مقالات مختارة- مارلين خليفة:
في لحظة سياسية واقتصادية حرجة يعيشها لبنان، ووسط جائحة كورونا، تعتبر ايطاليا بأنها معنية بكل ما يحدث في بلد تربطها به اواصر تاريخية قديمة وصداقة وطيدة بين شعبها واللبنانيين، وتتوجها باستعدادها للاسهام بكل قواها بما يصب في مساعدة لبنان ودعمه
لم تحل جائحة كوفيد – 19 التي كانت ايطاليا من ابرز الدول الاوروبية التي تضررت منها وخصوصا في مناطقها الشمالية، دون ان يجري وزير خارجيتها لويجي دي مايو محادثة هاتفية بنظيره اللبناني ناصيف حتي، مؤكدا دعم بلاده المستمر للمؤسسات اللبنانية، ومساندتها للخطة الاقتصادية للبنان بما في ذلك طلب مساعدة من صندوق النقد الدولي. كذلك اعاد دي مايو تأكيد التزام ايطاليا استقرار لبنان وامنه من خلال مشاركتها الفاعلة في اليونيفيل والدعم المقدم للقوات المسلحة اللبنانية والقوى الامنية.
لا تقلل ايطاليا من حراجة اللحظة التي يعيشها لبنان، وتعتبر التحديات ضخمة. لكن التغيير بات حاجة ملحة من اجل اعادة انعاش الاقتصاد ونقله الى نموذج اكثر استدامة لمعالجة الازمة المالية ومنع تفاقمها، كما تقول السفيرة الايطالية في لبنان نيكوليتا بومباردييري لـ”الامن العام” في حوار هو الاول لها منذ تسلمها منصبها في شباط الماضي.
تسلمت السفيرة بومباردييري مهماتها الديبلوماسية في لبنان اتية من روما حيث كانت مستشارة للشؤون الديبلوماسية في وزارة الدفاع الايطالية منذ العام 2015، وسابقا مستشارة لرئيس مجلس الوزراء عام 2013. تنقلت في مهماتها الديبلوماسية بين افغانستان ولندن ومصر وفيينا وجنوب افريقيا.
* خفضت ايطاليا قيود الاغلاق على اراضيها بسبب كوفيد – 19 بدءا من 4 ايار الماضي، الام استند هذا القرار وكيف تطورت الامور في ضوئه؟
– استند قرار الحكومة الايطالية في استجابتها كوفيد – 19 الى اراء علمية وطبية ونصائح خبراء. تم فرض الاغلاق على المستوى المحلي في البداية، في البلديات الاشد تأثرا، ثم تم توسيعه ليشمل بقية انحاء البلد وذلك في 9 اذار المنصرم، بعد ان اظهرت الوقائع والبيانات انتشار الوباء ما جعل القرار ضروريا. بالطريقة عينها، سوف يتم خفض اجراءات الاغلاق تدريجا وعبر خطة منظمة ستأخذ في الاعتبار مخاطر انتقال العدوى في مختلف الانشطة الاقتصادية، واهمية هذه الانشطة للاقتصاد الوطني. كما ستعمد الخطة بشكل جوهري الى اتخاذ تدابير وقائية تطبق في اماكن العمل والشركات والنقل العام، على الافراد مراعاتها ايضا. تعزز هذه الخطة ايضا الموارد الطبية بغية تسهيل الكشف المبكر عن الاصابات. في المرحلة الاولى التي بدأت في 27 نيسان الفائت، عاودت مصانع رئيسية تتطلب حضورا بشريا عملها. وفي 4 ايار الفائت عاد اكثر من 4 ملايين شخص الى اعمالهم. يستمر استئناف العمل التدريجي لغاية حزيران الحالي، مع الابقاء على الاجراءات الوقائية التقليدية وهي: التباعد الاجتماعي، واستخدام الكمامات، واعادة تنظيم اماكن العمل والنقل العام لتجنب الزحمة، والاستخدام الكثيف لوسائط العمل عن بعد، وذلك لفترة ستطول بقدر ما تفرضه الضرورة. تشير الخلاصة الرئيسية الى انه سوف يترتب علينا العيش مع فيروس كورونا لفترة زمنية، وبالتالي علينا الابقاء على العمل وخفض المخاطر. اود التشديد على ان الانشطة الرئيسية لم تتوقف في اسوأ ايام الجائحة، وخير مثال حي على ذلك بناء جسر موراندي في جنوى الذي صممه رنزو بيانو وانجز في 28 نيسان الفائت من قبل اثنتين من افضل الشركات الايطالية: ساليني ايمبريجيلو وفينكانتييري. يعتبر هذا الجسر انجازا هندسيا وقد بني بسرعة قياسية (بدأ العمل به في حزيران 2019)، ويدل بشكل بارز على صمود ايطاليا وتصميمها في مواجهة الازمات.
