“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
تأجلت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحسب وكالة الانباء الالمانية دي بي آي الى المملكة العربية السعودية من منتصف فبراير الجاري الى الاسبوع الاول من مارس المقبل، إفساحا للمزيد من الاتصالات الدولية التي يقوم بها الرئيس ماكرون في شأن ملفات حيوية في المنطقة تهم المملكة العربية السعودية، ولكي يكون لقاءه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مثمرا في شأن الملفات التي يحملها.
وقبل زيارة ماكرون الى الرياض، لفتت الحركة التي يقوم بها سفير المملكة في باريس فهد بن معيوف الرويلي حيث التقى منذ أيام قليلة برئيسة لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة بالجمعية الوطنية الفرنسية فرانسواز دوما وجرى بحث أطر تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ومناقشة موضوعات مشتركة.
كذلك استقبل السفير الرويلي، وفدا من جمعية أرباب الأعمال الفرنسي والمكون من المستشار فرانسوا توازي والمدير العام فيليب غوتييه والمدير العام لشركة ايجيس عضو الجمعية لوران جيرمان، حيث تطرق الحديث إلى مجالات التعاون بين الجمعية ونظرائها في المملكة وفرص تعزيزها.
كل هذه الحركة هي جس نبض واعداد فرنسي سعودي لزيارة الرئيس ماكرون التي من المفترض أن تتضمن على جدول اعمالها 3 بنود:
أولا الجهود الفرنسية المبذولة مع الدول المعنية بالملف النووي الايراني حيث دعا ماكرون الى ضم المملكة العربية السعودية لاتفاق الدول الكبرى مع طهران بشأن برنامجها النووي مؤكدا عدم جواز ارتكاب خطأ العام 2015 عندما استبعد الاتفاق النووي القوى الاقليمية. للتذكير بأن ايران رفضت دعوة ماكرون معتبرة على لسان المتحدث بإسم خارجيتها سعيد خطيب زاده ان الاتفاق هو متعدد الاطراف وقد جرت المصادقة عليه عبر القرار 2231 الصادر عن مجلس الامن الدولي، وعليه فإنه غير قابل للنقاش من جديد اطلاقا كما أن اطرافه محدودون ولا يمكن تغييرهم.
ثانيا، المبادرة الفرنسية بشأن لبنان التي أطلقها الرئيس الفرنسي في الأول من ايلول الفائت من قصر الصنوبر في بيروت، والتي لم تحقق أي خرق وخصوصا في ما يخص تشكيل حكومة مهمة من الخبراء البعيدين من الاحزاب السياسية لتطبق اصلاحات جوهرية وهيكلية في الادارة والمالية والمؤسسات الكبرى كمصرف لبنان ومؤسسة كهرباء لبنان وفقا لما يطلبه المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي (بيان 7 ديسمبر الماضي)، والبنك الدولي، ومجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان. ليس الملف اللبناني هامشيا بالنسبة الى ماكرون، وهو ليس كذلك ايضا بالنسبة الى المملكة العربية السعودية المنكفئة عمليا عن التعاطي بالملف اللبناني تاركة الارباك يسيّر القوى السياسية. وينتظر أن يسعى الرئيس ماكرون الى اقناع المملكة بعدم ترك لبنان وحيدا، وبأن تساعد في تأليف حكومة المهام بعيدا من المحاصصات وأن تزيل الفيتو عن مشاركة “حزب الله” والوزير السابق جبران باسيل في الحكومة المقبلة وهو شرط لم تجاهر به السعودية مطلقا ولا حتى عبر اوساط مقربة منها، لكنّ حلفاءها في لبنان يهمسون به مشيرين الى أن الرئيس المكلّف سعد الحريري لا يحتمل البتة تشكيل حكومة لا ترضى عنها المملكة، وفي الوقت عينه هو يرفض اعطاء حصص مجانية للتيار