“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
أفرد الوزير والسفير السعودي السابق الدكتور عبد العزيز خوجه في سيرته الشخصية التي ضمها بين دفتي كتاب “التجربة- تفاعلات الثقافة والسياسة والإعلام” صفحات تفوق الخمسين عن تجربته الدبلوماسية في لبنان، وهي الصفحات الاوسع قياسا بتجاربه الدبلوماسية في بلدان اكبر من لبنان بالمساحة واقوى من حيث النفوذ السياسي مثل تركيا وموسكو والمغرب. لكنّه لبنان، البلد العزيز على قلب كل عربي وكل سعودي وخصوصا من جيل عبد العزيز خوجه الذي خدم في ربوعه بين عامي 2004 و2009 وهي فترة شهدت تغيرات دراماتيكية منذ اغتبال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وانشاء المحكمة الدولية بإيعاز من خوجه الذي استوحى الفكرة –لسخرية القدر- من أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله الذي بادر الى اقتراح محكمة عربية تحولت مع خوجه الى محكمة دولية اثارت غيظ نصر الله الذي كان خوجه يجتمع به دوريا قبل انقطاع العلاقة بينهما اثر محاولات اغتيال عدة تعرض لها السفير السعودي في لبنان والذي يبدو انه يتهم فيها “حزب الله”.
تحتوي هذه السيرة الشخصية المدوّنة بلغة عربية انسيابية سهلة مسيرة علمية وسياسية ودبلوماسية مديدة، وتجمع تشكيلة فريدة من الموضوعات التاريخية والحوارات السياسية الخاصة من كواليس الملوك والرؤساء وكواليس تجارب ومواقف في العمل الدبلوماسي تصيب القارئ بالذهول، ما يجعل الكتابة عنها في تقرير صحافي مهمة شاقة من حيث اختيار القصص الاجمل والاهم وكلها جميلة ومهمة تكشف المستور عن حوادث جمة شهدها خوجه الذي حظي بمحبة ملوك بلاده فوثقوا به وكانوا مظلة لانجازاته ولافكاره.
لا تقل التجربة الانسانية ومرحلة الطفولة والشباب في المملكة روعة من حيث السرد الذي اعتمده خوجه لحياته العائلية. ويتطرق خوجة في فصول عدة الى تجربته الاولى كمساعد لوزير الثقافة والاعلام في يفاعه ثم كوزير اصيل عام 2009 بعد انتهاء مهامه في لبنان الى افكار رؤيوية تبنتها المملكة العربية السعودية حول تفعيل مشاركتها في منصات وسائل التواصل الاجتماعي وتنظيمها لها بما يحفظ وجهها كمنارة للاسلام وضمن رسوخ الدولة والوحدة الوطنية، وفي سياق مبادئ حق المعرفة والحوار.
تجربة حياتية فريدة ومتشعبة يقدمها خوجه، في “التجربة” وهي من منشورات “جداول” تجمع “تجارب” ثرية من الحقل الاكاديمي الى انخراط خوجه في السلك الدبلوماسي لاكثر من عقدين وتجربته الوزارية مع تأجيل الكتابة عن موهبته الشعرية الى “سيرة شعرية” وعد بها القراء لاحقا. هنا لوحات منها أعدّها موقع “مصدر دبلوماسي”:
محطات من الطفولة في مكة والطائف والدراسة في القاهرة والرياض
افتتح خوجه اول سفارة للمملكة العربية السعودية في الاتحاد السوفياتي عام 1992، وسرعان ما انقلب الجنرالات على الرئيس ميخائيل غورباتشيف وأقيل لصالح الرئيس الجديد بوريس يلتسين، هنالك تلقى خبر وفاة والده الحنون “والطيب ذي الاطلاع الواسع والصلة الكبيرة برواد الادب والشعر” محيي الدين خوجه.
” لا أدري كم مرّ من الوقت وأنا لا أزال أحمل سماعة الهاتف في يدي، بعد ان رحل الصوت عنها”، انضم والده الى ابنته فتحية التي ماتت بالحمّى واخيه حسن ثم عدنان ثم والدته القوية التي أثرت فيه كثيرا. ولد عبد العزيز الذي أسمي تيمنا بإسم مؤسس المملكة الملك عبد العزيز آل سعود في مدينة مكة في 16 حزيران يونيو عام 1942 م. ” ولادتي جاءت في عزّ الحرب العالمية الثانية”.
