“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
لم تتمكن السلطات اليابانية لغاية كتابة هذه السطور من التأكد من كيفية هروب الرئيس التنفيذي السابق لشركتي نيسان ورينو كارلوس غصن من مقر اقامته الجبرية في طوكيو، حيث أفرجت عنه المحكمة لقاء كفالة تقارب الـ13 مليون دولار أميركي للمكوث في انتظار جلسات المحاكمة وإحداها في نيسان المقبل. لا يزال الذهول والتساؤلات ماثلين على وجوه كثر من المسؤولين اليابانيين ومنهم من بدأ يكيل الإتهامات يمنة ويسرة للبنان كمحافظ طوكيو السابق الذي يقول أن السفارة اللبنانية في طوكيو أسهمت في مساعدة غصن على الفرار، وهذا ما ألمح اليه ايضا مقال صحيفة “الفايننشال تايمز” امس، ما استدعى نفيا في التقرير ذاته لمدير الشؤون السياسية والقنصلية في وزارة الخارجية والمغتربين السفير غدي الخوري الذي نفى اية علاقة للبنان بملف خروج غصن ومؤكدا في الوقت ذاته أن الأخير وصل الى لبنان بجواز سفر فرنسي وبطاقة هويته اللبنانية.
منذ الإثنين الفائت يقبع تحت منزل غصن في “شارع لبنان” في الأشرفية عشرات الصحافيين منتظرين اطلالة له، في حين استبعدت أوساط متابعة لموقعنا أن يكون متواجدا فيه. وتم الإعلان أمس عن مؤتمر صحافي سوف يعقده غصن يوم الأربعاء المقبل في 8 الجاري، لكن أوساطا متابعة للملف شككت في حديثها الى موقع “مصدر دبلوماسي” أن يكون غصن هو من سيعقد المؤتمر الصحافي، متوقعة أن يعقده محاموه وأبرزهم المحامي كارلوس أبو جودة الذي تعذّر أخذ رأيه بهذا الأمر لعدم أجابته على سؤال موقعنا.
اليابانيون في لبنان بحثا عن إجابات
تقاطر الى لبنان في اليومين الأخيرين عشرات الصحافيين اليابانيين ومراسلي الصحف ووكالات الأنباء اليابانية حيث راحوا يقومون بأبحاث حول القضية التي تشغل الرأي العام الياباني والعالمي على حدّ سواء. والتقى موقع “مصدر دبلوماسي” مدير مكتب صحيفة “تشونيتشي طوكيو شيمبون”، تيببي أوكودا الذي تحدث عن التداعيات التي تركها فرار غصن وهو لا يزال قيد المحاكمة.
” ليس من معلومات مؤكدة بعد حول كيفية هروب غصن فيما كان تحت الحراسة المشددة” يقول أوكودا.
يبدو من خلال الحوار مع أوكودا وهو صحافي مخضرم بأن التكهنات فحسب هي التي تحكم المقاربة اليابانية الحالية في انتظار نتائج التحقيقات الجارية، والعودة الى كاميرات المراقبة وكذلك اعادة سماع تفاصيل الاتصالات الأخيرة لغصن وهي مسجلة برمتها لدى السلطات المختصة. تعتبر السلطات اليابانية بحسب أوكودا بأن غصن ” اقترف خطأ جسيما، فقد منحته المحكمة في طوكيو حق الخروج من السجن والبقاء في منزله، لكن وقع فشل في مراقبة أعماله وهو فشل كبير”.
تركيا تعتقل طيارين
على هذا المنوال من الترقب والتحقيقات والبحوث بين اليابان ولبنان تتطور الأمور، ويبدو بأنها متجهة الى التأزم على أكثر من جبهة. فقد نقلت وكالة” رويترز” اليوم الخميس بأن السلطات التركية القت القبض صباح اليوم على 7 أشخاص بينهم 4 طيّارين على خلفية “الترانزيت” الذي قام به غصن عبر تركيا في طريقه الى لبنان.
لكن بالرغم من ذلك، فإن فصول القصة وحبكتها تبقى في اليابان وليس في تركيا ولا لبنان، ولغاية الآن لم تقدّم السلطات اليابانية رواية كاملة حول كيفية اجتياز غصن لحرس الحدود في المطار، وكيف غادر مقره في مستوعب شحن للآلات الموسيقية (وهذه الرواية هي لمحطات التلفزة اللبنانية وليست يابانية المنشأ)، لينتقل بعدها من مقره الى مطار في أوساكا التي تبعد مئات الأمتار من طوكيو، وهذا ما يخلّف علامات استفهام كبرى سواء لدى السلطات اليابانية أو لدى الشعب الياباني الذي يطالب سلطاته الأمنية خصوصا بتقديم إجابات شافية له.
