“مصدر دبلوماسي”:
كانت سوريا الغائب الحاضر في فاعليات القمّة العربية الـ30 التي انعقدت اليوم في تونس وسط استمرارية شغور مقعدها الذي كان متوقعا من القمة أن تعيده اليها، لولا فرملة أميركية خليجية ربطت إعادة سوريا الى مقعدها العربي بتنازلات تقدّمها الحكومة السورية سواء في شكل نظامها السياسي أولا أو في علاقاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية ثانيا. بأيّ حال، اجتمع قادة 21 دولة عربية، وسط تردّد بعضهم للحضور ثم انسحابهم الفوري منذ الجلسة العلنية الأولى التي نقلتها وسائل الإعلام.
وتمحورت القمة التي واكبتها تظاهرات لناشطين تونسيين منهم من اعترض على حضور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وآخرين اعترضوا على غياب سوريا، وآخرين على سياسة الرئيس التونسي العربية والصوت العربي المنخفض تجاه اعتراف الولايات المتحدة الأميركية في 25 الجاري بسيادة إسرائيل على الجولان، والإعتداءات الإسرائيلية على غزّة.
بأي حال، تداول الرؤساء والقادة العرب قرابة الـ20 مشروعا أبرزها عن القضية الفلسطينية وهي بند دائم، والأوضاع في ليبيا واليمن، والتدخلات الإيرانية في شؤون دول عربية، ودعم التنمية في السودان. وسلّم الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز رئاسة القمة الى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي.
الجولان واليمن وليبيا أبرز محاور الخطابات
ومن ابرز ما قاله الرئيس السبسي اعلانه التنسيق مع مصر والجزائر بمساعدة الليبيين للوصول الى تسوية وفق المسار الذي ترعاه الأمم المتحدة. وجدد التأكيد على أن أرض الجولان العربية هي أرض محتلّة، بالإقرار المجتمعي الدولي، ودعا الى ضرورة تضافر الجهود لإنهاء الإحتلال لتحقيق الأمن والإستقرار على المستويين الإقليمي والدّولي.
وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني غادر القمة في قصر المؤتمرات قبل أن يلقي كلمته وفور انتهاء كلمة السبسي، ثم أرسل برقية الى الرئيس التونسي أعرب فيها عن تطلّعه الى أن تسهم نتائج القمّة في دعم وتعزيز العمل العربي المشترك من أجل مصلحة الشعوب العربية، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء القطرية “قنا”.
أما أمير الكويت الشيح صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح فقال في كلمته أن “إعلان الولايات المتحدة الأميركية سيادة اسرائيل على الجولان المحتلة يضرّ بعملية السلام ويخالف القوانين الدولية. واشار أمير الكويت الى أن “العراقيل تواجه المساعي بتطبيق اتفاق استوكهولم في اليمن، واشار الى معاناة الشعب اليمني مؤكدا أهمية الحل السياسي. ورحّب بخطة الأمم المتحدة في ليبيا، وأكد حرص بلاده على علاقات الصداقة والتعاون مع إيران، مع الإرتكاز على احترام مبادئ القانون الدولي وحفظ الجوار، داعيا الجمهورية الإيرانية لذلك.
وفي كلمته في افتتاح القمة قال العاهل السعودي أن القضية الفلسطينية تظل على رأس اهتمامات المملكة حتى يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه.
من جهته، أكد الملك الأردني عبد الله الثاني أن الأردن مستمر في دوره التاريخي في حماية القدس والدفاع عنها، ويؤكد أهمية مواصلة دعم وكالة “الأونروا” حتى تواصل تقديم خدماتها الأساسية للاجئين”. وأعرب عن تطلّع بلاده لتعزيز التعاون مع العراق وأكد دعم بلاده للشعب السوري، متأملا استقرار البلاد، كما أكد ان الجولان محتل.
