مقالات مختارة-مارلين خليفة:
مجلّة “الأمن العام”
يسجل لفرنسا تشخيصها الحالة اللبنانية المتعثرة قبل عامين من وقوع الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان راهنا، لذلك دفع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قدما نحو انعقاد مؤتمر “سيدر” لمنع الانزلاق نحو الهوة.
تطلب الامر عامين اثنين لانعقاد الاجتماع التنسيقي الاول لمؤتمر “سيدر” في السرايا الحكومية بعد انعقاده في باريس في العام 2018. خطوة باركتها فرنسا التي اعلنت البقاء على التزامها الكامل مؤتمر “سيدر” مع الدول المانحة. لكن هذا الالتزام لا يزال مشروطا بتحقيق الاصلاحات المنشودة، لان مؤتمر “سيدر” بحسب ما يعرفه السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه في حوار مع “الامن العام”، هو خطة ترتكز على تمويل مشاريع بنى تحتية في مقابل اصلاحات هيكلية.
اكتسب هذا المؤتمر على الرغم من التأخير الذي اعتراه بفعل الحوادث اللبنانية، اهمية اضافية بعد ادراجه ضمن الخطة الاقتصادية للحكومة اللبنانية. وهو يقع في خلفية تقييم الدول المانحة التي ترصد بدقة نتائج المفاوضات الحكومية اللبنانية مع صندوق النقد الدولي، والتي يصفها فوشيه بانها اساسية للخروج من الازمة الاقتصادية، لافتا الى عدم وجود خطة (باء) بديلة للبنان غير الاستعانة بصندوق النقد الدولي.
تنسق فرنسا مواقفها مع سفراء مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان، وهم في معظمهم من الدول المانحة في “سيدر”، وهي تشرح لهذه الدول نيات الحكومة اللبنانية مشجعة اياها على ابقاء التزام ما تعهدت به في نيسان 2018.
تواكب فرنسا بأسى التدهور الحاصل في لبنان، نظرا الى الروابط التاريخية والعاطفية العميقة التي تربط البلدين. ويشير السفير فوشيه في دردشة معه على هامش الحوار، الى التحضيرات للاحتفال بمئوية لبنان الكبير الذي شهد قصر الصنوبر ولادته في العام 1920.
لكن ذلك لا يمنع فرنسا من رؤية الصعوبات: تدهور الليرة، صعوبات تمويل ما يحتاجه لبنان من مواد اولية، وارتفاع التضخم… لذا يدعو السفير فوشيه الى العمل بالسرعة القصوى على الحلول وفق ما تقتضيه الظروف، مؤكدا أن الورش متعددة. اولاها تقدم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي ستؤدي الى اتخاذ قرارات مؤسساتية حول النظام النقدي وتضع قواعد تحويل الرساميل، في حين لا ينسى الفرنسيون التذكير باصلاح القطاع الكهربائي كاولوية للشفافية. لا تزال فرنسا ملتزمة مشاركتها بقوات “اليونيفيل”، وليس واردا لديها تغيير تفويض عمليات القبعات الزرق، مع اعتراف فوشيه بأن باب تحسين الاداء التنفيذي غير مغلق.
قام السفير فوشيه بزيارتين الى الجنوب، آخرها الى القيادة العسكرية للجيش اللبناني في قطاع جنوب الليطاني في صور. يعتبر ان هذه المنطقة استراتيجية، اذ تبلغ مساحتها 1061 كيلومترا مربعا.
في حديثه الى العسكريين عن الوضع الامني والعمليات المشتركة الحالية، اعاد التأكيد على تمسك فرنسا بلبنان وبجيشه، فهو مدماك اساسي في استقرار لبنان. كما اثنى على التعاون الجيد بين الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”.
في الناقورة، تطرق في لقائه مع قائد قوات “اليونيفيل” الجنرال ستيفانو ديل كول الى موضوع تجديد ولاية الخوذات الزرقاء في آب المقبل، حيث رأى السفير الفرنسي انها متكيفة مع الوضع في الميدان. في هذا الاطار، اكد فوشيه لـ”الامن العام” ان موقف فرنسا لن يتغير حول هذا الموضوع. للتذكير، تشارك فرنسا بنحو 700 جندي في اليونيفيل وقد لعبت دورا رئيسيا في صوغ القرار 1701 الصادر بعد حرب تموز 2006.