اعتادت العائلة الاصطياف في مدينة الطائف، وارتاد عبد العزيز مدرسة الخالدية الابتدائية بإدارة نخبة من العلماء والمربين وكان من دوما من ضمن الخمسة الاوائل. كان في السادسة من عمره عام 1948 حين اندلعت حرب فلسطين وكان في الرابعة عشرة عندما وقع العدوان الثلاثي في مصر عام 1956 اثر قيام جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس. امضى طفولته بالمكتبات ودور الثقافة، وافراح مكة التي تميزت “بتكافل اجتماعي واضح، فالغني محبوب والفقير مكفول، لأن القوي والضعيف يحظيان بدعم الجميع يشاركونه أفراحه وأتراحه (…)”. كانت “الحياة الثقافية زاخرة في مكة حيث صدرت أولى صحف البلاد “صوت الحجاز”، ثم “البلاد” وحيث انشئت إذاعة السعودية الاولى في جبل هندي، وحيث تطور الفن المكي الذي يعود الى آلاف السنين من الموسيقى الى الفن التشكيلي والتجويد.
من مكة تخرج عبد العزيز من الثانوية ليلتحق بقرار من والده في جامعة في القاهرة لكي يتخصص بالكيمياء والجيولوجيا. لكنه رسب في السنة الاولى في القاهرة بسبب اندماجه في نشاط القاهرة الثقافي:” الذي لا يتصل بتخصصي، فمن مسرحية الى محاضرة أدبية الى مؤتمر ثقافي الى السينما وحفلات الغناء الى جلسة في كازينو النيل الى مكتبات عامة وخاصة، وقد تبخر وقتي فأهملت دروسي”.
بعد عام في القاهرة قرر العودة الى الرياض للتفرغ تماما للدراسة، حيث تخرج في الكيمياء وعمل استاذا في كلية التربية. في تلك الحقبة اقترن بزوجته فايزة حيث سافرا سويا الى لندن لاكمتال دراسته في الكيمياء وهناك وقعت ايضا نكسة 1967 التي هزمت فيها جيوش مصر وسورية والاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية. أنهى الماجستير بتفوق وقبل في مرحلة الدكتوراه في رعاية بروفسور يدعى باركر واوجد خوجه مشروعا مهما حول معالجة العقم عند المرأة ونسب المشروع لاساتذته بطلب منهم!
عاد الى السعودية عام 1970 حيث عين استاذا في كلية التربية في مكة، ثم عميدا لها حيث تعرض لحملة تنكيل من اساتذة يتبعون للاخوان المسلمين ” يبثون فكرا لا يتناسب مع منهج المملكة المعتدل”. عين عام 1976 وكيلا لوزارة الاعلام للشؤون الاعلامية وكان الوزير الدكتور محمد عبه اليماني، وارتبط بصداقة قوية مع ولي العهد وقتها الأمير فهد بن عبد العزيز الذي صار لاحقا ملكا. بقي في الوزارة ثماني سنوات، أدار خلالها الاعلام، وكان في لندن في رحلة عمل حين جاءه الناشران هشام ومحمد علي حافظ وعرضا عليه فكرة اصدار صحيفة “الشرق الأوسط” كصحيفة عربية دولية على غرار هيرالد تريبيون. “تحمست للفكرة وقلت لهما إن ولي العهد الأمير فهد قادم الى لندن بعد ايام، جهزا لي عددا تجريبيا نعرضه عليه، وهذا ما جرى بالفعل، اذ اجتمع بنا الفهد في مطار لندن، وسألني عن رأيي فقلت انها فكرة عبقرية ستخدم سياسة المملكة وقوتها الناعمة. فقال الفهد:” إذن على بركة الله، هاتف الرياض وابلغهم موافقتي”. وهذه قصة بسيطة من قصص كثيرة – ما زالت آثارها الايجابية ممتدة الى اليوم- تكشف ايمان الملك فهد بدور الاعلام وتأثيره، ومن الواجب التأكيد على ريادة الناشرين التي سبقت عصرها”. بعد انتهاء مهام الوزير الدكتور محمد عبده اليماني عام 1983 في الوزارة اثر تولي الفريق علي الشاعر وزارة الاعلام قادما من سفارة لبنان، عاد خوجه الى التعليم.
