الـ11 يوما التي خاضتها غزة واجزاء واسعة من فلسطين المحتلة مع اسرائيل لعبت “الاونروا” دورا هائلا في تخفيف معاناة الفلسطينيين. وإذ يرحب كودروني بقرار وقف اطلاق النار، يقول لـ”أساس”:” أقله أن لا احد سيموت بعد الآن بسبب هذا الصراع، إلا انه لتجنب ما حصل نحتاج الى حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية بأسرع وقت ممكن”. لا يشعر كوردوني بالطمأنينة حتى بعد وقف اطلاق النيران الذي يعتبره هشا، لذا يدعو الى “ان يواجه المجتمع الدولي مسببات هذا الصراع الاخير وهي تختصر بخرق القانون الدولي والتعرض لحقوق الانسان”.
ويشير كوردوني الى:” ان هذه الحرب قابلة للاشتعال مجددا في غضون اشهر قليلة، ما شهدناه في غزّة والضفة الغربية واسرائيل يعني انه لا يمكن الاستمرار بسياسة التمييز العنصري وبانتهاكات حقوق الانسان ثم توقع ان يبقى الوضع هادئا. في مرحلة ما سيكون هنالك انفجار جديد، وبالتأكيد نحن ضد أية هجومات على المدنيين، ولا نريد رؤية اطفال يموتون من الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي وعلى هذه الحرب ان تتوقف نهائيا وليس مرحليا”.
ضمّت “الأونروا” صوتها إلى كيانات الأمم المتحدة اخيرا في دق ناقوس الخطر بشأن عائلات الشيخ جراح الثماني، التي يقارب مجموع أفرادها 75 شخصا والتي تقيم في الحي الذي يحمل هذا الاسم في القدس الشرقية، وكانت عرضة لخطر الإخلاء القسري الوشيك والترحيل القسري.
تتكون هذه العائلات من لاجئين فلسطينيين فقدوا منازلهم الأصلية وسبل كسب العيش نتيجة لصراع العام 1948. انتقلت هذه العائلات اللاجئة الى حي الشيخ جراح في العام 1956، بدعم من الحكومة الأردنية ومساعدة مادية من الأونروا، بعد نزوحها، وأقامت في هذه المنازل لقرابة الـ70 عاما.
إن الحالة في الشيخ جراح ليست بالحادثة المعزولة. فحسب المعلومات المتاحة للجمهور التي نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ثمة ما يقارب من ألف فلسطيني، نصفهم تقريبا من الأطفال، معرضون لخطر الإخلاء القسري في جميع أنحاء القدس الشرقية. الى ذلك، يجري الإخلاء القسري للفلسطينيين في سياق بناء المستوطنات الإسرائيلية وتوسيعها بصورة غير قانونية تخالف القانون الانساني الدولي.
تستند بعض هذه الإجراءات إلى ادعاءات تعود إلى ما قبل العام 1948، في حين يحظر على اللاجئين الفلسطينيين بشكل تمييزي استعادة ممتلكاتهم ومنازلهم التي فقدوها في القدس الغربية في العام 1948. مع ذلك، فإن القانون الدولي يفرض على سلطة الاحتلال احترام القوانين المعمول بها في بداية الاحتلال الا في بعض الحالات القصوى التى تمنع ذلك.
تضع الاونروا نصب عينيها في غزة في المدى المتوسط كيفية توفير المساعدة للعائلات التي تأثرت بفعل الحرب. لدى الاونروا قرابة الـ 42 الف مهجر لجأوا الى 50 من مدارس “الاونروا”، (عدد المدارس في قطاع غزة يتعدى المئتين) وهؤلاء بحاجة ماسة الى المساعدة. وبطبيعة الحال فإن هذه الحرب زادت من حالات الاصابة بكورونا. الى ذلك لدى الاونروا اليوم استحقاق اعادة الاعمار، واسعاف الجرحى ومن أصيبوا بصدمات نفسية وخصوصا بين الاطفال، ولهذا تقدمت بطلب مبلغ 38 مليون دولار اضافية للاستجابة مع هذا الوضع الطارئ.
يشير كوردوني: “إن ما نحتاجه في غزة الى جانب المساعدات الانسانية هو بدء مسار حل سياسي للصراع لكن هذا الحل لا يتعلق بالاونروا، إنما يقع على عاتقها تذكير المجتمع الدولي والاطراف واسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس وحلفاء هؤلاء ايضا كما الولايات المتحدة الاميركية وسواها بأنه لا يترتب عليهم فقط التفرج على ما يحصل او ادارة الصراع في افضل الاحوال، بل عليهم محاولة حل هذا الصراع”.
أخيرا، سوف تدعو السويد والاردن الى مؤتمر يتناول الاونروا في تشرين الاول المقبل من دون تحديد المكان والزمان لغاية اليوم وذلك بهدف تنظيم نقاش بنّاء مع المجتمع الدولي حول دور الاونروا لأن تفويضها يتم تجديده كل 3 اعوام. “إن معظم دول العالم تؤيد استمرارنا في عملنا، لكن في المقابل لا يعطوننا الموارد الكافية للقيام بذلك بحيث ليست بحوزتنا الاموال الكافية، ولا يمكننا المتابعة في عملنا حيث نعيش حالة طوارئ كل شهرين بسبب نفاد المال، لا يوفر هذا النمط الاستدامة المنشودة. على العالم ان يجد سبلا افضل لتوفير الدعم المستدام للاونروا فلا نمضي الجزء الاكبر من وقتنا نبحث عن تمويل، بل التركيز على توفير خدماتنا بنوعية جيدة” يقول كوردوني.
