“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة-مقالات مختارة
تعمل منظمة الصحة العالمية في مكتبها في بيروت منذ 56 عاما، يوجهها مبدأ تحقيق الصحة للجميع. وهذا ما تقوم به تحديدا منذ كانون الاول الفائت في لبنان لمواجهة وباء كوفيد -19 المعروف بكورونا
يعتبر مكتب بيروت جزءا من ستة مكاتب لمنظمة الصحة العالمية تعمل تحت مظلة المكتب الاقليمي للمنظمة العالمية لشرق المتوسط ومقره القاهرة، ويقدم خدماته لـ21 دولة من ضمنها فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، ويبلغ عدد سكان هذا الاقليم 679 مليون نسمة.
منذ تفشي جائحة كوفيد -19 يواصل المكتب الاقليمي للمنظمة ورئيسه الدكتور احمد بن سالم رصد الوضع الذي يشهد تطورات سريعة، بغية الحد من خطر تفشي فيروس كورونا المستجد في الاقليم. في 11 اذار الفائت، اعلنت منظمة الصحة العالمية ان مرض كوفيد – 19تحول الى جائحة، وقد ابلغ 16 بلدا في الاقليم عن حالات اصابة مؤكدة مختبريا.
وضعت المنظمة ست خطط وطنية للتأهب، وشملت الاستجابة لمرض كوفيد -19 باكستان ولبنان وليبيا وسوريا ومصر والاردن. كذلك جرى تحديث خطط لاستمرار الاعمال في المكتب الاقليمي للمنظمة وفي بعض المكاتب القطرية. وتم نشر فرق تقنية متعددة الاختصاص من المنظمة وشركاء الشبكة العالمية للانذار بحصول الامراض المتفشية ومواجهتها، مع خبراء آخرين في كل من البحرين والكويت والعراق لدعم جهود الاستجابة الحالية، واختتمت البعثة عملها في ايران منتصف اذار الفائت.
على المستوى الاقليمي، تم تزويد معظم البلدان اعتدة اختبار التشخيص لتأكيد الاصابة، وتتوافر القدرة الوطنية على اختبار فيروس كوفيد -19 في 20 بلدا وتتعاون البلدان الاخرى مع شبكات احالة دولية لاجراء الاختبار.
يعتبر لبنان من البلدان التي تخطت مراحل الاصابة والاحتواء الى مرحلة التفشي، مع اعلان وزير الصحة العامة حمد حسن عن وجود عدد من الاصابات المجتمعية غير المعروفة المصدر في 19 اذار الفائت، طالبا عزل بعض المناطق اللبنانية. استمر التنسيق بشكل يومي ووثيق مع مكتب منظمة الصحة العالمية في بيروت، حيث يصل العاملون مع المسؤولين في المنظمة والوزارة معا الليل بالنهار، للحؤول دون تسارع عملية التفشي بشكل لا يمكن ضبطه.
في هذا السياق، شرحت ممثلة منظمة الصحة العالمية في بيروت الدكتورة ايمان الشنقيطي لـ”الامن العام” جوانب من عمل المنظمة.
عن المساعدات التي تقدمها المنظمة للبنان في هذه المرحلة، وخصوصا في اجهزة التنفس، قالت الدكتورة الشنقيطي ان وزارة الصحة العامة، بدعم من منظمة الصحة العالمية، “اتخذت تدابير عدة لتعزيز استعداد الدولة وقدرتها على الاستجابة قبل اكتشاف الحالة الاولى، وان انشطة الجهوز والاستجابة مستمرة وفقا للمعايير التقنية لمنظمة الصحة العالمية وتوجيهاتها”.