وأكد أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس على حل الدولتين بالنسبة لإسرائيل وفلسطين وقال أن “القدس ستكون عاصمة للدولتين وما من خطط بديلة دون دولتين”. وتطرق غوتيرس الى إنهاء معاناة اليمن مؤكدا السعي لفتح ممرات انسانية، كما تطرّق الى الأوضاع في ليبيا وسوريا والجزائر والصومال. وقال بأن الأمم المتحدة تدعم التطلعات في جوّ من الوحدة والمؤازرة، إن مواطني العالم العربي شاهدوا ما يحصل في سوريا واليمن وضعود وأفول داعش، وأدعو لوحدة الصف العربي كشرط أساسي للسلام”.
أما مفوضة السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية فيديريكا موغيريني فقالت في ما يتعلق بفلسطين ” علينا العمل على الحل المستدام ومنعه من اتلاشي أو تصدّع أية خطط مستقبلية، ووضع القدس كعاصمة للدولتين وعودة “الأونروا” يجب العمل على حمايتها”.
الكلمة الكاملة للرئيس الفلسطيني محمود عبّاس
أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فقال في كلمته:
أصحاب المعالي، والسعادة، السيدات والسادة،
بداية يطيب لي أن اتوجه بالتحية والتقدير لفخامة الأخ الرئيس الباجي قائد السبسي، ومن خلاله للشعب التونسي الشقيق، على استضافة هذه القمة على أرض تونس، التي نكن لها نحن أبناء الشعب الفلسطيني كل المحبة والتقدير والعرفان، كيف لا، وهي التي فتحت أبوابها لنا، واحتضنت الثورة الفلسطينية وقيادتها في أصعب الظروف، الى أن انتقلنا منها مباشرة الى فلسطين.
كما اتوجه بالشكر والعرفان لحضرة أخي الملك سلمان بن عبد العزيز، خادم الحرمين الشريفين، على رئاسة واستضافة القمة السابقة في الظهران، والتي أسماها قمة القدس، تأكيدا على مواقف المملكة العربية السعودية الثابتة والداعمة لحقوق شعبنا وقضيتنا العادلة، وصولا الى نيل شعبنا حريته واستقلاله.
ونتوجه بتحية إكبار وتقدير لقادة الدول العربية ولشعوب امتنا كافة، على مواقفهم الداعمة لحقوق شعبنا، وتصديهم لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، ونتطلع اليكم لرص الصفوف، وتوحيد المواقف لنصرة فلسطين، وقضية العرب الأولى . كما نحيي جهود الأخ الأمين العام وطواقم جامعة الدول العربية على جهودهم للتحضير لهذه القمة
الأخ الرئيس، الإخوة القادة،
آتيكم اليوم مجددا، وقد أحيا شعبنا بالأمس ذكرى يوم الأرض، لأطلعكم على ما آلت إليه الأوضاع الخطيرة في مدينة القدس الشريف، حيث تواصل قوات الاحتلال الاسرائيلي ممارساتها القمعية وإجراءاتها التعسفية من أجل طمس هوية المدينة المقدسة، وتغيير معالمها الروحية والتاريخية، وانتهاك حرمة مقدساتنا الاسلامية والمسيحية، والتضييق على أهلها، وزائريها والقادمين للعبادة فيها. ففي كل يوم يتعرض المسجد الأقصى للاقتحامات، التي كان آخرها الاعتداءات على باب الرحمة، ومواصلة عمليات حفر الأنفاق من قبل الحكومة الاسرائيلية، بهدف استكمال ما يطلقون عليه التقسيم المكاني والزماني في الحرم القدسي الشريف، هذا علاوة على الاعتداءات على كنيسة القيامة ورهبانها.
وفي هذا الاطار فإننا، نجري اتصالات حثيثة ومتواصلة وعلى الصعد كافة، وبالتنسيق المشترك مع جلالة الملك عبد الله الثاني، صاحب الوصاية على المقدسات الاسلامية والمسيحية، وشريكنا في الدفاع عن القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، وهنا نشيد بدور الأوقاف الاسلامية الأردنية باعتبارها مسؤولة حصريا على ادارة شؤون المسجد الاقصى المبارك، ونحن نعمل معا وسويا لوقف هذه الهجمة الشرسة من قبل جماعات التطرف المحمية من الحكومة الاسرائيلية، والعودة لاحترام الوضع التاريخي القائم قبل 1967 التي تعمل دولة الاحتلال لتغييره لصالح مشروعها الاستعماري.
