“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
“أنا دبلوماسي بالصدفة” يقول القائم بالأعمال البريطاني في لبنان الدكتور مارتن لنغدن الذي عيّنته الحكومة البريطانية قائما بالأعمال برتبة سفير في كانون الاول الفائت. لكن، لنغدن الآتي من خلفية مؤرّخ، لديه ما يكفي من الخبرة والحنكة والبراعة الدبلوماسية ليقارب المسائل اللبنانية والشرق اوسطية بكثير من العمق وبحسب توجهات بلده بطبيعة الحال. يقول في حوار خصّ به موقع “مصدر دبلوماسي” وجمع حيزا من خصوصيات حياته الدبلوماسية والبدايات:” أسقطت الى هذا النوع من العمل، (الدبلوماسي)، لطالما أحببت ان اكون أستاذا جامعيا ومحاضرا في التاريخ، لكنني لم أحظ بعمل في الجامعة فانضممت الى وزارة الخارجية في لندن كمؤرّخ، وهؤلاء (أي المتخصصين بالتاريخ) كثر في وزارة الخارجية، حيث يوجد قسم خاص بالتاريخ، هكذا دخلت الى عالم الدبلوماسية وبعد أن مارست عملي كمؤرخ لأعوام، انتقلت الى العمل في قسم الشرق الاوسط لقسط من الزمن نال ثلث حياتي المهنية. بالرغم من أنني لا أدعي بأنني مستعرب، لكنني تابعت ملف الشرق الاوسط في جزئه الاكبر من لندن، حيث عملت على استراتيجة المملكة المتحدة في الشرق الاوسط”.
وفي العام 2017 عيّن لنغدن رئيسا لقسم الشرق الادنى في وزارة الخارجية حيث عمل على ملفات اسرائيل وفلسطين ولبنان والعديد من البلدان في الشرق الاوسط ثم عيّن مبعوثا خاصا في سوريا. يقول في حواره الخاص مع موقع “مصدر دبلوماسي”: “أنا أعرف المنطقة بشكل جيد وأعلم أن لدى لبنان جيرانا شاقين متعبين؟”. عاش لنغدن قبل قدومه الى لبنان في جنوب انكلترا وهو متزوج ولديه 3 صبيان ولا تزال عائلته تعيش في المملكة المتحدة.
يقول عن انطباعه عن لبنان الذي عرفه نظريا وذلك بعد مرور شهر على تعيينه قائما بالأعمال في بيروت خلفا للسفير كريس رامبلنغ “أنا مندهش جدا لوجود هذا التشابك في الازمات في لبنان بين السياسية والاقتصادية وأزمة كوفيد-19، أزمات جاءت كلها دفعة واحدة لتخلق صعوبات حقيقية وحساسة هنا في لبنان. الناس هنا يشعرون بالتعب وعندهم شيء من التشاؤم، يمكنني رؤية ذلك، وهذا مفهوم. لكن في الوقت ذاته أعتقد أنه توجد أرضية للتفاؤل، هنالك طريق ما يمكن سلوكها لحل المشكلات الكبرى هنا”.
*ما هي هذه الطريق؟
– ليس لي أن أرشد على هذه الطريق لأن الجميع يعرفونها، وقد يكون من الضروري ان يقوم القادة السياسيون اللبنانيون بوضع اختلافاتهم ومصالحهم الخاصة جانبا وأن يعملوا على المصالح الوطنية، إنها لحظة أزمة في لبنان، وهذا يتطلب من القيادة السياسة هنا ان تقف وتتحمّل المسؤولية. إن حكومة جديدة لن تصلح هذه الازمة بشكل أوتوماتيكي، لكن من دون حكومة جديدة من الصعوبة تخيل كيفية مواجهة الامور. وبالتالي، بالنسبة الى الوضع الاقتصادي لطالما عانى لبنان من مصاعب اقتصادية بنيوية منذ وقت طويل، لا شيء من ذلك هو جديد، لكنه بدأ يصبح حادّا.
