“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذه المقابلة مع سفير رومانيا في لبنان فيكتور ميرسيا التي نشرتها مجلة الأمن العام في عددها لشهر آذار 2019.
لقراءة المزيد من مواضيع المجلة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
ترأس رومانيا حاليا مجلس الاتحاد الاوروبي حتى منتصف هذه السنة، ما يجعلها مفاوضا محوريا في العديد من المواضيع الاوروبية، وتلك المتعلقة بدول الجوار المتوسطي ومنها لبنان، حيث تعود العلاقات الديبلوماسية معه الى 54 سنة خلت
تقع رومانيا في موقع اوروبي استراتيجي في شبه جزيرة البلقان، جنوب شرق اوروبا وتحديدا عند الحدود الاخيرة لدول اوروبا الشرقية، ما يحمّلها مهمة الحفاظ على امن هذه الدول، ومراقبة حدودها ومنع اي تسلّل مشبوه الى داخل اراضيها. وهي مهمة ليست سهلة وسط موجات اللجوء والهجرة وحركة الارهابيين العائدين الى اوروبا من سوريا والعراق.
تلتزم رومانيا سياسات الاتحاد الاوروبي، كونها عضوا فيه منذ العام 2007، في حين حافظت على عملتها المحلية ولا تزال تفاوض للدخول في فضاء دول “الشنغن”. لكنها في المقابل تحافظ على بصمتها في السياسة الخارجية. فهي مثلا لم تقفل سفارتها في سوريا لسبب رئيسي هو وجود الكثير من المواطنين الرومانيين هناك، بلغ عددهم قبل اندلاع الصراع السوري العام 2011 قرابة عشرة آلاف مواطن.
اما في لبنان، فتبدو العلاقات التاريخية منصبة على تطوير الروابط الثقافية والتربوية، من دون اغفال بعد التعاون الامني الذي لا يتحدّث عنه المسؤولون الرومانيون باسهاب، ومنهم سفير رومانيا في لبنان فيكتور ميرسيا، مفضلا ترك هذا الموضوع للتقنيين.
تتمتع رومانيا بخبرات فنية كبرى في قطاع البترول والغاز، ولديها اهم جامعة لاعداد المتخصصين في هذا المجال، ما يحتّم ضرورة تبادل الخبرات الاكاديمية والتخصصية لكي يكون للبنان خبراته الخاصة في هذا المجال، كما ينصح السفير ميرسيا في حواره مع “الامن العام”.
* ما الذي ميّز مهمتك الديبلوماسية منذ قدومك الى لبنان العام 2013؟
– بعد مضي 5 اعوام على تعييني في لبنان، يمكنني القول بلا تردّد ان لبنان هو احد البلدان الاكثر جاذبية بالنسبة الى اي ديبلوماسي. يجمع هذا البلد العصرنة والعراقة في آن، ويقع عند مفترق طرق الحضارات، وهو مرتع الكثير من الديانات، ما يجعله مصدر استفزاز ايجابي ومثير للديبلوماسيين. ارى ان لبنان يخبئ لنا يوميا مفاجآت جديدة نحاول فهمها وشرحها، وهو ليس بالامر السهل دوما. في الوقت عينه، يشكل هذا البلد نموذجا للجميع، اذ نجح في صون سلامه وحفظ الوفاق بين مختلف الديانات بالرغم من الاضطربات السائدة في المنطقة. اثّرت فيّ ايضا في لبنان ظاهرة الاغتراب. انه امر استثنائي ان يكون لبلد هذا الكم من المغتربين الذين يشكلون اضعاف سكانه وينتشرون في انحاء العالم. من غير المألوف ايضا وجود هذه المواهب اللبنانية الناجحة كلها الموزعة في العالم في مختلف المجالات. انه كنز وطني ثمين ينبغي تقديره، وقد لاحظت مبادرات عديدة ومثيرة للانتباه في هذا الشأن. ما لفتني في لبنان بعد مرور 5 أعوام على وجودي فيه، هو وجود العديد من اللبنانيين الذين يعرفون رومانيا وهم زاروها للاعمال او السياحة، ولديهم اصدقاء وعائلات هناك او طلاب يتابعون دراساتهم. الامر الملفت هو وجود كثر ممن يتكلمون اللغة الرومانية، وهذا دليل بارز على عمق العلاقات التقليدية والوثيقة والصداقة التي تربط بين الشعبين الروماني واللبناني.