وفي هذه الظروف الصعبة نود أن نرسل تحية إكبار الى اهلنا في القدس، ونقول لهم من هنا، إن أمتكم وقادتها يحيون صمودكم، ولن يتركوكم وحدكم، فقد وقفتم مسلمين ومسيحيين، معا في وجه المحتلين والمستوطنين كعادتكم، فكل التحية لكم على ثباتكم وشجاعتكم، مقدرين عاليا الاتصالات والجهود المبذولة مؤخرا من جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، ووكالة بيت مال القدس الشريف.
الأخ الرئيس، الأخوة القادة،
إن ما تشهده فلسطين من ممارسات قمعية، ونشاطات استيطانية، وخنق للاقتصاد الفلسطيني، ومواصلة اسرائيل لسياستها العنصرية، والتصرف كدولة فوق القانون، ما كان له أن يكون لولا دعم الادارة الأميركية للاحتلال الاسرائيلي، هي السبب الاول والاخير، وهي التي اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقلت سفارتها وضمت القنصلية الأميركية في القدس لها، وأزاحت ملف الاستيطان واللاجئين والأونروا من على الطاولة، وأغلقت ممثلية منظمة التحرير في واشنطن، وأنهت مبدأ الدولتين، كما اسقطت في تقرير رسمي مؤخرا صفة “الاحتلال” عن الاراضي الفلسطينية، أي ان اسرائيل لا تحتل اراضي عام 1967، واعلنت بشكل غير شرعي، ودون وجه حق، عن اعترافها بضم الجولان السوري المحتل لإسرائيل، وسياستها عليها وهو ما نرفضه ويرفضه العالم أجمع، والآتي من أميركا اخطر واعظم، حيث ستقول لإسرائيل ان تضم جزءا من الأراضي الفلسطينية، وتعطي ما تبقى منها حكما ذاتيا ودولة شكلية لتلعب بها حماس.
إن ما قامت به الادارة الأميركية الحالية بقراراتها هذه يمثل نسفا لمبادرة السلام العربية، وتغييرا جذريا في مواقف الادارات الاميركية المتعاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وانقلابا بشكل كامل على القانون الدولي والشرعية الدولية، وتكون هذه الإدارة الأميركية بذلك قد أنهت ما تبقى لها من دور في طرح خطة سلام أو القيام بدور الوسيط في عملية السلام، وهي وسيط غير نزيه.
وهذا يؤكد لكم، أيها الاخوة القادة، وللعالم، صحة قراراتنا من وقف الاتصالات بالإدارة الاميركية، واعتبارها غير مؤهلة وحدها لرعاية المفاوضات.
وهنا نؤكد على ما اتفقنا عليه سويا، بأننا لا يمكن ان نقبل أية خطة سلام لا تحترم أسس ومرجعيات عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية، وصولا إلى انهاء الاحتلال الاسرائيلي وتحقيق الحرية والاستقلال لدولتنا بعاصمتها القدس الشرقية.
الأخ الرئيس، الاخوة القادة،
وفي موضوع متصل، فإننا ندعوكم مجددا، اخواني القادة للحذر من محاولات اسرائيل دفع بعض دول العالم لنقل سفارتها للقدس، ان هذا الامر يستدعي من دولنا مجتمعة ومنفردة، ودون تهاون، ان تقف في وجهها، واعلام تلك الدول التي تسير في هذا الاتجاه بأنها تخالف القانون الدولي والشرعية الدولية، وأنها تعرض مصالحها وعلاقتها السياسية والاقتصادية مع الدول العربية للضرر والخطر ان هي قامت بذلك.
واستحضر ها هنا قرار القمة العربية للعام 1980 الذي اكد على قطع العلاقات مع اية دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو تنقل سفارتها اليها.
