“مصدر دبلوماسي”: (خاص)
يحلل الكاتب والخبير في الشؤون المصرية وسام متّى خلفية التظاهرات في مصر أمس في خلال ما عرف بـ “جمعة 20 سبتمبر”، ويردّ على أسئلة موقع “مصدر دبلوماسي” حول حراك المصريين غير المنتظر وقد نزلوا الى الشوارع بالآلاف مطالبين برحيل الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي.
وكانت التظاهرات شملت أمس للمرة الأولى ميدان التحرير رمز “ثورة 25 يناير” 2011 الذي بقي مغلقا أعواما أمام التظاهرات، فضلا عن شمول التظاهرات محافظات مصرية عدة أبرزها القاهرة والجيزة والإسكندرية والسويس والغربية والدقهلية والقليوبية وبني سويف والشرقية والغربية ودمياط… ردد المحتجون شعارات ضد الرئيس المصري لكن قوى الأمن تعاطت معهم بطريقة متفاوتة بالرغم من القاء القبض على العشرات منهم اليوم.
وكان أحد الممثلين ورجل الأعمال ويدعى محمد علي قد دعا الى التظاهر عبر فيديوهات عدة كشف فيها قضايا تتعلق بالقصور الرئاسية ومسائل فساد بحسب ما اشار. فما خلفية هذه التظاهرات؟ هل ستستمر؟ هل للإخوان المسلمين علاقة بها؟ وما دور الدول الداعمة لمصر السيسي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؟
*هل ما حدث أمس الجمعة هو احتجاج عادي أم شرارة ثورة؟
-من المبكر جدا اطلاق تسمية الثورة على ما حدث بالأمس، بالتأكيد أنه يوجد غضب شعبي بسبب السياسات المعتمدة من قبل السيسي لا سيما أولا الخنق التدريجي للمجال العام منذ العام 2013 إذا نلحظ أنه لم يعد يوجد دور للأحزاب ولا حتى للشباب الذين نزلوا الى ميدان التحرير وشكلوا دينامية الحركة السياسية في مصر عام 2011. من جهة ثانية، توجد قبضة أمنية تحت تبريرات مختلفة منها محاربة الإرهاب والخطر الإخواني… هذه القبضة خنقت حتى الجهات المدنية التي من الممكن أن تكون دعما للدولة الجديدة التي نشأت بعد سقوط حسني مبارك (الرئيس المصري السابق) وفي ما بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين.
سياسيا، فإن خنق المجال العام وفي ظل غياب الأحزاب القادرة على قيادة الحياة السياسية يؤدي الى نشوء حركة غير منظمة في ظل ظروف مماثلة.
الجانب الثاني والأهم، يتعلق بالسياسات الإقتصادية وهو ما يشعر به أي مصري من الطبقات الوسطى الى الفقيرة، وهي مرتبطة بسياسات صندوق النقد الدولي والتي أدت الى نتائج صعبة جدا مثل تضخّم الأسعار ورفع الدّعم عن المحروقات والغاز، كل هذه التفاصيل الموجودة منذ 3 أعوام تؤدي الى انفجار. من يقارن الفترة التي سبقت اعتماد سياسة صندوق النقد الدولي واليوم سيجد فارقا كبيرا، ويقع تأثيره على كاهل الفئات الأكثر فقرا بمصر، ويقلّص الفارق في الوقت ذاته بين الطبقة الوسطى والطبقات الفقيرة وذوي الدّخل المحدود. هذه الأمور كلها ستنفجر في مكان معين. لا تزال حالة الغموض تكتنف ما حصل البارحة، إذ نزل الناس الى الشارع بلحظة معيّنة وفي ظل قبضة أمنية محكمة، في الوقت عينه، إذا اخذنا مسار الأمور نلحظ أن الحراك جاء عقب مباريات بين فريقي الأهلي والزمالك، وهو حدث غالبا ما يعتبر مصدر قلق بغض النظر عن الجانب السياسي.
كان الأمن بحالة اجراءات روتينية، بلا اي اجراءات استثنائية وبدا الأمر غريبا في ظل دعوات للتظاهر عبر وسائل التواصل الإجتماعي ضد موضوع الفساد وكل ما له علاقة بالفيديوهات التي نشرها المقاول محمد علي، وبقيت درجة استخدام القوة ضمن حدود معيّنة وغير معتادة في حالات مماثلة.
