“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
قال السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه اليوم الأحد بأن لبنان حقق أمورا إيجابية منها في مجال الطاقة وإقرار موازنة 2019 . ولفت الى ضرورة أن يرسل لبنان إشارات إيجابية الى المجتمع الدولي ليقنعه بأنه يقوم باللازم لأن جزءا من الإقتصاد يقوم على السيكولوجيا. كلام فوشيه جاء أثناء دردشة مع الصحافيين أثناء فاعلية “إدفعوا أبواب قصر الصنوبر” الذي شرّع ابوابه اليوم أمام الزوار في إطار “الأيام الأوروبية للتراث”، وهي فاعلية تقام للسنة الثالثة منذ عام 2017.
فوشيه: شخصية فرنسية بارزة ستحضر احتفالية “لبنان الكبير” العام المقبل
في التفاصيل، قال السفير فوشيه ردّا على سؤال عن أسباب تنظيم هذه الفاعلية منذ 3 أعوام ودعوة اللبنانيين والفرنسيين الى التجوال في أنحاء القصر:” صحيح، فهي النسخة الثالثة من هذا النشاط الذي بدأ عام 2017 وهي تلاقي نجاحا كبيرا. نرغب بفتح أبواب القصر لأنه شهد إعلان دولة “لبنان الكبير” في الأول من أيلول عام 1920 وهو بالتالي بيت اللبنانيين، لأن جزءا من تاريخهم موجود هنا، ويستقبل القصر انشطة عدّة أبرزها العيد الوطني الفرنسي كل سنة في 14 تموز، وهو أضخم استقبال دبلوماسي في البلد، ومن المفيد فتح الصالونات لجميع من يرغبون بالتجول فيها وخصوصا ممن ليست لديهم فرص كثيرة للمجيء الى هنا دوما لمعرفة ما يتضمنه هذا القصر الأجمل في بيروت بحسب ما اعتقد، إنه جميل جدا تحول من كازينو قديم الى مقر للحكام ثمّ الى منزل للسفراء، وقد تمّت إعادة تأهيله جذريا وافتتحه جاك شيراك في 30 أيار عام 1998، بعد الحرب الأهلية التي دمّرت جزءا لا يستهان منه”.
لبنان سيشارك في عرض 14 تموز المقبل في باري عبر فرقة عسكرية لبنانية
سئل عمّا سيتم تنظيمه بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة “لبنان الكبير” فقال فوشيه:” بالتأكيد، تم تأليف لجنة برئاسة وزير الشؤون الرئاسية سليم جريصاتي ونحن سنلتقيه لنرى كيف سننظم الإحتفالات على مدار السنة وسيكون هناك حدث بارز سيقام هنا في “قصر الصنوبر” في الأول من ايلول السنة المقبلة بحضور شخصية فرنسية رفيعة المستوى ستحضر حتما لكنني لن أعلن عنها الآن، وسيكون هناك مناسبات مهمة ستقام في لبنان وفي فرنسا، نعتزم مثلا اشراك ثلة من القوى العسكرية اللبنانية في العرض العسكري في 14 تموز 2020 في باريس كما يجري سنويا حيث يشارك بلد او بلدان عدة في هذا العرض والعام المقبل سيكون دور لبنان”.
عشية الإحتفالات التي ستقام بمناسبة إعلان مئوية لبنان الكبير هل من رسالة سياسية رمزية للبنانيين، قال فوشيه:” منذ تأسيس دولة لبنان الكبير وفرنسا متشبثة بهذا البلد، وهي عبّرت عن تمسّكها بلبنان بمناسبات عدة وبشكل منتظم، هو رابط عميق يربط البلدين في السياسة والإقتصاد والثقافة لكنه الأعمق في ما يخص الروابط العاطفية التي تجمع البلدين، وبالتالي تتغذى الروابط الأخرى من الرابط المشترك الذي بنيناه سويا”.
عن “سيدر” وضرورة إرسال لبنان إشارات إيجابية
وردّا على سؤال لموقع “مصدر دبلوماسي” عمّا إذا سيكون انطلاق مؤتمر “سيدر” جزءا من الإحتفالات؟ قال السفير فوشيه:” لقد انعقد مؤتمر “سيدر” العام الفائت (في نيسان 2018) وهو تأخر بسبب عدم تشكيل الحكومة بسرعة، لكن الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس حكومة لبنان والى باريس وتحدث خلالها للصحافيين تظهر بشكل جيد بأن الأمور تسير في الإتجاه الصحيح”.
وردّا على سؤال عمّا اذا كان راضيا عن التدابير التي تتخذها الحكومة اللبنانية في ما يخص الإصلاحات المطلوبة؟ قال فوشيه:” بالتأكيد أنه تمّ اتخاذ عدد من التدابير، ولا يمكنني الموافقة مع بعض من يعتبرون بأنه لم يتم تحقيق شيء، فالأمور مثلا في مجال الطاقة تسير في الإتجاه الصحيح، باتت لدينا ميزانية لسنة 2019، هي ليست كاملة لكنها باتت موجودة وهذا أم جيد، وأنهت إدارة القاعدة الإثني عشرية المؤقتة، يجب أن تقر موازنة 2020 وأن يرسل لبنان إشارات إيجابية للخارج لأن الإقتصاد هو عنصر حقيقي لكنّه يتضمن الكثير من السيكولوجيا، والتسرع لا يكون بالضرورة إيجابيا، والحل هو بالإنكباب على العمل وتحمل هذه الحكومة تسمية “الى العمل”، فيتمكن لبنان من إقناع من يراقبونه بأن الأمور تسير في الإتجاه الصحيح”.