* كيف تقيّم ايطاليا تفشي فيروس كورونا ونسبة الوفيات التي نتجت منه ولماذا تأذت بهذا الشكل القاسي؟ وكيف تم تفسير تركز هذا الوباء في الجزء الشمالي من البلاد؟
– تحظى ايطاليا بكثافة سكانية وتتمتع بشبكة قوية للاعمال والسفر والمواصلات من والى اوروبا وآسيا والعالم. تعتبر المنطقة الشمالية بشكل خاص قوة صناعية واقتصادها متكامل تماما مع الاسواق الاوروبية والعالمية. يزورها ملايين الاشخاص يوميا او يمرون عبرها في رحلات الترانزيت، وهذا ما يفسر ظهور الاصابات الاولى في هذه المنطقة تحديدا. كذلك فان معدل الحياة في ايطاليا هو من الاعلى على المستوى العالمي، ويفوق الـ80 عاما، وان وجود شريحة واسعة من الشعب المتقدم في العمر جعلت بعضهم اشد تعرضا للوباء وهذا قد يكون ايضا احد العوامل المؤثرة.
في كل الاحوال، لقد اصاب كوفيد – 19 العالم باكمله، وخصائص الجوائح هي عالمية ومحلية في آن واحد، لذا يصعب اجراء مقارنة بين بلدان مختلفة. حتى البيانات يمكن قراءتها بشكل مختلف، وفقا لكيفية جمعها وتصنيفها. على سبيل المثال، قد يكون في بلد ما عدد ضئيل من الحالات بالمطلق، لكن نسبة اعلى من السكان المصابين، لذا يبدو من الضروري مشاركة الخبرات والممارسات الفضلى الى جانب الارشادات الشاملة لمنظمة الصحة العالمية. ما من سوابق موثقة، لذا يترتب علينا العمل سويا لمواجهة هذا الوباء.
* كيف اثر فيروس كورونا على الاقتصاد والسياحة والحياة الثقافية في ايطاليا؟
– على غرار جميع البلدان التي اقرت تدابير الاغلاق، اختبرت ايطاليا انخفاضا موقتا للانشطة الاقتصادية في قطاعات مختلفة. وقد وفرت الحكومة الدعم للشركات والعائلات المتأثرة بالازمة من خلال رزمة شاملة من المساعدات. استمرت مصانع ومؤسسات بمزاولة النشاط متبعة نماذج عمل جديدة. بطريقة ما، سرعت حالة الطوارئ الابتكار والرقمنة والاتجاهات الرائجة الموجودة اصلا. وسيصار الى جدولة اعادة فتح المتاحف والمعالم الثقافية في احدى المراحل المقبلة، ويجري البت بالترتيبات الخاصة بقطاع السياحة لاسيما الحلول والاماكن التي توفر الامان والتباعد الاجتماعي. حتى الانشطة الجماعية ستبقى صعبة التنظيم لفترة معينة، لكن بالتأكيد من الممكن ايجاد صيغ جديدة للتمتع بارثنا الثقافي والتاريخي.