محطات دبلوماسية في تركيا وموسكو والمغرب
فجأة ذات مساء تلقى عبد العزيز خوجه اتصالا عام 1985 من وزارة الخارجية وتبلغ خبر تعيينه سفيرا للسعودية في تركيا بتوجيه من الملك فهد ووزير الخارجية سعود الفيصل. كتب عن عالم الدبلوماسية فقرة تلخص ببلاغة عمل السفير نوردها كاملة جاء فيها:” في عالمي الجديد، تعلمّت تبادل الرسائل غير المباشرة، وأن كل كلمة يقولها السفير محسوبة عليه، ويفهم منها أنها معبّرة عن بلده وتحمل رسالة من المسؤولين في بلده سواء صدرت في لقاء رسمي أم خاص، في مناسبة عامّة أم اجتماعية. فالسفير يجب أن يكون حريصا، حرصا شديدا، على كلّ ما يبدر عنه أو منه. فقد تكون في جلسة مع مسؤول أو سفير لأي بلد، وتعلّق برأيك الشخصي في أمر عام، فيفهم أنك تريد ايصال رسالة معينة، ويسارع هذا المسؤول او ذاك السفير الى رفعها في تقرير الى قياداته ،وبذلك قد تضع نفسك وبلدك في موقف حرج. لذلك على السفير ان يستوعب ويتشرب ويتبنى مواقف بلده من كل الأمور، الصغيرة والكبيرة، ولا يكون له موقف شخصي يخالفها، حتى لو لم تتطابق تماما مع رأيه الخاص. كلام السفير ليس شعرا مرسلا ولا معادلات كيميائية ولا نظريات علمية او فكرية، لكنّه رؤية بلد ومواقفه”.
يضيف:” المخزون الثقافي للسفير يخدمه ويعينه بلا شك، ويعطيه الثقة بالنفس في التعامل مع طبقات المجتمع والشخصيات التي يلتقيها ويتعامل معها. (…). تعرض طاقم السفارة في تركيا لمحاولات اغتيال واودت بأحد الدبلوماسيين وذلك بسبب الحرب العراقية الايرانية. من ابرز ميزات خوجه انشاءه مدارس اينما حلّ سفيرا، في تركيا انشأ مدرسة عربية تدرس الجنسين من المرحلة الابتدائية الى الثانوية، وفق المناهج السعودية وكانت مفتوحة للعرب ولمن يرغب من الاتراك في تعلم العربية وعلوم الدين مساء.
شكلت تركيا محطة انطلاق خوجه في العمل الدبلوماسي، ومنها انتقل الى موسكو سفيرا عام 1991 ، وهنالك أسس مدرسة متطورة ضمت الطلاب الروس المسلمين او الراغبين بتعلم العربية وابناء الجاليات العربية. شهد خوجه انهيار الاتحاد السوفاتي وانفصال روسيا الاتحادية. من الاخبار الطريفة التي يوردها، أنه في يوم، وقع خلاف بين الرئيس يلتسين واعضاء مجلس الدوما الذين اعتصموا في البرلمان وطالبهم يلتسين بالخروج منه وإلا…اتصل الملك فهد بخوجه وسأله عما سيحصل، فأشار خوجه الى ان يلتسين سيعمد الى ضرب الانقلابيين بمدافع الدبابات واخراجهم بالقوة بعد نصف ساعة!
