“مصدر دبلوماسي”
مارلين خليفة:
ركّز البطريرك بشارة الراعي في خطابه بالأمس على نقطتين جوهريتين: التغيير من ضمن الدستور والحياد الذي يجب ان يدرج في الدستور اللبناني إنطلاقا من القيم التأسيسية للبنان الكبير.
لن يكون خطاب البطريرك الماروني بشارة الراعي أمس عابرا في الحياة السياسية اللبنانية عامة، ولدى المسيحيين خاصة فهو يشكّل لبنة تأسيسية لأي حوار لبناني لبناني حول عقد سياسي واجتماعي جديد يكثر الحديث عنه في الكواليس السياسية مع بعض اضاءات لدراسات ومنشورات.
وإذا كانت الشائعات سبقت خطاب البطريرك بكركي، منطلقة من تمنيات بعض أشاوس 14 آذار من أن البطريرك يميل الى الدعوة الى طلب وصاية دولية على لبنان وفرض البند السابع، وهو طرح لم يحمله البطريرك يوما بحسب معلومات مؤكدة لموقعنا لأنه طرح خيالي ولأن الفصل السابع لا ينفذ إلا في حالات محددة تؤثر على الأمن العالمي ولأن الدول الخمسة الاعضاء في مجلس الامن ليست في هذا الوارد. بالعكس، حصر البطريرك الماروني دعوته بعقد مؤتمر دولي يرعى حوارا لبنانيا انطلاقا من الدستور اللبناني. وثمة عاملا اساسيا لعب دورا في عقلنة طرح البطريرك وعدم الانجرار الى المطالبة بمؤتمر دولي تأسيسي جديد يتمثل بالزيارة التي قام بها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، يوم الجمعة في 19 فبراير الجاري، وغرّد بعدها على حسابه على “تويتر” كالآتي: “اتفاق الطائف مؤتمن على الوحدة الوطنية وعلى السلم الاهلي في لبنان”. عقلنة خيارات بكركي اذن كانت اولا من السعودية، ثم من مشاورات حثيثة للراعي منها مع مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم الذي رفض الافصاح عن شيء منها.
لكن الراعي أبى الا الابقاء على طرح الحياد، الذي يريد ادراجه في الدستور اللبناني بحسب شخصية مارونية على دراية بمناخ بكركي، لانه احدى القيم المؤسسة للبنان الكبير.
تنطلق هذه الشخصية من القول بأنه توجد رؤيتان ووجهتان للبنان اليوم، من هنا كلام البطريرك الراعي عن “الانقلاب على دستور الطائف” وكل الرؤية التي نشأ عليها لبنان. وليس كلامه عن اننا نريد العيش في مروج السلام وليس بحروب دائمة، سوى تجسيد للتناقض القائم بين هاتين الرؤيتين أو هذين المشروعين. إنه توصيف حقيقي للواقع المعيش في لبنان، وهو كان يتم التعبير عنه بخجل من الطرف الآخر، ثم بدا علنيا عبر مناسبات عدة منها كلام الشيخ احمد قبلان، وسواه من تعبير عن إرادة نسف كل الفكرة التي قام عليها لبنان الكبير الذي أسسه الموارنة والسنّة والانتداب الفرنسي وكذلك الطائف. كذلك كتبت بعض المقالات في صحيفة “الأخبار” أبرزها على سبيل المثال لا الحصر ما كتبه رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق التابع لحزب الله، عبد الحليم فضل الله بعنوان: حدود التغيير في النظام والدولة: التحرّر من أثقال التأسيس الأول“.
تقدم الشخصية المارونية المذكورة عددا من الملاحظات بناء على هذا التقرير وسواه من الممارسات: أولا، ثمة شعور قوي بوجود اتجاه عالي الصوت والنبرة من طرح جديد لحزب الله بأن المئة عام الماضية ليس فيها أي أمر جيد إلا المقاومة، والمستقبل هو للمقاومة فحسب. بينما نحن نقول بأن الفكرة التي نشأ عليها لبنان في التعاقد على مشروع لبنان الذي تحدث عنه البطريرك أي السلام والتعايش والديموقراطية”.
وتشير الشخصية المذكورة الى ان هنالك اختلاف على اعادة التكوين، الطرف الآخر يريد البناء على قيمة المقاومة كقيمة تأسيسية للبنان المستقبل،ونحن نقول أن القيم التأسيسية للبنان لا تتغير بينما كل شيء آخر في النظام ونوعه قابل للتحديث انطلاقا من الدستور وهو مفهوم لاستمرارية الدولة والجميع معترف به ولا يمكن رفضه”.
وتشير الشخصية المذكورة الى ان البطريرك “ينادي بإدراج الحياد ضمن الدستور اللبناني بعد أن كان احد المفاهيم الاساسية للتأسيس وليس الزخم الشعبي بالامس الا احد المداميك الاولى لبدء معركة استعادة القيم التأسيسية وادراج الحياد في الدستور اللبناني”.
لغاية كتابة هذه السطور، لم نتمكن من التدقيق بمقولة ان الفاتيكان يلاقي البطريرك الماروني في طروحاته، علما بأن احدى الشخصيات المقربة لبكركي قالت لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن السفير البابوي في لبنان المونسينيور جوزف سبيتيري كان أول المتصلين بالبطريرك الماروني لتهنئته على خطابه، إلا أننا لم نتمكن من التأكد من هذه المعلومة من مصدر ثان.
بأي حال، نجح البطريرك الماروني بالأمس بحشد جمع مسيحي مع بعض الحراك لا سيما الطرابلسي لتقديم طروحاته وتوفير الغطاء الشعبي لها.
لكن في المقابل، فإن افرقاء انتقدوا البطريرك وخصوصا في المجالس الخاصة لا سيما من التيار الوطني الحر ومن مناصرين لحزب الله وان بشكل غير رسمي، وتركزت الانتقادات بأن البطريرك الماروني صنّف بكركي تحت سقف الحراك
، ولم يحم موقع الرئاسة الاولى ما سيزيد من حدة الانقسام في البلد، وكان واضحا جدا بأن زيارة السفير وليد البخاري في 19 الجاري فعلت فعلها من هنا مطالبته رعاية دولية فقط لتنفيذ الطائف وهذه نقطة تسجّل له وليس عليه إلا عند الحالمين بمؤتمر تأسيس يخفف “اثقال الماضي”.