*هل كنت تتوقع ان يصل لبنان الى هذا الانهيار عندما كنت تتابع الملف اللبناني من لندن؟
-طالما ردد الناس بأن لبنان يتحدى جاذبيته السياسية والاقتصادية، لكنه ينجح بالعيش والاستمرار، ربّما، لكن في نقطة محددة أعتقد أن الوضع سيكون قاسيا، وفي نقطة محددة ستسدّ الطريق، وفي نقطة محددة سوف تجفّ الاموال، وهذه النقطة من المحتمل ان تكون قريبة، وبالتالي أنا أعتقد أنه الآن لم يعد يوجد الكثير من الوقت للإلتفاف حول الواقع لأن السفينة تهتزّ بقوة.
*عيّنت المملكة المتحدة مبعوثا اقتصاديا خاصا الى لبنان، كذلك انعقد مؤتمر ضخم في لندن للتباحث بالعلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين، أين أصبحت هذه الخطوات وسط هذه الصعوبات؟
-بالطبع، إن العلاقات التجارية بين لبنان والمملكة المتّحدة لديها إمكانات كبرى، فنحن سوق كبرى للسلع اللبنانية لذا دفعنا قدما بإتفاقية الشراكة هذه وبالتالي حين غادرنا الاتحاد الأوروبي سيبقى بإمكاننا القيام بالتجارة مع لبنان بشروط مربحة، ونحن سعداء بأن الحكومة اللبنانية تمكّنت من تمرير هذه الاتفاقية في البرلمان. لكن، لكي تتمكن شركات الاعمال البريطانية والمستثمرين الدوليين من كسب الثقة بالوضع في لبنان، فإن هذه الامكانات الاقتصادية الموجودة بين البلدين ستكافح من اجل تحقيقها بالكامل، وبالتالي نحن مستعدون للعمل من اجل مستقبل اقتصادي مثير، ولكن يجب أولا حل هذه الامور.
* تؤثر جائحة فيروس كورونا على سبل عيش اللبنانيين، كيف تدعم المملكة المتحدة لبنان من خلال القطاعات الإنسانية وخصوصا في موضوع اللقاحات؟
– إن الوضع في لبنان صعب جدا، والامر سيّان في المملكة المتحدة حيث نختبر ايضا اوقاتا صعبة بسبب كوفيد-19. تساعد المملكة المتحدة لبنان بسبل مختلفة، فقد صرفنا ملياري دولار في العام 2020، حيث وفرنا مساعدات طبية واستجابة للأزمة ومساعدات خاصة لادارة ازمة كورونا. يعيش لبنان اغلاقا تاما ونحن ايضا في المملكة المتحدة نتخذ تدابير جدّية، والطريقة الوحيدة لمجابهة هذه الازمة هي عبر التلقيح، وتعتقد المملكة المتحدة أن توفير اللقاحات ضروري ايضا للدول الصغرى مما يتطلب جهودا عالمية، لذا تعاونا مع الامم المتحدة عبر برنامج “كوفاكس”، واسهمنا بما يفوق الـ 500 مليون باوند لتأمين ملايين الجرع من اللقاحات ستوزع على اكثر من 90 بلدا. أعتقد أن الحكومة اللبنانية عقدت اتفاقا مع “فايزر”، وستكون عدة لقاحات متوافرة منها أكسفورد استرازينكا وهو بطريقة ما اسهل في عملية التوزيع إذ يكتفي فقط ان يوضع بمكان بارد ونحن سنبذل ما في وسعنا لمساعدة لبنان.
* ما هي الأهداف الاقتصادية والأمنية المشتركة بين المملكة المتحدة ولبنان؟
-إن مهمتي هنا في السفارة البريطانية بسيطة هي تحقيق رغبة المملكة المتحدة بأن ترى لبنان بشكل مباشر بلدا مستقرا وآمنا ومزدهرا. لأننا نؤمن بأنه إذا كان لبنان يعيش في رخاء وآمنا فهذا يسهم بالاستقرار الاقليمي، وخطر الزعزعة في المنطقة هو مرتفع جدا ونحن نرى ما يحدث في سوريا.