يقول خوجه:” استغرب الملك تحديدي الموعد بهذه الدقة واقفل الخط، وجاءت زوجتي وسألتني عمن كنت اكلم فقلت الملك. فقالت كيف تقول للملك ان يلتسين سيضرب بعد نصف ساعة، وماذا اذا استسلموا او اعطاهم مهلة اخرى؟ هل أنت جالس في مجلس القيادة لتتكلم بهذه الثقة؟ قلت لها: صدقت! وشعرت بمغص. فماذا إذا لم يحدث ما توقعته؟ كيف سأبدو أمام ملك بلادي؟ شعرت بقلق. فقالت: قم توضأ وصل بنا، ويحلّها الحلال. توضأت وصليت الفجر مع اسرتي الصغيرة جماعة، ثم جلست بعد الصلاة ادعو بعفوية: يا رب يلتسين يضرب البرلمان، يا رب يضرب! مرّ الوقت بطيئا، والدقائق ثقيلة، ولكن لم تمر نصف ساعة إلا وسمعنا صدى المدافع في سماء موسكو وكنا قريبين من مبنى البرلمان، فصحت: الله اكبر الله اكبر.” يضيف خوجة:” بدأت زوجتي تضحك بصوت عال، وأنا اضحك معها من موقفي الغريب، وقد انتابني شعور بالإطمئنان. وبعد دقيقة رنّ الهاتف واتصل الملك مرة اخرى، وهو يقول: فعلا ضرب،! شعرت بالفخر لقيامي بواجبي كسفير في توصيف الحال بدقة شديدة في البلد الذي أمثل فيه بلادي. وبدأت أتكلّم بإسهاب في شرح وتفسير ما وراء الحدث، وما اتوقع أن تنتهي اليه الامور. وكان الملك مرتاحا تماما لمعلوماتي وتحليلاتي، بعد أن صحّ توقعي بالضرب”.
في نهاية عام 1995، أبلغه الامير سعود الفيصل خوجه بتعيينه سفيرا في المغرب، وفي هذا الفصل يقدّم خوجه معلومات جمة عن الثقافة المغربية والنسيج الاجتماعي للشعب المغربي الذي يتكون من الأمازيغية والعربية. هناك أنشأ المدرسة السعودية في الرباط وكانت مفتوحة للجميع، وتابع قضايا زواج مواطنين سعوديين في المغرب دون الحصول على موافقات رسمية تاركين زوجاتهم بلا معيل، فأسهم في حل الكثير من المشاكل الانسانية والاجتماعية. كان في المغرب حين وقعت حوادث 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، ” وقد تعرضت المملكة بعدها الى حملة شعواء في الغرب، بسبب مشاركة 15 سعوديا في هذه الجريمة الارهابية البشعة”. يقول خوجه:” (…) :” ما يلفت الانتباه في تلك المرحلة ان الارهاب استهدف الداخل السعودي بشدة، كما حرص تنظيم القاعدة ومن يرعاه على تصدير السعوديين في عملياته الارهابية اكثر من غيرهم، والسبب في ذلك ان المملكة شوكة في حلق الارهاب بحكم انها المرجعية للاسلام الصحيح المعتدل وبالتالي لن تقوم للارهاب قائمة ما دامت المملكة تصون الدين من غلواء المتطرفين (…).
عاد خوجه الى سفارة المغرب بعد انتهاء مهامه في لبنان، هناك امضى الملك سلمان اجازته السنوية مرتين، ومعه ولي العهد محمد بن سلمان. في ولايته الثانية شهد خوجه تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الدبلوماسية، وكانت له تجربة في حل التوتر في الاجواء بين السعودية والمغرب على خلفية الملف المغربي لاستضافة مونديال 2026 التي “أراد البعض لاسباب سياسية صرفة تحميل المملكة مسؤولية ذهاب البطولة من المغرب الى اميركا وكندا والمكسيك، وهذا غير صحيح البتة، لكن الامور في السوشال ميديا، خرجت عن السيطرة بسبب السموم التي بثتها خلايا “الاخوان” الالكترونية بفوجدت انه من واجبي اصدار بيان يضع الامور في نصابها الصحيح”.
لبنان…الذي قاله عنه الملك فيصل:” لو لم يكن لبنان لكان علينا ايجاد بلد مثله
خصص خوجه للبنان 54 صفحة. يصف لبنان كالآتي: (…):” بلد جميل، فكلّ ما في العالم من جمال تركّز في لبنان بمساحته الصغيرة، 10 آلاف كيلومتر مربع، بجباله وسهله وبحره. تصدر منه انواع الروايات والدواوين الشعرية والدراسات والترجمات والمطبوعات الصحافية والقنوات التلفزيونية في مختلف التخصصات والشؤون، بعضها يردّ على بعض، بكلّ حرية وانفتاح وديموقراطية. قال الملك فيصل بن عبد العزيز:” لو لم يكن لبنان لكان علينا ايجاد بلد كلبنان”.