* تشكّلت الحكومة اللبنانية اخيرا. كيف تقيّمون ذلك، وهل من مشاريع جديدة مع الحكومة الجديدة؟
– لاقت الحكومة الجديدة ترحيب المجتمع الدولي برمته. كان هذا هو الشرط للدخول في سياق طبيعي من اجل تعاون دولي فعال. لدى الوزارات اليوم كل ما تحتاجه من صلاحيات ضرورية للتقدّم في عملها في خدمة البلد. تضمن البيان الوزاري اهدافا طموحة يبدو تحقيقها ضروريا للبنان: قيام اصلاحات في القطاعات الحيوية لهذا البلد كما في قطاع الطاقة على سبيل المثال، الاستثمار في البنى التحتية، اتخاذ خطوات لمزيد من الشفافية ولانجاز استراتيجيا وطنية لمكافحة الفساد من بين امور كثيرة. بالطبع، ينبغي سلوك طريق ليست سهلة دوما لكي تتحول المشاريع الى حقيقة، لكنني متفائل ولدي ملء الثقة بأن لبنان سينجح، لانه توجد امكانات هائلة في هذا البلد. ستتابع رومانيا قدر المستطاع هذا المسار التنشيطي للاقتصاد اللبناني عبر الاصلاحات والطاقات الايجابية للبلد.
* ماذا عن العلاقات الثنائية بين البلدين، في الاقتصاد والثقافة وفي مجالي الدفاع والامن؟
– تطوّرت العلاقات الاقتصادية والتجارية باستمرار في الاعوام الاخيرة. يحتل لبنان منذ اعوام عدة الترتيب الاول بين الدول العربية في الاستثمارات في رومانيا. في الوقت عينه نشهد نموا في تبادلاتنا التجارية. ليست لدينا بعد الارقام النهائية لنهاية العام 2018، لكن لغاية تشرين الثاني الفائت بلغت التبادلات مستوى الـ300 مليون دولار. بالاضافة الى العلاقات الاقتصادية والتجارية، لدينا اجندة ثقافية متقدمة في لبنان، ولا يمكننا الا ان نكون على هذا النحو في بلد يحب الثقافة مثل لبنان. في 24 كانون الثاني الفائت افتتحت رومانيا مهرجان الفيلم الاوروبي كرئيسة حالية لمجلس الاتحاد الاوروبي. بات الحفل الموسيقي السنوي في مناسبة العيد الوطني لرومانيا في الاول من كانون الاول من كل سنة تقليدا حيث يستضيف عازفا منفردا، وغالبا رئيس اوركسترا من رومانيا. لا يسعنا سوى التعبير عن فخرنا بوجود اكثر من ربع الموسيقيين في الاوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية من الجنسية الرومانية. اما في مجالات الدفاع والامن، فقد كان تعاوننا جيدا في الآونة الاخيرة. بلغ الاتفاق الثنائي بين حكومتي البلدين بالنسبة الى التعاون الامني والذي وقّع في العام 2017 في رومانيا في اثناء زيارة وزير الدفاع اللبناني يعقوب الصراف مراحله الاخيرة للمصادقة عليه في البرلمان اللبناني. ما ان تدخل هذه الوثيقة حيّز التنفيذ حتى يبدأ تعاون وثيق في قطاع الدفاع كتدريب وتبادل الخبراء والمتخصصين الفنيين في القطاع على سبيل المثال. يوجد ايضا تعاون في مجال الامن بين الهيكليات المتخصصة في البلدين. احد الامثلة هو التعاون الممتاز في اطار مشروع “ادارة الحدود المتكاملة” Integrated Border Management الذي يتضمن تبادل الخبرات وتدريب القدرات المتعلقة بالادارة المتكاملة للحدود. تتمتع رومانيا بخبرة صلبة في هذا القطاع تطاول الحدود البرية والبحرية والجوية، نظرا الى اضطلاعها في حماية امن الحدود الشرقية للاتحاد الاوروبي. طوّرت رومانيا ايضا قدرات متقدّمة جدا في قطاع الامن المعلوماتي. تستضيف بوخارست مكتب “الجنوب السيبرياني” Cyber South وهو مشروع مشترك بين الاتحاد الاوروبي ومجلس اوروبا لمكافحة الجريمة السيبيرانية، وهي احد التهديدات الاخيرة والخطرة على الامن. تضمّن هذا المشروع تبادل زيارات لمتخصصين فنيين في هذا الاطار، وارى انه قطاع ذو اهمية رئيسية بالنسبة الى الامن في بلداننا.