كما أننا على ثقة بأن محاولات اسرائيل لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية والاسلامية لن تنجح ما لم تطبق مبادرة السلام العربية 2002، من البداية إلى النهاية وليس العكس، فلا تطبيع الا بعد انهاء الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية والعربية.
الأخ الرئيس، الأخوة القادة،
في ظل غياب حل سياسي يستند للشرعية الدولية، فقد دعونا لعقد مؤتمر دولي للسلام وإنشاء آلية دولية متعددة الأطراف لرعاية المفاوضات، وإننا نحث الدول الأوروبية وغيرها من الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين للقيام بذلك، وهذا الأمر ليس بديلاً عن المفاوضات، بل إنه سيحافظ على حل الدولتين ويعزز فرص السلام في المنطقة. ونشكر الممثلية العليا للسياسة الخارجية والامن لدى الاتحاد الاوروبي فردريكا موغيريني على ما تضمنته كلمتها من ان اوروبا ملتزمة بحل الدولتين.
كما أننا سنواصل عملنا المشترك من أجل حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، لا سيما وأنه قد تم اختيار دولة فلسطين منذ مطلع هذا العام لرئاسة مجموعة الـ77 والصين التي تضم 134 دولة في العالم، وهو دليل على ثقة المجتمع الدولي بقدرة وكفاءة مؤسسات الدولة الفلسطينية في القيام بدور لحل قضايا دولية ذات شأن كبير، مثل قضايا التنمية المستدامة، والبيئة، والتواصل بين دول الجنوب والشمال، وغيرها من القضايا الاقتصادية الدولية.
الأخ الرئيس، الاخوة القادة،
إن إسرائيل، الدولة المحتلة، والتي تواصل نشاطاتها الاستيطانية، وتنهب أرضنا ومواردنا الطبيعية، لم تتوقف عند ذلك، بل قامت مؤخراً باقتطاع جزء كبير من أموالنا التي تجبيها وتأخذ عليها أجرا، والمعروفة بأموال المقاصة والبالغ قيمتها مائتي مليون دولار شهرياً، بذريعة أننا ندفع رواتب لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى، الأمر الذي يعتبر خرقاً للاتفاقيات، لم يوجد هذا بأي اتفاق من الاتفاقات بيننا وبينهم، وهو ما جعلنا نصر على استلام أموالنا كاملة غير منقوصة، وقلنا ونقول لإسرائيل وللعالم أجمع، إننا لن نتخلى عن أبناء شعبنا وبخاصة من ضحّى منهم، وسنواصل دعمهم، حتى وإن كان ذلك آخر ما نملك من موارد مالية.
اسرائيل خصمت الشهر الماضي 182 مليون شيقل، وفي الشهر الجاري خصمت 192 مليون شيقل، اضافة إلى الاجر الذي تأخذه وهو 7 مليون دولار.
إن هدف إسرائيل من احتجاز أموالنا، ومن قبلها قيام الإدارة الأميركية بوقف جميع مساعدتها البالغة 844 مليون دولار سنويا هو الضغط علينا، وإجبارنا على الاستسلام والتخلي عن حقنا المشروع في القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، لكن القدس ليست للبيع، ولا معنى لأن تكون فلسطين دون أن تكون القدس الشرقية بمقدساتها الإسلامية والمسيحية عاصمة لها.
الأخ الرئيس، الإخوة القادة،
أمام هذا الواقع الصعب والحصار الممارس على شعبنا، فقد أتخذنا العديد من الاجراءات التقشفية وسنعمل على زيادة الانتاج المحلي في المجالات كافة، ولكننا وأمام هذه الأزمة الطارئة، ندعوكم، أيها الأخوة القادة، للعمل على تفعيل قرارات القمم السابقة الخاصة بتوفير شبكة الأمان المالية، سبق ان ممرنا بهكذا أزمة وطالبنا بتوفير شبكة امان عربية، والوفاء بالالتزامات المالية لدعم موازنة دولة فلسطين، مقدرين عالياً الدول التي أوفت بالتزاماتها، وداعين الدول الشقيقة الأخرى للوفاء بحصتها، هذه الظروف صعبة وخطيرة للغاية نرجو ألا تتخلوا عنا، الأمر الذي سيمكن شعبنا من الصمود والثبات.