السياسة التي اعتمدها خوجه في لبنان بين 2004 و2009 كانت تتم “بناء على توجيهات الملك عبد الله بن عبد العزيز ثم يكون التنسيق مع الأميرين سعود الفيصل وبندر بن سلطان (أمين مجلس الأمن الوطني)، بالإضافة الى الأمير مقرن بن عبد العزيز (رئيس الاستخبارات). تترابط الرواية في التجربة اللبنانية بالعلاقة السعودية السورية، التي شهدت تدهورا في زمن حكم الرئيس بشار الأسد على عكس الحقبة التي كانت مع والده الراحل حافظ الأسد الذي تمكن بحسب خوجه من ايجاد توازن بين علاقاته العربية والصداقة مع ايران، وهذا ما فشل به الاسد الابن. في لبنان ارتبط خوجه بعلاقة ممتازة مع امين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله الذي كان يزوره خوجه مرارا، وهو تمكن من تحديد مواعيد لقيادات في الحزب في السعودية منها لنائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم.
عرف خوجه مرحلة حكم الرئيس رفيق الحريري قبل اغتياله بعامين تقريبا، ويسرد فصولا من علاقات الاخير بسوريا وبشار الأسد والرئيس اللبناني اميل لحود و”حزب الله”. يقول خوجه:” علاقاتي (في لبنان) لم تقتصر على جهة واحدة، فقد كان لبنان صديقا لي، ولذا انفتحت على جميع الجهات. كانت علاقتي تتسم بالدفء مع السيد نصر الله، وشعرت في البداية انه صاحب كاريزما وله شخصية جذابة وعنده اطلاع واسع على مجريات الامور ويحمل روح الدعابة، كانت لقاءاتي به متكررة وتستمر لفترات طويلة”.
وصف رئيس المجلس النيابي نبيه بري كالآتي: نبيه، شخصية ذكية وعاقلة ودبلوماسية بارعة. وهو سياسي مخضرم يحاول ان يكون متوازنا في علاقاته مع الجميع، يقود البرلمان بحرفية ومهنية عالية، وله تأـثيره ونفوذه السياسي الجمّ. اما تحالفه مع سوريا فقد كان واضحا للعيان، لكنه ايضا صاحب نظرية ان التقارب السعودي السوري هو المدخل الوحيد لاستقرار المنطقة، وكان يسمي نظريته “سين سين” اي السعودية سورية، وقد سعى لأن تكون علاقته قوية مع الدولتين وان يفوز برضاهما وعمل على التقريب بينهما لمصلحة لبنان”. تطرق خوجه الى التمديد لرئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود بطلب من الرئيس بشار الاسد ما جعل منسوب التوتر يزيد بين الحريري ولحود والأسد ووردت هذه الفقرة:” خلال فترة توليه رئاسة الحكومة مرة ثانية (2000-2004) زادت الضغوط من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فتعهّد بخصخصة المؤسسات العامة غير المربحة، وتخفيض البيروقراطية، لكنه لم يتمكن من تحقيق وعوده بعد تزايد خلافه مع سورية ومع رئيس الجمهورية اميل لحود ما دفعه الى الاعتذار عن تأليف الحكومة الأولى بعد التمديد”. حذرت السعودية الحريري من مخطط لاغتياله ولم يستجب لنصائحها بمغادرة لبنان باجازة طويلة قائلا” الوطن ليس فندقا” وبقي معارضا في البرلمان. يقول خوجه عنه:” كان ملوكنا يثقون به ثقة كاملة”. اغتيل الحريري في 14 شباط ” وكان ذلك النهار زلزالا غيّر مجرى الاحداث السياسية كلها” بحسب تعبير خوجه.