طيف الرئيس الراحل جاك شيراك كان حاضرا
في مستهل الجولة التي شملت صالونات عدة في القصر ومكتب السفير وصالات الطعام والإجتماعات وسواها، كان هنالك ركن وضع عليه سجلّ للتعازي بالرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك الذي سيوارى الثرى غدا الإثنين. وأوضح البيان بأن القيّمين على قصر الصنوبر أرادوا الإبقاء على أبواب القصر مفتوحة بالرغم من مرسوم الحداد الوطني الذي أعقب وفاة الرئيس شيراك. أضاف البيان:” إذا كان يمكنكم زيارة قصر الصنوبر اليوم، فالفضل يعود له جزئيا، إذ أنّه تمّ خلال عهده، في عام 1996، إطلاق أشغال إعادة تأهيل هذا الصرح التاريخي الذي لا يزال رمزا للصداقة الفرنسيّة اللبنانية. إنه لتكريم جميل للشخص الذي كان صديقا عظيما للبنان، والذي افتتح قصر الصنوبر شخصيا في 30 ايار 1998، خلال زيارة وضعت تحت راية الإخلاص والثقة”.
لمحة تاريخية
وفي كتيّب وزّع للزوار نقرأ لمحة عن هذا القصر الخلاب الذي يعتبر من أجمل مقار الشبكة الدبلوماسية الفرنسية في العالم. يعود تاريخه الى 5 كانون الأول عام 1915 حين استأجر ألفرد موسى سرسق من بلدية بيروت غابة صنوبر تدعى الحرج كانت تعاني من الإهمال.
عمد سرسق بناء على طلب والي بيروت العثماني وحاكم سوريا العسكري عزمي بيك الذي كان موهوبا بالبناء على تشييد شركة مغفلة في جزء من غابة الصنوبر حملت تسمية “الكازينو والنادي العثماني” في بيروت. وبدأ بناء القصر فعليا عام 1916 بإشراف فريق من المهندسين. وفور انتهاء اعمال البناء، صادرت القصر السلطات العثمانية وحوّل الى مستشفى عسكري.
عام 1918 أدى تفكك الإمبراطورية العثمانية الى وضع لبنان تحت النفوذ الفرنسي فاستقر فيه مفوض الأراضي العثمانية في فلسطين وسوريا فرانسوا جورج بيكو واطلق عليه تسمية “قصر الصنوبر”.
فرض المكان نفسه مقرا رسميا لسلطات الإنتداب واصبح في ما بعد في الأول من أيلول عام 1920 إطارا لإعلان الجنرال غورو لدولة لبنان الكبير. عام 1921، عرضت فرنسا شراء هذا المقر وتنازل آل سرسق عن عقد الإيجار مقابل مليون و850 الف فرنك. لم يبق سوى التفاوض بشأن شراء الأرض التي كانت لبلدية بيروت، تم توقيع الإتفاق في العام 1972 وأصبح قصر الصنوبر ملكا للدولة الفرنسية. في هذه الأثناء، تمّ إطلاق ورشة بهدف تحويل نادي الألعاب سابقا الى مكان يصلح لأن يكون مقرّا رسميا، فتمّ تجهيز صالون عثماني وصالون موسيقي وردهة أساسية مع استحداث مدفأة وحوض مصنوع من الرخام المتعدد الألوان بين عامي 1928 و1931. بالإضافة الى ذلك، تمّ توسيع الواجهتين الشمالية والجنوبية، وعمد جبران طرزي الى تأمين قطع الأثاث الشرقية وتكفّل بتلبيس الدرج الداخلي بألواح خشبية مصنوعة من خشب الأرز، ثم وضع لوحات جدارية قديمة تمّ استقدامها من دمشق وسقوفيات مصنوعة من الخشب المطلي والمزدان بأشكال زخرفية من طراز المقرنصات وبالأعمدة الخشبية المطعمة”.
في الحرب تعرض القصر لأضرار جسيمة بسبب وقوعه على خط التماس بين بيروت الغربية والشرقية، فتم اللجوء الى إميل طرزي لتفكيك الألواح الخشبية وباب المدخل الفخم ووضعها في مكان آمن.
كان السفراء يلتجئون الى مبنى القنصلية في شارع كليمنصو قبل أن يستقروّا في مار تقلا بعد اغتيال السفير لويس دولامار في 4 أيلول 1981. استعادت فرنسا القصر في زمن السلم، وأطلقت العملية في عهد السفير جان بيار لافون عام 1994 وأطلق الرئيس شيراك الأعمال عام 1996 التي أجريت بإشراف السفير دانيال جوانو وانتهت في أيار 1998 مع اعادة فتح ابواب قصر سفراء فرنسا في لبنان يوم السبت في 30 أيار 1998 خلال حفلة افتتاح أقيمت برئاسة جاك شيراك.