“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعتبر الايرانيون بحسب اوساط عليمة بمناخهم بأن أي كلام مع الادارة الاميركية الجديدة سينطلق من الاتفاق النووي الايراني الذي تم ابرامه في العام 2015 بين ايران ومجموعة الخمسة زائد واحد ومن بينها الولايات المتحدة الاميركية ولن تعود طهران الى طاولة مفاوضات تشتمل على مواضيع جديدة للتفاوض كما يرغب الاميركيون، بل سيعودون الى الطاولة القديمة التي شهدت الاتفاق النووي المذكور ولن تقبل ايران الدخول في اتفاق آخر يشمل الصواريخ الباليستية او تطبيع علاقات ايران مع اسرائيل كما جاهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب اخيرا ويؤكد الايرانيون بأنه” رئيس لا يمكن الرهان على اهليته في الحكم” ويذهبون حدّ وصفه بـ”الأحمق” لكي يطرح فكرة احتمال تطبيع ايران مع اسرائيل!”.
بالنسبة الى أية إدارة اميركية جديدة قد تتمخض عنها الانتخابات الرئاسية الاميركية اليوم تعتبر ايران بأنها” باقية في مكانها وأن الولايات المتّحدة الاميركية هي التي غادرت الاتفاق”، وفي حين يجاهر المرشح الديموقراطي جو بايدن بأنه سيعود الى الاتفاق النووي اذا امتثلت ايران لشروطه، تشير الأوساط الوثيقة الصلة بالمناخ الايراني لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن “طهران مستعدة للامتثال إذا عاد الأميركيون الى الاتفاق السابق”.
بالنسبة الى امتثال ايران فهي مستعدة لتجميد عمليات التخصيب بالوتيرة التي تمت اثر انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي، ويحرص الايرانيون على التظهير بأن قوّة العلم التي يمتلكونها في التخصيب “هي قوة ذاتية ولا يمكن الغاءها لا من الولايات المتحدة الاميركية ولا من سواها”.
اما خروج ايران من الالتزامات اليت تعهدت بها فهي “من ضمن نص الاتفاق النووي حيث نص بأنه اذا انسحب اي طرف من الاتفاق يمكن ان يعود ويقوم بانشطته، لكن تدريجيا، وهذا ما فعلته ايران فهي انسحبت خطوة خطوة، وكان يمكن للطرف الآخر الرجوع عن العقوبات لكن ما حصل هو العكس. صحيح أن ايران تجاوزت مستوى التخصيب المسموح به في الاتفاق النووي السابق لكنّها مستعدة وجاهزة للعودة في اي مرحلة تعود فيها الولايات المتحدة الاميركية الى الاتفاق”.
لا تهتم ايران بالحضور الاميركي في الاتفاق النووي لكن بل بما ستجنيه من فوائد اقتصادية، “فلو تمكنت الدول الخمسة الاعضاء من تقديم نفس الامكانات الاقتصادية لكان الامر جيّدا، لكنّ اوروبا فشلت بذلك، وكذلك الدول الاخرى وايران لا تستفيد من آلية انستكس التي تم وضعها”.
لا تزال سياسة الولايات المتحدة تعتمد الضغط الاقصى وهي تدعو ايران للعودة الى طاولة المفاوضات وتشير الأوساط الى انه “لم يبق سوى ناطور بناية وزارة النفط في طهران خارج العقوبات”.
إن لعبة العقوبات هي اعلامية وسياسية ويجب معرفة مدى آثارها، وآثارها في طهران واضحة وخصوصا اذا تم عطفها على انتشار وباء كورونا، فايران ممنوعة من شراء ادوية ومن شراء اجهزة تنفّس للمصابين: “تريد الولايات المتحدة الاميركية بلا مواربة الضغط على الشعب الايراني لكي ينتفض ضد السلطة، لكن الشعب الايراني يرفض الخضوع لسياسات ترامب لأنه برأي الايرانيين أن الولايات المتحدة الاميركية تريد الضغط عليهم كشعب لكي تكسب الاموال من دول الخليج” كما تشرح الاوساط المذكورة.