في الفصل عن لبنان، وقائع من حرب تموز ودور المملكة في اعادة اعمار لبنان ووقائع من انتخابات 2009 النيابية التي توقع فيها خوجه فوز فريق 14 آذار. وفي الفصل رأي قاس ببشار الأسد الذي كتب عنه خوجه الآتي:” بشار الأسد لم يمتلك ذكاء وحصافة والده حافظ الأسد، لذلك اختار السير ضد المملكة العربية السعودية. ومع الدعم الإيراني المتنامي لسورية عسكريا وامنيا واقتصاديا لم يعد بشار حاكمها الفعلي بل اصبح قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الايراني، هو الحاكم الفعلي للبلد الذي يحكمه رسميا حزب البعث العريب الاشتراكي والذي تقوم مبادئه على القومية العربية المتطرفة. وعندما شاهد الملك عبد الله، بعد اشهر من قيام الثورة السلمية في سورية الجوامع والمدارس والبيوت والمستشفيات تقصف بالطائرات والدبابات والناس في ضنك شديد، أدرك ان المشروع الايراني اخذ منحى خطرا لا يمكن السكوت عنه، وان بشار لا يملك القرار في سورية، وادى ذلك الى ان تصبح سورية دولة مفتوحة لايران ودول اخرى، وبناء عليه تغير الموقف السعودي تماما واصبح مضادا للنظام السوري”.
رأي قاس آخر بـ”حزب الله”:” رغم ان “حزب الله “يمارس المقاومة ويمثل في المعارضة والصراع الاقليمي رقما صعبا، إلا انه عجز عن بلورة خطاب سياسي وايديولوجي خاص به بسبب وقوفه اسيرا في خندق الرؤية الايرانية ومصالحها التي لا تراعي الخصوصية اللبنانية والعربية. كما ان تبعية الحزب ومرجعيته الدينية لإيران جعلته يعيش على آلية ولاية الفقيه كما اعلنها رسميا وبكل وضوح سنة 2007″. في الفصل عن لبنان رواية خوجه لحوادث 7 ايار ولتاريخ الامام موسى الصدر والطائفة الشيعية ولحرب تموز التي تكبد خلالها لبنان بحسب خوجه خسارة بلغت 15 مليار دولار ومساهمة المملكة باعمار الضاحية الجنوبية ليبروت عبر صندوق التنمية السعودي ” حيث عمّرت المملكة كثيرا من قرى الجنوب المهدمة، رغم محاولة اعلام 8 آذار التعتيم على هذه المعلومات بصورة او بأخرى لكنها بقيت مشهودة ومعروفة”.
بعد بيان المملكة الشهير إبان حرب تموز عن “التفرقة بين المقاومة الشرعية وبين المغامرات غير المحسوبة التي تقوم بها عناصر داخل الدولة ومن وراءها” صعبت مهمة خوجة في لبنان ففزار السيد نصر الله، وبحسب روايته دار الحوار الآتي:” كان نصر الله غاضبا بعد البيان حين قال لي:” قد نكون اخطأنا لكن النصيحة في العلن فضيحة”.
