“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
طالعنا موقع “المدن” اليوم بتقرير عن “طبخة” جديدة لتنظيم المواقع الالكترونية في لبنان، لم يعرف بها أحد من المواقع الالكترونية سوى “شلّة” من الزملاء الذين يبدو أنهم تجمعوا في ما اسموه “تجمّع لأصحاب المواقع الالكترونية” لتنظيم القطاع، وهو بحسب التقرير ” سيكون لأصحاب المواقع الالكترونية الكبيرة”.
وتوصيف “الكبيرة” بحسب ما ورد، تعني أن يكون للموقع أقله 5 موظفين مسجلين في الضمان الاجتماعي ومكتب… وأن يكون مسجلا مؤسسة بطبيعة الحال. ويقول الزميل جورج غرة وهو مدير تحرير موقع “في دي أل نيوز”، في اقتباس منه أنه يجب أن يكون ” العاملين من مؤسسي الموقع الى اعلاميين ويحملون الشهادات في الاعلام او العلوم السياسية “كي لا تفرّخ مواقع غير مؤهلة، ولا تعتبر اي صفحة فايسبوك موقعا الكترونيا وكي لا تعد مجموعات الواتساب من ضمن المواقع”.
وتم تصنيف المواقع “كبيرة” ايضا بناء على حركتها وارقام مشاهديها، وجرى وضع تصور أولي لأن تكون المواقع العشرين في هذه اللائحة من المؤسسين في التجمع. ويقول التقرير :” علما أن لا توجه لاقفال العضوية وستكون متاحة دائمة بناء على الشروط التي سيتم وضعها والتفاصيل لا تزال في طور البحث بين الزملاء”.
وطرح تقرير “المدن” في ختامه أسئلة مخيفة منها: “في حال نجح التجمع وحاز على دعم، ستكون امامه تحديات كثيرة فهل ستكون له سلطة القرار في الترخيص للمواقع الجديدة؟ هل سيعمل على اغلاق المواقع غير المستوفية للشروط؟ وهل سيطاول الاقفال المواقع الفردية التي لا تمتلك تمويلا كبيرا وتتعاون مع المحررين بصفة فريلانس؟ وكيف سيراعي مفهوم حرية التداول الاعلامي التي اوجدتها التقنيات الحديثة؟ كيف سيتم التعاطي مع المدونات التي تنشر محتوى سياسيا او اخباريا؟ وهل يمكن اغلاق الصفحات الاخبارية في “فايسبوك” وبعضها ينشر “لايف” مستفيدا من التقنية؟”.
إن هذا المسار التنظيمي ليس سوى استمرارية لعقلية تقليدية تريد احكام قبضتها على المواقع الالكترونية وحصرها بمجموعة من المواقع الضئيلة التي يسهل التعامل معها، والتي هي بغالبيتها ذي قدرات مالية وترتبط بعلاقات وطيدة بالسلطات الموجودة على اختلافها.
هذا التجمع إن حصل سيكون استنساخا عن هيكل مترهل ولا فائدة منه لنقابة الصحافة اللبنانية، وسيجمع عددا من المحظيين في تجمع سيقرر مصير آلاف العاملين في هذا القطاع الذي وجد أصلا لمنح فضاء حرية غير محدود وقد لجم في لبنان مرة عبر نظام الامتيازات للصحف التي بقيت لمحظيين مقربين من السلطات، ولجم مرة ثانية بحصر التلفزيونات المحلية بمرجعيات سياسية وطائفية وكارتيلات مالية.