الأخ الرئيس، الأخوة القادة،
وبالتوازي مع كل ما سبق، فإننا ماضون في جهودنا المخلصة لوحدة أرضنا وشعبنا، وحريصون على توفير نصف ميزانية دولة فلسطين تقريبا لأهلنا في قطاع غزة، لم نتوقف مرة أو شهرا واحدا عن دفع نص موازنتنا لغزة، ثم يقال إننا نحاصر غزة، من يحاصرها هي إسرائيل، وقد بذلنا كل جهد ممكن لإنجاح الجهود العربية والدولية بالرغم من مواقف حركة حماس التي تعطل المصالحة. مثمنين عاليا مواقف وجهود الأشقاء في جمهورية مصر العربية بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، مصر قدمت مؤخرا مقترحا وافقنا عليه ووافقت عليه حماس، لكن إلى الآن لم تطبقه حماس التي لا تريد المصالحة.
وفي هذا الصدد، فإننا ندين وندعو الى إدانة الممارسات القمعية التي تقوم بها حركة حماس، ونحذرها من التطاول على جماهير شعبنا التي انتفضت في غزة مطالبة بإنهاء الانقلاب والعيش الكريم، كما نرفض التصريحات العدوانية لرئيس الحكومة الاسرائيلية التي أكد فيها أن هدف تمرير الأموال لحركة حماس إنما هو لإبقاء حالة الانقسام الفلسطيني قائمة، وتقويض إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية.
أيها الأخوة، سيكون لدينا قبل منتصف هذا الشهر حكومة جديدة، تبدأ بالإعداد لانتخابات عامة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، علها تكون الخطوة التي ستنهي الانقسام من خلال إرادة الشعب في صناديق الاقتراع. ونقول لأهلنا في قطاع غزة، إننا لن نتخلى عنكم، ولن نقبل بدولة في غزة، ولا بدولة دون غزة، وانتظروا هذا سيأتي من أميركا خلال شهر أو شهرين بالحديث عن دولة في غزة.
الأخ الرئيس، الأخوة القادة،
أجد نفسي هاهنا ملزمًا- وكما كنت دائما- بقول الحقيقة كما هي: إننا مقبلون أيها الأخوة الأعزاء على أيام غاية في الصعوبة، بعد ان دمرت اسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال لأرض دولة فلسطين، كل الاتفاقيات، وتنصلت من جميع الالتزامات منذ أوسلو الى اليوم، وهي مستمرة في سياساتها وإجراءاتها لتدمير حل الدولتين، بحيث جعلتنا نفقد الأمل في أي سلام يمكن تحقيقه معها.
وأؤكد لكم هاهنا، أنه لم يعد باستطاعتنا تحمل الوضع القائم، أو التعايش معه، حفاظًا على مصالح وأحلام شعبنا في الحرية والاستقلال، ولذلك سنكون مضطرين عاجلًا غير آجل الى اتخاذ خطوات وقرارات مصيرية، وكلنا ثقة أنكم ستكونون- كما كنتم دائما- معنا في نضالنا، وسندًا حقيقيا لشعبنا وقضيتنا.
أشكركم فخامة الرئيس وشعبكم على كرم الضيافة، ورئاسة هذه القمة، وأحييكم أيها الأخوة القادة على دعمكم، ومواقفكم، وشعوبكم، تجاه فلسطين والقدس، مؤكدين لكم جميعًا، بأننا سنبقى وشعبنا صامدين في وطننا، سنبقى ولن نغادر بلدنا كما حدث في عامي 1948 و1967، سنواصل ثباتنا بكل قوة وإصرار لإكمال المسيرة التي بدأناها، للدفاع عن شعبنا ومقدساتنا وخاصة في القدس الشريف عاصمة دولتنا المستقلة الأبدية.
بسم الله الرحمن الرحيم “يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون”. والسلام عليكم.
