“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
انتقل رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع من منطق حربي يتبنى فيه خطبة طارق بن زياد التي قال فيها يوما: “العدوّ أمامكم والبحر وراءكم” الى خطاب أكثر ميلا للعقلانية يشير فيه الى أن تحقيق أهداف ثورة 17 تشرين الاصلاحية سيؤدي حتما الى إعادة سلاح “حزب الله” الى حضن شرعية الدولة. ولفت جعجع الى أن السلاح هو أحد المشاكل، لكن توجد أيضا “خنفشارية في الطبقة السياسية الحاكمة والإثنان خطر مزدوج”.
لم تشف تلك الأجوبة غليل قسم لا بأس به من الصحافيين العاملين في مواقع الكترونية في لبنان طالب بعضهم (لا سيما المحسوبين على أحزاب معينة) جعجع في جلسة في معراب اليوم الإثنين بموقف أقوى إزاء الحزب الذي حملوه وزر ما آل اليه الوضع، وكانت مفاجأتهم بأن جعجع صوّب لهم بمنطق المحلل معبرا من أن لبنان “نزل الى قعر القعر” بسبب الإدارة السيئة للبلد وحالة الانكار التي لا يزال يعيشها المسؤولون.
لا، لم ينقل جعجع “البارودة” من كتف “القوات” الى كتف “حزب الله”، بل قرأ بعمق الأزمة الاقليمية المتفجرة والمشرّعة على مفاجآت ستظهرها أكثر من ساحة من إدلب الى العراق وصولا الى اليمن، لذا حاول” لبننة” الحلول قدر الامكان لكنّه وجّه في الوقت عينه انتقادات قاسية للحزب أبرزها تعاطيه الايديولوجي مع مسائل تتعلق بحتمية الانقاذ المالي وسط الانهيار الشامل الذي يرزح فيه لبنان.
خصّ جعجع المقاربة الايديولوجية التي قدّمها نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم مبررا رفض الحزب الاستعانة بصندوق النقد الدولي، فقال جعجع:” لا يمكن اعتماد مقاربة ايديولوجية تعتبر صندوق النقد الدولي شيطانا رجيما، هذا غير مقبول هلا قال لنا الشيخ نعيم كيف يمكنه ان يوفر لنا 8 مليارات دولار أميركي لا تكون شيطانا رجيما؟”.
ودعا جعجع الى مقاربة أشد علمية معتبرا بأن الأولوية المحتومة اليوم تتعلق بكيفية انتشال لبنان من القعر الموجود فيه اقتصاديا ومعيشيا وإيجاد سبل للحلول لا التلهي بالمشاكسات الجانبية بين الأحزاب المسيحية في ما بينها أو مع “حزب الله” على سلاح اعتبر جعجع أن مواجهته “بالمباشر” بين 2005 و2009 كانت ستؤدي بالبلد الى “حرب أهلية”.
جعجع نفسه لا يبدو مقتنعا بوصفة الاعتماد على صندوق النقد الدولي، وسجّل في اللقاء أنه وّجه رسالة تحوي فسحة أمل ولو ضئيل، إذا قال:” إن الوضع في لبنان غير ميؤوس منه، لكن طالما بقيت هذه الجماعة من المسؤولين من 8 آذار في الحكم فلا يمكن للأمور أن تتحسن وذلك بسبب طريقة طرحها للمسائل”، وأشار:” لكن إذا “شدّينا حالنا” يمكن أن نطلع من الأزمة”.
حاول جعجع طرح بدائل جدية لاستعادة جزء من الأموال اللبنانية المهدورة طيلة أعوام من فشل السلطات المتعاقبة، بدائل ذي خلفيات تحاكي خطه السياسي بطبيعة الحال، وهي في عمقها تطال “مصالح” لحزب الله”.
طرح جعجع معالجة المعابر غير الشرعية حيث يخسر لبنان 200 مليون دولار سنويا بسبب 15 معبرا من القاع الى وادي خالد، وصوّب:” أحكي عن معابر التهريب وليس المعابر العسكرية وتلك يأتي وقتها”.
كذلك طرح حلا في الجمارك:” الفساد الموجود في الجمارك هو 3 زائد واحد، يجب تغيير هؤلاء وهذا يحتاج لقرار سياسي”.