يقضي هذا التجمع ان حصل على روحية نشوء الاعلام الالكتروني الذي يحلق في فضاء غير مقيد وهو سييضع سياجات وهمية على أكثر من 700 موقع الكتروني مسجلين لغاية اليوم في المجلس الوطني للاعلام، الذي قام بهذه المبادرة مشكورا واحصى المواقع كلها الكبيرة والصغيرة من دون ان يفرض عليها شروطا قاتلة لروحية تأسيسها، وأسهم في تشكيل مشهد اعلامي جديد بعد انهيار منظومة الامتيازات السابقة التي استفاد منها اصحاب الصحف المحظية بعد ان عجزوا من مواكبة الصناعة الصحافية والالكترونية والرقمية الحديثة وجل همهم كان تكديس الثروات.
سيصنّف هذا الكيان المكوّن من شلّة من المواقع “الصديقة” بقية المواقع على طريقة “أبناء الست وأبناء الجارية”، وستكون له كلمة الفصل مع السلطات بحسب قراءة اولية لاسماء المواقع الضالعة فيه، وسيمنح الامتيازات للمواقع المموّلة، وسيخنق أية مواقع صغيرة ومستقلة تغرّد بأصوات حرّة، وسيمنع الكتاب والناشطين السياسيين الذين أسسوا مواقع صغيرة لكنها بنّاءة من نقد السياسات العامة ووضع الاصبع على مكامن الخلل، او مهاجمة “اركان السلطة” الذين سيصبحون مثل “امرأة القيصر التي لا ترقى اليها الشكوك”، وسيتم اعتبار هذه المواقع “دكاكين” صغرى، لأنها ليست من ضمن المواقع المحظية والمصطفة “على العمياني”.
سيسير هذا التجمع إن أتيحت له الفرصة عكس فلسفة المواقع التي لا تحتاج الى ترخيص، والممنوع التدخل في شؤونها التنظيمية الداخلية باستثناء ان يكون لها مدير تحرير مسؤول يخضع للمساءلة القانونية في حال انحرف الموقع عن اخلاقيات المهنة وتعرّض زورا لشخصية مسؤولة او عادية، وسيمعن هذا التجمع في توزيع الشهادات لمن هو صحافي يستحق ان يكون لديه موقعا ولمن ليس هو صحافي.
معيار القراءة وعدد القراء وعدد الموظفين والمكتب…هي معايير مادية،وكذلك الشهادة في الاعلام على اهميتها، انها معايير ستقيّد الكثير من الاقلام الحرة التي أسست لمشهد اعلامي جديد في الاعوام الخمسة الاخيرة، وستفتح الباب على مصراعيه لتحكم السلطات القائمة والمتحكمة أصلا بتسعين في المئة من الاعلام اللبناني وستعطيها امتياز احكام سيطرتها مجددا عبر كيان سيكون باب السلطات السياسية لتدجين الاقلام الحرة ومنعها من الكتابة مع مرور الوقت عبر ابتداع شروط ومعايير هي “كلام حق يراد به باطل”.
نقول للزملاء، الذين لن يكفّوا بطبيعة الحال عن مشروعهم لأنه كما هو واضح جزء من عملية “تدجين” الاعلام الالكتروني التي استهلتها “الافكار النيرة” لوزارة الاعلام لتكون الرقابة من أهل البيت وهم إن فتّشت قليلا أصدقاء السلطة التقليدية. إنها عملية تدجين ستقضي على أي صوت حرّ وستخنق اية حظوظ ببناء دولة عصرية وشفافة قوامها المحاسبة وهو دور الاعلام الرئيسي. إن نجح هذا الكيان الجديد سيكون مقدمة لقيام صوت واحد في لبنان عبر منابر متعددة هي في النهاية مضبوطة الايقاع، وهو يصب في مشاريع وافكار وزارة الاعلام والنقابات المتحالفة معها وفي طليعتها نقابتي الصحافة والمحررين.
عندها، لا ضير من قيام “تجمّع لأصحاب المواقع الصغيرة” ولمواقع المنظمات الاهلية ومراكز الدراسات والجامعات بالاضافة الى الصحافيين المتعددي الوسائط الذين يعملون بغالبيتهم في “الفريلانس” والنشر عبر المنصات الالكترونية المختلفة!