“مصدر دبلوماسي”
أقامت السفارة الفرنسية في بيروت حفلا افتراضيا للعيد الوطني الفرنسي وذلك بسبب الاجراءات التي يفرضها فيروس كوفيد-19 والقى السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه كلمة بالمناسبة جاء فيها:
حضرات السيدات والسادة،
مواطنيّ الأعزاء وأصدقائي اللبنانيين الأعزاء،
إنني سعيدٌ جداً بالتوجّه إليكم اليوم في الرابع عشر من تموز بمناسبة العيد الوطني الفرنسي. وإن يؤسفني طبعاً عدم استقبالكم شخصياً، كما هي العادة، في قصر الصنوبر هذا العام الذي يصادف الذكرى المئوية لإعلان لبنان الكبير. إنّنا في وضع لا سابق له. لقد توجّب علينا كلّنا التأقلم مع ذلك. فالظروف الاستثنائية تفرض تنظيماً استثنائياً. من هنا، فكّرنا باحتفالٍ “افتراضيٍ” لمناسبة الرابع عشر من تموز، على أمل أن يشعركم هذا الاحتفال بمدى قرب بلدينا وبغنى العلاقات الثنائية التي تجمعهما، على الرغم من التباعد الجسدي الذي فرضته أزمة فيروس الكورونا.
حضرات السيدات والسادة،
كانت هذه السنة مضطربة بشكل استثنائي. فالأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلد منذ أشهر تؤثّر بحدة على اللبنانيين، على حياتهم اليومية وكذلك على مشاريعهم. إنّنا نعي ذلك ويهمني أن أقول لكم كم نشعر في صميمنا بوطأة هذا الوضع الرهيب الذي يثير قلق سلطاتنا العليا. أودّ أيضاً أن أتوجّه إلى الرعايا الفرنسيين في لبنان الذين يواجهون الصعوبات نفسها. كنّا وسنبقى إلى جانبكم في هذه المحنة. تعمل القنصلية الفرنسية مع مستشاريهم القنصليين من أجل تعزيز آليات المساعدة الخاصة بكم.
فالأزمة التي يواجهها البلد ونموذجه الاقتصادي والمالي عميقة وذات جذورٍ متأصلة. لقد رسمت الحكومة مخرجاً لهذه الأزمة من خلال الخطة التي اعتمدتها في 30 نيسان ومع انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. الطريق شاق وليس هناك من بدائل. كانت الخطوات الأولى مشجّعة وأقرّ صندوق النقد الدولي بأن التشخيص المقدّم كان جيداً. ستقف فرنسا دوماً إلى جانب لبنان على أن تُطبَّق الإصلاحات الضرورية. من الملح والأساسي اعتمادها لكي يتمكن البلد من استعادة النمو واسترجاع الاستقرار. كرّرتُ ذلك مراراً هذه السنة أمام محاوريّ: يجب العمل الآن قبل أن يفوت الأوان. فما هو على المحك هو مستقبل لبنان والأجيال الصاعدة التي ينبغي لها أن تنشأ في بلد تُسخّر فيه طاقاتها لمنفعة الجميع. قيل ذلك في باريس خلال اجتماع مجموعة الدعم الدولية الذي انعقد في 11 كانون الأول 2019. وذكّر بذلك وزير أوروبا والشؤون الخارجية. كلّ ذلك معروف تماماً.
إنّني على يقين بأن تطبيق المسؤولين السياسيين اللبنانيين للإصلاحات سيسمح للبنان باستعادة ثقة اللبنانيين أولاً وثقة المجتمع الدولي أيضاً. هذه الثقة أساسية للمضي قدماً وللخروج من الأزمة. تتعالى منذ أشهر الصرخات في الشارع مطالبةً بذلك. فاللبنانيون يعانون الأمريّن. على السياسيين، مهما كانت انتماءاتهم، أكانوا في الحكومة أو في مجلس النواب أو ضمن القوى المُشكّلة للأغلبية أو في المعارضة، عليهم جميعاً أن يسمعوا الدعوة الموجّهة إليهم. يمرّ لبنان بأسوأ أزمة شهدها منذ نهاية الحرب الأهلية. لا يمكن لأحدٍ أن ينكر ذلك. يجب العمل. يجب العمل من دون تأخّرٍ.
على الرغم من هذه التحديات، تمكنّت فرنسا من المحافظة خلال هذه السنة على علاقاتها الوطيدة مع لبنان في كافة القطاعات.
في القطاع التربوي الفرنكفوني، حشدت فرنسا جهودها من أجل الحفاظ على شبكة المدارس الفرنكوفونية ودعم التعليم ذات الجودة. تم الإعلان عن مشاريع دعم تؤكّد على التزامنا في هذا المجال.
لا ننسى التعليم الجامعي. فيما نواصل دعمنا للجامعات في لبنان، نتمنّى استقبال عدداً أكبر من الطلاب اللبنانيين في فرنسا.
في القطاع الثقافي، تم إلغاء العديد من المناسبات هذه السنة. لكن يجب ألا تتم التضحية بالثقافة مهما ساء الوضع. علينا أن نبتكر وسائل جديدة من أجل دعمها وإحيائها.