* ما هي الخطوات المتقدمة التي تحققت في اثناء الاجتماع التنسيقي الاول لمؤتمر سيدر الذي عقد في السرايا الحكومية في ايار الفائت، لناحية الاصلاحات التي بوشر تنفيذها واعادة هيكلة مشاريع برنامج الاستثمار الحكومي بحسب الاولويات وسواها؟
- نحن مقتنعون بأن مبادرة سيدر التي كرستها فرنسا هي اداة جيدة جدا من اجل اعادة اطلاق الاقتصاد اللبناني. لا يمكن ان يحقق مؤتمر سيدر كل شيء، لكنه قادر الى جانب صندوق النقد الدولي ان يعيد انطلاقة الاقتصاد اللبناني. مؤتمر سيدر هو خطة ترتكز على تمويل مشاريع بنى تحتية في مقابل اصلاحات هيكلية. ان تنظيم الاجتماع الاخير (في السرايا الحكومية) الذي كان منتظرا منذ اكثر من عام، تم النظر اليه بايجابية من مجموعة المانحين. قامت الحكومة بفرز اولي لمشاريع خطة الاستثمار التي انخفضت من 235 مشروعا الى 138. لقد عقدنا العزم على مواصلة اعادة الجدولة الزمنية بالتعاون مع الوزارات التقنية والمؤسسات العامة المعنية لاسيما مجلس الانماء والاعمار والمجلس الاعلى للخصخصة والشراكات بين القطاعين العام والخاص، من اجل ان تنجح الحكومة اللبنانية في استبيان وتعيين عدد محدود من المشاريع التي تشكل اولوية للعمل فيها، والتي يمكن ان يكون لها تأثير فعلي على حياة اللبنانيين. في خلال هذا الاجتماع، تعهدت الحكومة ايضا البدء سريعا بوضع اسس موقع انترنت متاح الدخول لجميع المواطنين، وهو سيكون معنيا بتغطية متابعة المشاريع والاصلاحات، نأمل في ان يكون متاحا للجمهور سريعا. كان المجتمع المدني شريكا ايضا في اجتماع 18 ايار، وهذه خطوة جيدة، فجميع اللبنانيين يجب ان يكونوا شركاء في هذا المسار ليكتسب المزيد من الصدقية.
* نظرا الى الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة، كيف تقيّم الدول المانحة في “سيدر” نيات وخطوات الحكومة اللبنانية، وكيف تساهم فرنسا في اقناع المانحين ببدء تطبيق ما اعلن في نيسان 2018؟
– سيدر هو اتفاقية ثقة بين لبنان والمجتمع الدولي. لكن في الوقت عينه، هناك توقعات منتظرة من لبنان تتمثل باصلاحات هيكلية ذات اهمية. ينبغي من وجهة نظرنا اصلاح قطاع الكهرباء، وهذا الامر يشكل اولوية للشفافية لان الخلل الوظيفي ادى الى كلفة باهظة على الدولة، ما يؤثر يوميا على حياة اللبنانيين. كذلك ثمة اصلاحات حوكمة متعددة ينبغي الاخذ بها من اجل تحسين شفافية الاسواق العامة واستقلالية القضاء. يشمل هذا البرنامج من الاصلاحات التي نعتبرها من ضمن تمنياتنا بشكل واسع، مطالب المتظاهرين في 17 تشرين الاول 2019.
* كيف تقيّم فرنسا المفاوضات اللبنانية مع صندوق النقد الدولي خصوصا وانها تؤيد هذه الخطوة؟
– نحن نعتبر انه تبعا للوضع الاقتصادي والمالي والنقدي اللبناني، فان الاستعانة بصندوق النقد الدولي هو السبيل الوحيد للبنان لكي يخرج من الازمة. الى جانب المساعدة المالية التي يمكن ان يجلبها، فهو قادر على منح المزيد من الصدقية، حيث سيكون ضامنا للتطبيق الفعلي والشفاف للاصلاحات. يسمح صندوق النقد الدولي ايضا بوصول لبنان الى اشكال اخرى من التمويل الدولي الثنائي او المتعدد الطرف. لا توجد خطة (باء) اليوم، فالمفاوضات الجارية حاليا تتقدم، وهي ستكون طويلة ومعقدة. من وجهة النظر هذه، من الجوهري ان يتحدث الجانب اللبناني بصوت واحد في خلال المفاوضات. يجب ان يعمل مصرف لبنان المركزي ووزارة المال بتنسيق تام بينهما. من المهم ان يتقدم لبنان بسرعة في هذا المسار.
