“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير الذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها الرقم 72 الصادر في ايلول 2019. لقراءة لمزيد من مواضيع المجلة الضغط على الرابط الآتي لموقع “مصدر دبلوماسي”:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
يعمل في لبنان حاليا 50 الف عامل سري لانكي، تناقص عددهم تدريجا بسبب المنافسة مع جنسيات اخرى، فانتقل بعضهم الى دول خليجية بسبب ارتفاع الدخل. يعتبر لبنان الوجهة الاولى التي قصدها العمال السري لانكيون للارتزاق منذ العام 1977، لكن العلاقة بين البلدين لا تقتصر على هذا الجانب فحسب
اطلق المؤرخون على سري لانكا تسمية دمعة الهند نظرا الى موقعها كجزيرة تقع في شمال المحيط الهندي (جنوب آسيا) على مقربة من الهند التي تتقاسم معها حدودا بحرية كذلك مع جزر المالديف. اما شعبها فيلقب بالشعب المبتسم، وهو يعيش في بلد خلاب بطبيعته من غابات استوائية وشواطئ جميلة وسهول مترامية ما جعل من دولة سري لانكا مقصدا سياحيا عالميا.
تعود العلاقات الديبلوماسية الفعلية بين البلدين الى العام 1990، لكن تفعيلها لم يكن كافيا، الى حين زار وزير الخارجية السري لانكي السابق لبنان عام 2017 وتولي السفيرة هيراث مانديس ويجراتني ولايتها منذ 4 اعوام واندفاعتها لتوفير مصالح الجالية في لبنان، وتوثيق عرى التعاون التجاري والاقتصادي. هذه الاندفاعة ادت الى مناقشة نحو 14 مشروع اتفاق بين لبنان وسري لانكا في اثناء الولاية الديبلوماسية لويجراتني، لكن لم يتم بعد توقيع اتفاق تعاون رسمي بين البلدين.
تروي ويجراتني في مقابلة مع “الامن العام” تفاصيل عن كيفية فتح قنوات اتصال مع المسؤولين اللبنانيين عند مجيئها الى لبنان قبل 4 اعوام، وقد اغلقت في وجهها كل الابواب. لكنها حين التقت المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وعرضت له مشكلات جاليتها لاسيما من كانوا يعانون من صعوبة العودة بسبب عدم دفعهم مستحقاتهم للدولة اللبنانية وعدم وجود وثائق لديهم، وجد لها اللواء ابراهيم حلا واصدر قرارا باعفاء من هم فوق الستين من اي رسوم. وقد تم اعفاء الاخرين من نصف المبلغ المستحق لهم بلا اي غرامات.
السفيرة ويجراتني مولودة عام 1964، متزوجة وأم لفتاتين. مجازة في العلوم الدولية المتقدمة من الاكاديمية الديبلوماسية في فيينا، ولديها ديبلوم في العلاقات الدولية من جامعة كولومبو. كانت بطلة رياضة في مدرستها والجامعة وخصوصا في رياضتي التنس وكرة السلة.
دخلت سلك وزارة الخارجية عام 1996. عملت في مناصب عدة في هولندا وفيينا وميانمار- الفليبين وفي الامارات العربية المتحدة، وفي منظمات دولية عدة تابعة للامم المتحدة.
* ما هي انطباعاتك عن لبنان؟
– يقع لبنان جغرافيا في مركز استراتيجي في منطقة الشرق الاوسط. قبل نشوء المسيحية كان لبنان في عمق المنطقة بمدن فينيقية اساسية منها صور، ولطالما سيطر على التبادل التجاري في المنطقة. تعتبر مدينة بيبلوس (جبيل) اقدم مدينة سكنها الانسان في العالم. علمت اخيرا بوجود متحف للاسماك المتحجرة التي تعود الى عصور ما قبل التاريخ، ولا ننسى ان الابجدية نشأت في جبيل وهي كانت موجودة سابقا في مصر، لكن اللفظ الصوتي للاحرف انطلق من هذه المدينة اللبنانية. تاريخيا وثقافيا، اعطى لبنان الكثير للعالم. لذلك كنت سعيدة جدا بتعييني سفيرة فيه. اود الاشارة الى ان للبنان علاقات مميزة مع سري لانكا منذ مراحل مبكرة بدأت مطلع سبعينات القرن الفائت، حين قصد العمال السري لانكيون لبنان للعمل. فحين فتحت سري لانكا الاقتصاد الحر مع الرئيس السابق Junius Richard Jayewardene عام 1977 تحمس الناس للهجرة والعمل في خارج البلاد، وكان لبنان احدى الوجهات الاولى التي قصدها هؤلاء. حتى عام 2006، كان السري لانكيون يشكلون اكبر شريحة من العمال الاجانب في لبنان. في زمن الحرب، علمت انه بعد الفرنسيين كان السري لانكيون الجالية الاجنبية الثانية في لبنان وبلغ عددها حينها قرابة 200 الف عامل بحسب ما نشر في الصحف انذاك. لذا، فان لبنان بلد مهم جدا وجزء من العلاقات التاريخية والديبلوماسية لسري لانكا.
