</span >
“مصدر دبلوماسي”-خاص:
لفتت في الآونة الأخيرة مجموعة البيانات الصادرة عن الحكومة الشرعية اليمنية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة واتهامها بأنها تدعم المجلس الإنتقالي الجنوبي ذي النوايا الإنفصالية، ووصل الأمر حدّ مراسلة مجلس الأمن الدولي ووصلت رسالة تطلب الدعم في المحافل الدولية الى وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية، وكذلك يقوم سفير اليمن في لبنان عبد الله الدعيس بجولة شملت لغاية الآن رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة.
وفي 30 آب الفائت كرّس مجلس الوزراء اليمني اجتماعه لمناقشة “التمرد المسلح” لما اسماه ” ميليشيات المجلس الإنتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة”. فما الذي يجري فعليا بين الطرفين؟ وما هي الأهداف الإستراتيجية للإمارات بحسب وجهة نظر الحكومة الشرعية اليمنية؟ وما موقف المملكة العربية السعودية التي تستضيف منذ يومين محادثات غير مباشرة بين الحكومة الشرعية والمجلس الإنتقالي الجنوبي؟
رواية الشرعية اليمنية
إثر تحرير المحافظات الجنوبية ومن بينها عدن (العاصمة المؤقتة) جرى اتفاق بين الحكومة الشرعية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي ودولة الإمارات العربية المتّحدة على إنشاء جماعات أمنية لحفظ الأمن والإستقرار، وبعد تكوين هذه الوحدات العسكرية اتفق على أن يتم دمجها ضمن قوات الحكومة الشرعية. لكن بعد تكوين هذه الوحدات عام 2017 وبحسب رواية مصدر دبلوماسي في الحكومة الشرعية تحدث الى موقع “مصدر دبلوماسي” سيطرت عليها جماعة ذي نزعة انفصالية، تريد العودة الى ما قبل 1990. تكونت هذه الوحدات في مناطق محددة لا سيما في مثلث يافع والضالع وردفان وذلك على شكل وحدات مناطقية يسيطر على قادتها فكر الإنفصال وعودة الجنوب الى ما قبل 1990، وهي تمرّدت على الحكومة الشرعية أخيرا وخرجت عن سيطرتها بتمويل ودعم من دولة الإمارات العربية المتحدة بحسب المصدر الدبلوماسي، وتمكنت من السيطرة على العاصمة المؤقتة عدن بما فيها من إدارات أمنية والمطار والميناء وعلى السواد الأعظم من عدن.
عندما حاولت السلطة الشرعية إعادة المؤسسات في العاصمة المؤقتة عدن ودمجها ضمن الأجهزة الأمنية، تمرّدت هذه الوحدات وقوامها 90 ألف عنصر بين جنود وضباط، باتوا جميعهم تحت سيطرة ما أسمي بالمجلس الإنتقالي الذين كان معظم أعضائه عناصر مسؤولين في الحكومة الشرعية. يرأس المجلس الإنتقالي عيدروس الزبيدي محافظ عدن سابقا والذي عينه الرئيس هادي، (يتردد أنه تدرّب يوما في معسكرات لـ”حزب الله”)، ونائبه هو هاني بن بريك الذي كان وزير دولة في الحكومة التي شكلها هادي، ومحافظ حضرموت ومعظم الأعضاء الآخرين كانوا وزراء سابقين في الحكومة الشرعية، وتمّ استبدالهم في فترات متفاوتة فشكلوا ما بات يعرف بالمجلس الإنتقالي وهؤلاء هم من يديرون الوحدات الأمنية أو ما أطلق عليها تسمية “النخب”.
حاولت هذه الوحدات استكمال سيطرتها على العاصمة المؤقتة عدن، وخصوصا على مقر الحكومة في قصر المعاشيق، فقاومتها ألوية الحماية الرئاسية والأجهزة الأمنية التي استطاعت خلال اليومين الأولين أن تبسط سيطرتها على أغلب أحياء مدينة عدن، وكانت الدفّة تميل الى جهة الجيش اليمني، إلا أن الإمارات العربية المتحدة مدّت هذه الوحدات بحوالي الـ400 مدرّعة بالإضافة الى أسلحة حديثة مضادة للدروع وسواها وأقامت تغطية جوية بطائرات “الأباتشي” فاستعادت الوحدات سيطرتها على المواقع العسكرية وأقسام الشرطة وبسطت سيطرتها على عدن وبدأت بمداهمة منازل القيادات والوزراء والمسؤولين الكبار والمعارضين لها وقامت باعتقالات ويحكى عن تجاوزات تتعرض لحقوق الإنسان وامتدت هذه الأعمال من عدن الى محافظة أبين بعد معارك طاحنة، وأعلن المجلس الإنتقالي أنّه بسط سيطرته على محافظات الجنوب كافّة.