دور ايران في المنطقة
هل سيشمل أي تفاوض عتيد بين ايران والولايات المتّحدة الاميركية دور طهران في المنطقة؟
يشير الايرانيون الى أن اية طاولة مفاوضات قبل ان تبدأ تحتاج الى تعويض للخسائر التي تكبدتها طهران في الاعوام الاخيرة بسبب تأثيرها المباشر على حياة الناس. وتشير الاوساط:
“بالنسبة الى شمول اي تفاوض لقضايا المنطقة يجب الفصل بين الاتفاق النووي والمواضيع الاخرى. وتفضل ايران التفاوض مع الاصيل من ابناء المنطقة لا مع الوكيل الاميركي” لكن للاسف بأن ابناء المنطقة يراهنون على طرف من خارج المنطقة من اجل اضعاف ايران”.
جو بايدن لا يختلف عن ترامب
بالنسبة للإيرانيين لا يختلف جو بايدن بشيء عن دونالد ترامب، وهو لن يختلف عنه إذا مارس السلطة بعقلية فوقية لا تحترم الآخر. من الامثلة الاعتداء الاميركي على لبنان بحرب اقتصادية ثم فجأة ينتهي كل شيء. برأي الايرانيين بأن اولويات العمل الاميركي في لبنان لها علاقة بترسيم الحدود وبالموضوعات الاخرى، لكن آثار هذا التغيير نشاهدها على الأرض. لقد اتخذ الاميركيون قرارا بتغيير موازين القوى في لبنان ورأوا بأن رهاناتهم خاطئة بعد عقوبات استمرت سنة كاملة، أسهمت في تخريب البلد.
ايران لا تتدخل في لبنان لأن مشاكلها مع الأميركيين أكبر بكثير
بالنسبة الى ايران فهي تعتبر بانها لا تتدخل في لبنان بشكل مباشر، فمستوى مشاكلها مع الأميركيين أكبر بكثير من لبنان. وهي لا تقبل باستخدام اصدقائها ضد الاميركيين بشكل يعرضهم للخطر، لذا عمدت طهران الى الردّ مباشرة على الاميركيين بعد اغتيال قائد فيلق القدس الفريق قاسم سليماني وكان يمكن لإيران الرد بشكل مباشر من لبنان أو من سوريا لكنها رفضت أن تغمس اصدقاءها في المشكلة.
بالنسبة الى لبنان يعتبر الايرانيون بأنهم في الاعوام السبعة الاخيرة هم ليسوا خاسرين في المنطقة ككل وفي لبنان بشكل خاص، تريد طهران الحفاظ على استقرار لبنان وهذا الاستقرار له ابعاد امنية وعسكرية واقتصادية.
بالنسبة لانتظار لبنان نتائج الانتخابات الاميركية تشير الاوساط الى “انه لا شيء مباشر يتعلق بلبنان حتى الآن، وطالما كان الرد المطلوب لبنانيا هو الصبر ولكن لا تأثير للعلاقات الايرانية الاميركية على لبنان”.
تضيف:” لغاية اليوم لم يقم “حزب الله” بأي ضغط ضد الاميركيين، لا تقوم ايران بخطواتها بحسب الضغط الاميركي ولبنان لم يتأثر أمنيا وعسكريا وسياسيا ربّما تأثر اقتصاديا وكان الضغط على حساب الناس”.
العلاقة مع السعودية
إن عملية تبادل الاسرى التي حصلت في اليمن في 15 تشرين الاول الفائت تعدّ الاكبر بين الحكومة اليمنية والتحالف السعودي الاماراتي والحوثيين. وشملت أكثر من الف أسير يمني و15 سعوديا و4 سودانيين وهي اكبر عملية تبادل أسرى منذ اندلاع النزاع في اليمن قد تشير الى ميل لدى المملكة العربية السعودية للدخول في مرحلة من التسوية السياسية مع الطرف اليمني المتمثل بالحوثيين وقد أكد الجانب الايراني جهوزيته لتسهيل هذا الأمر وتشجيع الاطراف الدولية القريبة من السعودية لأن تقوم بدفع عملية التسوية السياسية بين اطراف الحرب في اليمن. الحوثيون اليوم يسيطرون على المزيد من المناطق ويوجد تواصل بينهم وبين السعوديين في استوكهولم. وعملية الافراج عن اسرى لها مدلولاتها ايرانيا وخصوصا وأن المملكة العربية السعودية ليست في الغالب داعمة لمبادرات انسانية من وجهة نظر طهران.
