“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير الذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها لشهر أيار. لقراءة المزيد من مواضيع المجلّة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
شكّل توقيع معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا عام 1991 آلية للبحث في تنفيذ اتفاق الطائف، ولتفعيل العلاقات المميزة بين البلدين. فماذا عن هذه المعاهدة وما هي الاطر التي انشأتها لمتابعة تنفيذ احكامها، وابرزها الامانة العامة والمجلس الاعلى اللبناني السوري، وهو الهيئة المشتركة الاعلى سلطة بموجب المعاهدة؟
ناقش المعاهدة عدد كبير من الخبراء والقانونيين في تلك الحقبة، وبحسب قراءة الامين العام للمجلس الاعلى اللبناني السوري نصري الخوري، استفاد الجانبان اللبناني والسوري من تجربة تاريخية مشتركة تمثلت في المجلس الاعلى للمصالح المشتركة الذي رعى مصالح البلدين ما بين عامي 1942 و1951، والذي انشئ في زمن الانتداب الفرنسي برئاسة الامين العام لوزارة الخارجية في كلي البلدين، وتمتع بصلاحيات اقتصادية واسعة منها على سبيل المثال لا الحصر: ادارة جمارك موحدة، مصالح السكك الحديد، مصالح المياه والتبغ والتنباك، مراقبة البضائع التي تدخل البلدين… ما شكل عمليا نواة لسوق مشتركة لبنانية سورية، فضلا عن ادارة المصالح النقدية. اتخذ المجلس طابعا تقنيا فنيا، لكن عمله اقتصر على المواضيع الاقتصادية والتجارية وجباية الرسوم الجمركية بحيث كان يوجد جدار جمركي مشترك.
استوحى واضعو المعاهدة عام 1991 هذه التجربة بين البلدين بحسب نصري الخوري، وهي نصّت على انعقاد قمّة تنسيق رئاسية شهرية.
تبدّل الوضع في عهد رئيس الحكومة السورية خالد العظم، فحصلت مراسلات بين البلدين ظهّرت خلافات وقعت حول عدالة توزيع الجبايات، هذا الخلاف أدى الى قطيعة اعقبها عدم تجديد الاتفاق حول المجلس الاعلى للمصالح المشتركة.
يقول الخوري: “افتقر هذا المجلس الى آليات، اذ كانت قراراته تتخذ على مستوى القيادات ثم يترك التنفيذ للموظفين، في حين اضطلعت القمة الرئاسية الشهرية التي كانت تنعقد بين رئيسي البلدين بالشؤون الامنية والسياسية”.
عملت السلطات اللبنانية والسورية عام 1991 على ترجمة اتفاق الطائف عمليا الى نصوص معاهدة أطلق عليها “معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق” وانبثقت عنها اتفاقات عدة، وأنشأت اجهزة مشتركة ابرزها المجلس الاعلى اللبناني السوري برئاسة رئيسي جمهورية البلدين وعضوية رئيسي مجلسي النواب والوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، واعطي صلاحية اتخاذ القرارات واعتبرت قراراته نافذة بين البلدين بحسب المعاهدة وذلك وفق الآليات القانونية والدستورية النافذة بين البلدين، وتمّ تعيين امين عام يحضر اجتماعات المجلس الاعلى الذي يجتمع مرة واحدة سنويا.
أنشأت المعاهدة هيئات وسيطة: هيئة المتابعة والتنسيق، اللجنة الاقتصادية والإجتماعية، لجنة الدفاع والامن، لجنة الشؤون الخارجية، الى لجان وزارية مشتركة ينص عليها بموجب الاتفاقات التي توقّع.
بحسب دراسة لنصري الخوري “تم تحديد صلاحيات ومهمات كل جهاز من هذه الاجهزة في متن نصوص المعاهدة بالتفصيل، كما تمّ اقرار النظام الداخلي والمالي للامانة العامة مفصلا من المجلس الاعلى عام 1993 والذي تعتبر قراراته سارية المفعول ونافذة حكما في كل دولة من الدولتين بمجرد صدورها، وذلك وفقا للانظمة والقوانين المعمول بها في كل دولة منهما”.
يعتبر المجلس الاعلى الهيئة المشتركة اعلى سلطة بموجب المعاهدة، والامانة العامة تتولى متابعة تنفيذ احكام المعاهدة وقرارت المجلس والهيئات الاخرى ولدى الامانة العامة، بموجب نظامها الداخلي المقرر من المجلس الاعلى والمعتمد من الجانبين، ولديه جهاز من الموظفين وميزانية مشتركة ممولة من الدولتين مناصفة.
وقّعت في اطار تنفيذ احكام المعاهدة اتفاقات عدة: دفاعية وامنية وتتلخص في نصوص اتفاق الدفاع الموقعة عام 1991، ومجمل الاتفاقات ومذكرات التفاهم ومحاضر الاجتماعات التي وقعت ما بين قيادتي الجيشين اللبناني والسوري وتلك الموقعة ما بين ادارتي الامن العام في لبنان والهجرة والجوازات في سوريا والمديرية العامة للامن العام في لبنان من جهة، ووزارة الداخلية في سوريا من جهة ثانية، بالاضافة الى تلك الموقعة بين ادارتي الجمارك في كل من البلدين. الى اتفاقات ذات طابع اقتصادي واجتماعي ابرزها اتفاق التعاون الاقتصادي والاجتماعي الذي وقّع وابرم عام 1993 والذي يمكن اعتباره الاطار المرجعي، اتفاقات ذات طابع ثقافي وتربوي، اتفاقات قضائية وهذا الاتفاق تحديدا كان موقعا سابقا عام 1951 ولا يزال ساري المفعول حتى تاريخه.