وكان ردي عليه:” ان الصراحة هي الأساس الأفضل والأسلم لأي علاقة بين طرفين، وهكذا إحتويته”. ويقول خوجه انه من اصعب اللحظات التي مرت عليه سفيرا للمملكة في لبنان ” حين ورود معلومات عن اعتزام “حزب الله” بعد حرب تموز 2006 اسقاط الحكومة واحتلال السرايا بتوجيه من ايران. حسبما يقول. فتحدث الى الرئيس نبيه بري وابلغه بصورة حاسمة “ان احتلال السرايا خط احمر وانني مستعد للوقوف شخصيا امام باب السرايا ليكون اقتحامها على جثتي. اجابني قائلا: روق روق وذلك بلهجة الطمأنة”. أخبر خوجه الملك عبد الله والأمير سعود بما فعل فأيداه في موقفه، واتصل الملك عبد الله بالرئيس فؤاد السنويرة وطمأنه وابدى له تأييده الكامل. في الفصل عن لبنان، معلومات عن اغتيال منها للشهيد جبران تويني، ورواية عن كيفية اختيار خوجه لمبنيين للسفارة السعودية في لبنان في بلس وآخر لسكن السفير في اليرزة، ومحاولات اغتيال تعرض لها في لبنان واتفاق الرياض الذي ابصر النور في الدوحة بايعاز من السعودية، وعلاقات خوجه والمملكة مع البطريرك الماروني الراحل نصر الله صفير، ومع قائد القوات اللبنانية سمير جعجع،ومع وليد جنبلاط، وجان عبيد، ورئيس الجمهورية ميشال سليمان، والمفتي محمد رشيد قباني وانتهى بهذه الروية مع بشار الأسد اثناء زيارة الملك عبد الله لدمشق ثم توجه الملك والرئيس الأسد الى بيروت في الطائرة الملكية، وقبل جلوس بشار الاسد في مقعده قال لي:” متى تركت بيروت؟ قلت ببراءة: منذ عام ونصف. فأجابني بعد ضحكة عالية:” انتهت صلاحيتك يا عبد العزيز. اكتفيت بالإبتسام. مرّت الأشهر وقامت الثورة السورية ليخسر بشار لبنان وسورية نفسها. وأنا أتابع أخبار الرئيس الوسري تخيلت اتصالي به للقول:” انتهت صلاحيتك يا بشار”.
أول سفير سعودي يستخدم “تويتر” و”فايسبوك” كمنصتين للسياسة
في الفصل الاخير من “التجربة” يروي خوجه عودته الى وزارة الثقافة في السعودية كوزير للثقافة والاعلام، وذلك في سنة 2009، وتنظيمه للاعلام الالكتروني، وهو استجاب لاقتراح الصحافي السعودي احمد عدنان بأن يطلق صفحات تفاعلية في مواقع التواصل الاجتماعي فكان أول سياسي سعودي يؤسس حسابا في موقع فايسبوك كما في موقع “تويتر” ” وقد وجدت هذه الخطوة أصداء ممتازة محليا ودوليا من خلال إشادة القيادة وإشادة ضيوف المملكة من المسؤولين والاعلاميين إذ كنت اول وزير يقوم بهذه الخطوة”.
الملك سلمان وولي العهد الأمير محمّد
في سيرته الشخصية تطرق خوجه الى صفات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي عمل معه سفيرا في المغرب ووزيرا للاعلام. وصفه كالآتي: ” يمتاز الملك سلمان بأنه إداري حازم ومحنّك، يؤمن بأن أقصر الطرق بين نقطتين هو الخط المستقيم، والإنجاز هو أهم معاييره الادارية. لذلك لا يحب السياسات المراوغة، ولا الشخصيات المراوغة او الضعيفة. وأهم صفة في سلمان بن عبد العزيز أنه انسان وأمير ووزير وملك، أنه اذا قال لك إن هذا الأمر سيحدث فتأكد أن حدوثه مسألة وقت حتما وقطعا، وإذا قال لك إن هذا الأمر لن يحدث فتأكد بأنه لن يحدث ابدا. وهنا أؤكد أنه كان يحيطني دائما بالرعاية والنصح والتوجيه في كل مراحل مسيرتي المهنية”. (…).
ومما كتبه عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان:” لقد عملت مع الأمير محمد بن سلمان حين كان وزير دولة وعضو مجلس الوزراء في عهد الملك عبد الله، ثم عملت معه وليا لولي العهد ثم وليا للعهد. الأمير محمد رجل عملي جدّا، لديه ملكات القيادة، وأخذ الكثير من صفات والده العظيم، ويحسب له أنه وهب نفسه وكل جهده وكل وقته للدولة وللعمل العام، لقد تشرفت بالسفر مع سموه غير مرة، ولاحظت في غير رحلة أن الوفد المرافق –لولي العهد الأمير (الملك) سلمان- كان يتنزه في اوقات الفراغ والراحة، بينما كان الأمير محمد يستكمل عمل الدولة دون كلل أو ملل. أنصح كل من يعتقد بأن العمل العام تشريف لا تكليف، بأن لا يعمل مع محمد بن سلمان. وأنصح كل من لا يعمل 25 ساعة كل 24 ساعة بأن لا يعمل مع محمد بن سلمان”.