مقالات مختارة
موقع “الثائر”
أكرم كمال سريوي
أجرى السفير الروسي السابق في لبنان ألكسندر زاسبيكين حوارا مهما مع موقع “الثائر” تطرق فيه الى الوضع في لبنان وقال زاسبيكين بأن ” انتظار التغييرات الإيجابية الخارجية غير مفيد للبنان لأنها غير مضمونة وقد لا يتطور الوضع نحو الأفضل ومن الضروري الوصول إلى اتفاق بين اللبنانيين قبل أي شيء آخر وبدون ذلك لن تتحقق المبادرة الفرنسية أو أية مبادرة أُخرى. أما روسيا فتقف إلى جانب التوافق الدولي الواسع، تأييداً للإصلاحات في لبنان، والحوار الوطني، وإنعاش الاقتصاد”.
هنا نص الحوار الكامل:
سعادة السفير! لقد اشتاق اللبنانيون لإطلالتكم، فهم قد اعتادوا طيلة سنوات على حواراتكم القيّمة، ومواقفكم الجريئة. فاسمحوا لنا أن نستفيد من خبرتكم الطويلة في السياسة الدولية، والشؤون العربية، والعلاقات اللبنانية الروسية. ولكن سنبدأ حوارنا من الموضوع الذي يشغل العالم، أي الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
١– كيف تُقيّمون بشكل عام، فترة حكم الرئيس دونالد ترامب؟ وكيف تقرأون ما حصل في الأيام الماضية من تطورات في واشنطن؟
– أشكركم على إتاحة الفرصة لي للإعراب عن رأيي بما يجري على الصعيد الدولي، خاصة في ضوء الأحداث الأمريكية الأخيرة. ومن الطبيعي أن نبدأ الحديث من هذه النقطة، التي تقع في ذروة اهتمام المجتمع العالمي . من الواضح أنه لا يمكن أن نُقيّم فترة حكم الرئيس دونالد ترامب بلون أو مصطلح واحد، ولو بشكل عام، والسبب الأساسي لهذا، أن هذه الفترة تميّزت بصراع داخلي غير مسبوق في أمريكا، وحاول رموز الحزب الديمقراطي والأوساط القريبة منهم ، إفشال ترامب في كافة المجالات، ومنذ البداية لجأ أخصامه إلى تضليل الرأي العام، بحيث ربطوا ترامب بروسيا، وافتعلوا موضوع التدخّل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وأصبحت دسائس أخصام ترامب مساراً أساسياً للحياة السياسية في أمريكا، وانعكاساً سطحياً لأزمة «الديمقراطية» العميقة التي تعيشها أمريكا، والتي أوصلت ترامب إلى الحكم، وخلال فترة رئاسته تعمّق الانقسام في المجتمع الأمريكي، وجرت المعركة الانتخابية الأخيرة في أجواء من التوتّر. وتحوّل اقتحام مبنى الكونغرس فرصة إضافية لأخصام ترامب، في سياق جهودهم لعزله، وشطبه من الحياة السياسية .
٢– هناك تخوّف في العالم، من أن يُقدِم الرئيس المنتهية صلاحيته دونالد ترامب على افتعال حرب في الشرق الأوسط، في الأيام القليلة المتبقية له في الحكم.
هل تعتقدون أنه يمكن أن يحدث ذلك؟
– صحيح أن تصرفات ترامب على الصعيد العالمي كانت مزعجة لعدد كبير من الدول، فهو أخرج أمريكا من عدّة معاهدات دولية، وكان يخوض حروباً اقتصادية، مسخدماً سلاح العقوبات، ولقد واصل عملية تدمير الشرعية الدولية التي بدأتها الإدارات الأمريكية السابقة. وفي الشرق الأوسط مارس ترامب نهجاً معادياً لدول «محور المقاومة» ، مركّزاً على العقوبات، وكان خروج أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران محطة سلبية، أثّرت بشكل هام على الوضع في المنطقة ل-كن من ناحية ثانية، فإن ترامب خلافاً للرؤساءالأمريكيين السابقين ، لم يبدأ حرباً جديدة في الشرق الأوسط، وكان يريد أن تتهرّب أمريكا من تحمّل نفقات المشاركة في النزاعات، أو حتى في حلف الناتو. وهو طلب تمويل ذلك من الآخرين.