الوطني الحر وللقوات اللبنانية اللذين لم يسمّيانه حاصرا الحصة المسيحية برئيس الجمهورية وهي بحسب اتفاق الدوحة (أيار 2008) لا تتعدى الـ3 وزراء، بالإضافة الى وزيرين أو ثلاثة للتيار الوطني الحر احتراما لتمثيله المسيحي لكن من دون أي فرصة لثلث معطّل. في الاجواء التي حصل عليها موقع “مصدر دبلوماسي” من أوساط على تماس مع الجو السعودي أن المملكة العربية السعودية لا يسعها تسهيل مهمة ماكرون إن كانت لا تعطلها أصلا، وهي مبتعدة من لبنان والاجدى ان يطلب ماكرون من ايران تسهيل مبادرته بالضغط على “المعطّل” المتمثل برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حيث ان المملكة لا تمون عليه،
فمن يفرمل تشكيل الحكومة هو عون وفريقه وليس الحريري الذي قدّم حكومة جاهزة كما قال بالأمس في الخطاب بمناسبة اغتيال والده قبل 16 عاما. وانطلاقا من فكرة أن حزب الله لا يمانع بانهيار شامل أقله في المؤسسات الدستورية تمهيدا لفكرة مؤتمر دولي يقر المثالثة، فإن المملكة العربية السعودية لا تخوض في هذه السيناريوهات. لكن المؤكد من الأوساط التي هي على تماس مع المملكة بأن أي مؤتمر من هذا النوع سيجعل من المسيحيين أكبر الخاسرين وهذا يقود الى القول بأن التحالف مع حزب الله قادهم الى هذا المأزق على قاعدة “طابخ السم آكله” ولا دخل للمملكة في هذا الامر ولا يسعها التدخل لصالح أحد في هذا الخصوص، إذ لديها ثابتة وحيدة تفيد بأن أية حكومة تشمل “حزب الله “وجبران باسيل لن تحظى بتمويل سعودي وهي لن تتعامل مع هذين الطرفين مهما كانت الأسباب، وبالتالي قد تعود المملكة الى لبنان بتكثيف العمل الاغاثي والانساني لكنها لن تتعامل مع عون وفريقه و”حزب الله”. وردا على أسئلة موقعنا تشير الاوساط ذات الاطلاع على المناخ السعودي بأن بعض اللبنانيين يريدون أن تكون زيارة ماكرون للمملكة كنوع من الضغط على الحريري ليمنح عون وباسيل ثلثا معطلا وهذا تصور كوميدي ومستحيل. في هذا السياق المعقد، يبدو بأن مهمة ماكرون في شان لبنان لن تكون سهلة، ولكن لا يمكن استباق نتائجها قبل حصولها. يريد ماكرون أن “يبيع” المملكة قدرته على جعلها جزءا من التفاوض المقبل مع ايران لكن ذلك لم ينل موافقة ايرانية ولا اميركية لغاية الآن.
الملف الثالث الذي سيثيره ايمانويل ماكرون تتعلق بآفاق التعاون العسكري بين فرنسا والمملكة العربية السعودية وخصوصا بعد تطورات الوضع على الساحة اليمنية. ينبغي التذكير أنه منذ قرابة الشهر فوضت الحكومة السعودية وزير الخارجية فيصل بن فرحان للتباحث مع الحكومة الفرنسية بخصوص تشكيل مجلس شراكة استراتيجي فرنسي سعودي. وقد ذكر مركز الدراسات الاستراتيجي والامني ستراتفور اخيرا في دراسة ان انهاء واشنطن مبيعات الاسلحة الهجومية التي تمكن السعودية والامارات من تنفيذ عمليات في اليمن وهي تشمل مبيعات اسلحة تصل قيمتها الى 478 مليون دولار أميركي يمكن أن يفتح الباب بشكل أوسع للمورّدين الفرنسيين والبريطانيين. علما بأن باريس ولندن تتمتعان بعلاقات دفاعية طويلة الامد مع الرياض وابو ظبي. تمتلك القوات الجوية السعودي والاماراتية طائرات ميراج 2000 الفرنسية وطائرات يويو فايتر تايفون البريطانية على التوالي. علما بأن بريطانيا وفرنسا والمانيا اكدت في وقت سابق دعمها والتزامها الراسخ بأمن المملكة العربية السعودية وسلامة اراضيها.