مقاومة شبوة
حاولت هذه الوحدات المتمردة السيطرة على محافظة شبوة، لكنها لم تحظ ببيئة شعبية حاضنة فصدّتها وحدات الجيش بالتعاون مع السكان وطردت من المحافظة مع العناصر التابعة لها، بالتعاون مع عناصر النخبة الشبوانية، وبحسب الرواية الدبلوماسية شكل ذلك بداية انكسار لهذا المجلس وخصوصا وأن شبوة هي بوّابة المحافظات الشرقية والجنوبية: حضرموت، سيئون والمكلّى، وهي تشكل 70 في المئة من مساحة اليمن برمّتها، وهي نفطية بإمتياز وفيها ميناء هام لتصدير الغاز هو ميناء بلحاف وتبلغ مساحتها قرابة الـ140 ألف كلم مربّع، وتتقاسم الحدود مع المحافظات الشمالية والجنوبية. وتمكنت قوات الجيش الشرعي اليمني بأن تدحر المتمردين في شبوة مستعيدة عدن وأبين، وكانت على وشك استقرار الأمور على هذا النحو. إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة ضربت وحدات الجيش بالطيران ما شكل خرقا للسيادة الوطنية وللقانون الدولي الإنساني وخروجا عن الهدف الذي جاءت من أجله قوات التحالف العربي أي دعم الشرعية.
دور مهدّئ للسعودية
من هذا المنطلق، دعت المملكة العربية السعودية أخيرا الأطراف اليمنية الى اجتماعات في جدّة لإجراء حوار بصفتها قائدة التحالف العربي، ولأن الإمارات حادت عن أهداف هذا التحالف، على اعتبار أن اليمنيين يعتبرون المملكة راعية للتحالف العربي والمسؤولة عن انهاء التمرد في الجنوب وكذلك انهاء التمرد الحوثي في المحافظات الشمالية لأن ما “يحدث في الجنوب لا يخدم إلا أهداف الإنقلابيين في صنعاء” بحسب تعبير المصدر الدبلوماسي اليمني.
وعن اعتبار الإمارات العربية المتحدة بأنها تنهي حالة تمرّد في الجنوب يقول المصدر الدبلوماسي اليمني” إن محاولة الصاق التهمة بالجيش الوطني من قبل الإمارات العربية المتحدة وتصوير ما قامت به على أنه ضرب للإرهابيين هو “كمن يغطي على عين الشمس بغربال”، بحسب المثل اليمني، والحقيقة أن الإمارات ضربت وحدات الجيش الوطني وليس جماعات إرهابية”.
وعمّا يتردد عن ترك الرئيس عبد ربه منصور هادي لعدن ومكوثه في السعودية وقتا طويلا قالت المصدر بأن “أعضاء المجلس الإنتقالي منعوه من العودة مرارا الى عدن وذلك بإيعاز من دولة الإمارات العربية المتحدة وتكرر ذلك بين عامي 2017 و2018، وفي إحدى المرات تمّت إعادة طائرته من الجو، وعوض أن يغط في عدن غطّ في سقطرة، فهذه الميليشيات عملت منذ البداية بنوايا مبيتة لم تكن مكشوفة سابقا وهي تروم عدم عودة الشرعية”.
أهداف إستراتيجية حيوية
لكن، ما هو الهدف لكي تدعم الإمارات المجلس الإنتقالي جنوبا ضدّ حكومة عبد ربه منصور هادي الذي تدخلت الإمارات أصلا لتثبيتها في الحكم بعد تمرّد الحوثيين عليها وذلك من ضمن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية؟
تعدد أوساط حكومية يمنية رسمية لموقعنا بعض الأسباب وأبرزها عدم رغبة الإمارات بعودة ميناء عدن لكي يعمل بكامل طاقته الإستيعابية وهو يعتبر من أهم الموانئ في العالم، ويشير مصدر حكومي رفض الكشف عن إسمه معلقا: لو أعيد تشغيل ميناء عدن فهو سيؤثر حتما على ميناء جبل علي في الإمارات، وخصوصا وأن ميناء عدن مرشح ليكون محطة ترانزيت للتبادل التجاري وخدمة السفن وهو عمليا يؤثر على موانئ المنطقة برمتها. ثانيا، تريد الإمارات العربية المتحدة أن يكون ليها نفوذ على الممرات المائية الهامة ويشرف اليمن على واحد منها وهو مضيق باب المندب، وهي تتنافس بذلك مع إيران، وليس الإجتماع الإماراتي الإيراني أخيرا إلا بهدف التعاون وتوزيع الأدوار في هذا الشأن. أما الدافع الثالث للإمارات العربية المتحدة فيكمن في أنها ترغب بالسيطرة على الجزر اليمنية وفي مقدّمتها جزيرة سقطرة الغنية بغطائها النباتي والبيئي وهي من أهم المحميات على المستوى العالمي وتعادل مساحتها إحدى الدول الخليجية.
من جهتها تتفق الأوساط الدبلوماسية اليمنية الحكومية والدبلوماسية على ضرورة إبقاء حالة الوئام مع المملكة العربية السعودية والحكومة الشرعية محكومة بعلاقة طيبة مع السعودية والسعوديون من وجهة نظر هؤلاء حريصون أيضا على العلاقات الطيبة مع اليمن ولليمنيين إمتيازات عدة في السعودية حيث يعمل هناك قرابة المليوني يمني، وتشير الأوساط الى أنه لولا دعم المملكة التي أنشأت التحالف العربي “لما استطعنا دحر الإنقلابيين والتمرد الحوثي، على أمل أن يعود الإخوة الإماراتيون الى جادّة الصواب والتحاور حول وجهة نظرهم”.
وتحرص الأوساط على توجيه شكر الى لبنان الذي يدعم موقف الحكومة الشرعية اليمنية وضد التمرد الحوثي شمالا وتمرد المجلس الإنتقالي جنوبا.