اضافت: “تتعاون الجهات المعنية للتنسيق مع وزارة الصحة العامة في جميع الاوقات والاستجابة لطلبات الدعم عند الحاجة تدعم منظمة الصحة العالمية الوزارة من خلال العديد من الانشطة: تدريب الكوادر الصحية، استحداث المعايير للاستجابة، تعميم معايير الوقاية والعناية الطبية للكوادر الصحية، التوعية الصحية، ابلاغ المخاطر، الفحص عند نقاط الدخول، تأمين الفحوص المخبرية، معالجة الحالات، وتتبع الحالات بين الاشخاص المقربين من المصابين بمرض فيروس كورونا. قامت منظمة الصحة العالمية بطلب معدات طبية، واجهزة ووسائل الحماية الشخصية للطواقم الطبية التي ننتظر حاليا تسلمها. تتعاون المنظمة محليا بشكل منتظم مع وزارة الصحة العامة ومع وحدة ادارة الكوارث في مكتب رئيس مجلس الوزراء ومع منظمات الامم المتحدة ونقابات المستشفيات والاطباء والممرضات والممرضين، واللجان الوطنية العلمية، والصليب الاحمر اللبناني، والجمعيات والمنظمات التي تعمل في القطاع الصحي”.
اللافت انه لدى سؤالنا عن النقص الذي ترصده منظمة الصحة العالمية في قدرات لبنان الطبية والوقائية، قالت: “قدرات النظام الصحي والطاقم الطبي في لبنان هي من الاكثر تطورا في المنطقة. لكن معالجة شخص يعاني من مضاعفات طبية نتيجة مرض فيروس كورونا تحتاج الى معدات طبية تنفسية موجودة بشكل محدود في معظم بلدان العالم وليس فقط في لبنان. منظمة الصحة العالمية كانت وسوف تستمر في دعم وزارة الصحة العامة وبالعمل معها ومع الشركاء في قطاع الصحة، من اجل تطوير وتفعيل النظام الصحي في لبنان”.
ماذا عن تعاون منظمة الصحة العالمية مع الجهات الامنية المعنية؟
اشارت الدكتورة الشنقيطي الى “اننا نتواصل بالتعاون مع منظمة اليونيسف مع الجهات الامنية المعنية في المطار وعلى الحدود لدعم الجهود في التقصي عن الحالات والالتزام بتوصيات المنظمة حول الوقاية من العدوى ومكافحتها. وكان قد سبق وباء الكورونا ان دربت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع وزارة الصحة العامة، فرق التدخل وادارة الكوارث HAZMAT وهي فرق مختلطة امنية، صحية، ولوجستية تهتم بالاستجابة ونقل الحالات المعرضة للمخاطر الكيميائية والبيولوجية والنووية بشكل آمن وسليم الى المراكز الصحية. على الصعيد الاقليمي، تعاون المكتب الاقليمي مع الفريق الاستشاري الاسلامي لانشاء رسائل دينية واستخدامها في الابلاغ عن المخاطر والحض على المشاركة المجتمعية في الاقليم. لكن لا يزال الابلاغ عن البيانات يمثل تحديا بالنسبة الى العديد من البلدان في الاقليم، ولم تقدم بلدان عدة استمارات التبليغ عن الحالات علما ان الاستمارات المقدمة مكتملة بصورة جزئية. اخيرا، ازداد عدد البلدان التي علّقت الدراسة في المدارس والجامعات في اطار التدابير الوقائية بهدف ابطاء انتشار الفيروس ومنها لبنان، وازداد ايضا عدد البلدان التي فرضت قيودا على السفر بصورة يومية، وتم تعزيز انشطة الترصد والتحري في نقاط الدخول وتطبيقها على المسافرين الذين سبق لهم السفر الى البلدان الموبوءة”.
