مقالات مختارة
مجلة الامن العام
مارلين خليفة
تعتبر المانيا، منذ اعوام، من اهم الشركاء الداعمين للبنان تنمويا، وهي ثاني اكبر دولة مانحة للبنان في هذا الاطار على المستوى العالمي. بعد انفجار المرفأ وتعمق الانهيار الاقتصادي، بدأ الدور الالماني يتخذ زخما سياسيا ايضا وان كان لا يزال على المستوى الاوروبي.
بين لبنان والمانيا تاريخ من التفاعل الحضاري. فالاهتمام الالماني بلبنان ليس مستجدا بل يعود الى ماض زاخر بين الطرفين تشهد عليه وثائق القنصلية الالمانية المحفوظة في الارشيف السياسي لمكتب الشؤون الخارجية في برلين، اضافة الى عدد كبير من المؤسسات الثقافية، منها على سبيل المثال لا الحصر معهد غوته والمعهد الالماني للابحاث الشرقية في العالم الذي اسسته في بيروت جمعية المستشرقين الالمان بهدف تأسيس مركز للدراسات الشرقية في خارج المانيا وتعزيز الصلات البحثية الالمانية مع الشرق الاوسط.
تعود العلاقات الديبلوماسية بين لبنان والمانيا الى العام 1953 حين عينت برلين اول مبعوث لها الى بيروت، اتبعته بتعيين اول سفير الماني في العام 1955. لا يمكن الحديث عن العلاقات الثنائية من دون ذكر الزيارة التاريخية التي قام بها في شباط 2018 الرئيس الفيديرالي الالماني فرانك – فالتر شتاينماير الى لبنان وكانت الاولى لرئيس الماني منذ 120 عاما.
تعتبر المانيا في طليعة الدول التي دعمت لبنان ولما تزل، وهي استنفرت جهودها بشكل واسع بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الفائت، بحسب ما يشرح سفيرها في بيروت اندرياس كيندل في حوار مع “الامن العام”، واعقب ذلك توقيع اتفاقات تعاون وهبات مع وزارة الخارجية والمغتربين، في حين تتابع المانيا مشاريعها التنموية المتعددة خصوصا مع اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين. تشارك في قوات اليونيفيل المعززة منذ العام 2006، وفي منتصف كانون الثاني الفائت انتقلت اليها قيادة القوات البحرية في اليونيفيل مع الادميرال اكسل شولتز. كانت لها في 7 كانون الاول 2020 بصمات مهمة في اثناء اجتماع مجلس وزراء الاتحاد الاوروبي في بروكسل على الخلاصات المتعلقة بلبنان، وهو امر يشرحه السفير كيندل في هذه المقابلة.
عيّن السفير اندرياس كيندل في لبنان في آب 2020، وهو مجاز في علم فقه اللغة التقليدية، والعلوم الاسلامية والفلسفة، وعلوم واداب اللغة الالمانية في هايدلبيرغ، بون، اوكسفورد والاسكندرية. شغل في مساره المهني قبل لبنان: منصب مفوض الاتصالات الاستراتيجية في وزارة الخارجية الالمانية، سفير جمهورية المانيا في اليمن، مدير قسم السياسة الخارجية والامنية الاوروبية “اوكور” في وزارة الخارجية الالمانية، نائب سفير اللجنة السياسية والسياسة الامنية لدى الممثلية الدائمة لجمهورية المانيا الاتحادية لدى الاتحاد الاوروبي في بروكسل. شغل ايضا نائب مدير قسم الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الالمانية، الى مراكز في بلدان عدة منها تونس.
