“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تجتاح وزارة الخارجية والمغتربين موجة من الإستياء بين الدبلوماسيين في الإدارة المركزية وكذلك في البعثات الخارجية جرّاء ما قرره وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل باللجوء يوم الإثنين الفائت لمحاولة كشف تسريب تقارير سياسية من واشنطن لصحيفة “الأخبار” عبر اللجوء الى جهاز أمني قام بالتحقيق مع سفراء لبنان في المديريات في “قصر بسترس” في سابقة لم تعرف مثيلا لها وزارات الخارجية في العالم، وفي ما يعتبره الجسم الدبلوماسي ضربا لهيبة السفراء اللبنانيين. وكان صدر يوم الإثنين الفائت البيان الآتي عن الوزارة: “بناء على الشكوى التي تقدّم بها وزارة الخارجية والمغتربين جبران باسيل كلّف النائب العام الإستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر المديرية العامّة لأمن الدولة إجراء التحقيق اللازم في موضوع تسريب مراسلات دبلوماسية خلافا للقانون الى إحدى وسائل الإعلام وقد حضر فريق من أمن الدولة الى مبنى الوزارة لهذه الغاية”.
إجراء غير مسبوق في تاريخ الوزارة
يعتبر هذا الإجراء الذي اتخذه باسيل غير مسبوق في تاريخ الوزارة في معالجة مخالفة داخلية هي تسريب محاضر سرية.
فقد منحت وزراة الخارجية وزيرها وهو رأس الجسم الدبلوماسي صلاحيات فرض عقوبات على المخالفات في سابقة بين الوزارت كلها وذلك لتوطيد هيبته بين الدبلوماسيين. كذلك فإنه يوجد تفتيش خاص بالوزارة يرأسه سفير (هو حاليا السفير يوسف رجّي) من رتبة عالية يقوم بالتحقيقات ويقدّم تقريره للوزير وعلى ضوئه يقرر الوزير ما يجب فعله.
صحيح بأن تسريب تقارير الدولة مخالفة خطرة جدا لأن عمل “الخارجية” يرتكز الى السرية، لكن التسريب عملية شائعة في لبنان وفي دول عدة وغالبا ما يكون هدفها سياسيا، وهي تزايدت في الأعوام الأخيرة في لبنان بسبب تعدّد المرجعيات السياسية.
لكنّ إدخال عناصر خارجية للتحقيق بهذه الطريقة غير المألوفة الى “قصر بسترس” سيؤثر بشكل كبير على معنويات الوزارة وهيبتها وعلى “القوة المعنوية” للدبلوماسيين بحسب تعبير أحد المختصين، وهذا ما سينعكس على عملهم في الخارج وسيقلل من قدرتهم على القيام بعملهم، وذلك بحسب المناخ السائد بين الدبلوماسيين في لبنان والخارج.
ويقول أحد السفراء القدامى لموقع “مصدر دبلوماسي”: ” إن الوزير باسيل “معه حق” في أن يستشيط غضبا لهذا التسريب الذي يعتبر تسيّبا دبلوماسيا غير جائز، إذ لا يحق للموظف التقدير ما إذا ما كانت البرقية التي بين يديه مهمّة ام لا، ويترتّب عليه واجب التكتّم على اية معلومة تتعلق بالعمل وعدم تسريبها الى صحافي أو سياسي أو الى أي كان”. يضيف:” إن الوزير اتخذ هذا الإجراء من حيث المبدأ ولكننا لا نعلم إن كان اتخذ خطوات داخلية سابقة قبل وصوله الى هذه الدرجة، إلا أنه كان مستحبّا أن تعالج الأمور داخليا وخصوصا وأن ثمة سفراء “أبرياء” تأثروا بالذي جرى”. وأضاف السفير المذكور بأن “المرسوم 112 الخاص بالموظفين نص على أن اي موظف يسرّب معلومات قبل مرور سنتين على تركه الوظيفة بدون إذن خطي يعاقب”.
وتشير الأجواء السائدة حاليا في وزارة الخارجية الى أن وزير الخارجية وهو رأس العمل الدبلوماسي كان قادرا على حلّ هذا الأمر داخليا ومن دون جلبة ومن دون اللجوء الى جهة خارجية يقحمها في شؤون وزارته، وبلا عراضات تؤثر على هيبة السفراء الذين يتمتعون بامتيازات وحصانات كبرى حين يكونون في الخارج، والذين تمّ سحب هواتفهم المحمولة منهم وجلبهم الى التحقيق كمتهمين بشكل ترك جروحا بالغة في الجسم الدبلوماسي، جروح ستبقى مفتوحة على ما يبدو وهي لن تندمل بسهولة نظرا لما لهذا السلك من خصوصيات ومن بروتوكولات تحكمه واتفاقيات تحميه واعراف تعتبر اقوى من النصوص المكتوبة.
وبالتالي فإن الذي جرى يوم الإثنين الفائت ستكون له ارتداداته الصامتة والتي يعبّر عنها ببلاغة قلّ نظيرها صمت الدبلوماسيين والسفراء الثقيل.