كلمة الرئيس عون
من جهته، أكد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون أن ما هو أخطر من الحروب التي اندلعت في بعض الدول العربية، “المشاريع السياسية والصفقات التي تلوح في الأفق بعد سكوت المدفع، وما تحمله من تهديد وجودي لدولنا وشعوبنا؛ فشرذمة المنطقة والفرز الطائفي يمهّدان لمشروع إسقاط مفهوم الدولة الواحدة الجامعة لصالح كيانات عنصرية طائفية وفرض واقع سياسي وجغرافي جديد يلاقي ويبرر اعلان إسرائيل دولة يهودية”.
واعتبر أن قرار الرئيس الأميركي الذي يعترف بسيادة اسرائيل على مرتفعات الجولان، “لا يهدّد سيادة دولة شقيقة فحسب، بل يهدّد أيضاً سيادة الدولة اللبنانية التي تمتلك أراضٍ قضمتها إسرائيل تدريجياً، لا سيما في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر والملكية اللبنانية لهذه الأراضي مثبتة بالوثائق والخرائط المعترف بها دولياً”.
وشدَّد الرئيس عون في كلمة لبنان التي ألقاها بعد ظهر اليوم الأحد في القمة العربية في دورتها العادية الثلاثين المنعقدة في تونس، “أننا إذا كنا راغبين فعلاً بحماية دولنا وشعوبنا والمحافظة على وحدتها وسيادتها واستقلالها علينا أن نستعيد المبادرة، فنسعى مجتمعين الى التلاقي والحوار ونبذ التطرف والعنف، وتجفيف منابع الإرهاب”.
وتطرق رئيس الجمهورية في كلمته إلى ملف النازحين السوريين في لبنان، فأعرب عن قلقه من اصرار المجتمع الدولي “على إبقاء النازحين السوريين في لبنان رغم معرفته بالظروف السيئة التي يعيشون فيها ورغم معرفته بأن معظم المناطق السورية قد أضحت آمنة، ورغم معرفته بأن لبنان لم يعد قادراً على تحمل هذا العبء الذي يضغط عليه من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية”.
كما أعرب أيضاً عن قلقه من الإصرار على ربط عودة النازحين بالحل السياسي، “لا بل اعطاء الأولوية للحل السياسي، رغم معرفتنا كلنا بأنه قد يطول”، متسائلاً: “هل يسعى المجتمع الدولي لجعل النازحين رهائن لاستعمالهم أداة ضغط على سوريا وأيضاً على لبنان للقبول بما قد يفرض من حلول؟”.
وذكَّر عون بدعوة المجتمع الدولي والدول المانحة في قمة بيروت الاقتصادية ” للاضطلاع بدورها في تحمل أعباء ازمـــة النزوح وتنفيذ ما تعهدت به من تقديم التمويل للدول المضيفة لتلبية حاجات النازحين ودعم البنى التحتية، وكذلك تقديم المساعدات للنازحين في اوطانهم تحفيزا لهم على العودة”.
وفي ما يلي نص كلمة رئيس الجمهورية :
” أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والمعالي،
أوّد بداية أن أتوجّه بالتهنئة الى فخامة الرئيس الباجي قايد السبسي، على ترؤسه القمّة العربية في دورتها الثلاثين، متمنياً له التوفيق في هذه المهمة، شاكراً فخامته والشعب التونسي العزيز على طيب الاستضافة. وأشكر أيضاً جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز على جهوده في إدارة القمّة العربية السابقة طوال العام الماضي.
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والمعالي،
تسع سنوات مرت على بدء الحروب الإرهابية في الدول العربية، سقط فيها مئات الاف الضحايا وتشرد الملايين، ناهيك عن الالاف المؤلفة من المعوقين والجرحى وأيضاً المفقودين. أنظمة تهاوت ورؤساء غابوا، مدن بكاملها دمّرت وثروات تبددت ومعالم ضاعت وشعوب تمزّقت.. وخسر الجميع.
اليوم خفت أزيز الرصاص ودوي الانفجارات وخفّ نزف الدم، ولكن الجراح التي خلفتها هذه الحروب حفرت عميقاً في الوجدان العربي وفي المجتمعات العربية، فزادتها تمزقاً وزادت شروخها شروخاً.