كذلك طرح جعجع “حلا بلديا” يتعلق بتعيين الهيئات الناظمة لقطاعي الاتصالات والكهرباء وتعيين مجلس ادارة جديد لكهرباء لبنان. وكشف جعجع عن وجود شركات عالمية “كحشتها” وزارة الطاقة اللبنانية مستعدة للمساعدة في توليد الطاقة الكهربائية ومنها شركات صينية رفضت الوزراة التعاون معها لأن “هواء لبنان يتلوث إذا لم تأت الكهرباء من البواخر التركية” كما قال بسخرية.
وطرح جعجع حلا بأن تجمع الدولة اللبنانية أصولها وابرزها الاتصالات و”الميدل إيست” والمرفأ بشركة وطنية مساهمة واحدة سيادية وتلزمها كقطاعات لشركات دولية مشهود لها بكفاءتها وبإدارة قطاعات مماثلة فتزيد قيمة كل قطاع مرّات ومرات لأنه في مجال الأعمال فإن قيمة كل قطاع تتأتى من قيمة انتاجيته. وبالتالي تطرح أسهم هذه الشركة في بورصة بيروت أو لندن ويمكن للدولة اللبنانية أن تستدين على عملها ضمن اتفاقيات معينة”. كذلك طرح حلا عمليا يقضي بأن تلغي الحكومة الحالية عقود 5300 موظف أحصت لجنة المال والموازنة انهم موظفين وهميين لا يعملون في الادارة لكنهم يتقاضون رواتب تصل الى 60 مليون دولار سنويا”.
لم يفرط جعجع في جرعة التفاؤل في امكانية تنفيذ الحكومة لكل ذلك، لكنه آثر المهادنة معها رافضا الهجوم العام والشامل قائلا بأن التقييم والمعارضة سيكونان بحسب الخطوات المتخذة والنتائج العملية. إلا أنه لفت الى أنه لو تم تشكيل حكومة سياسية على نحو معين كان لبنان سيحصل على مساعدات مباشرة بنفس القيمة التي سيقدمها صندوق النقد الدولي. وذهب جعجع بعيدا في طرحه كعادته حين يكون متحمسا لفكرة ما:” هل تريدون أسرع طريقة للحل حاليا؟ وأنا كنت عملته لو كنت مكان الرئيس عون؟ كان يجب تشكيل حكومة تضم كل أصناف الأمبرياليين والتخلي عن الأفكار المسبقة وذلك لترتاح الناس ويأتون الى مساعدتنا، وتكون سياسية محايدة، يجب إرضاء الناس الذين تحتاج لمساعدتهم من الخليج الى اوروبا…المهم القيام بمهمة انقاذ الشعب…كان هذا الحل الذي سأعتمده لو كنت مكان الرئيس وطبعا هذا غير وارد”.
فكّر “الحكيم” بوصفات عملية للحلول وهذا ما يندر لدى السياسيين في لبنان، لكنّه غفل عن أمرين أساسيين أظهراه محيّدا ومبرّئا للأوليغارشية المالية ولسلطة المصارف وتجاوزاتها في حق اللبنانيين. سأله موقع “مصدر دبلوماسي” عن خطّة “القوات اللبنانية” لإعادة تنظيم القطاع المصرفي بشكل يتلاءم مع المعايير الدولية ويمنع احتكار ادارة اموال الناس بطرق غير شفافة، فأشار باقتضاب يطرح تساؤلات عدة:” تقع الأزمة على المستوى السياسي، عندما تنتظم الأمور سياسيا لا أحد يمكنه أن يثير مشاكل، إن “بيت القصيد” يتمثل بالسلطة السياسية “إذا ظبطت يظبط كل شيء”. طيّب…وماذا عن استعادة الأموال المنهوبة؟
يجيب الحكيم باقتضاب يثير ايضا تساؤلات: “هذا موضوع علاجه طويل الأمد”.
انتهى ونقطة على السطر. هكذا بكلّ بساطة، يقارب الدكتور جعجع مسألة احتكار المصارف لأموال اللبنانيين بوضع اللائمة على الطبقة السياسية مستبعدا –وليس وحده بطبيعة الحال- رجال المال وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف وكل من يمسكون بخناق اللبنانيين ولا يوجّهون سهامهم إلا ضدّ مجهول!