أمّا الحديث عن افتعال حرب في الأيام القادمة، فيبدو أن مصدره الأساسي هو أخصام ترامب، وبإشارتهم إلى هذا الاحتمال فهم يسوّقون ادّعاءً مفاده: أن ترامب مغامر، ويجب عزله، وإذا لم تقع الحرب، فسوف يقولون أنّهم وضعوا حاجزاً أمام ترامب في الكونغرس أو البنتاغون، وسوف يُسجّلون ذلك كإنجاز لهم .
٣– يتم تداول معلومات حول استعدادات لتنظيم مظاهرات احتجاجية في ١٦ يناير ، من قِبل أنصار الرئيس ترامب، في عواصم كافة الولايات الأمريكية، وقد تُسبّب صِدامات مسلحة.
هل يمكن ان تكون هذه بداية تفكك الولايات المتحدة الأمريكية؟
– يجري النقاش بين الخبراء الروس حول آفاق الأزمة في أمريكا، ولا يوجد رأي موحّد. ويتحدّث البعض عن احتمال نهاية «الإمبراطورية الأمريكية» في المستقبل المنظور. أنا لا أشارك في هذه الأراء الراديكالية، إِلَّا أن الشيء المهم اليوم على ما يبدو، هو أن ولاية بايدن مطلوب منها إعادة الأمور إلى ما قبل مرحلة ترامب، بما في ذلك إحياء التضامن الأطلسي، وتأجيل التغيير، وإرضاء الأوساط التي أيّدت بايدن.
٤– الرئيس المنتخب جو بايدن، هو سياسي من جيل الحرب الباردة. كيف ترون مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية، في المرحلة المقبلة؟
– صحيح أن بايدن هو أحد السياسيين القدماء وله تجربة طويلة، إبتداءً من عهد الحرب الباردة، إِلَّا أنه من الممكن قراءة هذه التجربة إيجاباً أو سلباً حسب الظروف. والمهم بنظري أنه يمثّل «دولة عميقة» والجيل القديم للحزب الديمقراطي، ومن المعروف أن مواقف هذه الأوساط معادية اتجاه روسيا، وتتميّز ب «روسوفوبيا» . وبالتالي لا يتوقع أكثرية الخبراء الروس، تنقية الأجواء وتحسّن العلاقات الأمريكية الروسية. وفي الواقع لقد أصبحت الاتهامات المفبركة اتجاه روسيا، أساساً لنهج الحزب الديمقراطي وحلفائه من الإعلام والمخابرات، وعلى الأرجح وفقاً لتقليد الديمقراطيين، سوف يزداد التأييد الأمريكي ل «الطابور الخامس» أي (الليبرالييون الموالون للغرب) بهدف زعزعة الاستقرار في روسيا.
وهم يحلمون أن يتكرر في روسيا ما حدث في الاتحاد السوفياتي. وبهذا الصدد من المهم التأكيد أن روسيا تتصرّف بموضوعية وبراغماتية، اتجاه الغرب إجمالاً والولايات المتحدة بشكل خاص، وإن القيادة الروسية مستعدّة للتعامل البنّاء، ولكنها لا تسعى إلى التقارب مع العالم الغربي، لأنه لا يمتلك أي مشروع مفيد لروسيا.