* لم تكن استجابة الاتحاد الاوروبي سريعة حاجات ايطاليا من المستلزمات الطبية، هل سيؤثر ذلك على موقع ايطاليا كعضو في الاتحاد الاوروبي؟
– لقد فاجأ كوفيد – 19 الجميع، وادى بغتة الى طلب هائل من المعدات الطبية ومستلزمات الحماية الشخصية في ايطاليا. تطلب الامر وقتا في ما يتعلق بتزود هذه المعدات وتوزيعها للانتقال من حالة الطوارئ الى مقاربة اكثر عقلانية في ايطاليا واوروبا والعالم. شكل الاقتصاد والصمود الاقتصادي تحديا آخر تطلب ايضا تحولا في النماذج والمفاهيم. في سياق هذه الشروط غير المسبوقة، استغرقت عملية تنظيم الاستجابة من الاتحاد الاوروبي وقتا. لا يجب ان ننسى ان الاتحاد الاوروبي ليس مزودا اي قدرات طبية مباشرة تتعلق بالخدمات الصحية، لكن يمكنه فقط تسهيل التنسيق بين الدول الاعضاء. تلقت ايطاليا النجدة من العديد من الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي التي ارسلت اليها معدات طبية وطواقم متخصصة. يمكن الاستفادة من دروس قيمة بعد حالة الطوارئ هذه. وكعضو مؤسس وكونها القوة الصناعية الثانية في المجموعة، ستستمر ايطاليا في لعب دور محوري في اتجاه الدفع نحو اتحاد اوروبي اكثر استدامة واكثر قدرة على الصمود واكثر جهوزية ودعما للمبادرات الصديقة للمناخ. وقد لعبت ايطاليا دورا مهما في تطوير الجهود الجماعية لمحاربة الجائحة، وهي تدعم ماليا الاستجابة العالمية لفيروس كورونا في اطار حملات رفع المناعة وانتاج اللقاحات.
* ماذا عن العلاقات الايطالية – الصينية، بعدما زودت الصين ايطاليا معدات طبية للحماية كهبة للشعب الايطالي وقد وجه اليها مسؤولون ايطاليون رسميون الشكر؟
– نشط التعاون بين ايطاليا والصين منذ بدء حالة الطوارئ. صدّرت الصين الى ايطاليا المعدات الطبية التي تحتاجها وارسلت طواقم لمساعدة النظام الصحي الايطالي، علما ان ايطاليا وقبل بروز الحاجة المحلية كانت قد ارسلت مستلزمات طبية الى الصين. في الواقع، تلقت ايطاليا تضامنا من الصين وبلدان عديدة اخرى في الاتحاد الاوروبي، كذلك من بلدان ليست منضوية في الاتحاد، ومن آسيا وسواها. نحن ممتنون لكل من ساعدوا في لحظة التحديات هذه، كما لدينا نحن كايطاليين تقليد عريق في مساعدة الاخرين. ان الشركات الايطالية بما فيها تلك ذات العلامات التجارية الشهيرة مثل فيراري وارماني، حولت انتاجها نحو معدات طبية ضرورية. في غضون 40 يوما، كانت ايطاليا قابلة لزيادة انتاجها ليصل الى 25 في المئة من الحاجة المحلية. نتمنى ان نصبح مكتفين ذاتيا بشكل كامل، ومستعدين ايضا لمساعدة الاخرين حين يحتاجون الى ذلك.
* ماذا عن دور ايطاليا ضمن قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، هل من جديد في ما يخص قوات حفظ السلام الايطالية؟
– بدأ حضور ايطاليا في جنوب لبنان عام 1978 مع تأسيس قوة اليونيفيل، وتطور في خلال عقود استجابة للتغيرات التي ادخلت على ولاية القوة الدولية ومهماتها. اليوم تعتبر الكتيبة الايطالية ثاني اكبر كتيبة ضمن قوات حفظ السلام، وهي تتولى ايضا قيادة القطاع الغربي. انها المرة الرابعة منذ العام 2006 التي يتولى فيها جنرال ايطالي قيادة قوات حفظ السلام الدولية في جنوب لبنان، هو الجنرال ستيفانو ديل كول. انه استثمار كبير لمواردنا العسكرية واسهام اساسي في احلال السلام والاستقرار في لبنان والمنطقة. تتعاون الكتيبة الايطالية يدا بيد مع الجيش اللبناني من الناحية العسكرية، لكن لديها تقليد قائم بالتعاون المدني – العسكري. جنود حفظ السلام الايطاليين يتفاعلون باستمرار مع السلطات المحلية والاهالي ويصغون الى حاجاتهم ويتمتعون بثقتهم ويوفرون الدعم في ميادين مختلفة، بما فيها حماية التراث الوطني والتنمية المستدامة. اخيرا وليس آخرا، واستجابة لحالة الطوارئ التي خلقها كوفيد -19، قدمت الكتيبة الايطالية هبة من المستلزمات الطبية الى المستشفيات الحكومية في بنت جبيل وتبنين.