* في مداخلته في الاجتماع الاول للمتابعة على المستوى المحلي، تحدث السفير بيير دوكين المكلف من الرئيس ايمانويل ماكرون متابعة تفاصيل “سيدر” عن التنسيق الوثيق مع البرلمان فقال ان القرارات الكبرى لسيدر اتخذتها السلطتان التنفيذية والتشريعية، ولفت الى ان الامر ينطبق على المشاريع، متمنيا اقرارها دفعة واحدة. هل اثرت هذا الموضوع مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري؟
– التقي الرئيس نبيه بري بصورة منتظمة، واخوض معه حوارات صريحة. في اللقاءات كلها اذكر دوما باهمية البرلمان في اقرار الاصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي في اطار سيدر، وادعوه الى مواكبة عمل الحكومة. لقد وقع رئيس الجمهورية مرسوما يدعو الى جلسة برلمانية عامة، واتمنى ان تكون قادرة على اقرار سلسلة تدابير منتظرة مثل قانون الاثراء غير المشروع واصلاح القضاء.
* هل رصدتم تقدما فعليا في ما يخص اصلاح قطاع الكهرباء في لبنان؟
– كما سبق واشرت، ان اصلاح قطاع الكهرباء هو اساسي. هنالك تدابير عدة يجب اخذها كاولوية من وجهة نظرنا: تعيين هيئة ناظمة مستقلة، اطلاق طلب تقديم عروض شفافة تتلاءم مع الروزنامة الدقيقة لبناء معامل الانتاج المستقبلية، وتجديد مجلس ادارة كهرباء لبنان.
* عمليات التنقيب والحفر التي قامت بها شركة توتال في البلوك رقم 4 اثارت نقاشات في لبنان، فما هو موقف فرنسا وخصوصا في شأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وهنا نقصد البلوك رقم 9؟
– نحن نتمنى ان يتم ايجاد حل للنزاع الحدودي البحري والبري من خلال المفاوضات. من المهم جدا ان يتم ايجاد حل لهذا الملف لانه يصب في مصلحة لبنان.
* منذ العام 2017 هنالك مطالبات اميركية بتقوية سلطات قوات حفظ السلام المنتشرة على الحدود بين لبنان واسرائيل، وسيصوت مجلس الامن في آب المقبل على التجديد لقوات اليونيفيل، هل يمكن ان تتبنى فرنسا قواعد اشتباك جديدة في جنوب لبنان؟ وهل تؤيد توسيع تفويض اليونيفيل الى جهة الحدود الشرقية مع سوريا؟
– موقفنا واضح. نحن نعتبر ان اليونيفيل تقوم بمهمتها بشكل تام تطبيقا للقرار 1701. بفضل الوساطة التي تقوم بها القوة الاممية، فان الجنوب اللبناني يعتبر اليوم من اكثر المناطق هدوءا في الشرق الاوسط. ليس واردا بالنسبة الى فرنسا تغيير تفويض العمليات بالرغم من ان خيارات التحسينات مطروحة دوما بغية تحسين تطبيق التدابير التنفيذية للقرار 1701. ان فرنسا حاضرة في اليونيفيل منذ تأسيسها في العام 1978، علما ان اليونيفيل تشكل مكان الاسهام الفرنسي الاول بعدد الجنود في عملية حفظ سلام. نحن نعمل ايضا بهدف تعزيز الدولة اللبنانية من خلال التعاون الثنائي على الصعد الامنية والاقتصادية والمؤسساتية.
* عمدت المانيا وقبلها المملكة المتحدة الى تصنيف حزب الله ككيان ارهابي بجناحيه السياسي والعسكري، ولا تزال الضغوط الاميركية مستمرة من اجل ان تتبنى فرنسا وكذلك الاتحاد الاوروبي هذا الموقف، كيف تنظرون الى هذا الامر؟
– تدركون تماما الموقف الفرنسي بالنسبة الى حزب الله، اذ نضع فارقا بين الجناحين السياسي والعسكري. بالنسبة الى الجناح الاخير – الذي نعتبره منظمة ارهابية – ليس لدينا اي اتصال، وثمة عدد من اعضائه قيد العقوبات. اما الجناح السياسي فهو جزء من المشهد السياسي اللبناني ولديه مؤيدون، ونحن نخوض معه حوارا منتظما كما مع جميع الاحزاب اللبنانية. ان متطلبات فرنسا من حزب الله معروفة. وفقا لقرارات مجلس الامن ذات الصلة، نحن نتوخى ان يرفض السلاح وان يتصرف كحزب يحترم كليا سيادة الدولة اللبنانية. نعتبر ايضا ان استقرار الدولة اللبنانية يستوجب ان يبقى الحزب في منأى عن التوترات في المنطقة. نتبادل الاراء بانتظام مع واشنطن بهذه المواضيع كلها، ونذكر السلطات الاميركية بضرورة الحفاظ على استقرار لبنان.