عملية التبادل هذه تضمنت ايضا افراج الحوثيين عن أميركيين اثنين كانا محتجزَين لديها إضافة إلى رفات ثالث، مقابل الإفراج عن 240 من أنصار الحركة، بينهم عدد من المقاتلين.
وجرى الإفراج المتبادل بموجب صفقة أبرمت بموافقة الولايات المتحدة والسعودية، وبوساطة سلطنة عمان.
لكن هذا التوافق بين السعودية والحوثيين لا يبدو اليوم إلا على القطعة وبحسب الوقائع الميدانية وتبعا لتوجهات الاطراف في استوكهولم الذي اعلن التوصل اليه في نهاية 2018، بين الحكومة اليمنية من جهة وجماعة انصار الله “الحوثيين” من جهة ثانية. للتذكير فإنه في 13 كانون الأول ديسمبر 2018، توصلت الحكومة اليمنية والحوثيون إثر مشاورات بالعاصمة السويدية استوكهولم إلى اتفاق يتعلق بحل الوضع بمحافظة الحديدة الساحلية (غرب)، إضافة إلى تبادل الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين، الذين يزيد عددهم عن 15 ألفا، وفك حصار مدينة تعز (جنوب غرب البلاد).
وتعثر تطبيق اتفاق ستوكهولم للسلام بين الجانبين، وخصوصاً فيما يتعلق بانسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة الثلاثة وإطلاق شامل للأسرى والمحتجزين لدى الطرفين، وسط تبادل للاتهامات بالمسؤولية عن عرقلته.
كيف ستواجه ايران عمليات التطبيع وقد باتت اسرائيل على حدودها اذا صح التعبير؟
تشير الاوساط الواسعة الاطلاع على المناخ الايراني الى ان العلاقات الايرانية مع دول الخليج لا سيما الامارات العربية المتحدة لم يتمّ تطبيعها الآن، بل طالما ارتبطت هذه الدول بعلاقات من تحت الطاولة وتواصل مباشر مع اسرائيل، وجلّ ما حصل هو الاعتراف علانية بهذه العلاقة. وبالتالي يضع الايرانيون ما حدث ضمن حجمه الطبيعي. ويعتبر الايرانيون بأنها ليست المرة الاولى التي تكون فيها اسرائيل على حدودها بل هي طالما اقامت علاقات مع تركيا واذربيجان وتدرك ايران جيدا كيفية التعاطي مع ذلك بحسب الاوساط المذكورة التي تحدثت الى موقعنا.
يصف الايرانييون عمليات التطبيع بـ “الحماقة” وخصوصا في هذا التوقيت وهو يأتي في زمن خاطئ والفائدة جناها بنيامين نتنياهو ولا تأثير البتة على ايران”.
وتقول الاوساط الضليعة بالمناخ الايراني:” في نهاية المطاف تلعب هذه الدول البوكر وهي تعرف ايران جيدا وهي تقوم بالرقص على الخطوط الحمراء. في لعبة البوكر ربما قد يراهم طرف ما بـ 10 في المئة من رأسماله، لكن هذه الدول جازفت برأسمالها كله وليست لدى هؤلاء المطبّعين أية رؤية استراتيجية. ليست ايران مسرورة بالتطبيع ولكن بالمستوى الامني والعسكري لم تكن هذه الدول بعيدة من اسرائيل في العشرين عاما الاخيرة ولغاية اليوم والفارق ان العلاقات باتت واضحة وعلانية”. ويعتبر الايرانيون من وجهة نظرهم بأن المملكة العربية السعودية بدورها تتجه نحو التطبيع مؤكدين بأنها تخلّـ عن مبادرتها التي طرحتها في قمّة بيروت في العام 2002.