إن الرئيس فلاديمير بوتين وفريقه والشعب الروسي، واثقون بقدرات روسيا على تحمّل أعباء المواجهة، دفاعاً عن الأمن والسيادة، والمتانة الاقتصادية، لروسيا وشركائها في العالم
في نفس الوقت ليس مستبعداً الوصول إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذا أخذنا في الاعتبار، ضرورة إيجاد الحلول الوسطى للقضايا التي تهم الطرفين والعالم كله. واتوقع أن يكون هناك محاولات، لإجراء التفاوض في مجال الأمن الاستراتيجي، وخاصة نزع السلاح، ونتمنّى أن تكون الإدارة الأمريكية الجديدة قادرة على اتخاذ القرارات وتطبيقها، الشيء الذي لم يكن متوفراً أثناء ولاية ترامب، كما يجب توحيد الجهود لمواجهة؛ الإرهاب، والقرصنة الإلكترونية، وحل النزاعات الإقليمية. ولكن الأمريكيين حتى الآن، يتصرفون على هذه الأصعدة، بشكل معاكس لمصلحة البشرية، بما في ذلك أمريكا نفسها.
٥– يُشكّل الشرق الأوسط أكثر النقاط الساخنة في العالم . هل تعتقدون أن الإدارة الأمريكية الجديدة، ستستمر في سياسة العقوبات؟ أم ستتجه إلى البحث عن حلول سلمية للأزمات، بدءاً من إيران إلى العراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين؟
– إذا لم تتحسن الأجواء العالمية وخاصة بين أمريكا وروسيا، فمن الصعب أن نتوقع تقدّماً حاسماً نحو حل المشاكل في الشرق الأوسط. وأنا لا أتوقع تراجعاً أمريكياً عن استخدام العقوبات، أو أنواع الضغوطات الأخرى. ولا ننسى أن إدارة أوباما-بايدن شجّعت «الربيع العربي» ، بمعنى إسقاط الأنظمة، ولن يتخلّى بايدن عن هذا. وطبعاً بعد فشل الحرب الإرهابية ضد سوريا، أصبح إسقاط النظام فيها غير وارد في المستقبل المنظور، ولكنه من الناحية المبدئية، بقيت الأهداف الأمريكية الأساسية نفسها، ومنها تغيير النظام في سوريا، عبر الاستنزاف والتجويع، وسوف تواصل أمريكا ممارسة ضعوطات متنوّعة على كل أطراف محور المقاومة، باعتباره حاجزاً إقليمياً أساسياً أمام كل السيناريوهات المنسّقة مع إسرائيل الحلفاء العرب. ولكن هذا الواقع، لا يُلغي إمكانية عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ومن الجدير ذكره أن بايدن يشير، إلى أن الاتفاق يمنع حصول إيران على السلاح النووي فقط، ولا يتحدث عن إمكانية تنقية الأجواء بين أمريكا وإيران، أو عن تعديل موقف أمريكا من السياسة الأقليمية لطهران.
٦– لروسيا حضور سياسي وعسكري مهم في هذه المنطقة. ما هي التوجّهات الروسية المستقبلية، والموقف من الصراعات الدائرة، من ليبيا الى الخليج العربي؟
لقد تكوّنت سياسة روسيا المتوازنة اتجاه الأحداث في الشرق الأوسط منذ بدايتها ولم تتغيّر. وزيادة على ذلك، أثبت النفوذ الروسي في المنطقة فعالية هذه السياسة، المبنية على مبادئ احترام سيادة الدول، وحماية وحدتها، وتأييد الحوار الوطني من أجل الإصلاحات. وتتعامل روسيا مع الجميع باستثناء الإرهابيين. ولذلك أتوقّع استمرار ممارسة هذه السياسة، وإجراء تعديلات غير جوهرية عليها، وفقاً للظروف المستجدّة. وسوف تبقى علاقات روسيا مع دول المنطقة متوازنة، وترتكز على القواسم المشتركة،
وعملياً تلعب علاقة روسيا مع سوريا وحلفائها دوراً أساسياً، لأنها تشمل مجالات رئيسية مهمة: مكافحة الأرهاب ، وتثبيت الأوضاع الأمنية، والمطالبة بانسحاب القوات الموجودة بصورة غير شرعية، وبذل الجهود لإعادة البناء، وعودة النازحين.
عندما يتحدّث الخبراء عن الأهداف الروسية في الشرق الأوسط، نسمع كلاماً عن التوجّه إلى المياه الدافئة، باعتباره هدفاً تاريخياً طبيعياً لروسيا.