* متى بدأت العلاقات الديبلوماسية بين البلدين؟
– تعتبر العلاقات العملية بين لبنان وسري لانكا اكثر اهمية من العلاقات الديبلوماسية بسبب وجود الكثير من العمال. ولأن هؤلاء يوفرون مصادر دخل لبلدهم الام، بدأت العلاقات الديبلوماسية بين البلدين عام 1990. عين اول سفير لسري لانكا في لبنان في العام 1997، وافتتحت السفارة عام 1998. قبل قدوم البعثة، كان السفير السري لانكي في المملكة العربية السعودية ومصر هو المعتمد في لبنان.
* ما هي بلدان الشرق الاوسط التي تضم بعثات ديبلوماسية؟
– السعودية وعمان والبحرين، وتقريبا كل البلدان.
* ما هو ترتيب لبنان بالنسبة الى العمالة السري لانكية حاليا؟
– تتصدر السعودية والامارات العربية المتحدة المركزين الاولين. اعتقد ان لبنان في المرتبة الثالثة او الرابعة.
* ماذا عن التعاون الثنائي بين الدولتين السري لانكية واللبنانية؟
– لدينا اليوم علاقات ودية جدا بين البلدين وليست لدينا اية مواضيع خلافية. عام 2017، وبعد مرور 20 عاما على العلاقات، حصلت اول زيارة رسمية لوزير الدولة للشؤون الخارجية الى لبنان. قبل هذه الزيارة لم تكن الزيارات الرفيعة المستوى قائمة بين بلدينا، ما فتح مجالا للتعاون اكثر في قطاعات التجارة والتعليم والعمالة وسواها من الميادين. اسسنا لجنة صداقة برلمانية بين البلدين، وقد طلبت هذا الامر من رئيس مجلس النواب نبيه بري ووافق عليه، ما سيؤدي تاليا الى تعزيز علاقاتنا. كذلك ارسلنا دعوة لزيارة سري لانكا الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي دعا بدوره رئيسنا مايتريبالا سيريسينا الى زيارة لبنان، علما اننا نعمل على تنظيم هذه الزيارة التي تأجلت حاليا لاسباب قاهرة. توطدت علاقاتنا الديبلوماسية بعد زيارة وزير الخارجية وتمت مناقشة قرابة 14 مشروع اتفاق بين البلدين في غضون ولايتي الديبلوماسية في لبنان، لكن لم يتم بعد توقيع اتفاق تعاون رسمي بين البلدين. عندما التقيت وزير الخارجية اللبناني عام 2015، طلب مني توقيع اتفاق حول الغاء التأشيرات للديبلوماسيين والشخصيات الرسمية لكي تسافر الى سري لانكا بلا صعوبات. بعد مناقشة هذا الامر بات الاتفاق جاهزا. هناك ايضا مذكرة تفاهم حول التشاور السياسي قبل اي تفاوض في موضوع يهم لبنان او سري لانكا وقد ناقشناها. كذلك هناك 3 اتفاقات لها طابع قانوني تم اقتراحها من جانبنا تتعلق بتسليم المجرمين الفارين الى حكوماتهم والمساعدة القانونية لهؤلاء ونقل المساجين من الجهتين. كما ناقشنا اتفاقا مهما جدا حول التعاون في مجال الدفاع بين وزارتي الدفاع في بلدينا، وهي لا تزال مذكرة تفاهم. كذلك وقعنا اتفاقات تتعلق بالعمال، واخرى تتعلق بالرياضة والتعليم، واتفاقا يعترف بمهارات العمال بين البلدين. حين نرسل عمالا متعلمين وذوي مهارات معينة يجب الاعتراف بذلك، وخصوصا بعد توافق وزارتي التعليم على ذلك. تعترف وزارة التربية اللبنانية حاليا بالمؤهلات العلمية البريطانية وهو النظام المعتمد في سري لانكا. في السابق، كان الامر محصورا بالمؤهلات الفرنسية فحسب. هذا الامر يتيح تبادل الاساتذة ويسهل الاستثمار للبنانيين والعمل في سري لانكا.