اضافت: “جرى الغاء التجمعات الجماهيرية الكبرى والانشطة الاجتماعية في معظم بلدان الاقليم بما يشمل صلاة الجمعة في بعض البلدان، وقد خصصت معظم البلدان امكان الاتصال بخط ساخن للحصول على نصائح في شأن التدابير الواجب اتباعها في حال الاشتباه في الاصابة بالعدوى، ومعرفة الاجابات المهمة. بالنسبة الى لبنان، فقد اعلنت حكومته حالة طوارئ صحية وحالة التعبئة الصحية العامة في 14 اذار الفائت تبعا لارشادات المنظمة، فهو شارك مع الاردن وقطر في بحوث الاستقصاء المبكر، وبناء عليها تنفذ البروتوكولات وتستعين هذه الدول باداة Go Data للتمثيل البصري لسلاسل انتقال المرض. وتم تدريب عدد من الممرضات في لبنان على تقديم الدعم في مركز الاتصالات التابع لوزارة الصحة العامة، كما جرى تدريب 86 فردا من العاملين في الصليب الاحمر اللبناني والمنظمات المحلية غير الحكومية، والمسؤولين عن تلقي المكالمات عبر الخط الساخن على الفرز، وتقديم الدعم النفسي الاجتماعي للمتصلين بمركز الاتصالات ونقل الحالات المشتبه فيها”.
وقالت: “منذ انطلاقة الفيروس من الصين وانتشاره وتحوله الى جائحة عالمية، بحسب منظمة الصحة العالمية، تتركز الاسئلة حول المدى الزمني للوصول الى عقار لهذا الفيروس المستجد. وفق المعلومات التي توفرها منظمة الصحة العالمية لا توجد لغاية اليوم اية علاجات فعالة تمت الموافقة عليها من قبل المنظمة لفيروس كورونا المستجد ويعتمد العلاج على الاعراض السريرية. وتشير المعلومات الى انه توجد علاجات قيد الاستقصاء عبر تجارب من طريق الملاحظة، واخرى سريرية يخضع لها المرضى المصابون بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الاوسط التنفسية. سرت معلومات عن ان المنشآت الصحية في شرق المتوسط غير مجهزة لاستيعاب المصابين في حال اجتاح وباء فيروس كورونا المستجد الاقليم بشكل اوسع مما هو راهنا. تشير المعلومات التي توفرها منظمة الصحة العالمية الى ان تعريف الجائحة هو انها تفش وانتشار لعامل جديد مسبب للمرض ينتشر بسهولة من شخص الى آخر على مستوى العالم. لا يزال هناك الكثير لا تعلمه المنظمة عن هذا الفيروس، وهي تحرص على رصد تطور عملية التفشي وتعمل من قرب مع الدول الاعضاء. يجري حاليا شراء الامدادات الصحية وتجهيزها مسبقا في المركز الاقليمي للامدادات اللوجستية لمنظمة الصحة العالمية في دبي بهدف توزيعها وفق الاقتضاء، كما جرى تأمين التمويل اللازم لارسال العينات المختبرية الى ثلاثة مختبرات مرجعية عالمية لاختبارها”.
اضافت الدكتورة الشنقيطي: “على الرغم من الغموض الذي يلف هذا الوباء المستجد كوفيد -19، الا انه توجد ثوابت اقرتها منظمة الصحة العالمية، ابرزها ان الفيروس اصله حيواني المصدر ينتقل للانسان عند المخالطة اللصيقة لحيوانات المزرعة او الحيوانات البرية المصابة بالفيروس. كما ينتقل عند التعامل مع فضلات هذه الحيوانات. وعلى الرغم من ان المصدر الحيواني هو المصدر الرئيسي الاكثر ترجيحا للتفشي، الا انه وبحسب المنظمة، يجب اجراء المزيد من الاستقصاءات لتحديد المصدر الدقيق للفيروس وطريقة سريانه. تنص ارشادات منظمة الصحة العالمية للبلدان والافراد على احتمال انتشار المرض بسبب مخالطة الحيوانات او ملامسة الاغذية الملوثة او انتقاله من شخص الى آخر. وفق المعلومات المحدثة للمنظمة، يوجد على الاقل شكل من اشكال انتقال المرض بين البشر، لكن لا يتضح الى اي مدى. تعزز هذه المعلومات حالات العدوى بين العاملين في مجال الرعاية الصحية وبين افراد الاسرة، كما تتسق هذه المعلومات مع التجارب مع الامراض التنفسية الاخرى، لاسيما مع الفيروسات المتفشية الاخرى لفيروس كورونا”.