* ماذا عن برامج التدريب القائمة بين ايطاليا والجيش اللبناني والامن العام اللبناني وقوى الامن الداخلي؟
– ان مهمة البعثة العسكرية الايطالية الثنائية في لبنان او MIBILهي مهمة وطنية مستقلة عن اليونيفيل، انشئت في العام 2015 وتهدف تحديدا الى توفير التدريب وبناء القدرات للعسكريين اللبنانيين والقوى الامنية. يعمل قائد هذه المهمة وفريقه مع شركائهم اللبنانيين من اجل تحديد الحاجات التدريبية وتطبيق خطة العمل المشتركة. ترتكز المهمة على التعاون الممتاز مع القوات المسلحة اللبنانية. وقد وسعت البعثة العسكرية الايطالية الثنائية برامجها التدريبية مزودة لبنان ارفع معايير التدريب وتقنياته. لكن للاسف، ان حال الطوارئ التي سببها كوفيد – 19 اوجبت استراحة، الا اننا نتطلع الى اعادة اطلاق مجموعة من الانشطة في اقرب وقت ممكن. وقد انجزت البعثة العسكرية الثنائية الايطالية وحدة تدريب متقدمة بالتعاون مع الجيش اللبناني حول برنامج المواد الكيميائية والبيولوجية والاشعاعية والنووية، وهو برنامج مهم في ما يتعلق بالخطر البيولوجي الذي يسببه كوفيد – 19.
* هل من متابعة تقوم بها ايطاليا لمؤتمر روما (2)؟
– وضع مؤتمر روما (2) الخطط الاولية من اجل تطوير وتوسيع مهمة البعثة العسكرية الايطالية الثنائية وكل الدعم للقطاع الامني اللبناني، وهو ما شكل اطارا للشركاء لتعزيز تقديم الهبات الثنائية في مجال التجهيزات والمساعدة التقنية وتنظيم برامج التدريب. تبقى التحديات التي تواجهها القوات المسلحة اللبنانية وكذلك القوى الامنية ضخمة. نحن نثمّن اداءها الايجابي في مرحلة معقدة، ونحن فخورون باننا اسهمنا بذلك سواء مباشرة عبر الدعم الثنائي، او بشكل غير مباشر عبر استضافة مؤتمر روما (2) الذي حشد المانحين.
* اجتمعت بوزير الصناعة اللبناني ضمن جولتك البروتوكولية الاولى وركزت على موضوع تنمية القطاعات الانتاجية للاقتصاد اللبناني والمشروع الاستراتيجي من اجل انشاء مناطق صناعية، هل من تفاصيل حول ذلك؟
– لقد كان فعلا اجتماعا مثمرا. تسنت لي الفرصة لكي اقدم للوزير (عماد) حب الله المشروع الذي بدأته ايطاليا في العام 2014 من اجل تطوير 3 مناطق صناعية. اعتبارا من اليوم، انجزنا المرحلة النهائية من دراسات الجدوى الضرورية والمخطط العام. نظرا الى فرادته واهميته الاستراتيجية، استقطب المشروع اهتمام ودعم المصرف الاوروبي للاستثمار EIB والبنك الاوروبي للاعمار والتنمية EBRD. اما الشركاء اللبنانيون، فهم وزارة الصناعة ومجلس الانماء والاعمار وجمعية الصناعيين اللبنانيين. اكد الوزير لنا ان تطوير المناطق الصناعية هو مكوّن اساسي في استراتيجيا الحكومة اللبنانية من اجل تقوية الانشطة الانتاجية ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. انطلاقا من التزام الحكومة اللبنانية، اتمنى ان نمضي قدما مع شركائنا الاساسيين لاطلاق المرحلة العملانية من المشروع.
- نشرت هذه المقابلة مع سفيرة إيطاليا في العدد 81 من مجلة الأمن العام لشهر حزيران 2020.