“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تعيش “الأمّة المارونية” أياما صعبة بسبب هجوم رئيس الحكومة حسان دياب متشجعا برئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتحالف “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” والنائب جميل السيد، وقد باتت إضافة إسم السيّد ضرورة لا مفرّ منها لأن جميع “أصدقاء” حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يذكرونه قبل عون ودياب وجبران باسيل بطبيعة الحال.
لم تكن الطائفة المارونية يوما “أمّة” لكنها تتحوّل أمّة عندما يتم المساس بأحد رموزها الثلاثة: رئاسة الجمهورية، قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان. نقل مرة عن الرئيس نبيه بري قوله “أنها السيبة التي تشكّل نفوذ الموارنة لكنهم لا يعرفون قيمتها”.
إلا أن البطريركية المارونية وهي الركن الرابع غير الزمني تعرف قيمة هذا المثلث في بلد يرتكز الى الطائفية. من هنا شهر البطريرك الراعي اليوم سيف الدفاع عن رياض سلامة بعد الخطاب الناري الذي اعلنه رئيس الحكومة حسان دياب قبل يومين مشككا بأداء سلامة وإثر جلسة مجلس وزراء طرح فيها رئيس الجمهورية احتمال اقالة سلامة متشاورا مع الوزراء بمن سيقبل ومن سيرفض، فتبين ان وزيري حركة المحرومين هما الوحيدين المستعدين للدفاع عن قائد النظام الرأسمالي الليبيرالي المصرفي (قد يضيف اليها اليساريون) الاوليغارشي المتوحش.
لا ينظر البطريرك الماروني بعيون الناس الدامعة على جنى عمرها في مصارف خذلت ثقتها، واحتجزت اموالها وهي محروقة لاستردادها، وهي تحمّل الحاكم مسؤولية معنوية لإدارته الملف المالي-النقدي منذ 30 عاما، ولعدم تمتعه بالشفافية الكاملة أقله مع الناس فبقي يطمئنهم حتى الخذلان والانهيار. عذر “سيدنا” معه، فهو بالأصل راهب ماروني، وفي الرهبنة ينذر المرء ثلاثة طاعات: الفقر، العفّة والطاعة، فلو ملك سيدنا المال الكثير في المصارف اللبنانية لربّما كان موقفه مغايرا واقرب الى الناس.
ينظر “سيدنا” بعين سياسية، محاذرا المس بالتركيبة الطائفية للبلد، عارض اليوم في عظة الاحد اقالة سلامة، سأل بالحرف: “من المستفيد من زعزعة حاكمية مصرف لبنان؟. سؤال وتعجّب. تشير أوساط عليمة تواكب مناخ البطريرك بأن الأخير تلقى أخيرا تقارير غير دقيقة من الوزير دميانوس قطار، العارف بأمور المال والنقد، والبطريرك منزعج جدا من هذا الموضوع، يزوره قطار باستمرار ولما زاره اخيرا كذلك وزير الداخيلة لم يسمع اجواء “تنقّز” لذلك تفاجأ بخطاب الرئيس دياب بل صدم، واعتبر أنه كان يتلقى تقارير “مخدّرة” ما جعله يغتاظ ويلقي العظة اليوم. يقول العالمون بجو بكركي ان سيدنا عكف في عظاته منذ اسابيع على تحذير المصارف من مغبة الاتيان على ودائع الناس، وله، اي البطريرك لوم على رئاسة الجمهورية والحكومة معا، فرياض سلامة يضعهم بكل الاجواء اسبوعيا وخصوصا مع الرئيس عون، فما الذي تبدّل حتى يصوّب عليه فجأة؟
تقول الاوساط المسيحية المارونية المذكورة، بأن تصويب الرئيس عون وبطبيعة الحال رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل هذه المرة على سلامة ليس من منطلق معركة رئاسة الجمهورية بل من منطلق الصراع الاقليمي الدائر بين ايران وحزب الله ،لأن حاكمية مصرف لبنان هي المعنية الاولى بهذا الصراع كونها تمسك الحقيبة النقدية المالية وهي رأس الحربة في العقوبات الاميركية، وتشير الاوساط الى ان “حزب الله” هو الذي فرض هذا الانقلاب المفاجئ ضد الحاكم بعد ان بلغ الغضب الشعبي اوجه ما يؤشر الى ثورة قد لا تحمد عقباها بحسب بالاوساط المسيحية المارونية المذكورة.
وتروي الاوساط العليمة بأجواء بكركي بأن “رياض” (اي الحاكم رياض سلامة)- ناقلة عن مصادر عليمة ايضا- كان يتفاجأ أنه في كل مرة يزور فيها القصر الرئاسي ويقدم وثيقة ما للرئيس او لأحد مستشاريه تنشر في اليوم التالي في صحيفة “الأخبار”!!! على ذمة الاوساط. تضيف: “بغض النظر عن سياسة الحاكم وهندساته المالية فإنه توجد أدبيات في التعاطي”. وتستبعد الاوساط الذهاب الى معركة مفتوحة مع حاكم مصرف لبنان، فقد نشطت في اليومين الاخيرين الاتصالات الدبلوماسية ووصلت رسائل شديدة الوضوح من سفراء غربيين وخليجيين تميزت احيانا بالفجاجة كما تقول الاوساط بأن رياض سلامة خط احمر، فتحرك سفراء اميركا والاتحاد الاوروبي وفرنسا والكويت وبلّغوا المعنيين بضرورة ايجاد حل معقول بحسب الاوساط المذكورة.
وتشير الاوساط لموقع “مصدر دبلوماسي” الى أن اقالة رياض سلامة غير ممكنة لا قانونيا ولا دستوريا، فهو غير مرتكب قانونيا، حتى لو توافرت ظروف الاقالة فتوجد حمايات له من الدول الغربية والخليجية وقد ابلغت رسائل واضحة في هذا الشأن. الى ذلك،” اعاد البطريرك الماروني اليوم خلط الأوراق ولا يمكن تخطي البطريرك في موضوع مماثل”. وتوجه الاوساط اللائمة الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون متذكرة بأن رأسه “كان في الدّق” منذ شهرين حيث طالب الثوار بإقالته وأن البطريرك الراعي كان واضحا برفض هذا الطرح جملة وتفصيلا وبالتالي من المستغرب ان يقف عون اليوم بعكس موقف البطريرك، وعلى الجميع ان يعرف أن “رياض مش متروك مسيحيا”. وأخيرا تتساءل الأوساط عن “أسباب بدء اية اصلاحات ببنك اهداف ماروني بدءا برئاسة الجمهورية ثم بقيادة الجيش ورئيس مجلس القضاء الاعلى واليوم حاكم مصرف لبنان، ألم يعد من اصلاحات ومحاسبات تبدأ إلا بالموارنة؟!”.