* يعيش لبنان اليوم فراغا حكوميا وانهيارا اقتصاديا وماليا ووضعا غير مسبوق منذ تأسيسه قبل مئة عام، كيف تشخص المانيا الحالة اللبنانية؟
– تلتفت المانيا الى علاقة طويلة الامد ووثيقة مع لبنان. لذا هي تشعر بالقلق الشديد بازاء الوضع الصعب للبلد. تعرض الشعب اللبناني لضربة قوية جدا جراء جائحة كوفيد -19 ، واصيب بشكل هائل من الازمة الاقتصادية والمالية. ترك الانفجار في مرفأ بيروت الكثير من الناس الغاضبين والمفجوعين والمحرومين. انه لمن الصعب استيعاب عدم وجود حس بحراجة الامر، كما يبدو بين اللاعبين السياسيين والاقتصاديين المسؤولين. يمكن للشعب اللبناني ان يثق بشركائه الدوليين، لكننا نتوقع من السلطات اللبنانية ومن المؤسسات ان تطبق الاصلاحات التي تأخرت والتي هي حاجة ماسة.
* شكل انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الفائت منعطفا مهما عمّق الانهيار في لبنان، كيف قاربته المانيا انسانيا وسياسيا؟
– لقد صدمنا جميعنا بعمق الانفجار المدمر الذي وقع في 4 آب 2020. عبّر الشعب الالماني وكذلك الرئيس الفيديرالي فرانك – والتر شتاينماير والمستشارة انجيلا ميركل عن تعاطفهم العميق مع الشعب اللبناني. اضافة الى ذلك، سافر وزير الخارجية هايكو ماس الى لبنان بعد بضعة ايام من الانفجار للمشاركة في الحداد على الضحايا ومن ضمنهم احد زملائنا في سفارة المانيا، لاعادة التأكيد على استمرار الدعم الالماني للبنان في هذه الاوقات العصيبة. بعد الانفجار المروع، وفرت الحكومة الالمانية مساعدة طارئة تساوي اكثر من 20 مليون دولار، وهي تتضمن – من بين مبادرات اخرى – نشر فريق مدني للاستقصاء والانقاذ، تزويد الصليب الاحمر اللبناني معدات طبية، مساهمة في صندوق التضامن الخاص بلبنان. وقد اتى المزيد من الهبات من خلال المنظمات الخاصة. نحن نحض الحكومة على ضمان تحقيقات شفافة ومستقلة حول الانفجار، وان تسوق المسؤولين عنه الى المحاسبة.
* دخلت المانيا اخيرا عبر الاجتماع الاخير لوزراء الخارجية الاوروبيين في 7 كانون الاول الفائت على خط التوصيات المقدمة للبنان عبر بيان ختامي كانت لبرلين بصماتها فيه، كيف تتابع المانيا الملف اللبناني على مستوى الاتحاد الاوروبي وما هي الخطوة المقبلة بعد هذا الاجتماع؟
– نص خلاصات المجلس الاوروبي حول لبنان والتي اقرها وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي واضح تماما في ما يخص المتابعة اللازمة. القيادة السياسية اللبنانية تحتاج الى تطبيق الاصلاحات من دون تأجيل اضافي وان تعيد بناء الثقة. سويا، مع شركائنا الاوروبيين، سنستمر في دعم الاصلاحات، لكننا نحتاج ايضا الى رؤية شراكة لبنانية.
* وقعتم مع وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبه اتفاقي تعاون مالي بين البلدين بقيمة 48 مليون اورو تتضمن هبتين من المانيا لدعم مشاريع تنموية كبناء المدارس التي تخصص لها الهبة الالمانية 20 مليون اورو، اضافة الى برامج مياه شفة وصرف صحي من خلال المبلغ المتبقي، في اي سياق من الدعم تندرج هذه المساعدات؟
– توفر اتفاقات التعاون المالي والتقني التي وقعت في 2020 بين المانيا ولبنان الهيكلية المؤسسية للوكالات الالمانية العاملة. تاليا، تعبد هذه الاتفاقات الطريق لتطبيق مشاريع انمائية تساوي اكثر من 100 مليون دولار. تشمل المبادرات المخطط لها قطاعات متعددة تمتد من التزود بمياه الشفة الى المساعدة في التعليم وقطاع الصحة. من المهم التنبه الى ان هذه الاتفاقات لا تخصص اي دعم يتعلق بالميزانية للحكومة اللبنانية. ان الموارد مسيّرة بمسؤولية من وكالة التنمية الالمانية GIZ ومصرف التنمية KFW وهي التي تكفل وصولها مباشرة الى الشعب اللبناني.