ننتقل الى “سيدر” جواب سريع ولكنّه يحمل مؤشرا عميقا جدا وذي دلالات لجعجع الذي له اجتماعات يومية مع السلك الدبلوماسي الغربي، باقتضاب يقول:” في هذه الأوضاع الراهنة، إن “سيدر” مؤجل حتى اشعار آخر”.
أفكار عديدة طرحها جعجع تستحق التوقف عندها مليا نوجزها كالآتي:
-انتفاضة 17 تشرين مستمرة وجذوتها لن تنطفئ وهي ستهب مجددا عند أي خطأ او عامل مفجر.
-التغيير يجب ان يكون في المنظومة الحاكمة وهي أبعد من 8 و14 آذار,
-كان يجب ان تتكون الحكومة الحالية من اخصائيين مستقلين والسؤال الذي يجب أن يطرح: من هو مع تغيير النهج القائم برمّـته؟ وليس من هو مع 8 أو مع 14 آذار؟
-“الكرنفال” الذي نظم من أجل الغاز والنفط لا يؤثر في حياة الناس حاضرا وهذه الوعود لا يجب ان تكون على هذا النحو، وأموال هذه الثروة المستقبلية ممنوع المس بها ويجب وضعها في صندوق سيادي، وإذا وقع عجز في ميزانية الدولة اللبنانية يمكنها بعد 10 اعوام ان تصرف 5 في المئة من اموال هذا الصندوق.
-إن المكان الأهم حيث الوضع “ملقوط” يتمثل بحركة 17 تشرين حيث يجب التركيز على المطالب الاقتصادية والمعيشية التي ستحقق كل ما نريد من اهداف تباعا ودون اشكالات مع احد لا حزب الله ولا سواه.
-الخلاف الموجود اليوم هو على كيفية علاج مسألة سلاح حزب الله لكن المسألة الاقتصادية صعبة لدرجة كبرى تحتم ايلاءها الاولوية، ونرفض استخدام أي عنف في مقاربة حل سلاح “حزب الله”
-لبنان دولة غنية وليست فقيرة، لدينا ثروات ويجب ان نعرف كيف نستثمرها وخصوصا في العنصر البشري.
-يمكن احداث فارق بتدابير بسيطة، والوقت الذي نعطيه للحكومة ليس ماديا بل سنقارب اداءها بحسب النتاجج العملية.
– منذ بدء الانتفاضة كان قرار القوات اللبنانية واضحا: الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي خط أحمر.
-في موضوع الكورونا يجب ان يتخذ وزير الصحة قرارا بمنع السفر من والى ايران إلا للبنانيين العائدين من ايران فيعودون برحلات خاصة ومنظمة وينقلون مباشرة الى الحجر الفعلي وليس التلقائي لمدة 15 يوما على ان يبقى هذا التدبير لشهرين مثلا ثم يعود الامر الى طبيعته.
-في موضوع خبر مفبرك أشاعه الاسبوع الماضي “بلوغ” للكاتب الفرنسي ريشار لابيفيير عن تردي صحة جعجع ومرضه بالسرطان، تطرق الدكتور جعجع الى الموضوع بكثير من النقد ووجه نقدا لاذعا مباشرا الى تلفزيون “الجديد” الذي نقل الخبر دون العودة للمعنيين، ناصحا الصحافيين والاعلاميين توخي الدقة، والتدقيق بالأخبار والرجوع الى المصدر المعني وعدم تجهيل رأيه قبل نشر أي خبر مماثل. وقال جعجع: هذا الرجل أي لابيفيار ليس صحافيا بل شخص تحوم حوله شبهات ومرتبط بالمخابرات السورية منذ زمن طويل جدا، لديه بلوغ مسجل في سويسرا يبرر فيه كل تجاوزات بشار الأسد حتى اعتماده السلاح الكيميائي، شغله منحاز ومغلوط، وهو جزء من حلقة من بينها المدعو فؤاد ناصيف الذي حاول الاتيان بسجلي الصحي المزعوم من احدى مستشفيات سويسرا الى جانب اشخاص آخرين، ونحن نستعين بمكتب محاماة دولي لرفع دعوى ضد كل هذه الشائعات التي طاولتنا.