نعم، الحرب هدأت أو تكاد، ولكن نتائجها لم تهدأ، فإلى متى الانتظار للبدء بترميم ما تكسر وإزالة التداعيات المؤلمة؟ إن الأخطر من الحرب هو المشاريع السياسية والصفقات التي تلوح في الأفق بعد سكوت المدفع، وما تحمله من تهديد وجودي لدولنا وشعوبنا؛ فشرذمة المنطقة والفرز الطائفي يمهّدان لمشروع إسقاط مفهوم الدولة الواحدة الجامعة لصالح كيانات عنصرية طائفية وفرض واقع سياسي وجغرافي جديد يلاقي ويبرر اعلان إسرائيل دولة يهودية.
بالأمس وقّع الرئيس الأميركي قراراً يعترف بسيادة اسرائيل على مرتفعات الجولان، ويأتي ذلك بعد قراره السابق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده اليها، ما ينقض جميع القرارات الدولية ذات الصلة بما فيها البند الرابع من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتعهد فيه أعضاء الهيئة جميعاً “بالامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة”.
إن هذا القرار لا يهدّد سيادة دولة شقيقة فحسب، بل يهدّد أيضاً سيادة الدولة اللبنانية التي تمتلك أراضٍ قضمتها إسرائيل تدريجياً، لا سيما في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر. والملكية اللبنانية لهذه الأراضي مثبتة بالوثائق والخرائط المعترف بها دولياً.
فكيف سنطمئّن بعد، نحن الدول الصغيرة، عندما تُضرب المواثيق الدولية والحقوق، وتُطعن الشرعية الدولية التي ترعى الحدود بين الدول التي اعترفت بها الامم المتحدة.
وما هو مصير المبادرة العربية للسلام بعد الذي يحصل؟ هل ما زالت قائمة أم أُطلقت عليها رصاصة الرحمة وباتت بلا جدوى؟ ذلك أنه بعد ضياع الأرض ماذا يبقى من السلام؟؟
وكيف ستترجم الاعتراضات الدولية والاستنكارات والإدانات لما جرى ويجري؟ وهل سيتمكّن مجلس الأمن من حماية حق سوريا ولبنان في أراضيهما المحتلة؟
ونحن؟ كيف سنواجه هذه المخططات وهذه الاعتداءات على حقوقنا؟ هل بحدود لا تزال مغلقة بين دولنا؟ أم بمقاعد لا تزال شاغرة بيننا هنا؟
أيها الإخوة،
إن كنا ونحن مجتمعين موحّدين بالكاد نقدر على مجابهة هكذا مشاريع، فكيف الأمر إن كنا مبعثرين مشتتين كما هو حالنا اليوم؟
لعلّكم إخواني تتساءلون معي:
هل نريد لسوريا ان تعود الى مكانها الطبيعي بيننا والى الحضن العربي؟
هل نريد لليمن أن يعود سعيداً وينعم شعبه بالأمن والاستقرار؟
هل نريد لفلسطين أن لا تضيع وتُستباح معها القدس وكل مقدّسات الأديان؟
لا بل أكثر من ذلك، هل نريد لكل دولنا الأمن والاستقرار، ولشعوبنا الأمان والازدهار؟
إذا كنا راغبين فعلاً بحماية دولنا وشعوبنا والمحافظة على وحدتها وسيادتها واستقلالها، علينا أن نستعيد المبادرة، فنسعى مجتمعين الى التلاقي والحوار ونبذ التطرف والعنف، وتجفيف منابع الإرهاب.