*هل يمكن كما قرأنا من تحليلات أن يكون دور ما للجيش؟
-لا يزال الغموض يكتنف من يلعب هذا الدور.
*هل يعقل أن ممثل ومقاول نشر فيديو على وسائل التواصل الإجتماعي حرّك جماهير للتظاهر؟
–بالتأكيد لا، وهذا يطرح تساؤلا: هل ما حدث البارحة هو تقاطع بين هذا الغضب الشعبي وصراعات معيّنة داخل أجهزة الدولة؟ هل هو صراع أجهزة؟ أو ربما صراع داخل المؤسسة العسكرية؟ هل هو صراع بين الجهاز الإداري في الدولة والجهاز العسكري؟ ليس سهلا كشف هذه الأمور لأن طبيعة العلاقات في داخل النظام المصري مقفلة.
*هل تعتقد بوجود دور خفي لحركة الإخوان المسلمين؟
-بتقديري الخاص أنه لا يوجد دور للإخوان في ما حصل البارحة، يستغل الإخوان الموقف دائما، وبسبب ممارساتهم وسلوكياتهم السياسية يمكن أن يفشّلوا أي حراك يحصل. فمجرد اعطاء اي حراك طابعا اخوانيا يبرّر القمع ويفقده مشروعيته، فالسنة التي حكم فيها الإخوان تخللتها حالة سخط عارم. فما يقوم به الإخوان عمليا هو ركوب الموجة، كما حدث في 25 يناير، حيث لم يكن الإخوان في المشهد في الأيام الثلاثة الأولى وفجأة لما شعروا أن الأمور تنزلق الى مكان آخر قرروا ركوب الموجة. وهذا ما يحاولون فعله اليوم لكن بشكل عبثي ويائس، لذا لا أتصوّر أن يكون للإخوان دور بما حصل إلا بمحاولة ركوب الموجة من خلال أذرعتهم الإعلامية والسوشال ميديا، ورأينا البارحة “هلوسات” حقيقية من الحسابات التي تصدر عنهم، وهذا دليل على أن الإخوان لا يزالون يدورون في نفس الدائرة غير الذكية التي عاشوا فيها.
*ماذا عن المناخ الإقليمي العربي الحاضن للسيسي؟ أذكر مثلا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؟ ثم الولايات المتحدة الاميركية؟
-إن اي تدخل دولي داعم أو محرض على أي مسار غالبا ما يحصل حين يوجد أمر مخطط مسبقا أو في حال انفلات الأمور الى درجة تشعر دولة ما بتهديد مصالحها. يتمتع السيسي بدعم سعودي-إماراتي على الأقل، وهذا ما تمت ترجمته بالمنحى الإقتصادي وإن شحّ بشكل ملموس خلال العامين الماضيين لأسباب متصلة بوضع السعودية وإقتصادها والإقتصاد الإماراتي وسواها، ومن ناحية ثانية، فهذا النظام متسلّح بالدعم الأميركي، إذ يرى الأميركيون أنه نظام قادر على تحقيق مصالح معينة. الوسيط المصري حاضر في غزة و في محاربة الإرهاب… وكل هذه الشعارات تجد استساغة معينة عند الأميركيين وتحديدا عند إدارة (الرئيس) دونالد ترامب. فمن المبكر القول أن اي دولة سواء اقليمية أو دولية سوف تتدخل أو ستستشعر الخطر بشكل داهم. يبقى أن ننتظر التطورات لمعرفة إن انتهت حالة الفوران العام التي حصلت البارحة، والتي ربطت بصراعات داخل أجهزة الدولة، هل فعلا وصلوا لتسويات أو أن الأمور انفلتت بطريقة غير متوقعة أنه كان مجرد تبادل رسائل؟ هذه كلها لا تزال تخمينات. وبالتالي من المهم رصد الوضع المصري في المرحلة المقبلة لتبيان إن كان ما حدث مجرّد أمر عابر أم أن حجم الصراعات وصلت لمرحلة قد يؤدي الى صدام أكبر.