*نعم لكن يبدو بأن القوى الاقليمية او بعضها ليست متشبثة كثيرا باستقرار لبنان بعد الآن لأنها تتخذه ساحة لتصفية حساباتها مع ايران، كيف تنظرون في المملكة المتحدة الى هذا الواقع؟
– أعتقد أن هذا يشكل خطرا حقيقيا، فطالما كان للبنان جيرة صعبة، لهذا فإن السياسة اللبنانية المتعلقة بالنأي بالنفس عن الصراعات الاقليمية هي مهمة. لأن لبنان لا يحتمل أن يكون ساحة صراع لبقية القوى، ولا يمكنه ان يكون مكانا حيث يتقاتل الآخرون، لأن الشعب اللبناني هو الذي سيدفع الثمن، والفوضى ستعم حينئذ. ولبنان ليس مغلوبا على أمره في هذا الخصوص، ويمكن للقادة اللبنانيين أن يقرروا إن كانوا سينأون بالبلد عن الصراعات أم لا.
*ليس الأمر سهلا فكل طائفة في لبنان مرتبطة بدولة معينة…
-صحيح، لذا فإن لبنان لا يستقر ابدا إلا إذا قام الممثلون السياسيون لهذه المجموعات بالتعاون بحسب المصالح الوطنية، وان يدعموا لبنان اولا واخيرا، ودولة لبنان. لذا فقد بذلنا في المملكة المتحدة الكثير من الجهود السياسية والكثير من الاموال، من أجل تعزيز اجهزة الدولة في لبنان، فنحن نعمل كثيرا مع القوى الامنية ومع القوات المسلحة اللبنانية ومع قوى الامن الداخلي، والى عناصر اخرى في الدولة لأننا نريد ان تكون حكومة لبنان وليس افرادا او مجموعات هي القوية والمستقلة.
* ما هي الوصفة العاجلة التي يجب على لبنان اتخاذها الآن لتجنب المزيد من الآثار الاقتصادية الكارثية على الناس؟ ما هو دور المملكة المتحدة وهي من ضمن مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان وشاركت في مؤتمري باريس لدعم الشعب اللبناني؟
-تقف المجموعة الدولية متكاتفة من اجل مساعدة لبنان، لكن لا يمكن للمملكة المتحدة أن ترغب بذلك اكثر مما يرغب به القادة السياسيون اللبنانيون، وبالتالي نحن يمكننا التشجيع، وان نشيد، لكن في النهاية القرار لا يعود لنا. ما نحتاجه هو تشكيل حكومة فورا تنال الغالبية البرلمانية، وان تكون مستعدة ومفوضة للقيام بأعمال اصلاحية والتي طالبت بها مؤسسات منها صندوق النقد الدولي تقول بانها ضرورية. ليس الاصلاح امرا سهلا، بعض الاصلاحات مثلا تتعلق بالإعانات هي أساسية للحكومة وللناس. على لبنان ان يعيد ترميم الاستقرار السياسي وان يعيش بحسب موارده، وإذا تمكن من ذلك فستكون حظوظ قوية باستعادة الاستثمارات الدولية وثقة الناس ومنها بالقطاع المصرفي، ويمكننا أن نبدأ بأن نشهد دائرة افتراضية من هذا النوع. لأنه حاليا نحن في مكان معاكس لذلك، حيث يسود اليأس.
*ما الذي يعرقل الاستثمارات البريطانية والدولية في لبنان؟ هل هي القوانين او الفساد او النظام الساسي او الاقتصادي؟
-ربما ينبغي طرح هذا السؤال على شركات الاعمال الدولية لأنه بطبيعة الحال سوف تحصلين على اجابات مختلفة، الكثير منهم خرجوا من هنا. يسود القلق لدى الناس من امور عدة منها النظام المصرفي وان كانت ستكون لديهم حماية وانفاذ للقوانين المرعية، وعلى أي سعر صرف سيتم الدفع لهم من قبل شركائهم اللبنانيين بسبب تحديات العملة والنقص في الدولار، وباختصار كل ذلك يقود الى امر وحيد هو الثقة. هل لبنان مكان منفتح لتأسيس شركات الاعمال؟ هل يمكنه ان يجتذب اموالا حقيقية، وهل يمكنه ان يحقق مكسبا للأطراف العاملة كلها؟ هذا هو السؤال المطروح. والقلق يكمن اليوم بأن الناس ليست على يقين من ذلك.