* هل تهتم الشركات الرومانية في الاستثمار او التعاون في قطاع البترول والغاز الناشئ في لبنان؟
– تعتبر الخبرة الفنية الرومانية في هذا القطاع من الافضل في العالم. لدى رومانيا حقول هيدروكاربونية (نفطية) في باطن ارضها كذلك في البحر، وتحديدا في البحر الاسود. تم استخدام البترول على الاراضي الرومانية منذ الفي عام، وتم افتتاح اول مصفاة للنفط في العالم في رومانيا وتحديدا في بلويستي عام 1857. في العام ذاته كانت رومانيا البلد الاول عالميا الذي سجّل رسميا في الاحصاءات الدولية انتاجه للنفط والذي بلغ في تلك الحقبة 275 طن. كانت العاصمة الرومانية بوخارست عام 1857 اول مدينة في العالم مضاءة بمصابيح تعمل على النفط. تعتبر جامعة بلويستي لعلوم البترول والغاز اليوم والتي تأسست عام 1948 من الافضل عالميا في هذا القطاع. لذلك ارى الكثير من امكانات التعاون في هذا المجال وخصوصا في الفترة الراهنة، بعد اكتشاف حقول نفطية مهمة في المياه الاقليمية اللبنانية. التدريب في هذا المجال هو احد امكانات التعاون الفعالة، لأن اللبنانيين يجب ان يكون لديهم شخصيا الخبرة الفنية والقدرات الضرورية لادارة ثروة بهذه الاهمية.
* آذار هو شهر الفرنكوفونية. هل تعدّون لمشاريع ثقافية وتربوية تتعلق بالفرنكوفونية؟
– بما انه يتوجب علينا نقل محبة الفرنكوفونية بكل تنوعها الى الجيل الصاعد، فكّرنا في مشاريع تتوجه الى الشباب في المدارس اللبنانية: المدرسة العاملية ومدرسة مونتين في بيت شباب. يكمن الهدف في تدريب التلامذة على انشطة مختلفة للتعرف الى رومانيا الفرنكوفونية عبر تقاليدها وثقافتها وناسها.
* ماذا عن دور الجالية اللبنانية في رومانيا؟
– يتوزّع اللبنانيون في كل انحاء العالم وفي رومانيا ايضا، لكنهم لا يعدّون كثيرا وهم قرابة الـ3 آلاف لبناني. ثمة العديد منهم نجحوا في اعمالهم المختلفة: السياحة، الفنادق، الزراعة، تجارة الخشب، المزارع، التجارة، صناعة الادوية، التربية وبالطبع المطاعم وسواها. يمكنني اضافة الفنون ايضا، لأن احد اللبنانيين افتتح اخيرا في بوخارست اول متحف خاص للفنون الحديثة.
* ماذا عن التعاون مع لبنان في مكافحة الارهاب؟ وماذا عن دور رومانيا في هذا السياق ضمن الاتحاد الاوروبي؟
– ليس للارهاب حدود، وبالتالي فإن الالتزام والجهود المشتركة هي وحدها قادرة على محاربته بفاعلية. على الصعيد الاوروبي، طوّر كل بلد من الاعضاء استراتيجياته الخاصة وسياساته في هذا الاطار، لكن يبقى تنسيق الجهود والتعاون عاملين اساسيين اعطيا نتائج. لا يتوقف التعاون عند حدود الاتحاد الاوروبي، بل يشمل بلدانا شريكة كلبنان. احد ركائز الرئاسة الرومانية لمجلس الاتحاد الاوروبي هي “اوروبا الامن”، وهي مخصصة لهذا الاطار، اي الامن الداخلي ومكافحة الارهاب، وهي تنعكس ايضا في التعاون مع الاتحاد الاوروبي ورومانيا ومن ضمنه مع شركائها في الشرق الاوسط.