* ما هو عدد العمال السري لانكيين في لبنان؟
– بحسب المعلومات المجمعة من الحكومة السري لانكية، يبلغ عددهم قرابة الـ50 الفا، علما ان لا احصاءات من وزارة العمل اللبنانية. لا يمكن الحصول على ارقام دقيقة للعمال السري لانكيين في لبنان، لكن وفق الارقام التي نحصل عليها من وزارة العمل او من الامن العام اللبناني، فهي تبين من خلال احصاء اعددته شخصيا من خلال الارقام التي تعطى لي وارسلتها الى كولومبو تشير الى ان العدد هو قرابة الـ50 الفا. لا يأتي جميع العمال الى لبنان عبر السفارة، لان بعض المكاتب تجلبهم مباشرة عبر وزارة العمل او دائرة الهجرة.
* ماذا عن التعاون مع الامن العام اللبناني؟
– عندما اتيت الى لبنان عام 2015 لم تكن لدي علاقات قوية. يمكن القول انني بدأت علاقاتي من الصفر. قمت بزيارات الى وزارات عدة، وكنت اول سفيرة سري لانكية تلتقي اللواء ابراهيم. لم يكن احد يعرف عنا شيئا، ولم اتلق اي جواب ايجابي من احد. اتصلت بوزارات عدة، ثم زرت اللواء ابراهيم الذي ساعدني في تنظيم اوضاع الجالية السري لانكية في لبنان، لان عددا كبيرا من اعضائها لم تكن لديه اية علاقة مع السفارة. كما ان عددا كبيرا من العاملين في لبنان كانوا مخالفين للقانون كونهم لم يدفعوا اقاماتهم للدولة اللبنانية، ولم يكن من السهل اعادتهم الى سري لانكا بسبب عدم وجود وثائق او لانهم لم يدفعوا مستحقاتهم للدولة وتترتب عليهم غرامات كبيرة. لم يكن عملي سهلا، ولم القَ استجابة من احد. ثم التقيت المدير العام للامن العام وشرحت له الوضع وكان ايجابيا جدا. فقد قرر اعفاء من هم فوق الستين من العمر من اية مدفوعات، وتم اعفاء الاخرين من نصف المبلغ المستحق عليهم بلا اية غرامات، فتمكنوا من العودة الى بلدهم. تطلب الامر وقتا لتطبيقه، وعاد في غضون عامين نحو 1500 مواطن الى بلدهم. بعض العائدين بكوا فرحا لعودتهم، بعد مرور اعوام لم يروا فيها اولادهم وعائلاتهم. كان الامر مؤثرا.
* هل لديكم منافسة مع العمال الاخرين العاملين في لبنان؟
– نعم، لان الحد الادنى للاجور في سري لانكا يبلغ 350 دولارا اميركيا، وبعض المكاتب تعمد الى توصية اللبنانيين لاستقدام عمال من جنسيات اخرى غير السري لانكية. وفق خبرتي، ان اللبنانيين يحبون استقدام الخدم بسعر ارخص وفق التوصية التي تأتيهم من المسؤولين عن هذا الموضوع، كاصحاب المكاتب.
* ماذا عن مشاركة سري لانكا في قوات اليونيفيل؟
– نشارك في هذه القوات بنحو 150 ضابطا وجنديا.
* لماذا تشاركون في لبنان تحديدا؟
– تريد سري لانكا تحقيق هذا الامر وفقا لمبادئ شرعة الامم المتحدة، اذ من المهم بالنسبة الينا توطيد السلام في الشرق الاوسط. على اية حال، نحن فخورون بالمشاركة في بعثات حفظ السلام في العالم. اريد التأكيد على تقديرنا للجهود التي يبذلها لبنان برئاسة الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، لان من المهم ان يعيش الشرق الاوسط بسلام. سلام لبنان اساسي لكي يتحقق السلام في الشرق الاوسط والمنطقة. علما ان السلام في الشرق الاوسط يجعل العالم برمته يعيش بسلام. بالنسبة الينا الشرق الاوسط مهم جدا لان معظم عمالنا المهاجرين يعملون في هذه المنطقة من العالم، ويهمنا استقراره الاقتصادي. كذلك فان معظم تصدير سري لانكا من الشاي هو الى بلدان اساسية في الشرق الاوسط كالسعودية والعراق وسوريا وكل دول الخليج، كذلك فان عددا كبيرا من السياح يأتون الينا من هذه المنطقة.
* ماذا عن التبادل الاقتصادي؟
– نحاول تعزيز الروابط التجارية بين بلدينا، ولهذا السبب زرت كل غرف التجارة في لبنان وتعرفت الى المعارض التجارية المنظمة. نحن نعمل حاليا على خلق تعاون يشمل استيراد بعض المنتجات من لبنان. لقد نظمنا اخيرا منتدى للشاي، خصوصا وان الشاي السري لانكي يسيطر على السوق العالمية. نفكر حاليا في كيفية تصدير المنتجات اللبنانية الى بلدنا وتشجيع الاستثمار اللبناني في قطاع فنادقنا وسواه من القطاعات.