في لبنان الاونروا تبحث عن محاور تتحدث اليه!
في لبنان، قامت الاونروا بلوبي واسع النطاق لا سيما مع الاحزاب والسلطات اللبنانية وبالتعاون مع هيئة الحوار اللبنانية الفلسطينية من اجل تخفيف قيود العمل عن الفلسطينيين. يقول كوردوني:” يكمن هدفنا الرئيسي في “الاونروا” في لبنان في التأكد من تمكين الفلسطينيين على عيش حياة كريمة في انتظار حل عادل لقضيتهم، وهذا يعني ان عددا من القيود التي تطاول حق العمل يجب ازالتها، فيتمكن الفلسطينيون من العيش والعمل في هذا البلد وان تكون حقوقهم محترمة وهذا عمل طويل الامد”.
وثيقة وحيدة تدعم هذا الهدف في لبنان تحمل عنوان “الرؤية الموحدة “وافقت عليها مجمل الاحزاب اللبنانية في اطار عمل لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني ونشرت في العام 2017، وهي تشير الى اتفاق هذه الاحزاب على عدد من النقاط المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين واحداها ازالة القيود حول حق العمل لكن هذه الوثيقة لم تطبق البتة. “تسعى “الاونروا” الى البناء على اتفاقيات مماثلة، للتأكد من ان الفلسطينيين يتمتعون بحقوقهم كافة في لبنان من دون تقويض حقهم بالعودة، فنحن لا نسعى الى منح الفلسطينيين الجنسية او توطينهم” يقول كوردوني.
يواجه هذا الهدف صعوبة تعطل العمل الحكومي :” إنه عمل طويل الأمد، نحن اليوم في ظل فراغ حكومي، يبدو بأن القوى السياسية اللبنانية غير قادرة على الاقتراب من تشكيل حكومة بالرغم من تداعيات ذلك على البلد، وبناء عليه نحن نفتقر الى وجود متحاور للنقاش معه، وبالتالي تتمثل الخطوة الاولى في تشكيل حكومة ثم بدء حوار حول اجندة لتطبيق هذا الهدف”.
في مدارس الاونروا في لبنان يوجد 37 الف طالب في 65 مدرسة، وتوجد 27 عيادة صحية اولى وتشمل خدمات الوكالة 12 مخيما للاجئين، وتهتم الاونروا بجمع النفايات واعادة بناء وصيانة البنى التحتية. تمكنت الاونروا بجهودها من اعادة بناء مخيم نهر البارد بعد تدميره بالكامل في العام 2007. “نحن نحتاج الى 40 مليون دولار لاستكمال العمل وإذا حصلنا عليها سننهي اعمال البناء في غضون عامين وتوجد 1300 عائلة لا تزال بحاجة لإيوائها في المخيم”.
سمحت السلطات اللبنانية باعادة بناء نهر البارد إثر انعقاد مؤتمر للمانحين في العام 2008 وافقت فيه الحكومة اللبنانية على اعادة بناء المخيم في المكان ذاته مع تعديلات تضمن التأكد من انه لن تكون مجددا اشتباكات عسكرية. وتعهد المجتمع الدولي تمويل المشروع وكلّفت الاونروا بتولي اعمال البناء.
في عين الحلوة في صيدا تمت اعادة بناء حي الطيري الذي تدمر في العام 2017، بتمويل من اليابان. ويوجد برنامج لإعادة تأهيل المخيمات كلها في لبنان مع اعطاء الاولوية اماكن سكن اللاجئين. “احدى التحديات الرئيسية التي تواجهها الوكالة تتمثل بالسماح بادخال مواد البناء الى المخيمات، ولغاية الآن تسير الامور بشكل جيد في ظل التعاون من قبل الجيش اللبناني في الجنوب وقوى الامن الداخلي في منطقة بيروت في ما يخص ادخال مواد البناء”، كما يؤكد كوردوني.
إحدى اهم الامور التي يمكن الحديث عنها تتمثل بكفية تعامل لبنان والامم المتحدة مع الازمة الصحية، يقول كوردوني:” كان من المهم جدا اتخاذ القرار بأن النظام الصحي اللبناني الخاص والعام يجب ان يهتم بجميع المتواجدين على الاراضي اللبنانية بغض النظر عن جنسياتهم، وبالتالي يمكن للفلسطينيين الذهاب الى المستشفيات اللبنانية، والمهاجرين ايضا. واعتمد المبدأ ذاته عند بدء حملة التطعيم، حيث ان كل من يقطن الاراضي اللبنانية يحق له باللقاح المجاني وهذا كان احد شروط البنك الدولي لاعطاء قرض للحكومة اللبنانية. بدأ تطعيم اللاجئين كما اللبنانيين عبر المنصة وهنالك فلسطينيون اكثر من السوريين تسجلوا على المنصة لتلقي اللقاح، لكن لا يزال عدد المسجلين ضئيل بسبب الفائض من الاخبار المضللة التي تجعلهم يخافون من اللقاح”.