* في الأسبوع الماضي، تبرّعت الحكومة البريطانية للجيش اللبناني بلبنان بمئة مركبة دورية مدرّعة بغية تعزيز الاستقرار على الحدود اللبنانية مع سوريا ومساعدة الجيش على مواجهة الإرهابيين والمهربين ومنعهم من العبور إلى البلاد بحسب بيان صادر عن السفارة البريطانية، ما هي الأهداف غير المعلنة لهذه المساعدة؟ نحن نتحدث على المستوى الاستراتيجي؟
-لا يوجد شيء غير معلن، هنالك شفافية مطلقة في هذا الموضوع، إذا كنتم تقبلون انه توجد مصلحة للمملكة المتحدة بلبنان مستقر، عندها توجد قابلية للدولة اللبنانية للسيطرة على حدودها الخاصة وهذا امر مهم. وبالتالي فإن الهبة الاخيرة المتعلقة بمئة مركبة مدرعة، هي الأحدث في سلسلة المجموعات المشابهة والتي تنشط في أفواج الحدود البرية والتي تساعد على بناء قوة الجيش اللبناني على الحدود مع سوريا بشكل خاص. أنا لا أفشي سرّا حول ذلك، إذ يوجد تهديد حقيقي عبر تلك الحدود، سواء من المهربين الذين يقومون بتهريب المخدّرات، بالإضافة لمهربي البضائع الى لبنان، ولكن ايضا تهديدا من قبل متطرّفين ارهابيين. وبالتالي فإن وجود دولة لبنانية تسيطر على حدودها بشكل فعال يمثّل تغييرا استراتيجيا كبيرا جدا. لقد ذهبت للمرة الاولى الى الحدود مع سوريا في العام 2017، وكنت مسؤولا عن الملف اللبناني في لندن، من المثير جدا رؤية أنه للمرة الاولى في تاريخ لبنان، باتت بأن هذه الحدود خاضعة لسيطرة الدولة اللبنانية.
*هل تندرج مساعدة الجيش اللبناني في هدف مقاتلة “حزب الله”، وخصوصا وأن المملكة المتحدة صنّفت “حزب الله” على أنه مجموعة ارهابية؟
-لا أريد أن أعبّر عن ذلك بهذه المصطلحات، نحن لدينا مشكلة حقيقية مع “حزب الله”…
* ما هي مشكلة المملكة المتحدة مع “حزب الله”؟
– لدى الحكومة البريطانية مشكلة مع “حزب الله”، لأنه منظمة ارهابية وتتصرف بشكل متزايد بما يشمل خارج لبنان بطريقة تزعزع الشرق الاوسط. نحن رأينا ذلك بشكل واضح في سوريا ولكن ايضا عبر حضور “حزب الله” في أماكن عدة منها في العراق واليمن، وهو ناشط كوكيل لإيران، ونحن نعتبر بأن سلوكه يأتي بنتائج عكسية تماما. نحن نعتقد ايضا ان السيطرة على القوة العسكرية في لبنان يجب ان تكون من حكومة منتخبة وعبر القوات المسلحة اللبنانية. وبالتالي، لا يجب ان تكون القوة العسكرية مع الميليشيات الاقليمية او سواها.
*عندما ترى الخروق الاسرائيلية للاجواء اللبنانية حتى ليلة عيد الميلاد، فهذا يدعو اللبنانيين او لنقل جزءا كبيرا منهم لاعتبار أن وجود “حزب الله” ضروري لمواجهة هذه الخروق، ما هو رأيك؟
-بطبيعة الحال نحن لا ندعم غارات وانتهاكات تتعرض لها السيادة اللبنانية ونحن ندينها، ولكن كما تعلمين، يمكنك طرح السؤال: هل يشكل “حزب الله” حماية ضد اسرائيل او عمليا إنه حضور “حزب الله” الذي يسبب قلقا لاسرائيل؟.
*كانت اسرائيل محتلة للاراضي اللبنانية قبل نشوء “حزب الله”…
-نعم بطبيعة الحال هذا موجود تاريخيا، ولكن حين استمع منذ اسبوعين لمسؤول ايراني يقول بأن “حزب الله” سيكون على الجبهة الامامية في اية حرب ايرانية ضد اسرائيل، وبالتالي إن تمّ وضع لبنان في هذا الموقع فأنا لا أتعجب من أن يكون لدى الاسرائيليين هذا القلق العميق وانهم قد يقومون بأعمال للتعامل مع ذلك، يجب ايجاد حس بالمسؤولية من اجل تخفيض التوتر ولايقاف التهديدات.