يشير نصري الخوري الى ان “المرحلة التي اعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما نجم عنها من توتر في العلاقات بين البلدين وانعكاساتها على الاوضاع الداخلية في لبنان، اثرت كثيرا على مسيرة التعاون والتنسيق وبالتالي على اعمال الامانة العامة وسائر الاجهزة التي أنشئت بموجب المعاهدة. كما جاءت الحرب التكفيرية الارهابية التي شنّت على سوريا عام 2011، والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم باشكال مختلفة، لتصيب هذه العلاقات بالكثير من الندوب ولتترك اثرا عميقا ليس فقط على الصعيد الرسمي بل على الصعيد الشعبي ايضا”.
يضيف: “الا انه بالرغم من كل الصعوبات، اصرت الامانة العامة على متابعة العمل من اجل تنفيذ العديد من القرارات المتخذة سابقا وعلى ابقاء قنوات التواصل قائمة بين الإدارات الرسمية على مستويات مختلفة”.
ماذا عن امكان تحديث الاتفاقات؟
يقول نصري الخوري إن “المعاهدة بحسب القوانين الدولية هي اقوى من الدساتير وهي مسجلة في الامم المتحدة، ورئيس الجمهورية هو الذي يفاوض على المعاهدات ثم تبحث في مجلس الوزراء (كان آنذاك برئاسة عمر كرامي) قبل ان يتم ابرامها من مجلس النواب وهذا ما حصل. حين ناقش المجلس النيابي وقتها المعاهدة كان نواب معارضون مثل البر مخيبر وآخرون ادخلوا تعديلات على نصوصها”.
يذكر ما قاله احد كبار الدستوريين وقتها النائب السابق حسن الرفاعي ان انشاء المجلس الاعلى بهذا الشكل جاء بناء على طلب اللبنانيين نتيجة التوازن الطائفي، فأضيف نائب رئيس مجلس الوزراء لتكون مساواة بين المسيحيين والمسلمين بين البلدين.
يضيف: “عام 2005، ابان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، طالب البعض بالغاء المعاهدة وتعديل الاتفاقات، فتم الاتفاق على تشكيل لجنة لاعادة التعديل تأخر تشكيلها الى عام 2009، حين كانت الحكومة برئاسة سعد الحريري، وتم تشكيل لجنة برئاسة جان اوغاسابيان ضمت ممثلين عن كل الوزارات التي وقّعت على الاتفاقات وتقديم اقتراحات الغاء او تطوير، وطالبنا باقتراحات من الجانبين اللبناني والسوري، ولم يطرح احد موضوع الغاء المعاهدة او تعديلها. وعام 2010 تم تجديد بعض الاتفاقات وتعديلها لكنها لم تبرم من المجلس النيابي”.
يقول الخوري: “لا شيء يمنع حاليا تعديل اي بند في المعاهدة رسميا، كل شيء قابل للتعديل وللتطوير والالغاء لكن الامر يحتاج الى بحث رسمي بين الدولتين وليس من طرف واحد، لأن الغاء معاهدة من طرف واحد يعني قطع العلاقات بحسب القانون الدولي”.
هل يمكن ان يضطلع المجلس الاعلى اللبناني السوري بدور في ملف النزوح السوري الى لبنان؟
يقول نصري الخوري: ” لا يوجد اتفاق في هذا الموضوع. عام 2013 كلّفت من رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي البحث في هذا الموضوع مع الجانب السوري، وتوصلنا الى اتفاق بانشاء لجنة مشتركة، وكنت اتابع الموضوع مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وكدنا نتوصل الى توقيع قرار في هذا الخصوص. لكن الرئيسين سليمان وميقاتي تراجعا بعد ضغوط. المكلف حاليا بهذا الملف من رئيس الجمهورية اللبنانية هو اللواء ابراهيم، وانا اتداول معه في الكثير من المواضيع. لا احد يمكنه البت في هذا الشأن الا بالمرور عبر الامن العام بما في ذلك وزارة شوؤن النازحين. وهو ملف متشعب جدا تتشابك فيه الامور الانسانية والامنية والاجراءات القانونية”.
ماذا عن التصور للآفاق المستقبلية لعمل المجلس الاعلى اللبناني السوري؟ يقول: “بعد الانتصار التي تحقق على الارهاب في كل من لبنان وسوريا واستعادة سوريا سيطرتها على معظم الاراضي التي كانت تحت سيطرة الارهابيين فإن الآفاق المستقبلية للعلاقات واعدة اذا احسن التصرف من الجانبين لاسيما لبنان. اذ ان الامر يحتاج إلى قرار لبناني رسمي باعادة تفعيل العلاقات بين البلدين رسميا. وهذا امر من شأنه ان يفتح الابواب واسعة لكي يتمكن لبنان من ان يساهم في اعادة اعمار سوريا، وعملية اعادة الاعمار سوف تنطلق رغم كل الصعوبات الراهنة. من جهة اخرى هذا سيؤدي الى ايجاد حل لمشكلة النازحين بالتعاون بين الدولتين. يضاف الى ذلك فإن تفعيل التعاون امر من شأنه أن يساعد على خفض رسوم الترانزيت ما يساعد المنتجات اللبنانية الزراعية والصناعية في الانسياب عبر معبر نصيب في اتجاه دول الخليج وعبر معبر البوكمال في اتجاه العراق. مع الاشارة ايضا الى الامكانات الاخرى المتاحة للتعاون ولا سيما في مجالات النفط والغاز والكهرباء والسكك الحديد وسائر المجالات الاقتصادية”.
في هذا السياق، يعتبر الخوري انه يمكن للامانة العامة ان تفعّل عمل الهيئات واللجان ما يساعد على ايجاد الحلول المناسبة التي ستنعكس حتما بشكل ايجابي على الاوضاع الاقتصادية في كل من البلدين”.