* تجمع البيانات الدولية ومنها المجموعة الدولية من اجل لبنان والمانيا جزء منها على ان بلدنا في حاجة طارئة الى اصلاحات سياسية واقتصادية، ما هو الدور العتيد لهذه المجموعة مستقبلا؟ وما هي الاصلاحات الطارئة التي تشدد عليها المانيا في بلدنا؟
– الدعم الذي يتجاوز المساعدات الانسانية مشروط بعملية سياسية تهدف بشكل موثوق الى تحسين الوضع السياسي والاقتصادي للبلد. الاصلاحات المطلوبة بشكل عاجل معروفة والسلطات اللبنانية التزمتها مرارا وتكرارا، وهي تحتاج الان الى ان تطبق.
* كانت المانيا من الدول المهتمة باصلاح القطاع الكهربائي في لبنان ويحكى كثيرا في بلدنا عن عرض قدمته شركة سيمنز، ما حقيقة هذا الامر؟
– لا يمكن انكار ان الوضع الحالي لقطاع الكهرباء في لبنان يمثل اشكالية. يشكل النقص في امدادات الطاقة الكهربائية عقبة خطرة امام العديد من شركات الاعمال والقطاع الطبي والمجتمع بشكل عام. حددت شركة التصنيع الالمانية سيمنز امكانات التعاون مع لبنان، وابدت اهتمامها بالمشاركة في اصلاح قطاع الكهرباء. لسوء الحظ، لم يتم تنفيذ مشروع التعاون حتى الان.
* تساهم المانيا من خلال دعمها لقوة اليونيفيل البحرية عبر الفرقاطة اولدنبرغ في حماية المياه الساحلية من تهريب الاسلحة، كيف تدعم المانيا الامن البحري خصوصا وانها تساهم في تدريب القوات البحرية اللبنانية؟ وهل ستبقى محافظة على هذه المهمة ام قد تنسحب منها؟
– منذ العام 2006 تدعم المانيا الجهود الدولية لاحلال السلام والاستقرار في المنطقة من خلال اليونيفيل وعبر تقديم مساهمة مهمة للمكون البحري. حاليا، تعتبر السفينة الالمانية ماغديبرج Magdeburg التي تضم ما يقارب 120 جنديا المانيا يشكلون جزءا من قوة العمل البحرية. وقد اكدت المانيا التزامها اليونيفيل من خلال توليها زمام القيادة البحرية في قوة اليونيفيل (الجمعة في 15 كانون الثاني الفائت). كذلك ستواصل المشاركة في اليونيفيل، والعمل تاليا مع شركائنا الدوليين لضمان الامن البحري. اضافة الى ذلك، يدعم الجيش الالماني بشكل اساسي البحرية التابعة للجيش اللبناني. قبل ثلاثة اعوام تمول المانيا منظمة الرادار الساحلية الجديدة، وتوفر التدريب والمعدات للبحرية في الجيش اللبناني. في العام 2020 تمت الاستجابة بعد تدمير قاعدة بيروت البحرية بسبب الانفجار الذي وقع في 4 آب الفائت من خلال تخصيص 2.3 مليون اورو على الفور لاعادة اعمار المباني الرئيسية في قاعدة بيروت البحرية. يعد التعاون الالماني – اللبناني في المجال العسكري ركيزة مهمة في الالتزام الشامل لالمانيا في لبنان، وهو امر سيستمر في المستقبل.