* ترأس رومانيا مجلس الاتحاد الاوروبي في النصف الاول من سنة 2019. هل تخبرنا عن الروزنامة الرومانية خلال هذه الولاية؟
– تتضمن هذه الفترة تحديات جمة. هناك “البركست” ذي الخاتمة المجهولة لغاية اليوم. ثم يأتي استحقاق الانتخابات البرلمانية الاوروبية في 26 ايار 2019، ثم نهاية ولاية المفوضية الاوروبية الحالية، وكذلك انتهاء ولاية البرلمان الاوروبي. علينا التقدم في المفاوضات في ما يخص “الاطار المالي المتعدد السنوات” للاتحاد الاوروبي، اي ميزانية الاتحاد بين عامي 2021 و2027. هدفت رومانيا الى تحقيق الانسجام والاستمرارية في الاجندة الاوروبية بالتنسيق مع النمسا التي كنا تولينا المنصب بعدها، وبعد العمل مع الثلاثي الحالي الذي شكلته رومانيا وضم فنلندا وكرواتيا، وهي البلدان التي ستتعاقب على رئاسة مجلس اوروبا. شعار الرئاسة الرومانية لمجلس اوروبا هو “الانسجام والقيم الاوروبية المشتركة”. بالرغم من التحديات الراهنة كلها، فنحن في حاجة فعلية الى رص الصفوف وتوطيد التآزر مع جميع شركائنا. تتوزّع اهدافنا الرئيسية على ركائز:
· اوروبا المتناغمة التي تهدف الى التلاقي والانسجام من اجل تطور مستدام، وبغية تحقيق النمو والتنافسية للاقتصاد الاوروبي، وتخفيض الفروق في التنمية والتواصلية والنفاذ للمعلومات والرقمنة.
· اوروبا الامن، وقد تحدثت عنها.
· اوروبا كلاعب دولي والتي ستركز على القدرات الدفاعية للاتحاد الاوروبي والشراكة الاستراتيجية مع حلف شمال الاطلسي وعلى تعزيز التعددية.
· اوروبا القيم المشتركة التي ستعزّز حقوق الانسان وتكافح التمييز، وتوفر المساواة في الفرص والوصول الى التعليم، وتقوي الكفاح ضد العنصرية والتعصب، وتعمل على تقريب الشباب واشراكهم في النقاشات وفي اتخاذ القرارات.
* ماذا عن قضية اللجوء في اوروبا؟ وكيف تقاربون هذه القضية في لبنان؟
– تولي رومانيا اهتماما خاصا لمسألة الهجرة واللاجئين، وهو ملف مهم للاتحاد الاوروبي ومسؤولية تقع على كاهل المجتمع الدولي برمته. بذل لبنان جهودا خارقة لإيواء عدد كبير جدا من اللاجئين، وكنا اعتقدنا بأن الامر غير معقول. لكن لبنان ليس وحيدا. خصص الاتحاد الاوروبي لغاية اليوم مساعدات للبنان بقيمة 1،4 مليار يورو، وهي مبالغ تشمل اللاجئين الآتين من سوريا والمجتمعات اللبنانية التي تستضيفهم. في عام 2018 وحده بلغت قيمة المساعدات 320 مليون يورو. وقد اضافت الدول الاعضاء اسهاماتها الثنائية، ما ضاعف الاسهام الاوروبي العام والذي بلغ 2،5 مليار يورو. وسيكون لبنان مرة جديدة محط اهتمام المجتمع الدولي في اجتماع بروكسيل ـ 3 الذي سينعقد منتصف آذار الجاري، وذلك ليتلقى المزيد من الدعم.