لا يتقبل اليابانيون فرضية تواطؤ من يابانيين مولجين بحماية غصن، يقول أوكودا:” لا أعتقد ذلك، ليس اليابانيون من يقومون بخطط تآمرية، ليس هذا الامر من شيمنا، فنحن لدينا الكثير من الكبرياء والإعتزاز ما لا يسمح لنا القيام بأمور مماثلة، نحن شعب مخلص”.
اختيار توقيت الهروب يوم رأس السنة
إلا أن اختيار غصن للتوقيت والهروب على قبل يوم من احتفالات رأس السنة كان موفقا بحسب قراءات عدة. في هذا التوقيت بالذات يسافر معظم اليابانيين في عطل سنوية، ويكون المطار مزدحما بشكل هائل، “وهذا ما استغله غصن للهروب” بحسب أوكودا. لكن الرجل معروف الوجه؟ نسأله. يقول:” صحيح، لكن من الواضح أنه لم يظهر الى العلن، نحن لسنا متأكدين، لكن التلفزيونات المحلية اللبنانية أشارت الى أنه كان في صندوق كبير لشحن الآلات الموسيقية، لكن الحكومة اليابانية ليست متأكدة من هذه الرواية لغاية الآن”.
وعما نشرته صحيفة “الوول ستريت جورنال” من أن غصن انتقل الى اوساكا التي تبعد 500 كلم من طوكيو قبل أن يستقل طائرة خاصة لخارج البلاد قال أوكودا:” نعم بإمكانه الذهاب الى أوساكا بالسيارة، لأنه موجود في سيارة وليست لديه الحاجة لإظهار وجهه للعموم، من طوكيو الى اوساكا. أما في المطار فأعتقد أن احتمال فصل الرحلات العادية عن الخاصة يسهل الأمور”.
وعما إذا كان هذا المخطط يتطلب لوجستيات خاصة يجيب أوكودا بالإيجاب، “طبعا، لكن ما أود قوله أن المحكمة اليابانية كانت متسامحة جدا مع السيد غصن، وسمحت له بالمكوث في منزله كإقامة جبرية وهذا لا يحصل عادة في المحاكم اليابانية ما شكل استثناء صارخا في حالة غصن، فقد منحوه معاملة خاصة جدا، لكن بالرغم من ذلك فهو خان ذلك، هذا هو الشعور السائد اليوم بين المحامين والمحققين الذين يجدون أنفسهم مربكين جدا بسبب المعاملة الخاصة التي قدموها للسيد غصن”.
أما شعب اليابان فليس أفضل حالا:” الجميع مهتم في اليابان بهذه القضية، لأنه شخصية شهيرة، ولأن الأمر طرح تساؤلات حول كيفية خروجه، ويشعر الشعب الياباني بأنه خرق”.
اتهام لبنان
وعن اتهام محافظ طوكيو لسفارة لبنان؟ يقول:” هو لا يتهم، هو لديه شكوك، لأن بحوزة غصن جواز سفر فرنسي ويعتقد بعض الرسميين بأن ثمة شكوك بأن السفارة اللبنانية ساعدته على نيل جوازه من هناك لكن ليس هذا رأي رسمي للسلطات اليابانية”. وهل من شكوك يابانية تتجه صوب الفرنسيين واي دور لهم في هذه العملية؟ يقول أوكودا:” هذا اعتقاد موجود، لكن رأي محافظ طوكيو السابق يعبر عن رأيه الخاص”.
وعن انعكاس هذا الحدث مستقبلا على العلاقات اللبنانية اليابانية قال أودوكا:” ليست اليابان بلدا عدوانيا تجاه البلدان الأخرى، وبالطبع سيتم تقديم طلب استرداد غصن من الحكومة اللبنانية وهذا أمر طبيعي، لكن في الوقت عينه الأمر صعب وليس سهلا، وستكون بالتأكيد خطوات قانونية”.
ولماذا أتى الصحافيون اليابانيون الى لبنان بهذه الكثافة؟ يقول:” لأنهم يريدون سماع صوت غصن وكيف سيشرح ما فعله”. لكن غصن قال أنه تعرض للاضطهاد من قبل القضاء الياباني؟
يجيب أوكودا:” نعم، لكنه عقد مؤتمرا صحافيا في نيسان الفائت قال فيه بأن القتال سيتم في إطار المحكمة، وقال بأنه بريء وهو سيقاتل في المحكمة، لكنه هرب”.