صحيح أنه يحق لروسيا أن تتواجد في المنطقة والبحر الأبيض المتوسط، خاصة أن الوجود الأمريكي أكبر بأضعاف من أي وجود روسي،
لكنني أريد أن أدقق هذا الأمر : إن موضوع المياه الدافئة كان مطروحاً في ظروف تاريخية معيّنة، في بداية القرن العشرين، وكان هدف الإمبراطورية الروسية السيطرة على ممرات بحرية، وهذا الهدف انتهى ولم يعد قائماً فيما بعد، فنفوذ الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط، كان مرتبطاً بالتحالف مع الحركة العربية التحررية، وليس بالتوجه إلى المياه الدافئة، واليوم تساعد روسيا سوريا بدون أية نوايا توسّعية، ولا يمكن الحديث عن هذا الوجود، بشكل تقليدي عن لعبة الأمم، وبالتحديد عن معركة النفوذ بين دول كبرى، على حساب دول صغيرة.
إن المنافسة التي كانت بين الاتحاد السوفياتي والغرب، والتي كانت تُعتبر إيديولوجية بالدّرجة الأولى، انتهت مع تفكك الاتحاد السوفياتي. أمّا فيما بعد فاتّضح أن الغرب يعتبر روسيا عدواً تاريخياً، ولا يقبل الشراكة على قدم المساواة، ويسعى إلى السيطرة عليها، وكذلك على جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. وفي ضوء ذلك، لقد تم تجميد التعامل الروسي الأمريكي من قِبل إدارة اوباما، والآن نستطيع أن نعود إلى التعامل والتعاون إذا رغبت إدارة بايدن في ذلك، ومن جانب روسيا لا توجد مشكلة، والكرة في الملعب الأمريكي.
إن مشاكل الشرق الأوسط على الأرجح غير قابلة للحلول في المستقبل القريب، ولذلك نستطيع فقط أن نتقدم إلى الأمام تدريجياً، وقدر الإمكان، خاصة في موضوع إعادة الإعمار في سوريا، بدون الاعتماد على الدول الأوروبية أو الخليجية.
٧– من خبرتكم الطويلة في لبنان .
هل ترون أنه هناك امكانية للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية الحالية؟
وما مدى صحة وجود مبادرة روسية بالتوازي مع المبادرة الفرنسية للحل في لبنان؟
أظن أن جميع اللبنانيين يعرفون أن التخلّص من الطائفية السياسية هو المخرج الحقيقي، لكن تحقيق هذا الهدف شبه مستحيل حالياً، وإذا تم تفجير الأوضاع فسوف يؤدي ذلك إلى انهيار الدولة. وانطلاقاً من ذلك يجب إيجاد الحلول المؤقتة، على أساس حد وسط بين الأحزاب والتيارات القائمة، وتجاوز الخلافات السياسية والشخصية، من أجل تأمين وتفعيل عمل مؤسسات الدولة.
أما عن تأثير العامل الخارجي، فخلال مرحلة الربيع العربي تعززت الخلافات بين الأطراف الخارجية المعنية أو المهتمة بالشأن اللبناني.
واليوم إن انتظار التغييرات الإيجابية الخارجية غير مفيد للبنان، لأنها غير مضمونة وقد لا يتطور الوضع نحو الأفضل، ومن الضروري الوصول إلى اتفاق بين اللبنانيين، قبل أي شيء آخر ، وبدون ذلك لن تتحقق المبادرة الفرنسية، أو أية مبادرة أُخرى.
أما روسيا فتقف إلى جانب التوافق الدولي الواسع، تأييداً للإصلاحات في لبنان، والحوار الوطني، وإنعاش الاقتصاد.
٨– هل هناك من كلمة أخيرة إلى اللبنانين ؟ وبماذا تُوصون السفير الروسي الجديد في بيروت؟
لقد تم التنسيق بيننا منذ اليوم الأول لتعيينه، وإن السفير الكسندر روداكوف ليس بحاجة إلى نصائح، وهو يعمل بشكل جيد، ونحن نتواصل ونتبادل الآراء بصورة دورية .