*بالعودة الى الهبة الاخيرة من المدرّعات، هل تتماشى حزم المساعدة هذه مع الخطط المتعلقة بالسفارة البريطانية التي سربتها للصحافة بعض المجموعات اخيرا؟ هل هي احتواء معين عبر جهات غير حكومية لتحركات تجري عبر الحدود مع سوريا وفي الداخل اللبناني ايضا؟ هل من ايضاحات حول ذلك؟
-ما اريد قوله بأنني قرأت بعض “الاكتشافات” وهي غريبة،
لأن ما نقوم به هنا في لبنان ليس سرّا فنحن ندعم الدولة اللبنانية والناس تقدّر ما نفعله وهو ليس سريا بل موجودا على الانترنت…
*لا هم تحدثوا عن الدعم لمنظمات المجتمع المدني ولأفراد ومؤثرين للتخلص من الحكومة في لبنان…
-لم يقدّموا اي دليل على ذلك، لأنه لا يوجد دليل بالأصل. إن ما نقوم به هنا نقوم به بشكل شفاف وبالشراكة مع الحكومة اللبنانية والدولة اللبنانية، وهذا ليس سرّأ وأنا أفخر بأننا نقوم بذلك لأننا شركاء ولدينا اجندة مشتركة التي تحدثت عنها وهي تتمثل بالاستقرار والرخاء وتخفيف حدّة التوتر في لبنان، هذا ما نريده وهذا ما نقوم به بموافقة ودعم حكومة لبنان.
*دعمت المملكة المتحدة اللاجئين السوريين في لبنان من خلال التعليم والدعم الإنساني وخلق فرص اقتصادية، ما هي الخطة الجديدة بخصوص هذا الموضوع؟
-نعم، لقد دعمنا اللاجئين السوريين وكذلك المجتمعات اللبنانية المحلية التي تستضيفهم ايضا، في نهاية المطاف نحن نريد رؤية اللاجئين يعودون الى سوريا، وانا اعتقد انهم يريدون ذلك ايضا. لكن من اجل تحقيق ذلك، طالما قلنا أن العودة يجب ان تكون طوعية وآمنة وكريمة. وانا تحدثت الى هؤلاء اللاجئين في مخيماتهم وهم لا يزالون خائفين مما سيحدث إذا عادوا وماذا يمكن ان يفعل نظام الأسد، وهم على حق بذلك، لأن النظام في الواقع هو وحشي وهو قام بفظائع، إذ يتم توقيف الناس والتضييق عليهم وقد يختفون أو تتم سرقة ممتلكاتهم، هذه هي حقيقة الحالة في سوريا في ظل النظام. وبالتالي، في الحاضر ومن دون وجود تسوية مناسبة ومن دون تغيير في سلوك دمشق من الصعب رؤية كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يعودوا.
*هل تدعمون السوريين في الداخل السوري ايضا؟
-نعم، نحن نقوم ذلك، نحن نوفّر الدعم الانساني في ارجاء سوريا بما فيها الاماكن التي يسيطر عليها النظام ومن ضمنها دمشق واماكن مماثلة، ونحن نقدم الاموال للامم المتحدة التي توزعها، ونحن ناشطون في شمال شرق سوريا وفي شمال غرب سوريا ايضا.
* سياسيا، تناول وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني جيمس كليفرلي في خلال زيارة قام بها أخيرا الى لبنان أهمية سياسة النأي بالنفس، فهل هي قابلة للتحقق في لبنان؟
-هذا ما يردده المجتمع الدولي ويريد ان يراه، اعتقد أنها مسألة كبرى بالنسبة الى اللبنانيين راهنا: هل يعتقدون بأن استقرار لبنان وأمنه هما اكثر ضمانا من انتظام بلدهم في صراع وكلاء اقليميين؟ هل يريد الشعب اللبناني ان يكون في الجبهة المتقدمة لنزاع اسرائيلي ايراني؟ لا اعتقد ذلك. اعتقد، بان نوعا من الحياد هنا، وعدم رغبة بالانخراط في هذا الامر هو ما يصب حتما في مصالح لبنان. بطبيعة الحال، توجد افرقاء هنا تستفيد من هذه الاصطفافات الاقليمية.