اضافت: “اوضح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس ادهانوم غبريسوس، انه طالب دول العالم بمزيد من الاجراءات اخيرا، وقال ان الطريقة المثلى لتفادي الاصابات وانقاذ الارواح هي كسر سلسلة انتقال العدوى من خلال الفحص والعزل. من الثوابت حول هذا الفيروس انه قد يسبب اعراضا خفيفة تشبه الانفلونزا، كذلك قد يسبب مرضا وخيما. وبينما قد يظهر مرض خفيف في البداية، قد يتطور الى مرض اكثر وخامة، ويبدو ان الاشخاص الذين يعانون من حالات مرضية مزمنة قائمة هم اكثر عرضة للاصابة بمرض اشد وخامة، كما يبدو ان المسنين اكثر استعدادا للاصابة بمرض وخيم. اخيرا، تم تشكيل فريق دعم ادارة الاحداث المعني بفيروس كورونا المستجد في المكتب الاقليمي للمنظمة في القاهرة، بهدف تنسيق الدعم التقني وتحديد القدرات الوطنية واستعراض الاستفسارات التقنية الواردة من الدول الاعضاء والاجابة عنها، والقيام بالوظائف الاخرى المهمة. كما يواصل المكتب الاقليمي للمنظمة رصد الوضع الذي يشهد تطورات سريعة للحد من خطر وفود فيروس كورونا المستجد الى الاقليم، والعمل مع البلدان عن كثب لضمان تحديد الحالات المحتملة وفحصها والاستجابة لها سريعا”.
كادر
ما الفارق بين الوباء والجائحة؟
رفعت منظمة الصحة العالمية في 11 اذار الفائت مرتبة تفشي كوفيد -19 من درجة وباء الى درجة جائحة. واشار المتخصصون بالامراض الجرثومية المعدية الى ان الوباء يؤدي الى ظهور حالات لامراض معدية في دولة او في مجموعة دول صغيرة متجاورة وينتشر بطريقة سريعة بين الناس. اما الجائحة، فهي ظهور حالات لامراض معدية في اكثر دول العالم باسره ويصعب السيطرة عليها، ما يهدد صحة الناس، ويتطلب اجراء تدابير طبية سريعة وخطط عاجلة لانقاذ الناس. يطلق المصطلحان على الامراض المعدية فحسب.
من جهته، اوضح مدير منظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس ادناهوم غبريسوس في حوار على موقع المنظمة، ان وصف جائحة لا يغير تقييم منظمة الصحة العالمية للتهديد الذي يشكله الفيروس. واعتبر انه لا يغير ما تقوم به منظمة الصحة العالمية، ولا يغير ما يجب على الدول فعله.
واقر رئيس منظمة الصحة العالمية بأن انتشار كوفيد -19 هو اول جائحة تنجم عن فيروس تاجي، اي مجموعة كبيرة ومتنوعة من الفيروسات التي تسبب امراضا تتراوح من نزلات البرد الى امراض اكثر فتكا.
ودعا العالم الى عدم التركيز على كلمة جائحة، بل التركيز بدلا من ذلك على خمس كلمات او عبارات اخرى، هي: الوقاية والتأهب والصحة العامة والقيادة السياسية والناس.
كما جددت منظمة الصحة العالمية دعوتها البلدان الى فحص مواطنيها واختبارهم ومعالجتهم وعزلهم وتعقبهم وحشدهم، لضمان ان تتمكن تلك الدول التي تعاني من عدد قليل من الحالات، من منع الانتشار على نطاق اوسع في جميع انحاء المجتمع.
*نشر هذا التقرير في مجلة الامن العام في عددها الـ79 الصادر في نيسان 2020