لقد صرف العالم خلال السنوات الماضية المليارات للتسليح والقتل والتدمير، فلو استعملت تلك الأموال، أو بعضها، للتنمية، للتعليم، للتطوير، للصناعة، للزراعة، للاستثمارات وخلق فرص عمل للشباب… فأي قفزة كانت ستحققها دولنا؟ وهل كان شبابنا وأطفالنا سيقعون بسهولة فريسة للفكر المتطرف الذي يحولهم الى إرهابيين وآلات قتل وتدمير؟
أيها الإخوة،
إن كانت المشاريع التي تحضر للمنطقة مقلقة فإن لبنان هو الأشد قلقاً،
يقلقنا إصرار المجتمع الدولي على إبقاء النازحين السوريين في لبنان رغم معرفته بالظروف السيئة التي يعيشون فيها ورغم معرفته بأن معظم المناطق السورية قد أضحت آمنة، ورغم معرفته بأن لبنان لم يعد قادراً على تحمل هذا العبء الذي يضغط عليه من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. ورغم تأكيد المنظمات الإنسانية الدولية أن ثمانين في المئة من النازحين السوريين في لبنان يرغبون العودة الى أراضيهم وممتلكاتهم .
يقلقنا مصطلح “العودة الطوعية” والتعاطي مع مليون ونصف نازح وكأنهم جميعاً لاجئون سياسيون بينما معظمهم لجأ بسبب الأمن أو الضائقة الاقتصادية التي ترافق عادة الحروب.
يقلقنا الإصرار على ربط عودة النازحين بالحل السياسي، لا بل اعطاء الأولوية للحل السياسي، رغم معرفتنا كلنا بأنه قد يطول؛ فهل يسعى المجتمع الدولي لجعل النازحين رهائن لاستعمالهم أداة ضغط على سوريا وأيضاً على لبنان للقبول بما قد يفرض من حلول؟
إن القضية الفلسطينية المستمرة منذ 71 عاماً خير شاهد على عبثية ربط العودة بالحلول السياسية، إذ أن ما يلوح بشأنها بعد كل سنوات الانتظار هو محاولة فرض تسوية لإبقاء الفلسطينيين حيث هم وتصفية قضيتهم.
يقلقنا أيضاً السعي الإسرائيلي لضرب القرار 194 وحرمان الفلسطينيين نهائياً من أرضهم وهويتهم وإقرار قانون “القومية اليهودية لدولة إسرائيل” ونكران حق العودة، مع ما يعني ذلك من سعي لتوطين فلسطينيي الشتات حيث يتواجدون، وللبنان الحصة الأكبر منهم.
إن لبنان أيها الإخوة يضيق بسكانه، مع قلة موارده وضعف بنيته التحتية ومع جميع مشاكله الاقتصادية والاجتماعية، وهو لم يعد قادراً على استضافة ما يوازي أكثر من نصف مواطنيه، وهو قطعاً لن يقبل بأي شكل من أشكال التوطين.
إن المساعدات العينية والمادية من المؤسسات الدولية لا زالت تقدّم للنازحين مباشرة من دون المرور بالقنوات الرسمية للدولة التي تستضيفهم، وفي هذا تشجيع صريح لهم للبقاء حيث هم والاستفادة من كل التقديمات من دون أن يترتب عليهم أي موجبات، في حين تنوء الدول المضيفة تحت الأعباء المتزايدة عليها، لذلك توجهنا في قمة بيروت الاقتصادية الى المجتمع الدولي وخصوصاً الدول المانحة ودعوناها “للاضطلاع بدورها في تحمل أعباء ازمـــة النزوح وتنفيذ ما تعهدت به من تقديم التمويل للدول المضيفة لتلبية حاجات النازحين ودعم البنى التحتية، وكذلك تقديم المساعدات للنازحين في اوطانهم تحفيزا لهم على العودة،”
وهنا أود التأكيد على أن دعم الدول المضيفة ضروري جداً لكي تتمكن من الاستمرار، لكن ما يفوقه ضرورة هو تقديم المساعدات للنازحين العائدين في بلدهم، لتشجيعهم على العودة والمشاركة في إعادة الإعمار، عوض أن يبقوا مشردين، يتوقون الى سقف وطن يحميهم وأرضٍ هي عنوان كرامتهم وهويتهم.
أيها الإخوة الأعزاء،
قديماً قال حكماؤنا “إن في الاتحاد قوة”، ونحن اليوم لا نطلب اتحاداً ولا وحدة بل أضعف الإيمان، بعض تنسيق وتعاون لمجابهة ما ينتظرنا، والسلام”.