* ماذا عن مشاريعكم في اعادة اعمار مخيم نهر البارد؟
– كانت المانيا شريكا اساسيا في اعادة بناء المخيم الذي دمر في العام 2007 نتيجة الاشتباكات بين جماعة فتح الاسلام والجيش اللبناني. ساهمت المانيا لتاريخه بما مجموعه 56 مليون اورو في بناء المخيم بما في ذلك 7 ملايين في نداء الاغاثة العاجل لمخيم نهر البارد و49 مليون اورو لاحقا لمشاريع اعادة بناء المخيم، بدءا من العام 2015 ولغاية اليوم من خلال مصرف التنمية الالماني. بفضل المساهمة الالمانية، ستعود 1130 عائلة لاجئة الى المنازل التي اعيد بناؤها حديثا في المخيم في حلول شباط 2022. كما سيتم بناء 245 وحدة للبيع بالتجزئة، مما يسمح بانعاش النشاط الاقتصادي في المخيم.
* كيف تنظرون الى مستقبل النازحين السوريين في لبنان؟
– تدهور وضع اللاجئين السوريين في لبنان بشكل ملموس بسبب الانكماش الاقتصادي المستمر وجائحة كورونا. يرغب العديد من اللاجئين السوريين في العودة الى ديارهم، لكن قلة قليلة منهم قادرة على القيام بذلك طوعا وبأمان وكرامة. لقد انتهى القتال في العديد من مناطق سوريا، لكن ليس في كلها. الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل مستمرة حتى يومنا هذا. يجب توفير ضمانات امنية حقيقية وقابلة للتحقق منها للعائدين. علاوة على ذلك، يجب ان يكون اللاجئون قادرين على اتخاذ قرارات مستنيرة وطوعية من دون اكراه.
* ماذا عن السياسة الالمانية بازاء اللاجئين داخل المانيا؟
– يكفل القانون الاساسي للاشخاص المضطهدين سياسيا حق اللجوء. بهذه الطريقة تؤكد المانيا مسؤوليتها التاريخية والانسانية. تسعى المانيا جاهدة من اجل مقاربة اوروبية لقضية اللاجئين على اساس التضامن. تلتزم الحكومة الفيديرالية ايضا تحسين اساليب حماية اللاجئين ودعمهم في البلدان المضيفة لهم.
* هل من اخبار تتعلق ببرامج اعادة التوطين للبنان ودول اخرى في المنطقة؟
ـ سمح برنامج اعادة التوطين في الاتحاد الاوروبي للعام 2020 باعادة توطين قرابة 30 الف شخص يحتاجون الى الحماية من لبنان ومصر وكينيا والاردن والنيجر. عرضت الحكومة الفيديرالية على 5500 شخص من الاكثر هشاشة امكانات المشاركة في برنامج 2020. يتم استكمال هذه الجهود من خلال مبادرات من مدن اتحادية، مثل برلين وهامبورغ وبراندنبرغ. سنواصل برامج اعادة التوطين الخاصة بنا لعام 2021.
* تكافح المانيا لمواجهة نهج التطرف بين الشباب بما في ذلك في اوروبا هل من جديد حيال ذلك؟
– يشكل التطرف تحديا ضخما لمجتمع منفتح وتعددي. اثبتت الهجمات الارهابية في فرنسا والمانيا العام الماضي بشكل واضح مخاطر الكراهية والراديكالية النابعة من مختلف جوانب الطيف السياسي. من المهم ان نفهم الظروف التي تجعل الشباب يتحولون الى الايديولوجيات المتطرفة. لذلك، تدعم المانيا والاتحاد الاوروبي العديد من المشاريع التي تسعى الى منع التطرف العنيف وتوفر افاقا للشباب المحرومين. قامت المانيا بتمويل برامج مكافحة التطرف منذ العام 1992 وانشأت برنامجا استراتيجيا وطنيا لمواجهة جميع اشكال التطرف العنيف واللاانساني في العام 2016. التعليم الذي يبرز تعدد الثقافات والالتزام المجتمعي والحوار هو من بين اهم التدابير الايلة الى التصدي للتطرف.
* ماذا عن التعاون مع المديرية العامة للامن العام اللبناني؟
– التعاون بين الامن العام والمؤسسة الالمانية وثيق ويتسم بدرجة عالية من الاحتراف.