*هنالك كثر من اللبنانيين لديهم رأي بأن الحياد يعني عمليا وقف اي صراع مع اسرائيل التي تحتل اراضي لبنانية، ما هو رأيك؟
-هذا أمر يخصّ لبنان بطبيعة الحال مهما كان اعتقادي. لكنني أقول انه يجب أن يكون هنالك حلّ سياسي لهذا الموضوع، هذا الامر يجب ان يتم حله عبر المفاوضات.
*هل تقصد مفاوضات مع اسرائيل؟
-في نهاية المطاف، بالنظر الى ما يحصل في المنطقة فنحن نشهد تحوّلا استراتيجيا كبيرا، حيث أن معظم جيران لبنان قاموا باتفاقيات مع اسرائيل عبر تسويات اقليمية، أنا أفهم ان هذا صعب جدا في لبنان.
* كتب السيد كليفرلي مقالا تحدث فيه عن تسونامي صامت يهدد لبنان وعنى أزمة الأمن الغذائي بقوله إن هذه الأزمة في كثير من الأحيان لا تكشف عن نفسها إلا بعد وقوع أسوأ الأضرار، هل تعتقد ان ذلك صحيح؟
-بالطبع هو صحيح، إن معظم الوكالات الدولية هي في قلق متزايد في شأن الاحتياجات الانسانية في لبنان الآن، إن ضغط الازمة الاقتصادية والتضخم الهائل الحاصل واسعار المواد الغذائية كل هذه العوامل تجعل حياة الناس اصعب في لبنان. يكفي ان نقصد المحال التجارية لنكتشف بأن كل شيء بات أغلى سعرا، وبالتالي فإن العائلات تكافح.
*نعم لكن هل تعتقد أنه سيكون نقص في المواد الغذائية؟
– إن لبنان يستورد معظم المواد الغذائية، ولا يصنع هنا، وبالتالي هنالك حاجة للمال من اجل ابتياع ذلك، واذا نفذ المال من البلد فالأمر سيصبح اشد صعوبة، ما بدأنا نراه هو سوء تغذية متنام وهي مؤشرات واضحة، وهذا ما قصده جيمس كليفرلي حين تحدث عن تسونامي صامت حيث لا تراه دوما لكنه يتمدّد تدريجيا، وبالتالي ثمة مشكلة هنا.
*هل من دور بريطاني في اعادة اعمار مرفأ بيروت؟
-لقد انفقت المملكة المتحدة بعد الانفجار ما يزيد عن 27 مليون باوند كمساعدة وجزء منها ذهب لتوفير معدّات الحماية الشخصية لفرق الانقاذ، ووضعنا الكثير من المال 3 ملايين باوند استجابة لدعم الصليب الاحمراللبناني إن مسألة اعادة بناء المرفأ هي امر معقد جدا ويتطلب وقتا، وتتطلب على الارجح مشاركة القطاع الخاص ونحن كنا اسخياء حيال المرفأ، ولن تكون المملكة المتحدة غائبة كصديق في هذه اللحظة من الازمة الحقيقية، وقد رأينا ذلك في انفجار المرفأ وكذلك في ازمة كوفيد-19.
*كيف ترى الى مستقبل لبنان، هل تراه دولة موحّدة بمئويته الثانية؟
-إن لبنان بلد ساحر، لديه شعب رائع، وتوجد ريادة في الاعمال وتاريخ من الارتباط بالمنطقة، وبالتالي توجد امكانات هائلة لهذا البلد. لكن في الوقت عينه، لديه مشاكل جمة. يوجد ميل أحيانا هنا في لبنان بأن مشكلاتهم لديها صلات بما يحصل خارج الحدود اللبنانية، واعتقد بأن الحل الحقيقي للتحديات التي يواجهها لبنان حاليا يكمن هنا، في داخل لبنان. إذا قامت قيادتكم السياسية، بالاتحاد سويا وبالاستجابة باخلاص لاحتياجات الشعب اللبناني ولمطالبه، عندها يمكننا احداث انقلاب في الوضع، ولقد حان الوقت للالتفاف على هذا الوضع، لأن الشعب اللبناني يستحق أكثر بكثير مما لديه اليوم. وبالتالي أنا متفائل، غالبا ما يكون الدبلوماسيون متفائلين، توجد طريقة للخروج من هذا الوضع، يبدو الامر مظلما في الوقت الراهن، لكن توجد نافذة أمل أقلّه إذا تمّ اتخاذ القرارات الصائبة.