على الصعيد الأمني، تمكّنت القوات المسلّحة وقوى الأمن الداخلي اللبنانية، التي أحيّي جهوزيتها الدّائمة في كلّ لحظة، من التكيّف بشكل ملحوظ مع كافة الأوضاع ومن الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها. أودّ إذاً أن أحيّي إلتزامها هذا.
إنّ دعمنا للقوى الأمنية اللبنانية دعم دائم لا سيّما في مجالات الحماية المدنيّة ومكافحة الإرهاب ودعم الدورات التدريبيّة. يهدف تعاوننا في مجال الدفاع إلى تعزيز قدرات الجيش اللبناني، الذي يشكّل عنصراً أساسياً لضمان إستقرار لبنان.
إسمحوا لي كذلك أن أحيّي الدّور الذي تقوم به قوات اليونيفيل، علماً أنّ فرنسا تساهم في مهامها من خلال كتيبتها التي تضمّ حوالى 700 عنصر، وهو دور أساسيّ لتهدئة التوتّرات التي تظهر في المنطقة المعنيّة من وقت لآخر. وهذا ما شهدناه هذه السنة. إنّ اليونيفيل تؤدّي دوراً حاسماً في الحفاظ على سلام هذه المنطقة وأمنها. ونحن سنبذل كلّ ما بوسعنا لنحافظ على ولايتها ولكي يتمّ الإبقاء على الإمكانيّات التي تخوّلها الاضطلاع بمهامها.
أخيراً، أودّ أن أتطرّق إلى أزمة فيروس كورونا، وهي أزمة لا سابق لها بالنسبة إلى الجميع كما أنّها أضعفت إقتصاد دُوَلنا وأنظمتنا الصحّيّة وزعزعت ما كنّا نعتبره يقيناً مؤكّداً. مع إنتشار الوباء، توقّف الإقتصاد العالمي توقّفاً شبه كامل وأعرف كم كانت الإنعكاسات مأساويّة بالنسبة إلى لبنان، فثمّة وظائف فُقِدت ومحالّ أغلقت أبوابها وأشخاص وجدوا أنفسهم في وضع هشّ للغاية. لا يسعني إلّا أن أشجّع الجهود التي تبذلها الحكومة اللبنانيّة لوضع شبكات أمان إجتماعيّة يستفيد منها الجميع. أعرف أنها تعمل على تحقيق ذلك غير أنّ الأزمات المختلفة التي شهدها لبنان هذا العام تؤكّد أنّ مساعدة الأشخاص الأكثر عوزاً تشكّل أولويّة ملحّة.
كما أنّني أودّ أن أحيّي إدارة الأزمة من قبل الحكومة اللبنانية والإلتزام الذي تميّزت به الفرق الطبّيّة من دون كلل أو ملل، سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص. لقد قام لبنان بخيار إنسانيّ، شأنه شأن فرنسا، إذ أعطى الأولويّة للصحّة على الإقتصاد عندما طلب من الشعب اللبناني البقاء في المنزل. إنّما هذا يعبّر عن حسّ بالمسؤولية لا غبار عليه، الأمر الذي أتاح الحدّ من تفشّي الوباء. أشكر بالطبع الرعايا الفرنسيّين الذين تصرّفوا بشكل مثاليّ في هذا الظرف الإستثنائي، كما أشكر فريق العمل في السفارة على إلتزامه الدائم.
لقد وقفت فرنسا إلى جانب لبنان منذ بداية الأزمة وقدّمت على نحو عاجل معدّات حماية للفِرق الطبّيّة وفِرق الدفاع المدني والقوات المسلحة اللبنانية. إنني أعتقد بكلّ صدق وأمانة أن هذا التعاون وهذا التضامن خير دليل على روابط الصداقة العميقة في ما بيننا.
أودّ أيضاً أن أؤكّد أنّه على الرغم من الصعوبات التي يعاني منها اليوم إقتصاد دُوَلِنا، إزداد دعمنا هذه السنة للمؤسسات الإنسانية والتنمويّة والمنظمات غير الحكوميّة والمنظمات المنبثقة من المجتمع المدني. نحن نعلم أنّ الإحتياجات ضخمة، سواء في مجال الأمن الغذائي أو الصحّة أو التربية، وهي ستبقى كذلك في المستقبل. إنّ هذا التضامن مع لبنان يشهد على إرادتنا في مساعدة الأشخاص الأكثر ضعفاً، أكانوا لبنانيين أم لاجئين، وهي مساعدة تساهم في تجنّب بروز توتّرات بين المجموعات المختلفة.
حضرات السيدات والسادة،
أودّ أن أختم كلامي برسالة أمل وثقة أوجّهها إلى الشعب اللبناني، هذا الشعب الذي ما انفكّ يسحرني طوال فترة إقامتي في لبنان بإبداعه وكرمه وحيويّته وقدرته على التأقلم. فهذه المرّة الثالثة التي أحظى فيها بشرف الإحتفال بالعيد الوطني الفرنسي في لبنان، وأودّ أن أقول لكم كَم سُررت، خلال هذه السنوات الثلاثة، بأن أخدم ليس فقط بلادي بل وبدرجة أكبر فكرة معيّنة عن الصداقة العميقة التي تجمع ما بين فرنسا ولبنان.
عاشت فرنسا! عاش لبنان! عاشت الصداقة الفرنسية-اللبنانية!